أبو سعيد السيرافي كان "ينسخ في اليوم عشر ورقات بعشرة دراهم ليعيش".
عاث البويهيون في العراق خراباً وفساداً، وفعلوا الأعاجيب من اقتسام الملك، وبث الفوضى والعبث بالخلفاء المسلمين طيلة 113 سنة فترة تسلطهم على العراق، وقد صور التوحيدي ذلك لأنهم أرادوا محو الوجود العربي، فكانوا على حد قوله : "أعجوبة الأعاجيب في اقتسام الملك وانتشار الفوضى، وذيوع الفتنة والاضطراب والعبث بسلطان الخلفاء، والتحكم في مصايرهم على ما يحلو للمهيمن المتسلط من الولاة والحكام". فعصر غلبت على أيامه قسوة الحكام البويهين والمواجع التي قاسى منها عامة الناس، طالت سلبياته الكتاب والأدباء، الذين ذاقوا من تلكم الانعكاسات السلبية الأمرين، ومنهم التوحيدي الذي نجده وقد تأثر بظروف عصره السياسية، وقد انعكس ذلك كله في مسامراته للوزير ابن سعدان، إذ غالباً ما تراه ينفعل إزاء ما يسمع، ثم يتخذ مواقف سياسية جريئة في كتاباته، ويصدر أحكاماً في رجال سياسيين اشتهروا في عصره كالصاحب بن عباد وابن العميد وابن سعدان مسامره في الامتاع والمؤانسة. ونجد كل ذلك حين أشار للعامة في الامتاع والمؤانسة وروايته لحكايات الشطار والعيارين، وما فعلوه من اضطرابات في البلاد من حركات وتمرد على السلطة علاوة على النقد الذي وجهه التوحيدي في أمثاله ونوادره التاريخية والسياسية. ويعد الواقع السياسي آنف الذكر كما عكسته مؤلفات ابن حيان – للحالة الاجتماعية العامة، امتداداً حتمياً للحالة السياسية القائمة وقتذاك، وقد أورد أبو حيان أمثلة كثيرة عن حالة البؤس التي انحدر اليها مفكرو وأدباء عصره. فهذا استاذه (أبو سعيد السيرافي) وعنده عالم العالم وشيخ الدنيا ومقنع أهل الأرض، لكنه كان "ينسخ في اليوم عشر ورقات بعشرة دراهم ليعيش".
|