مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث

«نساء ولكن» للسعودية نور عبدالمجيد... الرواية بأحلام وردية

بقدر ما تقترب رواية «نساء... ولكن» من الفقر، تتخذ المعالجة والمونولوغات أعمق أشكالها وبقدر ما تبتعد عنه تبدو أشبه بنسق «البست سيللر»، وهذه ليست مذمة، فبعضها بديع جداً، ولكن تصبح أقرب إلى القصص الشعبية ذات الأحلام الوردية.رواية من المدرسة الواقعية، كأن المعاناة الاجتماعية محركها ومحرك مؤلفتها، الكاتبة السعودية نور عبدالمجيد. ولن يخطر في بال القارئ أنه يقرأ لروائية غير مصرية، فالرواية مصرية بمكانها وشخصياتها وحواراتها، التي اتسمت باللهجة العامية، وهمومها هي هموم المواطن المصري من معيشة، وصراع مع رجل الأمن، وأحداث تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، كغرق العبَّارة المعروف وفقد عائلات كثيرة المعيل الذي كان مهاجراً، في مياه البحر.

الرواية في مجملها إدانة لانحطاط القيم، الذي ربما تحسه المؤلفة يتفشى أكثر من ذي قبل، وكأن الإنسان بات أجشع مما كان قبلاً أو أن سهولة الإفلات من العقاب جعلت ضميره ساكناً فازدادت شراهته وقلَّ تمسكه بالمبادئ. وقد أكدّت المؤلفة ربما عبر شخصياتها، أن المادية تتآكل كل مشاعر صاحبها، وتوحِّد بين صفاته وصفات من مثله، بصرف النظر عن العمر أو الجيل، وقد تجلت في جيل الآباء في شخصيتي جميلة أم عزيزة ومحروس صاحب المكتبة الذي يتحرش بها، فيما تجلت في جيل الشباب بـ «سيد» أخي سعيد ابن أم سعيد وبعلاء المهندس زوج البطلة سميحة. وقد بالغت المؤلفة في تصوير مادية علاء وهوسه بالشهرة وجمع المال، حتى لم يبقَ رابط شعرة بينه وبين طفلته، ولكن ضرورات السرد على الأرجح استدعت ذلك، فالمؤلفة أرادت أن يُظهر النقيض نقيضه لتبرر للبطلة السعادة المنشودة مع من تهواه.

وهذا لا يمنع أن نلاحظ أن الشخصيات الحسنة تغلب على الشخصيات السيئة في الرواية وكأنها تقول ان السيئة قليلة، لكن تأثيرها يصيب أناساً كثراً. وتقول في المقدمة، إن الرواية محورها أمومة المرأة وتأثيرها في تغيير شخصيتها، ولكن يبقى ثقلها محمولاً على موضوع الفقر وما يجنيه على أهله، وهو أساسي في دفع السياق قدماً في أكثر من مرحلة، وقد أغنى الحبكة والحوادث، وأضاف عليهما عمقاً كما ذكرنا. فمهما كان عذاب البطلة فظيعاً بسبب ارتباط مصيرها وسعادتها بأخت معوقة، كان سبباً في هروب الأم وتفكيك العائلة، فإن وصف مشاعر سميحة في لحظات الأسى، لم يصل إلى القهر الذي يوحيه الفقر لأهله وما يحركه فيهم من أحقاد وأفكار وأقوال تتعدى المقبول، إنه مثل نار مستعرة، هم وقودها، يحترقون فيها غالباً وأحياناً ينفذون منها ليحرقوا مَنْ حولهم. هذا الموضوع، موضوع الفقر، قد يكون صار «لازمة» في القصص المصرية ولعله كان دائماً كذلك.

تحرص المؤلفة على التفاصيل، التي تشعرك أنك تشاهد أكثر مما تقرأ، وتذكرك في بعض مشاهدها وحواراتها بأفلام الستينات من القرن الماضي عندما كانت السينما المصرية في عزها. فكأن بطلتها الرائعة سميحة وأمها نوال، خارجتان لتوّهما من الشاشة الكبيرة، بملامحهما الجميلة، المميزة، مثل النجمات الشهيرات، وبكل حركة تقومان بها أو ثياب ترتديانها. وقد يشط بنا الخيال إلى الظن أن المؤلفة فكرت بنجمة ما وهي ترسم ملامحهما. وإن عدنا إلى الواقع نقول إن شخصية سميحة فيها مثالية مبالغ فيها وشخصية نوال فيها سطوة مبالغ فيها، وحواراتهما أحياناً كانت تغلب عليها سمة الوعظ مما لا يمنع القارئ من ان ينجذب إليهما، بقدر ما «عشقتهما» المؤلفة وهي ترسمهما.

«نساء... ولكن» أرادتها المؤلفة تحية للأمومة التي تجعل الإبنة تسامح الوالدة على ما كانت تلومها عليه ولكنها أيضاً تحية للأبوة، المتمثلة بمنصور دياب، والد سميحة، وللصداقة المتمثلة بصديقه علي سليمان، ثم «غريمه» طاهر رسلان، وللأخوّة الصادقة، في تركيبة تجعل الخير يغلب الشر، والحس السليم يغلب الشطط. إنها بهذا تنقذ معظم شخصياتها من الغرق في دوامة الجحيم، على رغم كثرة المآسي في حياة كلّ منها. ولعل أحد مشاهد الرواية الأشد وقعاً في اعتماده على المفاجأة، والأكثر إيحاءً بالسينما من غيره، مشهد عزيزة تتسلل هاربة من جور أمها حاملة حقيبتها و «عارها»، بعدما لعبت بها الأقدار، ليناديها «سيد» أخو حبيبها الذي غرق، فيربط مصيره بمصيرها، ليس لأن ضميره يعذبه، بل لأن طريقهما بات واحداً، بعدما ضلاّ الطريق كلّ على طريقته، هي بالزواج العرفي وخيانة الحبيب، وهو بسرقة أموال أمه وإدمان الحشيش، وهو مشهد من أكثر مشاهد الرواية تأثيراً.

قد يكون في الرواية شيء من الإطالة في وصف أمور معينة، لكن التشويق لا ينقصها، وتداخل حوادثها او تشابكها مقنع بضرورة أن تصل الأقدار إلى ما وصلت إليه.

المصدر : دار الحياة