التنبيه على ألفاظ الغريبين (المؤلف : ابن ناصر السلامي) كتاب في تصحيح أخطاء أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (ت 401) في كتابه (الغريبين) وهو غير الإمام أبي عبيد صاحب (غريب الحديث) وقد حكى ابن ناصر في مقدمة كتابه سبب تأليفه فقال بعدما ساق مجموع إجازاته بالكتاب : (وأخبرنا أيضاً به إجازة عن أبي عثمان الصابونّي عن أبي عبيد، وأحضرتُ نسخةً بالكتاب مسموعة من أبي عُمَر المليحيّ وأبي عثمان الصابوني، والنسخة وقفٌ، فقرِئَ عليه منه إجازة عن الشيخينِ عن المصنّف في رباطِ الشَّيخ الإمامِ العالمِ برهانِ الدِّين عليّ بنِ الحسينِ الغزنويّ، أيَّده الله، وحضر قراءة الكتاب فسمعه أجمعَ، وأحضرَ نسخةً له فعُورِض بها وقتَ القراءةِ، وكتبتُ فيها سماعَنا بخطي، فعثرت فيه على كلمات في أحاديث قد وقع في ألفاظها تغيير وتصحيفٌ، وقد فُسِّرتْ على التصحيف بما لا يوافقُ الحديثَ ولا معناه، وسمعتُ فيه تفسير آيات غير جائز ولا مسموع، وتأويلات بعيدة من المعاني المذكورةِ في كتبِ المعاني التي قالَتْها علماءُ العربيَّةِ ونَقَلةُ التَّفاسيرِ عن السّلفِ. ولا يليقُ ما ذكره بالقرآنِ والحديثِ، إذ القرآن لا يفسَّر بالرأي، وإنما يفسر بما نقل في السنة والأثر، ووافق لغة العرب. فأكثرتُ منْ ذلك تعجُّبي، إذ قال في ابتداء الكتاب: "و ليس لي فيه قولٌ إلاَّ أني جمعتُ فيه أقوالَ العلماءِ وألَّفت ذلك"، ولم أرَ ما ذكره مما خالفَ فيه النَّقلَ والصوابَ مَسْطوراً في كتاب مفسّر غيره. فحضر عندي بعض أهلِ العِلمِ، وله فهمٌ بالتفسير والمعاني، فاعتذرت إليه باشتغالي بقراءة الحديثِ والنَّسخِ وغير ذلك. ثم إنّه كرَّر عليّ السؤال، وهو ممَّن يوجبُ سؤالُه، فعلقت منه ما وقع فيه التَّصحيفِ في حالِ القراءةِ والسماعِ، ولم أتتبعِ الكتابَ بالنظرِ والاستقصاءِ، إذ فيه أشياءُ تحتاج إلى نظرٍ وتأمّلٍ وتدبّرٍ، فجرّدت منه الألفاظَ التي وقع فيها السَّهو والتّحريف، والغلَطُ والتَّصحيفُ، وإنْ كانَ الكتابُ المصنَّفُ لا يَعْرى مصنّفه من غلطٍ وسهوٍ.
ومن أمثلة الكلمات التي زل أبو عبيد في قراءتها كلمة (نقطة) في حديث عائشة (ر) "قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فارتدَّتِ العربُ، واشرأبَّ النفاقُ بالمدينةِ فلو نزل بالجبالِ الرواسي ما نزلَ بأبي لهاضها، فوالله ما اختلفوا في نقطةٍ إلاّ طارَ أبي بحظِّها وغَنَائها في الإسلام". فقد قرأها أبو عبيد (بقطة) وقال المؤلف بعدما أدلى بحججه في تخطئة أبي عبيد:
ولا أعلم أحداً ذَكَرَ هذا التفسيرَ الذي ذكرهُ. وكان يجبُ عليه أن ينظرَ في ذلك ويطالعَ كتبَ العلماءِ في غريبِ الحديثِ، لأنّه قالَ: "مالي في الكتابِ شيء إلاّ جمعي لهُ من كتبِ العلماءِ"، فيا عجباً أما نظرَ في "غريب الحديث" لأبي عبيد الذي هو الأصل في هذه الكتبِ؟ أو كتابِ إبراهيم الحربيِّ، أو أبي بكرٍ الأنباريِّ فكان ينقل هذه اللفظة على الصوابِ؟ لكنّه عجز عن ذلك فأخطأَ الصوابَ.
ومن أمثلة ذلك تصحيفه (نبيك) إلى (بيتك) في حديث أبي هريرة (ر) للوزان (حسبُكَ منَ الرَّهْقِ والجّفاءِ ألا تعرفَ نبيّكَ) قال: (وهذا تصحيفٌ قبيحٌ من الغلمانِ المتعلِّمينَ، فكيفَ من العلماءِ الفاضلينَ؟ وتفسيرهُ خطاٌ فاحشٌ يدلُّ على أنَّ قائله لم يجالس العلماءَ والأدباءَ، ولا أئمةَ الحديثِ الحفَّاظَ الفضلاءَ، بل نقلَهُ منَ الكتبِ وصحَّفه تصحيف المعلِّمين المغفَّلينَ الأغبياء)
أما مؤلف الكتاب الحافظ ابن ناصر السلامي (467 – 550) فهو أستاذ ابن الجوزي والسمعاني، ونسبته السلامي إلى دار السلام (بغداد) تركي الأصل، وكان يتحبب إلى أمه فيقول عن نفسه (فارسي الأصل) وأمه رابعة بنت الشيخ أبي الحكيم الخبري، من قرية تسمى (الخبْر) بشيراز، وقد ترجم ابن رجب ترجمة مطولة لابن ناصر سمى فيها أسماء جدوده الأتراك، وترجم له ياقوت فقال بعدما أثنى على علمه وضبطه: (كان وقاعة في العلماء مغرى بالمثالب) وترجم له الصفدي في الوافي فقال بعدما ذكر قصة تحوله من الشافعية إلى الحنبلية وقضائه كل صلاة صلاها قبل ذلك: (وحكمت على الشيخ ابن ناصر بالجهل وقلة العقل والتصور وعظم التهور، ومما بلغني من جهله وقلة عقله أنه أراد ذم أبي بكر الخطيب صاحب التاريخ فضاقت مسالك الذم عليه فقال: إنه كان فاسقاً يعشق والدي وكان والدي يلازم صحبته لذلك ويكثر فوائده فمن ههنا قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل).
|