مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

الرحلة العربية إلى أوروبا وأمريكا والبلاد الروسية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين

تأليف : عبدالنبي ذاكر
الولادة : 1962 هجرية
الوفاة : 1 هجرية

موضوع الكتاب : الرحلات

تحقيق : 'NA'

ترجمة : 'NA'



إقرأ الكتاب
نقاشات حول الكتاب
كتب من نفس الموضوع (1279)
كتب أخرى لعبدالنبي ذاكر (2)



() التواصل الاجتماعي – أضف تعليقك على هذا الكتاب

 

قصة الكتاب :
تأليف: د. عبد النبي ذاكر\r\n\r\nبعد إصدار كتاب: \"الواقعي والمتخيَّل في الرحلة الأوروبية إلى المغرب\" سنة 1997م ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكَادير، عَنَّ لنا أنَّ موضوع الرحلة ما زال لم يوفّ بعد حقه، وأنه يحتاج -ضمن ما يحتاج إليه- إلى دراسات أكثر عمقاً لا على المستوى الصورلوجي \"Imagologique\" وحسب، بل أيضاً على مستوى تحديد طبيعة أو خصوصية هذا الخطاب الزئبقي المنفلت من الضبط والتحديد. ولئن حاولنا في كتابنا المذكور تناول الرحلة المغربية إلى أوروبا، في معرض حديثنا عن الرحلة الأوروبية إلى المغرب، فما ذاك إلا لسد بعض الفراغ الذي تعانيه الدراسات الأدبية المغربية في هذا الباب من جهة، والاستجابة إلى طموح تعميق وتوسيع حقل المقارنة الصورلوجية من جهة أخرى.
وقد راعنا -بعد أن نفضنا يدينا من الموضوع المشار إليه- ما يوجد من نقص وقصور في ميدان دراسة الرحلة العربية إلى أوروبا. والأدهى من ذلك أننا لا نكاد نعثر -فيما نعلم- على دراسة أكاديمية أو حتى غير أكاديمية للرحلات العربية إلى أمريكا والاتحاد السوفياتي. وإذا كانت دراسة الصورة الثقافية للشرق في الكتابات الغربية \"شعراً، مسرحاً، رواية، رحلة، مقالات صحفية،.. إلخ\" قد أُنجز فيها الشيء الكثير -نَظَرَاً لضرورات معينة، على رأسها ضرورة تحرير الشرق من صور قَبْلية مُسَبَّقة حاكها الغرب حوله وصَفَّده بها لمدة طويلة- فإنَّ ما أُنجز حول الرحلة العربية إلى أوروبا يكاد لا يُشفي غليل الباحث في هذا المضمار، فضلاً عن أنَّ دراسة الرحلة العربية إلى كل من أمريكا والاتحاد السوفياتي تكاد تكون منعدمة، إن لم نقل إنها منعدمة بالفعل.
وهكذا، فإن قطاعاً واسعاً من ثقافتنا العربية المنسية أو المسكوت عنها، ما زال يقبع في رفوف المكتبات والخزانات، كما أنَّ بعضه ما زال مخطوطاً لم يشهد النور بعد. من هنا تأتي أهمية الالتفات إلى هذا النتاج الأدبي العربي، الذي يضم ثقافة وأفكاراً تُشَكِّل حَلْقَةً لا يُستهان بها في سلسلة تاريخ الأفكار العربية. ولعل قيمة هذه الأفكار تكمن في كونها تجعل المرء يقف على لحظة دينامية من لحظات صيرورة الفكر العربي. دينامية، لأنها لحظة احتكاك وتغيير وتحوُّل، لحظة مواجهة وتحدٍّ صراعيين، لحظة أخذ ورد. بمعنى أن دراسة خطاب الرحلة العربية إلى الغرب تضمن لنا -فيما تضمنه- تمثُّل فكرنا العربي في حركيته، لا في سكونيته.
من هنا وقع الاختيار في هذا المصنَّف على إشكالية \"المحتمل في الرحلة العربية إلى أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفياتي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين\". ويبقى المُبَرِّر الأول لهذا الاختيار هو إتمام مشروعنا في الحديث عن الرحلة إلى الغرب، الذي بقي في نفسنا شيء منه. والمُبَرِّر الثاني هو غياب دراسة أكاديمية مستقلة عن المحور الذي اتخذناه محوراً لهذه الكتاب. فما أنجزه الأستاذ الدكتور سعيد علوش يدخل لديه في إطار مشروع عام يتغيا -أولاً وقبل كل شيء- تحديد \"مكونات الأدب المقارن في العالم العربي\"، وإن كان إنجازه هذا يُوَفِّر للدارس مادة بيبليوغرافية تسند همّة الخائض في هذا المضمار( ).
أما كتاب الباحثة نازك سابايارد: \"الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة\"( )، فإنه يعرض للرحلة العربية من وجهة نظر معينة، تتوخَّى البحث في ملامح الصراع الفكري والحضاري في هذا الخطاب. كما أنَّه لا يعرض سوى للرحلة العربية إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن المتن الذي اشتُغل عليه محدود جداً، وغير كافٍ لتمثيل خطاب الرحلة إلى الغرب. ثم إن طبيعة الموضوع لم تسمح للباحثة بدراسة خصائص خطاب الرحلة العربية كجنس أدبي له ما يُمَيِّزه عن الخطابات الأدبية الأخرى. وهي علاوة على ما سبق ذكره حَدَّدت فترة دراستها بسنتي \"1826 - 1939م\". الشيء الذي أغرانا في هذه الدراسة بمتابعة الصورة إلى حدود سنة 1988م، للوقوف على مدى تحوُّل الصورة أو ثباتها، عبر مرحلة تشمل قرنين من الزمان. ونحن وإن كنا لن نغفل تتبع كرونولوجية الصورة في وصفها لفضاء معين، إلا أننا لن نغض الطرف أيضاً عن إثارة بعض القضايا المتاخمة لهذه الكرونولوجية بوصفها تحليلا لصراع.
أما مجهود محمد الفاسي فقد اقتصر -شأنه شأن بعض المجهودات العربية الأخرى- على إيجاد المادة الأولية للدارسين، وذلك عن طريق تحقيق بعض الرحلات العربية، وتقديم دراسات تعريفية بها( ).
ولئن تَمَّ التعرض لأدب الرحلة العربية -على الأقل إلى أوروبا- في بعض كتب تاريخ الأدب، إلا أن تحديد خصوصية هذا الجنس وملامحه، تظلُّ بعيدة كل البعد عَمَّا تم إنجازه لحد الآن. الشيء الذي يجعلنا نفتقر إلى تحديد مواصفات هذا الخطاب. وإن غياب التنظير في هذا الباب، يجعلنا نجهل لا واقع هذا النتاج الأدبي العربي فحسب، بل نجهل أيضاً آفاقه أو استشرافاته.
ويبقى أهم مجهود علمي في هذا الإطار ذاك الذي اضطلع به عبد الرحيم مودن في أطروحته لنيل دكتوراه الدولة: \"مستويات السرد في الرحلة المغربية خلال القرن 19\". وفيها يحضر بجدية هاجس التجنيس من خلال استيفاء أهم المكوِّنات الأدبية لهذا الخطاب.
وينضاف إلى تلك المجهودات السابقة ذلك المجهود البيبليوغرافي الهام الذي قام به هنري بيريس عن الرحالة المسلمين إلى أوروبا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين( ). وهكذا، فلئن تَوَفَّرت لدينا دراسات( ) -على قلتها أيضاً- تهتم بالرحلة إلى المشرق لأداء فريضة الحج أو للتلقين أو التلقُّن ونيل الإجازات من الشيوخ، فإن الرحلة العربية إلى أوروبا وأمريكا والاتحاد السفياتي ما تزال مجالاً بكراً يحتاج إلى بحوث أكاديمية جادة، بشهادة الباحث سعيد علوش في كتابه الآنف الذكر( ).
ولعل الوضع المأزقي لهذا الخطاب، باعتباره يتموقع على حافة الشعري والسردي، هو الذي جعله -فيما يُخَيَّل إلينا- مُبْعَدَاً عن التنظير، ومَقْصِيَّاً من مجال اشتغال الشعريات والسرديات والأسلوبيات.
ومما جعل التنظيرات النقدية العربية، بل حتى الغربية أيضا تتقاعس عن التعرض لطبيعة هذا الخطاب المريبة، هو ما يحصل فيه من تداخل بين الأدب الجغرافي أو الجغرافيا الوصفية وأدب الرحلة بأصنافها: السياحية والسياسية والديبلوماسية والثقافية والسفارية والاقتصادية.. إلخ. ولعلَّ موطن الإرباك يكمن أيضاً في كون الرحلة تتخذ أشكالاً مختلفة، كما هو واضح من المتن الذي نروم دراسته. فهي تتخذ شكل مقالات نشرت تباعاً في جرائد ودوريات، وتتخذ شكل تقارير، مثلما تتتخذ شكل كتاب تَمَّ إنجازه وإخراجه جملة. وهي أيضاً قد تأخذ صيغة نثرية، وقد تُكْتَب نَظْمَاً، ولربما تداخل فيها المنظوم والمنثور.
وأحياناً أخرى قد تَتْرُك الكتابةُ الفرصةَ للرسومات والصور لتعزيز ثيمة المكتوب أو إضافة شيء جديد. ولا شك أنَّ تلك الصور والرسومات التي عَزَّزت بها الرحلة العربية تعتبر بمثابة سيميائية المحكي عبر المرئي. ولهذا سوف لن نهمل -أثناء تعاملنا مع الرحلة- هذا التداخل أو التناص بين الأيقوني والمكتوب. وغير خافٍ أنَّ هاتين الاستراتيجيتين السرديتين تستجيبان لعقد ضمني بين الباث -الشاهد، والقارئ -المشاهد للصورة- الكتابة. غير أنَّ هذا التواطؤ أو العقد الضمني بين الباث والمتلقي يختلف من حيث طبيعته عن العقد الموجود بين الرحالة الغربي وقارئه الأوروبي.
كل هذه الملابسات تفرض أولاً الوقوف عند هذا الخطاب، بهدف محاولة تحديد طبيعته، مساهمة في إزالة بعض اللبس والريبة اللتين تُغَلِّفانه. علماً بأن محاولتنا لا تعدو مجرد إلقاء الحجر الصغير في الماء الراكد، ولن يُحدِثَ ذلك سوى ارتجاجات بسيطة للغاية، بمُكْنتها بلوغ حد الخلخلة إذا ما عُزِّزَت بمجهودات جماعية في إطار مؤسسات متخصصة لها دراية بآليات خطاب الرحلة واشتغالاته.
وإنَّ ملاحقة الصورة الثقافية في هذا المؤلَّف، لمُنْبَثِقٌ من قناعة مفادها أن التحرُّر من الصور التي يُكَوِّنُها الآخر عن الذات، ليس بأيسر أو أهون من التحرر من الصورة التي كَوَّنتها الذات عن الآخر في ظل ملابسات أو شروط ظرفية معينة. والانفلات من كَمَّاشة هذه الصورة الأخيرة يسعف في انفلات الذات من الصورة المروسنة التي كونتها عن نفسها في ظل سياقات أو مقامات لها خصوصيات محددة، يمكن ضبطها باللجوء إلى تاريخ الأفكار العربية.
والآن، وبعدما تحصَّل لدينا البعد الزمكاني الكافي لاستقراء ذلك الرصيد، بإمكاننا أن نستنطق نصوص الرحلة العربية، ونقرأ النص الغائب، ونتملَّى ما يقبع وراء السطور، للوقوف على الكتابة المنفلتة الهاربة، وبالتالي الوقوف على الصورة المنفلتة الممكنة والكامنة.
هكذا، عزمنا -ونحن نروم الحديث عن الرحلة العربية إلى أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفياتي- على إثارة أهم ما يمكن من تساؤلات حول صيغ وأشكال اشتغال ووظائف هذا النمط من أنماط الكتابة السردية المتوسلة بتقنية بسيطة تتأسس على الوصف والإخبار والحكي، دون الجنوح المبالغ فيه نحو الإنشاء. ونَظَرَاً لهذه الخصوصية الشكلية والمضمونية للرحلة العربية استصعبنا الحديث عنها في إطار ثنائية الواقعي والمتخيَّل التي عالجنا بها خطاب الرحلة الأوروبية في مؤلَّفنا المشار إليه أعلاه. لذا يبقى المكان الأليق بالرحلة العربية -فيما نعتقد- هو المحتمل \"le vraisemblable\". وهذا ما يمكن تَلَمُّسه بسهولة، من خلال النتائج التي خرجنا بها، أثناء مقارنتنا لخصائص الرحلة الأوروبية إلى المغرب بخصائص الرحلة المغربية إلى أوروبا. حيث لاحظنا ابتعاد هذه الأخيرة عن الوصف الخيالي، واستراتيجية الشاهد، وغيرهما من العناصر المزكية لدفقة المُتَخَيَّل. من هنا يصبح الحديث عن المميزات الأسلوبية، والخصائص المورفولوجية للرحلة العربية ضرورة لا مندوحة عنها للكشف عن طبيعة الحكي في هذا الخطاب السردي. وعلى هذا الأساس، سوف لن نقف في دراسة الرحلة العربية عند ما تعكسه هذه الأخيرة من صراعات ومواقف وحالات اختلافية فقط، وإنما سنعمد بالمثل على متابعة ما تَمَّ احتماله من إحداث تلك الصراعات والمواقف والحالات لتأثيرات فعلية نفعية تُدخل تغييراً معيناً على الذات وفضائها. وتكمن أهمية الحديث عن الاحتمال في كونه يُدَلِّل صعوبات تسييج الخصوصية النصية لهذا الخطاب الذي يشكل بوتقة تنصهر فيها أنماط من النصوص: \"نمط وصفي، نمط سردي،.. إلخ\"، وتتجاور أشكال التعبير: \"كتابة، رسوم، صور،.. إلخ\". ولا يخفى أن تعقد الاستراتيجية الخطابية لهذه الكتابة المسماة رحلة، هو ما أفرز صمتاً كثيفاً حول ضبط وتحديد لوينات الجنس الأدبي المدروس.
وإذا كانت الرحلة العربية تعرف هذا التعقُّد والتنوُّع المشار إليه، فإن الباث أيضاً يشهد هذا التنوُّع. فنحن في المتن المدروس سنكون أمام الصحفي والسياسي والعالم والطالب والمدرس،.. إلخ. هذا من حيث المهنة، أما من ناحية الجنسية فسنكون كذلك مع تنوع آخر، لأننا سنجد أنفسنا أمام السوري والمصري والجزائري والمغربي والعماني واللبناني والسعودي،.. إلخ. وهنا نتساءل:
- ما هي حدود الانسجام في هذه التنوعات المتعلقة بالباث؟
- هل هذا التنوع يستتبع أو يستجيب لتنوع آخر مرتبط بالمتلقي؟
- ما هو دور السياق في توحيد أو تعدُّد هذين العنصرين؟
إن الوقوف على هذه الأشياء يقتضي الإجابة عن تساؤلات أخرى من مثل:
- ما هي أهداف ومرامي هذا الخطاب الذي يُمَرَّر عبر وسيط الحكي والإخبار والوصف؟
- ما هي الآثار التي يتوخى المحكي الرحلي إحداثها في نفسية المتلقي؟
- بأي عقد أو ميثاق تأسست علاقة الفهم أو التواصل بين الباث والمتلقي؟
على أنَّ معالجة هذه القضايا الشائكة سوف لن تغفل التمرحلات التي عرفها هذا الخطاب:
1 - مرحلة ما قبل النهضة إلى حدود فترة المركزية العربية.
2 - مرحلة النهضة أو فترة المركزية الأوروبية.
3 - مرحلة الاستقلالات.
وإنَّ تركيزنا على القرنين التاسع عشر والعشرين ليأتي من كون هذه الحقبة تعتبر مرحلة حاسمة في تاريخ العلاقات العربية بالغرب. إنها حقبة زمنية خصبة تعكس تمرحلات الذات العربية وتجلياتها المختلفة في ظرفيات متباينة، تشمل فجر النهضة، فالاستعمار ثم الاستقلال. ولا يمكن للمرء إلا أن يتساءل بهذا الصدد:
- ما هي خصوصية كل مرحلة من المراحل الآنفة الذكر؟
- هل عرفت بعض الاختلافات في تصوُّرها وتصويرها للغير أم بقيت أسيرة الرؤية الموحَّدة المنسجمة؟
- إلى أي حد يمكن الحديث عن تطور ما في النظرة الغيرية العربية؟
تلك بعض التساؤلات التي لا بُدَّ من طرحها للوقوف على درجة تحول وتغير وعي الإنتيليجنسيا العربية بالإنسان الأوروبي والأمريكي والسوفياتي ومقومات شخصياتهم الحضارية. وفي هذا توقُّفٌ عند شكل من أشكال تمظهرات هذا الوعي في ديناميته وحركيته المتجهة صوب المقارنة العنيفة، والمواجهة المتصدية لصور مخالفة. وتلك وضعية مأزقية صراعية يصبح فيها الوعي الخاص منعكساً في مرآة الأجنبي، مثلما يصبح عاكساً لمدى جلاء أو ضبابية هذه الأخيرة. بمعنى أن البحث في درجة صفاء المرآة- الوعي، حيث ينعكس المنظور إليه، مسألة لا محيص عنها. وإن الخوض في هذه القضية ليقتضي أولاً وقبل كل شيء الوقوف عند خصوصية وطبيعة الصور والمقارنات المبثوثة في الخطاب المدروس، كما يقتضي -في مرحلة لاحقة- تسييج تلك الخصوصية أو الطبيعة استعانة بمعطيات تاريخ الأفكار المغطية للحقبة المتناولة. غير أن تقديم فرش تحليلي لتاريخ الأفكار، لا يعني تعويض التحليل الأدبي بالتحليل الأيديولوجي، بل يعني استخدامهما معاً عن تَبَصُّر ما دامت الرحلة معْرفة مؤسسة على الذاتي والموضوعي. فهذه المعرفة مؤسسة على أفق انتظار مُحَدَّد بشروط موضوعية ومعرفية تتعلق باللافظ والملفوظ له، مثلما تتعلق بالملفوظية، وكذا بالملفوظ كجنس خطابي سردي له خصوصيته الأسلوبية.
وإن الضرورة المنهجية والإجرائية لتقتضي تفكيك عناصر الصورة المُكَوَّنة عن الغير بهدف تحليلها أولاً، والوقوف عند قسماتها كي نتمكن في نهاية المطاف من إعادة تركيبها، بُغية الحصول على الصورة العامة لكل من الأنا والآخر. والقصد الرابض وراء هذا الإجراء ليس هو البحث عن سبيل موطئ للتفسير فحسب، وإنما أيضاً البحث عن مسلك يمكن من تحليل واستيعاب كل جزئية على حدة، للوقوف أخيراً على الكل وإدراك ما هو جوهري في اللحظات الهاربة التي وعت فيها الذاتُ الغيرَ. على أن هذا المطلب لا ينبغي أن يُنسينا الإجابة عن الأسئلة المركزية المستهدية بالمقترب الشعري، والتي يمكن صوغها كالآتي:
أ - كيف كتبت الرحلة ما كتبته؟
ب - كيف أنتجت الرحلة العربية غيريتها؟
ج - كيف تُؤَسِّس الرحلة احتمالها وتبنينه، أو على الأصح كيف يؤسس الاحتمال صورته ويُبنينها؟
ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات من شأنها أن تختزل طرحنا في سؤال مركزي هو: سؤال الكتابة إجمالاً، والكتابة الرحلية بالذات.
وبهذا سنتيح لأنفسنا فرصة خلخلة القصور الذي يعتور الشعريات والسرديات ونظرية الأجناس الأدبية ونظرية الأدب ومفهومي النص والتأليف. كما أنَّ مفهوم الصورة الذي تُحبل به كل رحلة، قد يُمَكِّننا من إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم على رأسها مفهوم الصورة نفسه، وما يحوطه من جهاز مفاهيمي فتي ما زال قيد الضبط، نجمل أهمه في:
1 - مفهوم الأنا أو الذات \"Je, Moi\".
2 - مفهوم الآخر \"L\'autre\" أو الغير \"Autrui\".
3 - مفهوم التمثيلية \"Représentation\".
4 - مفهوم الغيرية \"Altérité\".
5 - مفهوم الهوية \"Identité\".
6 - مفهوم الغرائبية \"Exotisme\".
7 - مفهوم الوصف \"Description\".
8 - مفهوم الذاتي \"Le subjectif\".
9 - مفهوم السير- ذاتي \"L\'autobiographique\".
10 - مفهوم الرحلي.
11 - مفهوم المقارنة \"Comparaison\".
12 - مفهوم النوع \"Genre\".
13 - مفهوم السراب \"Mirage\".
14 - مفهوم القالب \"Stéréotype\".
15 - مفهوم اليوطوبيا.
16 - مفهوم الميث \"mythe\".
17 - مفهوم الصورلوجيا \"Imagologie\".
18 - مفهوم النظرة \"Le regard\".
19 - مفهوم المحتمل \"Le vraisemblable\".
20 - مفهوم الفضاء \"Espace\".
21 - مفهوم الأيديولوجيا.
22 - مفهوما الكوني والمركزية الإثنية.
وإننا نتوخى من هذا الضبط المفاهيمي بلوغ أقصى ما نستطيع من الصرامة العلمية والتحرُّز الرصين، عَلَّنا نظفر بانتشال أنفسنا من دائرة التسيُّب الاصطلاحي، ونُسهم في إعداد معجم دقيق للمبحث الصورلوجي، الذي يتخبط -علاوة على المطب المنهجي- في إشكال الضبابية المصطلحية. ومن شأن هذا الضبط كذلك أن يُعيد الاعتبار لمبحث طالما تم التنديد بإقصائه من حظيرة الأدب المقارن، لخلوِّه من البعد الأدبي في التناول.
وإننا لنزعم أنَّ مفهوم الاحتمال، الذي نطمح إلى تحليل الكتابة الرحلية العربية في ضوئه، بمُكنته أن يسعفنا -حقيقة- في الالتفات بجدية إلى الشق الأول المكون للمُرَكِّب الأسمي: \"أدب الرحلة\"، الذي طالما هُمِّش بشكل من الأشكال.
وإننا لنرتئي أنَّ الشعرية مؤهَّلة لتعزيز اهتمامنا بالأدبي في الرحلي، واستدراجه إلى الواجهة التي ظَلَّ مقصياً منها لعهود طويلة كادت تنسينا أن أدب الرحلة هو أدب أولاً وقبل كل شيء.
لهذه الاعتبارات جميعها ارتأينا أن نميط النقاب عن أقنعة الاحتمال في الكتابة الرحلية العربية، مسهمين -بما تيسر من عدة منهجية ومعرفية- في تعبيد المسلك الأدبي أثناء تناول محكيات الرحلة. ونوجز تلك الأقنعة في الآتي:
1 - القناع السير- ذاتي.
2 - القناع التاريخي.
3 - القناع الرسالي.
4 - القناع المقارني.
5 - القناع الشعري أو الغنائي.
6 - القناع الحجاجي أو الإقناعي.
7 - القناع التناصي بين استراتيجيتي الإشهاد والاستشهاد.
8 - القناع الخِلاقي \"axiologique\" أو الوظيفي.
9 - القناع الإغرابي \"exotique\".
10 - قناع الميثاق الرحلي أو ميثاق النوع.
11 - قناع الملفوظية أو القناع السياقي.
12 - قناع السخرية والفكاهة.
13 - قناع التواضع أو اللاكفاية الوصفية.
14 - القناع البصري أو الأيقوني.
15 - قناع النقد الذاتي والغيري.
16 - قناع التكييف أو التوفيق.
17 - قناع الاستدراك.
18 - قناع التنسيب.
19 - قناع الأُلفة.
20 - قناع القَوْلبة.
21 - قناع الموضوعية.
وبإماطتنا النقاب عن مجمل هذه الأقنعة، سنتمَكَّن من الوقوف على تجليات ومظاهر مكر الخطاب الرحلي، الذي طالما استغفل الباحثين في التعامل معه كنص وثيقي. في حين أن إمكانية هذه الإمكانية تظل موضع سؤال عريض. وهو ما حاولنا بسطه في العديد من الدراسات( )، ونأمل تعميقه الآن عبر دراستنا للمحتمل في الرحلة العربية إلى أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفياتي في بحر القرنين التاسع عشر والعشرين. غير أنَّ الاهتمام بهذه الفترة الزمنية الحرجة في تاريخ العلاقات العربية بالغرب، لا ينبغي أن يُنسينا البعد الدياكروني للمقترب، بغية خلق فرصة لتأمل طبيعة تلك العلاقة ما قبل القرن التاسع عشر. والأهم من ذلك توقفنا عند محطة أخرى للرحلة العربية لا تخلو من قيمة تُسعف في إنارة زوايا الكتابة الرحلية العربية الحديثة والمعاصرة وروافدها الأسلوبية التراثية.
ونَظَرَاً للاعتبارات السابقة جميعها قَسَّمنا كتابنا إلى ثلاثة أبواب. ضَمَّ الباب الأول أربعة فصول. في الفصل الأول عملنا على مجادلة السائد في الدراسات الرحلية عموماً عربية وأجنبية بهدف تقويم الكائن واستشراف الممكن. وخَصَّصنا الفصل الثاني لمراجعة الجهاز المفاهيمي الذي تستدعيه دراسة الصورة الثقافية في أدب الرحلة. في حين كان الفصل الثالث محطة لضبط الموضوع قيد الدرس ومناسبة لتحليل فينومينولوجيا المحكي الرحلي، وإعادة طرح السؤال الأجناسي وسؤال الكتابة/ القراءة. بينما تَمَّ تخصيص الفصل الرابع للمنهج الذي نروم بفضله مقاربة متننا الرحلي. وهنا أعدنا طرح مايُثيره سؤال المنهج من إشكالات تطال أزمة الصورلوجيا وملاقيها وآفاقها في ضوء مستجدات بعض المناهج النقدية التي تُعير الاهتمام للنص أولاً وقبل كل شيء.
أما الباب الثاني فكان مناسبة لرد الاعتبار للنصوص المصاحبة أو الموازية المعروفة بالنصوص المُلْحَقة بالخطاب الرحلي من عناوين وإهداءات ومقدمات وهوامش وتقريظات. لننتهي في الباب الثالث إلى كشف أقنعة الاحتمال وقناعاته، من خلال تناول القضايا التالية:
1: شعرية المغايرة.
2: شعرية الذات والأقنعة الاسترجاعية.
3: ميث المألوف أو قناع الألفة.
4: السراب الفردوسي أو يوطوبيا المدينة الفاضلة.
5: تسخير السخرية.
6: استراتيجية الفكاهة.
7: استراتيجية الانتقاد الغيري.
8: قناع النقد الذاتي.
9: مقْلب القوالب.
10: بلاغة التواضع أو احتمال اللاكفاية الوصفية.
11: بلاغة التكييف أو غصة التوفيق.
12: بلاغة التنسيب الثقافي أو غصة تبرير المغايرة.
13: قناع الإيهام بتبديد الميث.
14: القناع السير- ذاتي.
15: من الخطاب إلى الخطبة.
16: مكون الملفوظية: مدخل لتداولية الخطاب الرحلي.
17: بلاغة البصري.
وأنهينا هذا المصنَّف بخاتمة أوجزنا فيها الخلاصات العامة التي خرجنا بها بعد طول معاشرة لنصوص الرحالين العرب. كما ذَيَّلناه بثبت للمصطلحات، وكذا ببيبليوغرافيا للمتن الرحلي العربي إلى أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفياتي، وبلائحة للمراجع العربية والأجنبية المعتمدة.
وإني لأدين بأحسن ما في هذا الكتاب لفضيلة الدكتور سعيد علوش الذي أناره بقراءته وتوجيهاته المنهجية السديدة، وبنفحنا بمادة رحلية خصبة ما كنا لنتمكَّن من الحصول عليها لولا عونه ومساعدته. كما أتقدَّم بعميق تشكراتي لزملائي الأساتذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير الذين أفدتُ كثيراً من مناقشاتهم واستدراكاتهم القيِّمة. ولن أنسى أن أتوجَّه بخالص العرفان لزملائي بكلية الآداب بمنوبة، وعلى رأسهم المرحوم صالح مغيربي الذي أمَدَّني دون تردد بأطروحته الثمينة حول أدب الرحلة. وأخيراً تحية صدق ووفاء للسيد حسن بنحليمة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير الذي يَسَّر لنا بأريحية منقطعة النظير السفر إلى بلاد عربية وأجنبية لإثراء هذا العمل وإنجازه في أحسن الظروف العلمية.
د. عبد النبي ذاكر
أغادير 2004

 

  
كتب من نفس الموضوع 1279 كتاباً
رحلة ابن بطوطة
رحلة ابن جبير
سفر نامه
رحلة ابن فضلان
تاريخ المستبصر
المزيد...
  
كتب أخرى لعبدالنبي ذاكر2 كتاباً
رحالة الغرب الإسلامي من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر للهجرة
المغرب والغرب -نظرات متقاطعة

أعد هذه الصفحة الباحث زهير ظاظا .zaza@alwarraq.com


مرآة التواصل الاجتماعي – تعليقات الزوار