مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث

في رواية «غايب» للكاتبة العراقية بتول الخضيري

عبر عيني طفلة تبدأ الروائية العراقية بتول الخضيري برسم بورتريه للعراق منذ زمن الخير وإلى ما قبل سقوط بغداد، حيث تبدأ بسرد واقع العراق أواخر الستينيات، في روايتها «غايب» إذ تكمل ثاني هذه الفصول باستخدام التلسكوب ذاته.. التلسكوب ذو الحدقة المفتوحة على اتساعها ألا وهو عيني الطفلة المثلومة بفقدان والديها في عمر لا يتجاوز الأشهر التي تعيش فيما بعد في كنف خالتها وزوجها «أبوغايب». وأبو غايب هو الكنية التي يكني بها العراقيون كل من ليس لديه أطفال وإن حملت هذه الكنية دلالات كثيرة في الرواية منها غياب أبسط أشكال الحياة الحقيقية ليس لسكان العمارة الذين يضيعون في دوامة الحصار والقمع والحروب بل للعراق كله.

تدور أحداث الرواية في البناية التي تسكنها الطفلة مع عائلة خالتها والمؤلفة من خمسة طوابق لتصبح العمارة معادلاً مكانياً، وزمانياً، نفسياً واجتماعياً للعراق أثناء الحصار وقبيل احتلاله من قبل الجيش الأمريكي. وهذه تقنية سبقها إليها روائيون آخرون، أذكر على سبيل المثال لا الحصر الروائي اللبناني حسن داوود في رائعته «بناية ماتيلد». ‏

الطابق الأول الذي يتبدل ساكنوه، ليستقر فيه أخيرا سعد الحلاق أو سعدون كما يسمونه لنكتشف فيما بعد أنه يعمل لصالح أجهزة الأمن العراقية موصلا تفاصيل حياة سكان العمارة إليهم؛ وهم الحريصون دائما على صحة وسلامة وأمن مواطنيهم...!.

الطابق الثاني تسكنه إلهام الممرضة في إحدى مستشفيات بغداد التي عرفت تماما كيف تحول الحصار واليورانيوم المنضب إلى وحش يفترس الأطفال دون أن ينتبهوا ورغم ذلك لا تزال تحلم بلقاء أمها الفرنسية التي تخلت عنها منذ زمن والهروب من المستشفى بسبب مناظر الصغار وهم يحتضرون وخاصة أطفال الجنوب ضحايا اليورانيوم المنضب في مواقع الغارات الجوية من البصرة إلى كربلاء... الأطفال ينزفون بسبب ذلك حتى الموت من الفم والأذن والشرج. ‏

ربما نتيجة لذلك كله تصاب إلهام بالسرطان وتخفي إصابتها لئلا تطرد من العمل ففي ظروف كهذه لا يوجد بالتأكيد عمل بديل لكنها تستأصل ثديها المصاب بعناية أهل العمارة دون استثناء لكنها بعد ذلك تسجن بتهمة أنها تأتي بالأعضاء البشرية بعد موت أصحابها إلى اللحام المجاور الذي كان مهندسا فيما مضى ليخلطها بلحم الماعز والغنم ثم يبيعه لنكتشف أن من وشى بإلهام وتسبب بنفيها إلى مستوصف الأعمال الشاقة ليس إلا سعدون. ‏

بداية الحصار ‏

في الطابق الثالث تسكن دلال (الراويالبطل) مع بيت خالتها بيت «أبو غايب» يميز دلال جلطة في فمها أدت إلى تشويه وجهها. تنقسم حياتها إلى ما قبل الجلطة وما بعدها تقول دلال: «حتى بدء الحصار كنت أشعر أن حياتي تنقسم إلى ما قبل الجلطة وما بعدها، أما الآن فإن الجميع يتكلم عن زمن الخير وزمن ما بعده، أوقات ما قبل الحرب وما بعدها، الحياة ما قبل الأزمة والحياة ما بعدها، وجدت نفسي أصبحت رغما عني جزءا من كل». ‏

بيت «أبو غايب» كانوا يكنون ببيت الأساتذة قبل الحصار لكن بعده تضطر أم غايب للعمل بالخياطة، وأبو غايب المريض بالصدف للعمل بالنحل، فيبيع من أجل إنجاح مشروعه وتأمين السيولة المادية أغلى ما لديه اللوحات الفنية التي يزدحم بها بيته عن طريق تهريبها إلى الأردن من خلال صديقة أردنية لكن سعد يشي به فينتهي الأمر به إلى السجن بتهمة تهريب التراث الفني العراقي خارج البلاد.. أم غايب تصاب بنوع من الهستيريا وتضطر دلال لترك دراستها في اللغات لتعمل في معمل لتدوير مخلفات البيئة لتعيل نفسها بعد سجن أبو غايب. ‏

في الطابق الرابع يسكن العم سامي المصاب بفشل كلوي إضافة إلى السكري الذي أفقده متعة رؤية الألوان فبات كل شيء يراه بالأبيض والأسود كحال العراق حينها، يحاول العم سامي أن يعلم دلال التصوير وألوان البشر الأخرى التي عرفها بعد فقده لبصره. ‏

في الطابق الأخير تسكن أم مازن مكان العائلة اليهودية التي اضطرت لترك بيتها والسفر للاستقرار في فلسطين (إسرائيل).تعمل أم مازن بالطب الشعبي.. تفتح الفنجان وتداوي بالروحانيات، تجتمع عندها كل نساء الحي والعمارة لتحل بطريقتها الخاصة كل المشكلات النفسية والاجتماعية والجنسية والصحية عندهن؛ بشرط أن تكون هذه النساء مسلمات حصرا لكن أم مازن تسجن ومن ثم تمنع من ممارسة عملها وتطرد من الحي بسبب التقارير التي وصلت إلى الأجهزة الأمنية والتي اتهمت أم مازن بإيذاء الناس وخراب بيوتهم.. ‏

المعادل الواقعي للعراق ‏

تبدو العمارة - التي تنتهي إلى ثلث سكانها النساء، وثلاثة بيوت معروضة للبيع: بيت الهام، بيت سعد، وبيت أم مازن المصاب بقذيفة؛ إضافة إلى الكهرباء المقطوعة، والمياه الملوثة- معادلا واقعيا للعراق المنهك من الحروب والحصار حيث بلغت فيه نسبة النساء الثلث. نساء مشغولات بالوحدة والفقد والخوف؛ نتيجة لخسارة الرجل زوجا أو أخا أو ابنا، إما بسبب الحروب أو السجن أو نقص الدواء. ‏

تعتمد بتول الخضيري لغة مقتصدة تعرف كيف تصل إلى هدفها دون مواربة تعتمد فيها على التفصيلة الصغيرة لتنطلق منها لتشكيل فسيفساء الواقع بأكمله. مركزة على تركيبة الشخصية العراقية فاضحة هشاشتها وعزلتها تحت سياط القمع والحصار والحرب على أنواعها وذلك من خلال الـتأرجح ما بين سرد واقعي وما بين هذيان للشخصيات الروائية حيث يتخبط الجميع في خراب لانهائي للبنية التحتية وما يترتب عليه من خراب في البيئة الاجتماعية.

المصدر : تشرين السورية