مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف 1929

تأليف : أيمن حجازي
الولادة : 1970 هجرية
الوفاة : 1 هجرية

موضوع الكتاب : الرحلات

تحقيق : 'NA'

ترجمة : 'NA'



إقرأ الكتاب
نقاشات حول الكتاب
كتب من نفس الموضوع (1279)
كتب أخرى لأيمن حجازي (1)



() التواصل الاجتماعي – أضف تعليقك على هذا الكتاب

 

قصة الكتاب :
الأمير شكيب أرسلان
حرَّرها وقدَّم لها
أيمن ياسين حجازي
المقدمة
السفر والترحال متعة وترويح عن النفس برغم ما يعتري المسافر من المتاعب والمصاعب، وما يتطلب من وقت وجهد ومال. ولن نأتي بجديد إذا قلنا إن الرحلة مغامرة لاكتشاف المجهول واطلاع على حضارات الشعوب الأخرى، لكن الكشف عن هذه الكنوز يمنحنا متعة متجددة. وقد أثمرت الرحلات التي وضعها الرحالة والمسافرون العرب أدباً خاصاً بها قوامه تسجيل الرحَّالة لمشاهداته وتأملاته وانطباعاته خلال رحلته من طبيعة، وعمران، وحضارة، ونشاط بشري. ومن المؤكد أنَّ هذه المدوَّنات تتيح الاطلاع على ما في البلاد الأخرى، والتعرف على أنماط معيشية جديدة، وعادات وطقوس ربما لم يعرفوها أو يسمعوا بها من ذي قبل، فتكفي القارئ عناء السفر أحياناً، لكنها غالباً ما تحثّه على زيارة تلك النواحي، إن هي أثارت فيه الرغبة لمشاهدتها عن كثب.
وتشرق في خاطري الآن بضعة أبيات للإمام الشافعي في فوائد السفر:
سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقُه وانصَب فإنَّ لذيذَ العيشِ في النَّصَبِ
إنّي رأيتُ ركودَ الماءِ يفسدُه إن سالَ طاب وإن لم يجرِ لم يَطِبِ
والأسدُ لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب

وحين نستعرض سير هؤلاء الرحالة نرى أن منهم من دوَّن رحلته أولاً بأول، ومنهم من خطَّ تفاصيلها بعد الفراغ منها، فاعتمد على قوة الذاكرة واتساع المخيلة، وهذه القدرة تختلف من مسافر لآخر، فتترك أثرها في قيمة الرحلة ودقَّة المعلومات الواردة فيها. ومن الرحلات ما يعدُّ غنياً بالمعلومات والفوائد، ويمكن اعتباره وثيقة قيمة في بعض الحالات، وهو ما ينطبق على رحلة الأمير شكيب أرسلان (1869- 1946م) إلى الحج سنة 1929، فقد ألقت هذه الرحلة الضوء على بلاد الحجاز وزوّدتنا بمادة معرفية قيمة عن تاريخ هذه البلاد وجغرافيتها وخيراتها وأبرز ما يميزها اقتصادياً واجتماعياً، وقد قيضت للأمير لغته أن يدوِّن يوميات أدبية حافلة بالجمال والروعة، ومكَّنته من استدعاء كلِّ ما في مخيلته من صور ومشاهد وانطباعات عنها، ليرسم لنا في هذه الرحلة صورة ما رأى وسمع بكل ما تحفل به هذه الصورة من تفاصيل وجزئيات.
يمتاز رحَّالتنا بشخصية ذات شأوٍ اجتماعي وأدبي مرموق، فقد كان لشكيب أرسلان تأثيره الكبير في حركة اليقظة والإصلاح مطلع القرن الماضي، لاسيَّما مع ما أصاب الإمبراطورية العثمانية من تداعٍ وما ظهر عليها من عوارض الانهيار.

أمير البيان
ولد شكيب أرسلان في 1 رمضان 1286هـ الموافق لـ 25 من ديسمبر 1869- وتُوفي 9 ديسمبر سنة 1946م في قرية الشويفات التي تبعد عن بيروت قرابة عشرة أميال وتتبع لمنطقة الشوف. وهو شكيب بن حمود بن حسن، ويتسلسل نسبه حتى يبلغ جد الأسرة الذي اشتهرت به، وهو الأمير أرسلان، الذي يمضي نسبه ضارباً في أحشاء الزمن حتى يبلغ المنذر بن ماء السماء اللخمي كما جاء في المصادر العربية وبينها أعلام الزركلي.
في الخامسة عشرة من عمره تعلم تلاوة القرآن الكريم وحفظ أجزاء منه. التحق بالمدرسة الأمريكية في الشويفات، ثم بمدرسة الحكمة في بيروت، وكانت يومذاك مشهورة بإجادة تعليم اللغة العربية على أصولها وقواعدها، وكان أكثر الأساتذة تأثيراً فيه عبد الله البستاني. بعد ذلك درس الفقه الإسلامي في المدرسة السلطانية، وزار دمشق ثم مصر والتقى في القاهرة بالشيخ محمد عبده، وسافر إلى الآستانة واجتمع بجمال الدين الأفغاني، ثم إلى فرنسا فتعرف إلى الشاعر أحمد شوقي، وأخيراً عاد إلى لبنان.
كان شكيب يتقن اللغات الفرنسية والتركية والإنجليزية وله اطلاع على الألمانية، فضلاً عن لغته الأم (العربية) التي كان من عشَّاقها الكبار وكتّابها المرموقين حتى حاز على لقب \"أمير البيان\". عُيِّنَ مديراً لمدرسة الشويفات لسنتين، ثم قائم مقام لمقاطعة الشوف فترة ثلاث سنوات. واختير نائباً عن حوران في مجلس المبعوثان 1909.
كان شكيب أرسلان عثماني النزعة، رأى في الخلافة العثمانية عزّاً للإسلام وقوَّة للعرب، وحظي بمكانة مرموقة في ديوان السلطان العثماني وبشكل خاص عند جمال باشا الملقب بالسفاح. لكن الأمير، الذي طالما جرى الغمز من قناته من قبل الوطنيين الشوام بسبب هذه العلاقة، وظف حظوته عند جمال باشا لمصلحة قومه. وفي هذا السياق كم من المظالم أمكنه رفعها عن بعض المثقفين وأهل الفكر ممن كان صدر جمال باشا يضيق بهم. لكن الجفوة بين الأمير والسفاح سرعان ما وقعت بسبب ميل الأخير إلى العنف وأحكام الإعدام التي أصدرها بحق الأحرار العرب، فحاول الأمير شكيب التوسط لدى الباب العالي، بل وربَّما شكا جمال للسلطان عبد الحميد، وهو ما أدى إلى نهاية العلاقة بينهما.
بعد الحرب العالمية الأولى استقرَّ أرسلان ببلدة مرسين التركية القريبة من الحدود السورية. وبسبب ما رآه من السلوك المتعصب للنخبة التركية الحاكمة التي أخذت تتخلى عن العرب والعربية لصالح نزعتها الطورانية نفر من تركيا وأخذ يدعو إلى وحدة عربية. وفي سبيل هذا الهدف القومي سافر إلى برلين وأخذ يكتب ويجاهد بقلمه في سبيل الإسلام والعروبة. بعد ذلك انتقل إلى جنيف واستقرَّ بها. وفي 1922 شارك في الوفد السوري الفلسطيني للدفاع عن القضايا العربية أمام جمعية عصبة الأمم بجنيف، ثم أسس جمعية (هيئة الشعائر الإسلامية) في برلين 1924م لتهتم بأمور المسلمين في البلاد الألمانية.
نعود إلى شكيب أرسلان الرحَّالة، ففي سنة 1929 شد الأمير رحاله إلى أرض الحجاز حاجاً إلى بيت الله الحرام، وهناك استقبله الملك عبد العزيز آل سعود، وكان من ثمرات رحلته هذا النص الذي وضعه تحت عنوان مرهف هو \"الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف\". وفي سنة 1930 قام برحلة إلى إسبانية، ودوّن وقائعها في كتاب أسماه \"الحلل السندسية في الآثار والأخبار الأندلسية\". وضع أرسلان العديد من المؤلفات في حقلي التاريخ والأدب، وكان نشاطه كمحاضر مدافع عن قضايا العرب والمسلمين مشهوداً له في شتَّى المحافل. وكانت وفاته إثر وقوعه في المرض حدثاً أليماً للثقافة العربية.

هذه الرحلة
كان الأمير شكيب أرسلان يعيش في سويسرا بعيداً عن الوطن عندما عقد العزم على القيام بهذه الرحلة إلى الديار المقدَّسة التي تعتبر في حياة المسلم حدثاً فارقاً. بدأت الرحلة سنة 1929م، أي في الثلث الأول من القرن العشرين، في وقت سبقه انتزاع الملك عبد العزيز بن سعود مكَّة من الشريف حسين سنة 1924م، وفي ظل انتشار حالة من الأمن والاستقرار في أرجاء المنطقة بعد أن عاشت ردحاً من الزمن تعمَّها أحداث متفرقة من السلب والنهب وانعدام الطمأنينة.
انطلق الأمير في رحلته من لوزان في سويسرا متجهاً إلى نابولي الإيطالية، ومن ثم إلى بور سعيد مجتازاً السويس إلى بحر رابغ (الأحمر) ليصل جدَّة، ومنها إلى مكَّة. ومن أم القرى تجوَّل في كثير من الأماكن التابعة للطائف. وكان الأمير شكيب طوال الرحلة يعنى بأدق الأمور والتفاصيل، ففي كلِّ موقف يذكر ما يناسب هذا الموقف من وصف أدبي أو تاريخي أو جغرافي وما إلى ذلك، فعند وصوله جدَّة أخذ يصفها وبحرها ويعلّل لنا غرابة ألوان بحرها الذي يحاكي مسرحاً من الطواويس في بديع ألوانه وتنوعها، ومنظر البواخر الراسية في مينائها، ثم يصف العمران، ويخلع من ذاته على الوصف الشيء غير القليل، فيصف المشاعر التي انتابته عندما دخلها، لاسيما الشعور بالحرية التي كانت تفتقدها معظم البلاد العربية آنذاك لوجود المستعمر الأوربي فيها، وكانت الحجاز حرّة من سيطرة الأجنبي. وقد عبَّر عن سعادته باستقبال الملك عبد العزيز بن سعود له وكان الأمير يكنُّ له تقديراً كبيراً.
وفي حركته عبر الجغرافيا الحجازية والنجدية يصف الأمير شكيب في رحلته كل ما وقع نظره عليه، فلا يكاد يرى قرية أو وادياً أو جبلاً أو سهلاً إلا وصفه لنا أدقَّ الوصف، فذكر محاسنه وعيوبه والأحوال المعيشية فيه والقاطنين به، وما دار به من أحداث في الماضي والحاضر؛ ولم يفته أن يطلعنا على ما تحتويه كل منطقة من معادن ومقدرات وأماكن وجودها وكيفية العمل على استخراجها.
وقد أورد الرحَّالة معلومات جغرافية عن المنطقة ذات أهمية كبيرة تزيد القارئ معرفة بتضاريس تلك المنطقة وأحوال سكانها وخيراتها.
ولما كان أرسلان يتمتع بثقافة تاريخية واسعة وذخيرة معرفية وفيرة فقد بثَّ في سطور رحلته معلومات غزيرة حول تاريخ الجزيرة العربية على مرِّ العصور معرّجاً على أهم الأحداث والمناسبات التي كان لها الأثر البارز في تاريخ المنطقة، فتناول مياه الحجاز وعمرانه ومياه مكَّة منذ الجاهلية وفجر الإسلام حتى العصر العباسي، وبيَّن لنا كيف بذلت زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد جهوداً كبيرة في جرِّ هذه المياه من وادي نعمان إلى مكَّة، وتكلَّم عن سوق عكاظ وعن آثار الحضارة العربية في الطائف، والكثير غير ذلك، ممَّا جعل للرحلة أهمية تاريخية بالغة الأثر.
وفي مكَّة المكان الذي يجعل النفس طائراً يحلق في سماوات الطهر والنقاء، فإنَّ الرحَّالة لا يغفل عن رصد الأسواق وملاحظة الناس وتأمل مجرى حياتهم اليومية، فيذكر لنا أنه تمَّ جلب جميع أنواع الخضار والفواكه والأقمشة والبضائع المتنوعة إلى مكَّة من مختلف جهات الأرض ليجد الحاج فيها كلَّ ما يريده. ولكن الأهم من ذلك كلّه هو المياه، فقد أفرد باباً عن مياه مكَّة قديماً وحديثاً، وأخذ يعرض حال العيون والآبار الارتوازية التي اعتمدت عليها مكَّة كمصدر للمياه منذ القديم وفق تسلسل تاريخي ذاكراً خلاله أهم الأعمال والجهود التي تضافرت لتأمين المياه التي تعدُّ سبباً رئيساً لاستمرار الحياة، ولا شكَّ أن أهمية المياه تتضاعف في البلاد الحارَّة فالماء والخضرة تساعد على تلطيف الجو وتعين الإنسان على احتمال الحرِّ الشديد الذي يتعرَّض له في هذه البلاد.
وفي عرفات لا تكفي الأمير عيناه وانطباعاته الخاصة عن مشهد الوقوف ومواكب الحجَّاج فنراه يستعين بوصف ابن جبير الأندلسي لهذا المشهد، وقد يكون السبب هو شعور الأمير أنَّ الموقف أكبر من أن يصفه بقلمه.
وفي حديثه عن العمران في الحجاز مناسبة للمرور على الآثار العمرانية للوزير الجواد الاصفهاني الذي شاد الفنادق في الطرقات وبنى المنازل في الفلوات، إلى غير ذلك من المآثر التي يتحلَّى بها تاريخ المنطقة، مقارناً ذلك بشغف ملوك الإسلام بالعمران، كما هو الحال بالنسبة إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر الذي بنى قصر الزهراء في قرطبة، هذا القصر الذي كان يتصرَّف في عمارته من الخدام والفعلة عشرة آلاف رجل يومياً، فكم يبلغ من المساحة والضخامة مثل هذا البناء؟ وكم يحتوي من الفنون المعمارية الراقية؟ ويرى أن هذا الأثر كان حافزاً مشجعاً للخلف على القيام بمثل هذه الأعمال التي تدلُّ على الرقي العمراني عند المسلمين منذ قيام دولتهم الأولى.
وفي حديثه عن مواسم الحج في مكَّة يتوقَّف طويلاً عند المطوِّفين فيها والمزوِّرين في المدينة المنوَّرة، وقد تقاسم هؤلاء العالم فيما بينهم إلى ولايات ومقاطعات والبلد إلى عدَّة أقسام، فمثلاً أناس يأخذون دمشق وأناس يأخذون حمص وغيرهم يأخذون حلب، وكذلك حال القاهرة والإسكندرية وغيرها من البلاد، ولا يتم تجاوز مطوّف على آخر ولا مزوّر على آخر إلا بناء على طلب الحاج، كأن يطلب حاج المنيا النزول عند المطوّف أو المزوّر المسؤول عن حاج الفيوم مثلاً. وهذا الفصل يعدُّه الكاتب من أهم فصول الرحلة فيستفيض بالبحث والوصف لهؤلاء المطوّفين والمزوّرين. ويتحدَّث بشكل موجز عن اعتداء الحكومات الإسلامية على أوقاف الحرمين، وكذلك طمس الدول المستعمرة لأوقاف المسلمين فيذكر أسباب هذا العمل وكيفية الردِّ عليه. ثم يتكلَّم عن الزاهر من ضواحي مكَّة، وينتقل بعدها إلى الطائف مارّاً ببعض القرى والأودية، والمناظر الطبيعية. ويمكن اعتبار الفصل المخصص للطائف من الرحلة أكبر فصولها. فهو يبدأ بوصف طبيعتها وموقعها الجغرافي ومساحتها واتساعها وارتفاعها عن سطح البحر وهوائها النقي الذي يطرد من الصدور غبار الأمراض والعلل. ويستشهد ببعض الآراء التي قيلت بالطائف ومكانتها وسماتها، فكأنها – كما يقول الرحَّالة - حارة من حارات مكَّة وهي مصيف لها ومتنفَّس لساكنيها. والطائف منذ أن يشرف الإنسان عليها يشعر بالارتياح والانتعاش، أمَّا البنيان والعمران فله نصيبه أيضاً من الوصف. ويعتبر أرسلان أن هواء الطائف أشبه بهواء الشام في اعتلاله. وفي ما يشبه انتعاشة المتنزه يطنب الأمير في وصف مرئيات وتذكر أحداث واستعادة تواريخ وأسماء، فمن المعالم في الطائف مسجد ابن عباس وضريحه، وقصَّة إسلام عروة بن مسعود، ووفود ثقيف على النبي (ص) بعد فتح الطائف، وعلماء المدينة من السلف، وأشهر الرجال المولودين فيها، حتى يشمل الكلام الحجَّاج بن يوسف الثقفي وبعض ممارساته الفظيعة. ويذكر لنا من شعراء الطائف: العرجي، وأمية بن أبي الصلت، وطريح بن إسماعيل الثقفي، وغيلان.
ويخصص الرحالة باباً عن تخطيط الطائف ويدعمه بعرض جغرافي، وذكر لبعض آثار حضارة العرب فيها، ومن ثم إشراف الحجاز على العمران لوجود الظروف الملائمة والمناخ المناسب لهذا العمران.
وفي حديثه عن بعض المدن والقرى في الحجاز يقترح أرسلان الطريقة الواجب اتباعها لعمران الحجاز الاقتصادي. ولم يفته الاهتمام الجيولوجي فأخذ يعدِّدُ أماكن وجود المعدن الثمين (الذهب) في جزيرة العرب، ويورد من كلام الهمداني ما جاء في هذا السياق، ويرفق تقريراً علمياً يدرس أرض الحجاز وصخورها، بالإضافة إلى رسالة في معادن اليمن. ويبيِّن فضل جبال جزيرة العرب وطيب هوائها، والمتنزهات في الطائف، ويذكر قرية الفرع ويعتبرها أفضل مصيف في الدنيا بسبب موقعها المتميّز، وسكان الطائف اليوم، ويستطرد في الحديث عن قبائل الحجاز بين الحرمين.
ولا يفوته أن يذكر خبر اغتيال مدحت باشا ومحمود باشا الداماد في قلعة الطائف سنة (1883م).
كتبت الرحلة بأسلوب أدبي سلس وجذَّاب واستخدم الكاتب كلمات وعبارات منتقاة ترسم لنا مشاهداته بصور بديعة، كما هو الحال في وصفه بحر جدَّة: \"كنت كيفما نظرت يمنة أو يسرة أشاهد خطوطاً طويلة عريضة في البحر أشبه بقوس قزح في تعدّد الألوان، وتألُّق الأنوار، من أحمر وأزرق وبنفسجي وعنَّابي وبرتقالي وأخضر الخ. ولا فرق بين هذه الخطوط وبين قوس قزح سوى أنَّ هذه الخطوط مستقيمة وأنَّ قسي قزح مقوّسة، وأنَّ هذه في السماء، وهاتيك في الماء، وقد تشبه هذه الخطوط ذيول الطواويس\". ويزيد من أسلوبه الأدبي تأثيراً تلك الأشعار التي ضمَّنها في نصه، وهي إما من نظمه أو من نظم شعراء آخرين، وهدفه من ذلك في النهاية إيصال المعلومة إلى القارئ بجاذبية وإمتاع.

***
اعتمدنا في إخراج هذه الطبعة من الرحلة على الطبعة الأولى التي ظهرت سنة 1931 عن مطبعة المنار بمصر والتي وقف على تصحيحها وتعليق هوامشها الشيخ محمد رشيد رضا.
وقد وجدنا في النسخة المعتمدة تعارضاً في ترتيب بعض الفصول مع الفهرس الذي جاء في ذيلها وأرجح أن يكون واضعه الأمير نفسه، وهو الترتيب المنطقي لفصول الرحلة وأبوابها، ومن المحتمل أن يكون الاختلاف في الترتيب قد حصل أثناء جمع هذه النسخة، فقد ورد ذكر الشاعر أمية بن أبي الصلت بين بابي: (أمير الطائف الملقب بالصحابي) و (الكلام على الطائف)، والأصح أن يرد مع ذكر شعراء الطائف. وهذا جعل فصل (الكلام على الطائف) يرد متأخراً إلى ما بعد باب: (عود إلى الطائف وآثار حضارة العرب فيها) فأجريت التعديلات اللازمة ليكون تسلسل الفصول حسب ورودها في الفهرس.
وقد قمنا بتوثيق الآيات القرآنية الواردة في الرحلة فوضعناها في الحواشي مشيرين إلى السورة ورقم الآية، وبحثاً عن سهولة ويسر تناول هذه الرحلة بكلِّ ما ورد فيها من المعلومات الغزيرة والقيّمة أضفنا شروحاً لبعض الكلمات والجمل التي قد يراها جيل الشباب غريبة على الاستعمال بعض الشيء. وقد أشرت إلى الحواشي التي تمَّت إضافتها على النص بحرف (م) اختصاراً لكلمة (محرر). وتم تذييل الرحلة بكشَّاف حضاري وفهارس لتسهل على القارئ عملية البحث، ويشمل هذا الكشَّاف أهم التصنيفات: (آيات قرآنية، أحاديث نبوية، أجناس وقبائل، أعلام، أماكن....).
ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى المقدمة التي كتبها الشيخ محمد رشيد رضا مصدراً بها الطبعة الأولى، وقد رأينا أن ندرجها في ملاحق الكتاب. كذلك نشير إلى الاستدراكين اللذين وردا في ذيل الكتاب فقد أخذنا بالأول وأدرجنا ما أضافه الكاتب على نصه من نقص في مكانه من النص، أما الاستدراك الثاني فأوردناه في ملاحق الكتاب لتعذر إدراجه بالشكل المرجو. وفي هذا السياق يهمنا أن نشير إلى أننا حرصنا على استدراك الأخطاء التي وقعت في الطبعة الأولى ونبَّه إليها الناشر في آخر الكتاب، فصوبناها في مكانها.
أخيراً نرجو أن نكون قد وفّقنا في إخراج هذا العمل إلى النور بالصورة اللائقة به كعمل يجمع بين الانطباعات الشخصية ذات اللمسة الأدبية والالتقاطات النابهة والأفكار التحررية والوصف الطبيعي والجغرافي والاستعادة التاريخية والتي جمع ما بينها فكر نيِّر وقلم له مكانته في دنيا الثقافة العربية.


أيمن ياسين حجازي
أبوظبي: 8- 7- 2003

 

  
كتب من نفس الموضوع 1279 كتاباً
رحلة ابن بطوطة
رحلة ابن جبير
سفر نامه
رحلة ابن فضلان
تاريخ المستبصر
المزيد...
  
كتب أخرى لأيمن حجازي1 كتاباً
رحلة الصدّيق إلى البيت العتيق

أعد هذه الصفحة الباحث زهير ظاظا .zaza@alwarraq.com


مرآة التواصل الاجتماعي – تعليقات الزوار