إكسير الذهب في صناعة الأدب (المؤلف : ابن فضّال المجاشعي) إكسير الذهب في صناعة الأدب
إحدى مؤلفات ا بن فضّال المجاشعي (ت 479هـ) الضائعة، والتي تبلغ في مجموعها ما يزيد على مائة وعشرة مجلدات، وأردت أنا أن أزين كتابي "قصة الكتاب" بالتعريف بإحدى مؤلفات ابن فضّال، فاخترت هذا الكتاب ويقع كما قال ياقوت في خمسة مجلدات، وهو أشهر مؤلفات ابن فضّال، وبه قامت شهرته وسار مذهبه في النحو فيقال في التراجم : (قرأ نحو ابن فضّال) والمقصود مذهبه في النحو المبثوث في هذا الكتاب، والملخص في كتابه "المقدمة في النحو" وقد افتتح الذهبي ترجمته بقوله: (إمام النحو). وأشهر من قرأ عليه النحو والأدب وتخرج به الإمام الحريري صاحب المقامات. وفي ترجمة الظهير البيهقي في الوافي: (وقرأت على أبي جعفر المقرئ إمام الجامع القديم بنيسابور نحو ابن فضال ...) وفي ترجمة ابن فضال في معجم الأدباء لياقوت نقلا عن الحافظ السلفي أنه قال: قال الرئيس أبو المظفر =أي: الأبيوردي= أنشدني أبو القاسم ابن ناقيا (ت485هـ) في ابن فضالٍ المجاشعي المغربي قال: ودخلت دار العلم ببغداد وهو يدرس شيئاً من النحو في يومٍ باردٍ فقلت:
(أليوم يوم قارس بارد =كأنه نحو ابن فضال) ..(لا تقرءوا النحو ولا شعره = فيعتري الفالج في الحال)..
وابن ناقيا عداده في الزنادقة له مؤلفت في كل فن، وكلها ضائعة سوى بضعة أبيات بقيت من ديوان له كبير.
ألف ابن فضّال كتابه الإكسير بطلب من الإمام أبي المعالي الجويني (478هـ) وتناقل المؤرخون قصة طريفة تتعلق بذلك أذكرها هنا للخلاف في ألفاظها ومؤداها، قال عبد الغافر الفارسي فيما نقله السبكي في طبقاته في ترجمة أبي المعالي: (ولقد سمعت الشيخ أبا الحسن علي بن فضال بن علي المجاشعي النحوي القادم علينا سنة تسع وستين وأربعمائة يقول وقد قبله الإمام وقابله بالإكرام وأخذ في قراءة النحو عليه والتلمذة له بعد أن كان إمام الأئمة في وقته وكان يحمله كل يوم إلى داره ويقرأ عليه كتاب إكسير الذهب في صناعة الأدب من تصنيفه فكان يحكي يوما ويقول ما رأيت عاشقا للعلم أي نوع كان مثل هذا الإمام فإنه يطلب العلم للعلم وكان كذلك).
وترجم ياقوت في معجم الأدباء لابن فضال فنقل شيئا من كلام السمعاني في (ذيل تاريخ بغداد) ولم ينسبه إليه قال بعدما رفع نسبه إلى الفرزدق ثم إلى مجاشع: (هجر مسقط رأسه ورفض مألوف نفسه، وطفق يدوخ بسيط الأرض ذات الطول والعرض، يشرق مرةً ويغرب أخرى، ويركب القفار ويأوي إلى ظل الأمصار برهةً حتى ألم بغزنة فألقى عصاه بها، ودرت له أخلافها فلقى وجه الأماني، وصنف عدة تصانيف بأسامي أكابر غزنة سارت في البلاد، ثم عاد إلى العراق وانخرط في سلك خدمة نظام الملك مع أفاضل العراق، ولم تطل أيامه حتى نزل به حمامة، وكان إماماً في النحو واللغة والتصنيف والتفسيروالسير. صنف كتاب التفسير الكبير الذي سماه البرهان العميدي في عشرين مجلداً، وكتاب النكت في القرآن، وكتاب شرح بسم الله الرحمن الرحيم وهو كتاب كبير، وكتاب إكسير الذهب في صناعة الأدب والنحو في خمسة مجلداتٍ، وكتاب العوامل والهوامل في الحروف خاصةً، وكتاب الفصول في معرفة الأصول، وكتاب الإشارة في تحسين العبارة، وكتاب شرح عنوان الإعراب، وكتاب المقدمة في النحو، وكتاب العروض، وكتاب شرح معاني الحروف، وكتاب الدول في التاريخ. رأيت في الوقف السلجوقي ببغداد منه ثلاثين مجلداً ويعوزه شيء آخر، وكتاب شجرة الذهب في معرفة أئمة الأدب. وقيل إنه صنف كتاباً في تفسير القران في خمسٍ وثلاثين مجلداً سماه كتاب الإكسير في علم التفسير، وكتاب معارف الأدب كبير نحو ثمانية مجلداتٍ. وله غير ذلك من الكتب في فنونٍ من العلم، وأقام ببغداد مدةً وأقرأ بها النحو واللغة، وحدث بها عن جماعةٍ من شيوخ المغرب. وذكر هبة الله السقطي أنه كتب عن ابن فضالٍ أحاديث قال: فعرضتها على عبد الله بن سبعون القيرواني لمعرفته برجال الغرب فأنكرها وقال: أسانيدها مركبة على متونٍ موضوعةٍ، واجتمع عبد الله بن سبعون في جماعةٍ من المحدثين وأنكروا عليه فاعتذر وقال: إني وهمت فيها....إلخ)
قال:
(وحدث محمد بن طاهرٍ المقدسي وكان كما علمت وقاعةً في كل من انتسب إلى مذهب الشافعي لأنه كان حنبلياً. سمعت ابراهيم بن عثمان الأديب الغزي بنيسابور يقول: لما دخل أبو الحسن بن فضالٍ النحوي نيسابور واقترح عليه الأستاذ أبو المعالي بن الجويني أن يصنف باسمه كتاباً في النحو وسماه الإكسير وعده أن يدفع إليه ألف دينارٍ، فلما صنفه وفرغ منه ابتدأ بقراءته عليه، فلما فرغ من القراءة انتظر أياماً أن يدفع إليه ما وعده أو بعضه فلم يدفع شيئاً، فأنفذ إليه الأستاذ: عرضي فداؤك ولم يدفع إليه حبةً واحدةً. قلت أنا: وبلغني عقيب ذلك أنه ورد بغداد وأقام بها ولم يتكلم بعد في النحو وصنف كتابه في التاريخ). وردت العبارة الأخيرة كاملة في تاريخ الذهبي ونصها: (فأرسل إليه: إنّك إنّ لم تفي بما وعدت وإلاّ هجوتك. فأنفذ إليه على يد الرسول: نكثتها، عرضي فداؤك. ولم يعطه حبة)
ونبه الذهبي إلى خطأ ياقوت فيما نسبه إلى محمد بن طاهر المقدسي قال: (قال السمعاني سألت أبا الحسن محمد بن أبي طالب الكرخي الفقيه عنه فقال ما كان على وجه الأرض له نظير وعظم أمره ثم قال كان داودي المذهب وسألته عن ذلك فقال اخترت مذهب داود فقلت له ولم قال كذا اتفق.. قلت وهذا أصح مما قال ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة علي بن فضال المجاشعي كان ابن طاهر وقاعاً في من ينسب إلى مذهب الشافعي لأنه كان حنبلياً فإن ابن طاهر ما كان حنبلياً بل هذه صفة ابن ناصر لأنه كان شافعياً ثم تحنبل وتعصب فلعل ياقوت انتقل ذهنه من ابن ناصر إلى ابن طاهر)
ووقع خطأ من ناسخ كتاب التاريخ للإمام الذهبي وفيه (مسقط رأسه هجر) ونقل السيوطي فحوى هذا الخطأ فقال في "طبقات المفسرين": (ولد بهجر) لأن الذهبي نقل كلام السمعاني وياقوت وفيه: (هجرَ مسقطَ رأسه ورفض مألوف نفسه، وطفق يدوخ بسيط الأرض ذات الطول والعرض، يشرق مرةً ويغرب أخرى ...إلخ) والصحيح الذي لا شك فيه أن مسقط رأسه القيروان. ووقع خطأ آخر في ميزان الاعتدال للذهبي في اسم أبيه وهو فيه "علي بن فضالة" ولم ينبه لذلك الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" مع أنه ذكره في أماكن أخرى باسمه الصحيح علي بن فضال، منها في مادة المجاشعي قال: (المجاشعي : علي بن فضال) وفي مادة ابن فضال قال: (ابن فضال: هو علي المجاشعي) وهو كذلك "علي بن فضالة" في معاهد التنصيص، خطأ مطبعي لأنه استشهد بشعره في مكان آخر من كتابه فقال: وما أحسن قول ابن فضال:
(كأنّ بهرَامَ وقد عارضَتْ = فيه الثريا نظرَ المبصرِ).. (ياقوتةٌ يعرضها بائعٌ = في كفه والمشتَري المشترِي)..
ولم أعثر على ترجمة لابن فضال في كتب طبقات المذاهب ؟ وهو القائل:
(أحب النبي وأصحابه= وأبغض مبغض أزواجه) ..(ومهما ذهبتم إلى مذهبٍ = فمالي سوى قصد منهاجه)..
وهو صاحب الأبيات السائرة والتي أولها:
" وإخوان حسبتهم دروعا ... فكانوها ولكن للاعادي "
وترجم له الزركلي في الأعلام ورجع في ترجمته إلى (بغية الوعاة 345 وسير النبلاء - خ. المجلد الخامس عشر. ولسان الميزان 4: 249 وإرشاد الاريب 5: 289 وإنباه الرواة 2: 299.)
|