درء تعارض العقل والنقل (المؤلف : ابن تيمية) أجمل مؤلفات ابن تيمية وأكثرها فائدة، وأحراها بالدراسة والتحقيق. كان لأمراء الترك والهند حرص بالغ على اقتنائه. تناول ابن تيمية فيه مسألة تعارض العقل والنقل عند جميع فلاسفة الإسلام، فكان بمثابة موسوعة تضم مختلف آرائهم ونظرياتهم. طبعت أقسام من الكتاب لأول مرة سنة (1322هـ) على هامش طبعة بولاق لكتاب (منهاج السنة) وتقدر هذه الأقسام بربع الكتاب. وطبع كاملا لأول مرة سنة (1399هـ 1979م) في السعودية، بتحقيق د. محمد رشاد سالم، في عشرة مجلدات عدا الفهارس. وقد ألفه ابن تيمية = كما رجح المحقق = بعدما تجاوز الخمسين، لقوله في بعض فصول الكتاب: (وقد كنا صنفنا في فساد هذا الكلام مصنفا قديما من نحو ثلاثين سنة....) ويرجح أنه ألفه بعد خروجه من السجن سنة 712هـ وبعد عودته من مصر إلى دمشق في أواخر السنة نفسها، وذلك لأنه يقول في بعض فصوله: (ولما كنت بالديار المصرية سألني من سألني من فضلائها...)
اشتهر الكتاب بأكثر من عنوان، منها: (الموافقة بين المعقول والمنقول) و(رد تعارض العقل والنقل) و(الجمع بين العقل والنقل) وورد اسمه في بعض مخطوطاته: (فسطاط الإنصاف والعدل في درء تعارض العقل والنقل).. وسماه ابن تيمة نفسه بعدة أسماء في كتبه التالية: (منهاج السنة) (النبوات) (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان). وسماه ابن القيم (بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح) ووصفه بأنه كتاب لم يطرق العالمَ له نظير في بابه، هدم فيه قواعد أهل الباطل من أسها، فخرت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيد فيه قواعد أهل السنة والحديث، وأحكم رفع أعلامها، وقررها بمجامع الطرق التي تقرر بها الحق من العقل والنقل والفطرة، فجاء كتاباً لا يستغني من نصح نفسه من أهل العلم عنه) (طريق الهجرتين وباب السعادتين: الطبعة المنيرية ص195).
وقال ابن عبد الهادي في (العقود الدرية في مناقب ابن تيمية): (كتاب حافل عظيم المقدار، رد الشيخ فيه على الفلاسفة والمتكلمين، وله كتاب في نحو مجلد، أجاب فيه عما أورده كمال الدين ابن الشريشي على هذا الكتاب) وكانت وفاة ابن الشريشي سنة (718هـ) قال: (ويقع في أربعة مجلدات كبار، وبعض النسخ في أكثر من أربع مجلدات) وذكر البزار في كتابه (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية) أنه في سبع مجلدات، ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف الكرمي في كتابه (الكواكب الدرية في مناقب ابن تيمية).
واعتمد المحقق في نشرته هذه على (8) نسخ من مخطوطات الكتاب، وأطال في وصفها ومقارنتها، وأقدمها نسخة شستربتي في دبلن بإرلندا، فرغ ناسخها من نسخها يوم (13/ ذي القعدة/ 733هـ) بمدرسة ابن المنجا بدمشق. والناسخ: يوسف بن عبد الله بن محمد بن يوسف المقدسي. إلا أنها غير كاملة، بل هي جزء، يضم أقساما من الكتاب، انظر تفصيل ذلك (ص48) من مقدمة المحقق.
و منها نسخة نواب ميرزا خان، وقد تملكها يوم 6/ فبراير/ 1882م وفي ظهر الصفحة الثانية من هذه النسخة نص رسالة عبد الله بن حامد إلى ابن قيم الجوزية، في وصف الكتاب، وفي استعجاله إرسال نسخة من كتابه (فهرست مؤلفات ابن تيمية) وهي من نوادر الرسائل، نقلت عن ظهر نسخة (العقود الدرية) لابن عبد الهادي، انظر خلاصتها في نوادر النصوص على الوراق..
ومنها: نسخة محمد راغب باشا (1110هـ 1176هـ) والي مصر ما بين سنتي (1159 و 1161) ثم والي حلب عام (1168هـ) وفي حلب عثر على نسخته وتملكها، وكتب لها تعريفا يدل على سعة اطلاعه وعلو منزلته في الأدب.، انظره (ص24) من مقدمة المحقق. وتقع هذه النسخة في (676) صفحة. بلا تاريخ ولا اسم للناسخ. قال راغب باشا: (ولكن هذه النسخة قد ملكناها هكذا، ساقطة منها كراستان أو أقل، من آخرها، ومن الأول، أوانَ ولايتنا بحلب الشهباء، سنة (1169هـ) فلعل الله يوفقنا لإتمامها بجاه النبي عليه الصلاة والسلام وآله وأصحابه الكرام. كتبه الفقير إلى ربه ذي المواهب، محمد المدعو بين الوزراء بالراغب...) وتوجد هذه النسخة بمكتبته التي لا تزال تحمل اسمه في استنبول، ولها فهرس مشهور، طبع باستنبول سنة (1310هـ) بعنوان (فهارس كتبخانة راغب باشا). ولإعطاء فكرة عن مادة الكتاب أستعرض هنا الجزأين الخامس والسادس منه، ففي الجزء الخامس من (ص 1 حتى ص 152) رد على ابن سينا في كتابيه (الأضحوية والإشارات) وأتبعه بملخص لكتاب الإمام أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية (من ص157) وفي الجزء السادس من (ص 14 حتى ص 173) مناقشة ابن سينا في كلامه عن (مقامات العارفين) في كتابه الإشارات (ج3 و4) انظره على الوراق وأوله (الفصل السابع إشارة أول درجات) وفيه أيضا (أي الجزء السادس) نقد لابن رشد في (تهافت التهافت) من (ص210 حتى ص 249) ومناقشة الفخر الرازي (ص 8 وص 272 حتى 352). والكلام على كتاب الإحياء للغزالي (ص57 وص و211 و239) وقد تناول الغزالي وابن رشد وكتابيهما في مواطن كثيرة من كتابه، انظر كمثال على ذلك: (ج3 ص390 -454) (ج8 ص136- 155) (ج9 ص386 -400) (ج10 ص 132- 185).
|