قصة الكتاب :
للمؤلف: عبد العزيز بن حميد الحميد\r\n\r\nالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
من القضايا الحيويّة المتجدّدة في اللغة دراسة التطوّر اللغويّ في ألفاظها ومعانيها، فاللغة
تتّسم بالحياة لأنها تتطوّر على مدى تاريخها، منذ أقدم عصورها إلى العصر الحاضر، وكما تتطوّر
الحياة ويتطوّر الناطقون باللغة في حيا تهم فإنّ اللغة لا بدّ أن تتطوّر لتساير الحياة، ولذا تأتي
النصوص التي تمثّل التطوّر التاريخيّ في عصرٍ من العصور ذات قيمةٍ كبيرةٍ في تقديم صورةٍ
لعصرها.
وتمثّل نصوص الرحلات نوعاً خاصّاً من النصوص، تجتمع فيه مظاهر عديدة، فهي
تشتمل على وصفٍ جغرافيّ للبلاد التي زارها الرحّالة، والوصف يشتمل على لغةٍ خاصّةٍ تحوي
أسماءً لما يذكره في حديثه من مظاهر حضارية رآها، مع تسميات أهل تلك البلاد لتلك الأشياء،
إلى جانب الوقفات اللغويّة المرتبطة بلهجات البلاد المختلفة، والفروق بينها، والتقابل أو التقارب
بينها.
وتكاد لا تخلو رحلةٌ من وقفاتٍ لغويّةٍ للرحّ الة حول الألفاظ التي يمرّ ذكرها، فقد يقف
عند أصلها العربيّ فيبين معناها الأصليّ ، ثمّ المعنى الذي جَدّ بعد ذلك، وبيان اختلاف المعنى من
بلد إلى آخر، وإذا كان اللفظ أعجميّاً أبانَ أصله في لغته الأصليّة، ثمّ نقله للعربيّة تعريباً له، وهو
في كلّ ذلك لا ينفكّ من تذكّر بلده الذي جاء منه، ذاكراً اللفظ الشائع هنالك وموازناً بين
اللفظين.
وعند ذكر الرحّالة شيئاً يختصّ به بلد من البلدان، فإنّه قد يكتفي بتسمية أهله، سواء
كان لفظاً عربيّ اً، أو كان أعجميّاً يذكره بالنطق العربيّ ، وسواء عرفه العرب قبله، أو كان هو أول
من نقله إلى العربيّة.
إنّ دراسة الرحلات والوقوف على ما فيها من ألفاظ يكشف عن كونها مصدراً ثرّاً للألفاظ الحضاريّة المعبّرة عن وجوه الحضارة المختلفة.
ويتّضح ممّا سبق أنّ علم الجغرافيا يمتّ إلى الدراسات اللغويّة بصلة؛ ذلك حين يشترك
الع لمان في ميدان واحد، فتكون الدراسة اللغويّة متأثّرةً بالمكان أو البلد الذي جاءت منه
الألفاظ المدروسة، وهذه الصلة بين العلمين هي التي أسّست لعلمٍ حديثٍ هو (علم اللغة .( الجغرافيّ )
ولأهميّة هذا الميدان تناول هذا الكتاب جانب اً تطبيق يّ اً في رحلة ابن بطوطة هو ألفاظ
ا، فقد ا ولغا الأطعمة والأشربة؛ لما لها من صلة وثيقة بحياة الناس في بلدانٍ مختلفةٍ في حضارا
سعيت إلى جمع كلّ ما اشتملت عليه الرحلة من ألفاظ الأطعمة والأشربة، ثم درستها دراسة
لغويّة جغرافية، راجياً أن تحقّق أهدافها.
وقد نشرته الجمعية الجغرافية السعودية في عام 1427 ه في سلسلتها المحكّمة (دراسات
.( جغرافية) برقم 13
وبعد نيل الكتاب جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي لعام 2008 2009 م المقدمة من
المركز العربي للأدب الجغرافي فقد أوجبَ عليّ ذلك مراجعة الكتاب وإجراء بعض التعديلات
عليه رغبةً في تقديم الكتاب لطبعه في المركز وهو بأفضل حال، ويمكنني هنا ذكر أهمّ التعديلات:
أعدتُ رسم الخرائط التي في الملحق آخر الكتاب، وكنتُ قد استفدت من خرائط د.
عبد الهادي التازي التي صوّر فيها مراحل رحلة ابن بطوطة، فقد نقلتها كما هي مع
الإشارة إلى مصدرها، وأضفتُ الألفاظ في مربعات بجانب كل خريطة، ولرغبتي
بتحسينها فقد أعدتُ رسمها بالحاسب مع إضافة الألفاظ في مربعات داخل الخرائط،
يشير كل مربع بسهمٍ إلى البلد المقصود، وقد بنيتُ على خرائط التازي عند رسم
الخرائط ولذا فقد أشرتُ إلى ذلك أسفل كل خريطة. كما أضفت في هذه الطبعة
خارطة تشتمل على حكمٍ لغويّ على لغة أحد البلدان.
أضفتُ إلى ألفاظ الأطعمة ثلاثة ألفاظ هي (التنبول، الفوفَل، النَورة) في مواضعها
بحسب حرفها الأول، ولم أذكرها في الطبعة الأولى، والذي لفت نظري إليها هو د. عبد الهادي التازي في رسالته التي أرسلها إليّ، وقد أضفت
صورتها آخر الكتاب، وكان قد تساءل فيها عن سبب عدم ذكري الألفاظ الثلاثة في الأطعمة بأسلوب مهذب فقال:
\"وعلى ذكر الأطعمة أتساءل: هل لا يعتبر الزميل العزيز أن: التنبول والفوفل والنورة مما
ينبغي أن يُعدّ في الطعام نظراً لتقديمه في كل مأدبة هندية، وقد حضرت غذاءً، على
شرفي، في وزارة الخارجية نيودليهي، العام الماضي، وكان على رأس قائمة ما قدم لي- لإشعاري بأنهم يقدرون معلومات ابن بطوطة- هذه التركيبة الثلاثية: التنبول والفوفل

والنورة \"، ولا يسعني هنا إلا الشكر الجزيل للأستاذ الكبير عبد الهادي التازي.
وأخيراً لا أنسى إزجاء الشكر للقائمين على المركز الع ربيّ للأدب الجغرافيّ على تشجيعهم
البحث العلميّ في حقلٍ من أغزر حقول التراث العربيّ وأغناها، ورصد الجوائز لحفز الباحثين
على الإبداع، وأشكرهم شكر اً مضاعفاً على أن نالني بعض كرمهم، متمنياً للمركز التقدّم
والنجاح في أعماله، وللقائمين عليه مزيد التوفيق.
عبد العزيز بن حميد الحميد
كلية اللغة العربية بالرياض - جامعة الإمام