رحلة اعيان اليمن إلى استنبول (المؤلف : غمضان الكبسي) رحلة غمضان الكبسي (1277- 1358هـ - 1860 – 1939م) إلى الأستانة بصحبة الوفد اليمني الذي نزل ضيفا على السلطان عبد الحميد
أما عن سبب استدعاء هذا الوفد إلى استنبول فيقول المؤلف ما ملخصه أنه في يوم 19/ من ربيع الأول 1325 (الموافق 2/ أيار/ 1907م) وصل إلى صنعاء وفد من قبل السلطان عبد الحميد، يتألف من صاحب السماحة محمود أسعد أفندي والفريق ثابت باشا، والفريق هادي باشا والمريلاي أحمد بن محمد الخباني الصنعاني، والقائمقام عثمان بيك ، وفيضي أفندي وطيار أفندي. وحال وصولهم اجتمعوا بحضرة المشير دولتلو احمد فيضي باشا وبلغوه الإرادة السلطانية باطلاق المحابيس كافة، وأن حضرة السلطان عفا عن البواقي التي في ذمة الأهالي إلى نهاية سنة 1326 رومي.
وان حضرة السلطان الأعظم يستدعي بعض ذوات من السادات والعلماء والأعيان والمشايخ للدخول إلى حضرة العلية. ثم أورد فرمان السلطان عبد الحميد.
ثم سمى أعضاء الوفد الذي انتخبوا من البلاد اليمنية لمقابلة السلطان عبد الحميد، وكان القصد من وراء كل هذا الحيلولة دون انجرار البلاد اليمنية وراء الإمام يحيى حميد الدين (1286-1367هـ 1869-1948م) الذي تولى الإمامة بعد وفاة والده عام 1322هـ فأعلن الحرب على الحكومة العثمانية في صنعاء، قال الزركلي: وكانت صنعاء فى أيدى الترك (العثمانيين) فهاجمها وحاصرها، فاستسلمت حاميتها، ودخلها، فأعادوا الكرة عليها، فانسحب منها رأفة بأهلها. وواصل القتال فى آنس وقرية الحمودى والأشمور (شمالى صنعاء) وخولان وسنحان ورجام والحيمة وصُنعة (من بلاد ذمار) إلى سنة 1326 فعُزل الوالى التركى (أحمد فيضى باشا) وكان قاسياً عنيفاً، وعُين (حسن تحسين باشا) فكان عاقلا اتفق مع الإمام يحيى على أن لا يعتدى أحدهما على الآخر، وهدأت المعارك. وعزل حسن تحسين (سنة 1328) وعين وال يدعى (محمد على باشا) لا يقل قسوة عن أحمد فيضى، فعادت الثورة، وحوصر الترك فى صنعاء. واشتدت المعارك ولقيت الجيوش العثمانية الشدائد فى تلك الديار، فأرسلت حكومة الآستانة وفداً برئاسة (عزت باشا) اتفق مع الإمام يحيى، وكان يومئذ فى (السُّودة) شمالى صنعاء، على الاجتماع فى دعّان (باشمال الغربى من عَمْران) وأمضيا شروطاً للصلح أوردها الواسعى فى تاريخ اليمن. وانتهى الأمر بجلاء الترك عن البلاد اليمنية (سنة 1336) ودخل الإمام صنعاء. وخلص له ملك اليمن استقلالا. وطالت أيامه ....
وأقتطف من الرحلة هذه الفصول وهو يسمي يوم الثلاثاء يوم الثلوث، ويوم الأربعاء يوم الربوع قال:
وفي يوم الثلوث 7 جمادى الأولى (سنة 1325) عزمنا فوق العربيات لزيارة جامع السلطان محمد الفاتح ورأينا خارج الجامع قبره في وسط قبة مزخرفة بأنواع العجائب ومدفون جنبه السلطان أحمد والسلطان إبراهيم،فشاهدنا من بنائها وزخرفتها ما يبهر العقول.
زيارة دار المصورين
ثم خرجنا منها وعزمنا إلى دار المصوّرين التي فيها صور العساكر الانجليز الذين أفناهم السلطان محمود رحمه الله، فرأيناهم قائمين بذواتهم التي كأنهم على قيد الحياة باقية صورهم بدهان الزئبق وكل ثلاثة أربعة مشغولين بما كانوا فيه أيام حياتهم بعضهم ماسك السيف وبعضهم بالخناجر، وبعضهم يضرب بالآلات الملاهي، وبعد أن تَفَرَّجنا عليهم وعلى تلك العجائب التي تهيل العقول، ورجعنا إلى دار الضيافة.
ويوم الربوع نسمنا.
وفي يوم الجمعة 10 جمادى الأولى صدرت الإرادة السنية بأن نصلّي صلاة الجمعة في الجامع الحميدي كالجمعة السابقة، فعزمنا إلى الجامع المذكور وشاهدنا حضرة السلطان والتفت إلينا حال دخوله إلى الجامع وأشار إلينا بالسلام بيده دفعتين وبعد أداء الصلاة رجعنا إلى دار الضيافة.
وفي يوم السبت 11 جمادى الأولى، أمر حضرة السلطان بعزمنا إلى هِركة للتفرج على الفابريقات والصنائع التي فيها فركبنا العربيات حتى وصلنا إلى الاسكله، ثم نزلنا وقدموا لنا بابور صغير منتظم فدخلناه ومشى بنا في البحر إلى أن خرجنا إلى البر في جهة اسكدار وركبنا فوق الشمنذوفر وعزم بنا كالبرق الخاطف مسافة ساعتين ونصف ونحن نشاهد منه البيوت والعمائر الأنيقة والأشجار والأعناب من كل نوع في مدة الساعتين والنّصف المذكورة التي هي في البر مسافة ثلاثة أيام، وهذه المحلات والبساتين تسمى الصيفية حتى وصلنا هركة ورأينا فابريقات الصنائع التي من جملتها الفايريقه حق عمل المفارش ووجدنا داخلها نحو خمسمائة من البنات كبار وصغار يشتغلن المفارش الأنيقات، واشترى بعض أصحابنا من مفارشها، ثم دخلنا معمل القماشات وغير ذلك مما يبهر العقول، ميع تلك الفابريقات بمكائن الماء والنار.
وبعد أن خرجنا منها دخلنا بستان ظريف قد أعدوا لنا فيه الغداء من أنواع الفاكهة
والحنيذ فأكلنا واسترحنا وصلَّينا الظهر والعصر في جامع ظريف مزخرف وخرجنا وأتوا لنا بالقهوة والشَّراب وأكروا كل واحد منا بطاقة من حرير من معملات هركة.
ثم رجعنا في الشمنذوفر إلى أن وصلنا إلى البحر في اسكدار وركبنا البابور الصغير
حتى وصلنا إلى الإسكله، ونزلنا وركبنا فوق العربيات حتى وصلنا محلنا دار الضيافة.
ويوم الاثنين 13 جمادى الأولى عزمنا للتَفّرج على بستان طلمة بعجة وسراياها التي عمرها السلطان عبد العزيز المعدة لنزول حضرة السلطان لمعايدة الأعياد، ورأينا في السرايا المذكورة أنواع العجائب من المفروشات وحتى أن جميع آلاتها وقناديلها من البلور والفضة، ورأينا جميع المصورات في جدرانها مطلية بالذهب من الحيوان والأوادم، وفيها صورة السلطان عبد العزيز راكب على فرس، وصورة السلطان عبد الحميد، وبالجملة فإنها مما تبهر لرؤيتها العقول حتى من الجملة رأينا في سوحها شذروان يطلع في الهواء مقدارالصومعة وينزل ماؤه كأنه اللؤلؤ بكمال الإحكام والانتظام، ولا ندري كيف صنَعوه، ولعله بالماكينات والآلات المحكمة.
وفي صباح يوم الجمعة توجه آغا دار السعادة عبد الغني آغا، وكثير من الكبراء
لإستقباله. وفي هذا اليوم وصل إلينا الفريق ثابت باشا، والفريق هادي باشا، وبلّغونا سلام حضرة الملك، وقالوا: نحن قد بَلَّغنا إلى الملك جميع أحوال اليمن وما بقي لزوم عليكم بعرضها، ولكن يأمر حضرة الملك أن تنّظّموا لائحة بما يصلح ولاية اليمن.
الاستفسار عن حال القائم باليمن
وحينئذ نظمنا لائحة فيها اثنين وعشرين بَنداً وقَدَّمناها بمعرفة مدير الدائرة وانتظرنا أن يرسلوا لنا للمذاكرة فأضربوا عن ذلك إلاَّ أنه بعد مدة وصل إلينا الشّيخ السيد محمد أبو الهدى وقال نسألكم عن القائم باليمن، ولازم عليكم نصيحته بترك هذا المسلك الذي هو عليه، وإذا كان يريد معاشاً فالسلطان يقرر له معاش كبير ودار أينما يريد يسكن في صنعاء أو المدينة المنورة.
فأجبنا بأن احنا سنبذل النّصيحة
|