عجائب الهند
(المؤلف : بزرك)
على الدوام كانت حياة سكان دول الخليج تمتاز بعنايتها الواسعة بأخبار رحالة البحار، وقصص العائدين بسفنهم من مصارعة الأعاصير، ومفاجآت السواحل والجزر، وكانت معظم هذه القصص تدور حول اكتشاف جزيرة مجهولة، أو اعتراض قراصنة البحر، أو رؤية حيوان بحري مهيب، ياتي وصفه غالبا بشيء من المبالغة، التي لا تخلو من أساطير تلتقي مع قصص (الف ليلة وليلة) فيما تنتمي إليه من أجواء الخيال والتشويق.
ويعتبر كتاب (عجائب الهند) للناخذاه بزرك بن شهريار الرامهرمزي، من أشهر الكتب التي جمعت حشدا كبيرا من هذه القصص والأخبار، إضافة إلى معلومات علمية بحتة تتعلق بوصف رياح البحر ومواقيتها، وأسماء الجزر ومقدار ما بينها من المسافات. وقد جاءت معظم أحاديث المؤلف على شكل روايات رواها شفويا عن كبار ربابنة السفن في عصره، وهي عموما تمثل جيلا بكامله من ربابنة البحار العرب في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، ومثال ذلك ما نقله عن أبي الحسن السيرافي أنه رأى بعمان في سنة (300هـ) سمكة، سارع امير عمان (احمد بن هلال) لمشاهدتها، وكان الفارس يدخل من فكها ويخرج من الجانب الآخر وهو راكب.... وحمل في سنة (310هـ) من عمان إلى المقتدر، سمكة رفع فكها من الروشن، ولم يدخل من ابواب القصر.
ومن ابرز الربابنة الذين نقل عنهم أخبارهم وتجاربهم: أبو زهر البرختي، وابن لاكس، وابن بابشاد، وإسماعيلويه، الذي يذكر من أخباره أنه حارب اسطولا من أساطيل قراصنة البحر، وكان عدد سفن القراصنة سبعين بارجة، استمر في محاربتها ثلاثة ايام. وذلك سنة (317هـ) وكان يحمل في سفينته تجارة كبيرة، كانت قيمة ما دفعه من ضرائب على دخولها إلى عمان ستمائة الف دينار.
طبع الكتاب لأول مرة بعناية المستشرق (فان درليت) عام (1883م) وكتب عنه كراتشكوفسكي في كتابه (تاريخ الأدب الجغرافي العربي) ضمن رحلات العرب البحرية. والأستاذ حسين فوزي في كتابه (حديث السندباد) ولا يتمالك القارئ كما يقول إلا أن يحس بالنفحة البحرية تهب على صفحاته، والقوة والحركة تسري في أعطافه. وخصه الأستاذ حسن صالح شهاب بدراسة موسعة صدرت عن المجمع الثقافي بعنوان (كتاب عجائب الهند لبزرْك بن شهريار بين الحقيقة والأسطورة) ألقى فيه الضوء على أهم صفحات الكتاب، وشرح كل ما يتعلق فيه من مصطلحات ربابنة البحر. وحدد أسماء الجزر والمدن الواردة في الكتاب، حسب أسمائها الجديدة، فالزابج قديما هي (تايلاند) وقمار هي (كمبوديا) و(الصنف) هي فيتنام، و(ملقة) هي (ماليزيا) ورياح الشرتا، هي (الأزيَب) وطبع الكتاب مؤخرا بتحقيق شيخنا عبد الله الحبشي (أبوظبي: المجمع الثقافي 1421هـ 2000م)
|