قصة الكتاب :
للدكتور محمد المغيربي\r\n\r\nرحالة الغرب الإسلامي من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر للهجرة؟ يوهم العنوان بأن الدراسة تشمل كل الذين ارتحلوا ـ لسبب أو لآخر ـ داخل حدود دار الإسلام أو خارجها، والذين أثبتت رحلاتهم كتب الهيسطوغرافيا وكتب التراجم أو كتاباتهم الخاصة. ومن شأن هذا المشروع إثراء معارفنا بخصوص تجوال الناس وسريان الأفكار، بيد أنه يتجاوز إمكانيات باحث متفرّد. وعليه، أضحى مقترحنا جدّ محدود: إنه يهم فقط الرحالين الذين ألفوا ضمن جنس معين عُرِف باسم الرحلة: (أدب الرحلة). لماذا هذا الاختيار؟ لأنه يسمح بحصر متن يستجيب لدراسة شاملة تهدف أساسا إلى تسييج مواقف جماعة من مثقفي فترة ما بعد الكلاسيكية تجاه العالم. وهذا ما تدعونا إليه النصوص أو على الأقل أغلبها بفضل موضوعها نفسه الذي هو وصف البلدان.
هذا، إذن، هو المنظور المتوخى. أما في ما يخص المسلك المنهاجي، فإنه يتجاوز دراسة كل كاتب على حدة إلى الدراسة الشاملة للنصوص التي نسائلها حول النقط الآتية:
ـ ما الذي احتفظ به المؤلفون من أسفارهم؟
ـ ما هي مصادرهم؟
ـ ما الصُّوَر التي يعكسونها عن العالم المشاهَد؟
ـ ما هي الحوافز (من معتقدات دينية وقيم مادية وموروثات ثقافية ومعارف وميول) التي تسنِد مواقفهم؟
سنطلب الأجوبة على الأسئلة الثلاثة الأولى من النصوص نفسها؛ أما في ما يخص السؤال الأخير، فإننا لم نتردد في استدعاء مصادر خارج ـ نصية، ذلك لأن سلوك الملاحِظ لا ينفصم عن انتماءاته: أصله الاجتماعي، وظيفته، ثقافته، مجتمعه.
بعد تحديد هذه النقط، نودُّ الآن تفادي اعتراضين. سيقال لنا: إن مثل هذه الدراسة القائمة على قراءة شمولية لا تصدُق إلا على كتّاب يشكّلون مجموعة منسجمة و\"ثابتة\". وهذا ما يصدق ـ في اعتبارنا ـ على رحالينا: إنهم جميعا من الغرب الإسلامي، ويتقاسمون المعتقد نفسه، وينتمون للفئة الاجتماعية نفسها، كما أن حِسَّهم المعرفي لم يَشُبه تغيير سياسي أو اجتماعي عميق طوال القرنين المذكورين. ويمكن أن نضيف أيضا أن التأريخ لم يغب كلية عن عملنا، وإنما استعنّا به في فحص الوقائع المسرودة، وأيضا في فهم تلميحٍ أو تبريرِ الاختلافات المرتبطة بالظروف. أما المعضلة الثانية، فتُمَوْقَع على مستوى انشغالات المؤلفين وفضاءات تنقلاتهم. بحيث يمكن أن يُعترض علينا بكون هؤلاء الناس لم يهتموا بنفس مظاهر الواقع، ولم يرتحلوا كلهم خارج دار الإسلام. يمكن أن نجيب عن هذا الاعتراض بأنه حتى في الرحلة الفهرسية، حيث الصمت الكثير الدال في حد ذاته، لا تختلف المواقف حِيال الكائنات والأشياء ـ مهما كانت جد منحصرة في ملحوظات قليلة ـ عن تلك التي توجد لدى بقية الرحالين الذين تشكِّل رحلاتهم مرتكز هذه الدراسة. أما بخصوص النظرة المكوَّنة عن البلاد الأجنبية، فقد شفّ التحليل عن تماثل مراميها إنْ لدى ابن جبير أو ابن بطوطة اللذين يفصلهما ـ مع ذلك ـ أكثر من قرن ونصف. وكأننا أمام سلوك قار، لا أمام مواقف فردية.
بقي علينا تبرير الإطار الكرونولوجي. فإذا تم اختيار نهاية القرن الرابع عشر للهجرة حدّا لهذه الدراسة، فلأن المسلك الذي اختطّه ابن جبير قد تم التخلي عنه نهائيا، بحيث أضحى وصف البلدان ثانويا، وذلك لفائدة فهرس الأساتذة والصوفية الذين تم الالتقاء بهم، وكذا فهرس الدروس الفقهية والعقائدية، مثلما هو الشأن مع العياشي أو الورتِلاني، حيث تقلصت حصة الرؤية الحسية للعالم.
قبل الختام، يطيب لنا أن نعبر عن خالص امتناننا للأستاذ أندريه ميكيل الذي رغب في الإشراف على هذا العمل، والذي كانت لنا كتاباته ونصائحه النفيسة خير عون على إنجاز هذه الدراسة.