مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

رحلة في بلاد العربية السعيدة من مصر إلى صنعاء

تأليف : عبد الله السريحي
الولادة : 1958 هجرية
الوفاة : 1 هجرية

موضوع الكتاب : الرحلات

تحقيق : 'NA'

ترجمة : 'NA'



إقرأ الكتاب
نقاشات حول الكتاب
كتب من نفس الموضوع (1269)




() التواصل الاجتماعي – أضف تعليقك على هذا الكتاب

 

قصة الكتاب :
بقلم
نزيه مؤيد العظم
بكالوريوس آداب
تحقيق
عبد الله بن يحيى السريحي
الجزء الأول
مقدمة التحقيق

التعريف بالمؤلف:
ينتمي المؤلف نزيه مؤيد العظم( ) إلى أسرة شامية عريقة كان لها على مدى قرنين من تاريخ الشام الحديث دورها المميز، فقد برز من أبنائها عدد من المفكرين والولاة والأمراء. ولد المؤلف في دمشق سنة 1890م، تلقى تعليمه الأولي (الابتدائي) في دمشق، ثم انتقل بعدها إلى بيروت فأتم فيها تعليمه الثانوي والجامعي وحصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1913م.
انخرط بعدها في صفوف الجيش العثماني (الذي كان يسيطر على بلاد الشام آنذاك) والتحق بالفرقة العسكرية المرابطة في (عاليه) برتبة ملازم، ولكنه سرعان ما بدأت تتكشف له مساوئ الاستبداد التركي في المنطقة في عهد الوالي جمال باشا فقرر الاشتراك في صفوف (الثورة العربية) التي كانت متأججة هناك ضد الوجود التركي، فأصدرت السلطات العثمانية ضده حكما بالإعدام ففر سنة 1916م إلى فلسطين ومنها إلى مصر، وكان جمال باشا قد نكَّل بعديدٍ من أفراد أسرة آل العظم، فأعدم عمه شفيق بيك مـؤيد العظم في أيار/مايو سنة 1916م، ونفى الكثير منهم إلى أقاصي الأناضول.
وفي مصر اعتقل مع عـددٍ من الثوار والمفكرين الذين فروا إليها، وأودع معتقل \"سيدي بشر\"( ) بجوار الإسكندرية، وفي هذا المعتقل ترسخت لديه ولدى زملائه المعتقلين مبادئ الثورة ضد الوجود الأجنبي في العالم العربي بكل صوره وأشكاله، وأفرج عنه بجهود سياسية من زعماء النهضة العربية في مصر.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، سنة1920م، وإعلان استقلال سورية عن الحكم العثماني، وتنصيب الملك فيصل بن الحسين (في شهر مارس/آذار 1920م) ملكاً على سورية، عاد المؤلف إلى دمشق، ولكن سورية لم تنعم بهذا الاستقلال فما كادت تخرج من مأزق السيطرة العثمانية حتى وقعت في مأزق أكبر منه، فقد ظهرت النوايا المبيتة للاستعمار الغربي من خلال مؤامرة (سايكس- بيكو) و(وعد بلفور)، فأعلنت فرنسا انتدابها على سورية، وجهزت جيشا قوامه مائة ألف جندي، واحتلت دمشق بعد معركة ميسلون التي استشهد فيها يوسف العظمة في 24/7/1920م، وكانت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو.
حينئذٍ دخل المؤلف مع نخبة من الغيارى والوطنيين مرحلة جديدة من النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وبدأوا في تنظيم جهودهم وصفوفهم، فأسس مع صهره (زوج أخته) الدكتور عبد الرحمن الشهبندر \"حزب الشعب\"( ).
وعندما انطلقت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي من جبال الدروز سنة 1925م، قرر المؤلف مع عدد من الوطنيين وزعماء حزب الشعب الانضمام إلى الثوار، وكان له دور مشرف في هذه الثورة، وفي المعارك التي خاضها الثوار ضد الفرنسيين، فقد قاد هو بنفسه عددًا من المعارك وأبلى فيها بلاء حسنا، وجرح عدة مرات، وشهد له رفاقه بالبطولة والبسالة( )، وكان لمقالاته وخطاباته دور مؤثر وفعال في شد همم الثوار ورصّ صفوفهم، فكان بحق خطيب الثورة.
ونتيجة لدوره في هذه الثورة، أصدرت سلطات الاحتلال الفرنسي ضده وضد طائفة من قيادات الثورة حكما بالإعدام في أواخر سنة 1925م، ففر إلى مصر عبر فلسطين، وهناك التقى بالسياسي الأمريكي شارلز كرين (سنشير إلى ذلك بعد قليل) فاتفق معه على مرافقته في رحلته إلى الحجاز واليمن.
وأقام بمصر إلى سنة 1930م، عندما سمحت له سلطات الاحتلال بالعودة، وبعد عودته إلى سورية انخرط في العمل السياسي، وترشح مستقلاًّ للانتخابات النيابية التي أجرتها سلطات الاحتلال سنة 1931م، ولكن لم يحالفه الحظ فيها لأنه جاء إلى دمشق متأخرا، واستقر بعد ذلك في دمشق متابعا نضاله ضد كل أشكال الاستعمار في العالم العربي عامة وسورية خاصة، وتزوج سنة 1939م، وخلال هذه الفترة كتب عدة مقالات عن رحلته إلى اليمن في عديدٍ من الصحف والمجلات السورية، وكانت تلك المقالات نواة كتابه هذا، وبعد استقلال سورية سنة 1946م قرر نزيه العظم اعتزال السياسة وتفرغ للزراعة في (ضيعته) الخاصة حتى وفاته سنة 1977م، ولم يظهر له خلال هذه الفتره أي نشاط عام سوى ما ورد في المذكرات والوثائق المنشورة بالكتاب الخاص عن حياته (ص309-302)، أنه كان سنة 1956م أمينا عاما لهيئة المجاهدين بدمشق والغوطتين.
أعماله الفكرية:
أشرنا من قبلُ إلى أنه كان للمؤلف دور مهمٌّ في النضال ضد الاستبداد العثماني، ثم بعد ذلك ضد الاحتلال الفرنسي، فجاهد بنفسه وقلمه ولسانه، من خلال خطبه ومقالاته، كما أشرنا سابقا( )، وترجم عن الإنجليزية كتاب: (القول الحق في تاريخ سورية وفلسطين والعراق) للمؤلف االبريطاني ج. دي. ف. لودر، ويبين الكتاب وجهةَ نظر الغرب ورؤيتَه للعرب وقضاياهم وتاريخهم، وخصص العظم في خاتمة ترجمته للكتاب فصلا أوضح فيه زيف كثير مما ورد في الكتاب من معلومات مضللة عن العرب، ونشره في دمشق على حسابه سنة 1925م.
وفي الفترة الأخيرة تنبهت الجهات الرسمية السورية إلى الاهتمام بهذا الرجل المناضل وتقدير دوره وجهاده، فأصدرت وزارة الثقافة السورية سنة 2006م، كتابا عنه بعنوان: \"صفحات من حياة نزيه مؤيد العظم\" تحقيق د. دعد الحكيم، ضمن سلسلة الكتب الصادرة عن الوزارة بمناسة اختيار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية (1427هـ/2006م)، وضم الكتاب ترجمة موجزة لحياته ومسيرته، ونشر مجموعة من مقالاته ومذكراته ورسائله، وبعض الرسائل التي تلقاها من رفاقه وأصدقائه، ومن بعض رجال الفكر والسياسة في سورية وخارجها، ولكن الكتاب جاء خاليا من الصور التي أُشير إليها في مقدمة الكتاب، وكنت أتمنى نشرها، وأن يكون من بينها الصور المنشورة في هذه الرحلة لأنها ضعيفة لا تكاد تتبين ملامح أصحابها.

هذا الكتاب:
هذا الكتاب هو حصيلة ثلاث رحلات قام بها المؤلف إلى اليمن بين سنتي 1927م و1936م.
كانت الرحلة الأولى في مطلع سنة 1927م بصحبة السياسي ورجل الأعمال الأمريكي شارلز كرين( )، في رحلته التى قام بها إلى السعودية واليمن، وكان المؤلف قد التقى السيد كرين في دمشق عندما قدم الأخير إلى المنطقه موفدا من الرئيس الأمريكي ويلسون على رأس لجنة لتقصي الحقائق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقابله مرة أخرى في منفاه في القاهرة، فاختاره السيد كرين لمرافقته في رحلته هذه مترجمًا ، وقاما بزيارة السعودية واليمن في أواخر عام 1927م.
وكانت الرحلة الثانية في العام الذي يليه 1928م، مندوباً عن السيد كرين لمرافقة البعثة التي أرسلها كرين إلى اليمن على نفقته الخاصة لمساعدة اليمن في تخطيط بعض الطرق وللكشف عن المعادن والبترول فيها، برئاسة المهندس والجيولوجي كارل توتشل (K.S.Twichell). وأرى إتماما للفائدة هنا أن أذكر ما أورده عبد القادر العظم في كتابه \"الأسرة العظمية\" في ترجمة المؤلف، عن هذه البعثة ودور المؤلف فيها، قال( ): \"وأعلمني نزيه بك أنه هو الذي اكتشف البترول في جزيرة العرب، وكان ذلك بطريق الصدفة. كانت أولى رحلاته إلى اليمن برفقة المستشرق الأمريكي الشهير شارلز كرين؛ وبينما هو يمر في إحدى النواحي في جزيرة بريم شاهد عددا من العمال يحفرون الآبار وعندما يصلون إلى عمق معين يشمون رائحة التراب في قعرها ثم يردمونها، فاشتبه بالأمر وأخذ حفنة من تراب إحدى الآبار فشمها فإذا برائحة البترول تملأ أنفه، واستقصى الخبر فعلم أن الإنكليز هم الذين يقومون بهذا العمل، فتحقق لديه أنهم يتحرون البترول في جزيرة العرب، فأخبر المستر كرين بذلك، وهذا بدوره أخبر الإمام يحيى والملك ابن سعود بالأمر حينما التقى بهما، ثم اتفق معهما على أن يرسل بعثة من المهندسين الفنيين من قِبَله وعلى نفقته الخاصة لتحري البترول فوافقاه على ذلك. وبالفعل أرسل المستر كرين البعثة عام 1928م، ورافقها نزيه بك مندوبا من قبله في اليمن فاكتشفت البعثة البترول في مملحة الصليف بالقرب من الحديدة، وعلى أثر ذلك طلبت بعض الشركات الأجنبية منحها امتيازا باستخراج البترول والمعادن في اليمن، ولكن الإمام يحيى رفض هذا الطلب عملا بنصيحة صديقه المستر كراين الذي أوصاه بأن لا يمنح الشركات الأجنبية امتيازا ما في بلاده( ) لأن ذلك يسبب له الكثير من المتاعب بل الأخطار في المستقبل، فذهب المهندسون إلى ابن السعود في نجد فمنحهم الامتيازات التي طلبوها وكان ذلك طليعة لبروز شركة أرامكو في جزيرة العرب\".
وذكر المؤلف، أن هذا المهندس قام بتخطيط طريق (صنعاء- حجة- الحديدة)، ولكن المؤلف تجاهل هذه الرحلة فلم يكتب عنها أي شيء، ولم يذكر المناطق التي زارها هذا الفريق.
أما الرحلة الثالثة: فكانت في أواخر سنة 1935م وأوائل سنة 1936م، ولعله جاء بصحبة كارل توتشل الذي قدم إلى اليمن ممثلا عن بعض الشركات الأمريكية لعقد اتفاق مع الإمام يحيى لاستخراج ملح الصليف، بعدما ثبت جدواه اقتصاديا، وفي هذه الرحلة تمكن المؤلف من زيارة مأرب.
وكان المؤلف بعد عودته إلى سورية سنة 1930م، قد نشر مقالات عن رحلته الأولى إلى اليمن في جريدة (الجزيرة) الدمشقية، وبعد عودته من رحلته الأخيرة سنة 1936م، جمع هذه المقالات، مع ما استجد في رحلته الأخيرة إلى مأرب ونشرها في كتاب (وهو الذي بين أيدينا والمكون من جزأين) نشر في القاهرة بمطبعة البابي الحلبي سنة 1357هـ/1937م.
وقد حظي الكتاب باهتمام في الأوساط العربية بعد صدوره لأنَّ المعلومات المتاحة لديهم عن اليمن في ذلك الوقت شحيحة جداً، وبعضها كان عن طريق الرحالة (من الموظفين أو التجار أو المغامرين) الأجانب الذين قدر لهم اختراق أسوار اليمن، ولأن المؤلف عربي مسلم كان وصفه لليمن وأهلها وعاداتهم وتقاليدهم وأسلوب عيشهم أكثر دقة وواقعية من كتابات الرحالة الأجانب الذين كان معظمهم يجهل طبيعة البلاد العربية والإسلامية وعاداتها وتقاليدها بصورة عامة، واليمن بصورة خاصة، فعجَّت كتاباتهم بالكثير من سوء الفهم وتشويه الحقائق والسخرية من المجتمعات الشرقية والإساءة إلى معتقداتها وعاداتها، إما لجهلٍ وعدمِ معرفةٍ، وإمَّا لإثبات رقي الغرب وتفوقه، وتخلف الآخرين . والثغرات التي وقع فيها المؤلف في رحلته هذه -كما سنشير إلى ذلك بعد قليل- أتت من سعي المؤلف لتملق الإمام يحيى وإلقاء اللوم في أسباب التخلف على الشعب.
سجل المؤلف (في الجزء الأول من الرحلة) وصفاً دقيقا ً لتفاصيل رحلته الأولى إلى اليمن سنة 1927م، منذ وصوله إلى عدن قادماً بطريق البحر من بورسعيد ومنها إلى الحديدة، بطريق البحر أيضا، ثم وصف رحلته من الحديدة إلى صنعاء، وسجَّل مشاهداته وانطباعاته في أثناء رحلته، ووصف القرى والمدن التي مرَّ بها، والأشخاص الذين التقاهم في طريقه، وكذلك لحظات وصوله إلى صنعاء، وفترة إقامته بها، ومقابلته للإمام يحيى ولكثير من السياسيين والعلماء والتجار..الخ، ووصف مدينة صنعاء ومبانيها ومنشآتها...الخ. مستخدما في ذلك لغة سهلة غير متكلفة، هي أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، ولهذا شاع فيها كثرة اللحن وعدم الاهتمام بقواعد اللغة.
واستكمل هذا القسم أيضا بوصف رحلة مغادرته صنعاء إلى عدن عبر لحج بأسلوبه المذكور آنفًا. ثم أضاف إليه بعد ذلك ما استجد في رحلته الأخيرة من مقابلات لبعض الشخصيات والوفود الأجنبية التي وصلت إلى صنعاء للتفاوض مع الإمام يحيى من أجل عقد بعض الصفقات (السياسية أو التجارية)، وزود هذا القسم بنصوص بعض الاتفاقيات والمعاهدات التي عقدتها اليمن مع عدد من الدول العربية والأجنبية خلال عقد الثلاثينيَّات من القرن العشرين( ).
أما الجزء الثاني من الكتاب فقد خصصه المؤلف لأخبار رحلته إلى مأرب، وكان هذا الجزء مهماً جداً، لأنه أول شخص يقوم بمثل هذه الرحلة إلى مأرب، وأول رحالة بعد إدوارد جلازر الذي زار مأرب في نهاية القرن التاسع عشر.
ولم يذكر المؤلف أي شيء عن رحلته الثانية إلى اليمن سنة 1929م برفقة البعثة الجيولوجية الأمريكية التي أرسلها شارلز كرين، ولم يذكر شيئا كذلك عن رحلته إلى السعودية.
ملاحظات عامة على الرحلة:
قام المؤلف بهذه الرحلة مرافقا للسياسي ورجل الأعمال الأمريكي شارلز كرين ومترجماً له، وقد ذكر المؤلف ذلك في توطئة الرحلة، وفيها إشارات خفيفة له فى نص الرحلة، ولكن دور السيد كرين اختفى تماما وأصبح المؤلف هو بطل الرحلة وصاحب القرار فيها، ويتحدث في الجوانب المهمة والرئيسة في الرحلة مستخدِمًا ضميرَ المتكلم (المفرد): وصلت.. قابلت.. زرت.. أذن لي جلالة الإمام.. الخ. وفي المسائل المعتادَة واليسيرة يتكلم بضمير (الجمع): سافرنا.. وصلنا، لبيانِ أن معه مرافقين من الإمام: حراسًا وخدمًا..
وعلى الرغم من أن المؤلف قد استبعد رفيقه من الرحلة ظلت بصماته مهيمنة على الرحلة بشكل كبير.
كنت قد قرأت الرحلة في مرحلة مبكرة من العمر (ربما كنت آنذاك في المرحلة الإعدادية) واستوقفني حينئذٍ أمران:
الأول: ورود جزء كبير من نصوص الرحلة على شكل حوار، (سؤال وجواب) والأمر والآخَر: اهتمامه المبالغ فيه باليهود في كل مكان ينزل فيه على طول خط رحلته. وتبادر إلى ذهني-حينئذٍ-عندما ذكر المؤلف أنه نشر معظم مادة الرحلة في جريدة (الجزيرة) الدمشقية أنه يعمل صحفيا، لـذا جاءت بعض النصوص على شكل حوار صحفي (سؤال وجواب)، ثم عرفت فيما بعد –عند اشتغالي بتحقيق الكتاب- أن المؤلف كان يدون معظم يوميات الرحلة مباشرةً، ولأنه كان يقوم بدور المترجم، فقد كان يدون الحوار بنصه قبل أن يضيع من ذاكرته. أما الأمر الثاني (الاهتمام باليهود) فلم أجد له –حينئذ- أي تفسير منطقي، فحالة اليهود في اليمن لا تختلف كثيراً عن حالتهم في معظم الدول العربية، ومنها سورية، أي أن هذا لم يكن محور اهتمام المؤلف، بل هو من اهتمام شارلز كرين؛ فقد كان من مهام رحلته الطويلة في الدول العربية استطلاع الرأي العام العربي ومدى تقبله لمسألة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ولذلك حرص السياسي الأمريكي على زيارة اليهود في محطات رحلته في اليمن، وسؤالهم عن أحوالهم وعلاقتهم باليهود في فلسطين والوكالة اليهودية.. الخ.
وكان السيد كرين بعد عودته إلى القاهرة من رحلته إلى الحجاز واليمن سنة 1927م قد ألقى محاضرة عن رحلته تلك في \"جمعية الرابطة الشرقية\"، ونشرتها مجلة \"المنار\" في ثلاث حلقات( )، ومن مقابلة بعض ماذكره شارلز كرين في محاضرته، بماذكره المؤلف، يتبين لنا كيف نسب المؤلف أحداث الرحلة إلى نفسه، ومثالٌ على ذلك ما ورد في محاضرة السيد كرين:
\"وفي اليوم الثاني (لمقابلة محمد راغب بك) قابلنا الإمام على انفراد، في غاية الحفاوة والإكرام، فقال لي إنه يُؤذن لي أن أذهب حيث شئت بتمام الحرية، وأن آخذ رسم (صورة) ما أريد أيا كان ماعدا رسم شخصيته...\"( ).
وذكر العظم هذا الخبر بالصيغة الآتية :
\"بعد مضي ثلاثة أيام على وصولنا إلى صنعاء، أذن لي جلالته بالمثول بين يديه... فقال: هل من حاجة تريدون قضاءها؟ وهل أنتم مستريحون في داركم؟ قلت: الحمد لله والشكر لمولانا الإمام، إننا بحسب أنظاركم والتفاتتكم على غاية ما يرام، ونرغب أن نصور بعض الصور فى صنعاء وضواحيها لنحفظها كذكرى لزيارتنا البلاد السعيدة، فقال: لك أن تصور ما شئت ومن شئت ما عداي أنا...\" (ص...)
وحتى زيارة مأرب فقد كانت تلك الزيارة من أمنيات السيد كرين ورغباته التي لم تتحقق له، إما بسبب شك الإمام يحيى في الأجانب، أو لأن الأمن لم يكن مستتباً هناك فعلا كما أقنعه الإمام يحيى. قال شارلز كرين: \"كنت شديد الرغبة في الرحلة إلى سبأ، وعلى الخصوص لمشاهدة السد القديم الذي كان مصدر خصبها وزهوها.. وأما الإمام، فمع أنـه شديد الحرص على إعطائي كل ما أطلب، إلا أنه قال لي في شأن هذه الأمنية: إن هذه الرحلة من المستحيلات.. لأن قبائل تلك الناحية على أعظم جانب من التعصب.. فلا يأذنون لأجنبي أن تطأ قدمه أو يقترب منها... ومما قال لي الإمام: إن بعثة ألمانية ذهبت للبحث في تلك الناحية قبل الحرب العالمية، فلم يبق البدو على أحد من رجالها\". (ص..)
وهذه الرغبة في زيارة مأرب تحققت لنزيه العظم عند زيارته الأخيرة لليمن سنة 1936م.
ولعل المؤلف عندما نسب الدور الرئيسي في الرحلة لنفسه واستبعد دور السيد كرين فيها ينطلق من أسباب نفسية عند تحريره الجزء الأول من الرحلة ونشره على شكل حلقات في إحدى الصحف في دمشق، فربما استحيا، وهو سليل أسرة آل العظم العريقة، وله دوره النضالي المشرف في النضال ضد الوجود العثماني أولا، ثم ضد الاحتلال الفرنسي بعد ذلك، أن يكون مجرد تابع ومرافق لشخص أجنبي. وأعتقد أن الإمام يحيى أعطاه من الاهتمام والتقدير أكثر مما أعطاه للسيد كرين، لما نعرفه من شخصية الإمام يحيى الذي لا يثق بالأجانب، ولا سيما غير المسلمين منهم، لأسباب سياسية ودينية. وقد ألمح إلى ذلك شارلز كرين في محاضرته عن أسلوب مقابلة الإمام يحيى له، قال: \"ثم إن الإمام، وإن أبدى لي حين مقابلته مزيد المجاملة، وأباح لي الحديث على غاية الإخلاص، لم ير من الحكمة أن يظهر لي قط العناية أمام الجمهور، إذ كان من الضروري له أن يحتفظ بمقام الاستقلال العظيم بل بشيء من الاستخفاف بالأجانب مراعاة للقبائل العربية المتعصبين في الحدود الشرقية..\"( ).
وربما أغراه اهتمام الإمام يحيى به، ودفعه إلى تضخيم دوره في الرحلة واستبعاد دور رفيقه شارلز كرين، وأرجح أن المؤلف كان يرسل للإمام ما ينشره عن رحلته، وموقف المؤلف هذا سيحظى برضى الإمام يحيى ومباركته بلا شك، فنشر حديثه ومقابلته مع عربي مسلم أفضل من أن ينسب ذلك لأجنبي غير مسلم. وهذا السبب أيضاً هو الذي دفع المؤلف إلى الانحياز إلى الإمام يحيى والدفاع عن سياسته، حتى وهو يصف في رحلته مظاهر البؤس والتخلف والفقر الذي يعيشه عامة الشعب، بل وصل به الحال إلى إلقاء اللوم على اليمنيين واتهامهم بعرقلة جهود الإمام يحيى وحكومته الرامية إلى تطوير اليمن، وبخاصة في المجال الزراعي. قال في وصفه للأراضي الزراعية في اليمن: \"وتصلح زراعة الأرز في سهل جهران الذي يبعد عن صنعاء نحو 30كم، كما تصلح زراعة الأرز في أراضي الجوف وغيرها من الأراضي الكثيرة المياه، ولكن ويا للأسف لم يهتم اليمانيون برغم جهود إمامهم وحكومتهم لترقية الزراعة الاهتمام الكافي الذي يعود عليهم بالأرباح الطائلة. وجلالة الإمام يبذل جهوداً حسنة في ترقية الزراعة، ولكن من الواجب على الشعب أيضا أن يؤازر إمامه وحكومته لتحصل الفائدة المطلوبة\". (ص...)
وفي حواراته مع مختلف الفئات الاجتماعية نجده يثبت نص الحوار كاملاً إذا كان فيه مدحٌ للإمام، وما أكثر هذا الحوارات في الرحلة، وإذا كان في الحوار شيءٌ من النقد للإمام أو سياسته فإنه يتهرب منه، أو ينقله مختصرا. أما إذا سمع نقداً صريحا لسياسة الإمام فإنه يتصدى للمنتقد ويرد عليه كما حدث مع أحد اليهود الذين قابلهم المؤلف في (المخادر) في طريقه إلى عدن، إذْ شكا اليهودي من الضرائب المفروضة (على المسلمين) والتعسف في تحصيلها، فنهره المؤلف وبين له أن الضرائب التي يأخذها الإمام تعد يسيرة مع الضرائب التي كان يدفعها المواطن في ظل الحكم العثماني.
وعلى الرغم من سعة اطلاع المؤلف وتخرجه في أهم جامعة في ذلك الوقت (الجامعة الأمريكية في بيروت) وتجربته السياسية والفكرية، وتنقله بين عدة دول كانت تعد آنذاك متقدمة موازَنَةً باليمن، نجدُ أنَّ انحياز المؤلف إلى جانب الإمام يحيى جعله يتجنب أي نصح مباشر للإمام لتطوير اليمن والنهوض به والخروج من عزلته كما فعل غيره من العرب الذين زاروا اليمن، وتمكنوا من لقاء الإمام يحيى، وجاءت نصيحته الوحيدة في الكتاب على شكل نصيحة عامة موجهة لكل الملوك والزعماء العرب داعياً إياهم لنشر التعليم والأخذ بأسباب الحضارة والانفتاح على الغرب بإرسال البعثات العلمية إلى البلدان الغربية لدراسة العلوم الحديثة التي تؤهلهم للنهوض ببلدانهم.. وإذا لم يرغبوا في إرسال أولادهم إلى الغرب فيمكنهم الاستفادة من خبرات إخوانهم العرب في مصر والشام. قال المؤلف بعد ذكر أهمية التعليم والانفتاح على الغرب: \"ولذلك صار من الواجب على ملوك العرب وأمرائهم أن يفكروا في هذه الأمور وأن يديروا وجوههم شطر الغرب فيرسلوا بعثات من أولادهم ورعاياهم إلى البلاد الغربية ليدرسوا فيها العلوم والفنون الضرورية لترقية بلادهم وتقدمها، فهم بحاجة إلى زُرَّاع ومهندسين وأطباء وصيادلة وعسكريين وغيرهم، فلا ضير عليهم ما دام لا يوجد عندهم مدارس تخرج هؤلاء الأخصائيين أن يرسلوا بعثات من فلذات أكبادهم إلى ديار الغرب ليتعلموا في مدارسها ومعاملها هذه الفنون والعلوم. وإذا كانوا لا يرغبون في إرسال أولادهم إلى الغرب فليستعينوا بمصر والشام لتقدما لهم الأطباء والصيادلة والمهندسين والعسكريين والطيارين.. الخ. إن نظرية العزلة التي لا يزال أمراؤنا وملوكنا محافظين عليها ظناً منهم أنها تبعدهم عن الخطر وتحمي بلادهم من التعديات أصبحت في هذا العصر عصر الكهرباء والطيران نظرية بالية لا تسمن ولا تغني من جوع\". (ص ...)
ومن بين السلبيات ومظاهر التخلف الكثيرة التي لاحظها المؤلف في زياراته المتعددة لليمن، فإن النقد الوحيد الذي وجهه المؤلف بصورة مباشرة وصريحة كان للسادة الهاشميين؛ وذلك سماحُهم للناس بتقبيل أيديهم ورُكَبِهم. قال في أثناء حديثه عن رحلته إلى مأرب: \" وبينما كنت عائدًا إلى الدار رأيت العامل (عامل مأرب) قد خرج، وخرج القوم خلفه وأخذوا يقبلون يديه وركبتيه وهو يردّ تحيتهم بلطف ووداعة، وفي الحق هذه عادة غريبة عند هؤلاء العرب الصناديد، وأنا واثق أنهم لا يقبلون يدي العامل تزلفًا إليه أو خوفًا منه، لأنهم قوم لا يفهمون معنى الزلفى، ولا يهابون الموت أو يرهبون الردى، وما دفعهم لهذه المظاهر سوى احترامهم لنسب هذا السيد الشريف الذي ينتمي لسيد البشر محمد بن عبد الله  ولكني ألوم السادة ومن حذا حذوهم في إعطاء يدهم لغيرهم لتقبيلها، وأخصّ السادة باللوم لأن سيّد البشر جدهم الأعظم صلوات الله عليه كان يكره هذه العادة وينهى عنها، وجدير بهم أن يحذوا حذوه\" (ص...). وقد اختار المؤلف هنا التعريض بعامل مأرب، دون الإمام يحيى وأولاده وكبار رجال دولته.
عملي في التحقيق:
ـ حاولت قدر المستطاع تصحيح الأخطاء التي وقع فيها المؤلف في رحلته ولا سيما أخطاؤه في أسماء الأعلام والبلدان، وكذلك أسماء بعض الأدوات والأشياء.. الخ.. ويرجع ذلك إما إلى تسرع المؤلف في النقل عن بعض المصادر التي نقل عنها مثل (الإكليل) و(صفة جزيرة العرب) للهمداني و(تاريخ اليمن) للواسعي( )، وإما إلى الاعتماد على بعض المعلومات الشفوية التي تلقاها من بعض من لقيهم وقابلهم خلال تنقُّلاته في اليمن؛ وأعتقد أن بعض تلك الأخطاء التي نقلها عن مصادر شفويه ترجع إلى اختلاف اللهجات، ولا سيما لدى العامة غير المتعلمين في مختلف مناطق اليمن التي مرَّ بها، فهولاء -عادة- يتكلمون على سجيتهم، وبلهجتهم المحلية، وما أكثر اللهجات آنذاك قبل اختلاط اليمنيين بغيرهم من العرب، وقبل شيوع وسائل الإعلام التي قربت ليس بين أصحاب اللهجات المحلية في اليمن فقط، بل بين مختلف اللهجات في العالم العربي.
ـ عرَّفت ببعض الأعلام الذين ذكرهم المؤلف أو التقاهم في رحلته، وكذلك بعض القرى والنواحي التي زارها المؤلف، ولم يتيسر لي التعريف بجميع الأعلام، وبخاصة غير المشهورين منهم، لأن بعضهم لم تذكره مصادر التاريخ والمراجع اليمنية الحديثة المتاحة لدي، لأنني حققت هذه الرحلة وأنا خارج اليمن في (دولة الإمارات العربية المتحدة) فلم أتمكن من سؤال كبار السن، أو أقاربهم عنهم.
ـ صنعت فهارس فنية للكتاب: فهارس الأعلام، والأماكن والأدوات الحضارية.. الخ التي تيسر الإفادة من الكتاب.
ـ أشرت في ما سبق إلى أن المؤلف قام بأولى رحلاته إلى اليمن برفقة السياسي الأمريكي شارلز كرين، وأن هذا الأخير ألقى محاضرة عن رحلته تلك في جمعية الرابطة الشرقية بالقاهرة، ونشرت \"مجلة المنار\" ترجمة لتلك المحاضرة على ثلاث حلقات في المجلد الثامن والعشرين، لسنة 1927م، ونظراً لأهمية هذه المحاضرة بوصفها جزءًا مكملاً لهذه الرحلة، رأيت نشرها ملحقًا لهذا الكتاب.
وفي الختام أتوجه بالشكر الجزيل للأديب والشاعر الأستاذ محمد أحمد السويدي صاحب الفضل في نشر هذا الكتاب ضمن مشروعه التنويري المهم \"ارتياد الآفاق\" الساعي لإحياء الأدب الجغرافي (المهمل والمنسي) في تراثنا العربي بصورة عامة، وأدب الرحلات منه بصورة خاصة، وأشكر كذلك الصديقين العزيزين: الشاعر نوري الجراح والشاعر علي كنعان، وكافة العاملين في هذا المشروع.
والحمد لله في البدء والختام.
أبو ظبي، في الثالث من شهر شعبان سنة 1430هـ
الموافق: الخامسَ والعشرين من شهر يوليو/ تموز سنة 2009م
عبد الله يحيى السريحي

 

  
كتب من نفس الموضوع 1269 كتاباً
رحلة ابن بطوطة
رحلة ابن جبير
سفر نامه
رحلة ابن فضلان
تاريخ المستبصر
المزيد...
  

أعد هذه الصفحة الباحث زهير ظاظا .zaza@alwarraq.com


مرآة التواصل الاجتماعي – تعليقات الزوار