مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث

تؤلف ولا تؤلفان: صارت الدنيا عآخرها

أشارت صحيفة <اللـواء> في عددها الصادر في 24 شباط 2010م الى تقرير اصدرته وكالة الناسا عن توقّع نهاية العالم في سنة 2012 بعد هبوب عاصفة كهربائية شمسية تؤدي الى فقدان 70 بالمئة من سكان العالم· ويتزامن التقرير مع ما يشهده العالم من زلازل وموجات تسونامي وتوقّع ذوبان ثلوج القطب وغرق مدن وتفشي امراض واوبئة جديدة·

حصلت سنة 1817م زلزلة قوية خافت الناس منها· واثناء المنادمة في مجلس والي عكا صار كل من حضر يدلي برأيه ويتكلم بما يعرف من امر الزلزلة، ثم قال عبدالله باشا (الذي تولى أيالة عكا بعد سليمان باشا): ان الرأي الذي اعتمد عليه في كتبنا بأن الثور حامل الدنيا على قرونه، لما يتعب ويريد ان يستريح، ينقلها من ناحية الى اخرى، ومن هذه النقلة تتزعزع وتتزلزل· فرفع احد الحاضرين رأسه وقال: الله يرضى عليك،اتركنا من هذه الخرافات، بلا ثور بلا مور، هذه ابخرة تنحبس في الارض، ولما تخرج بقوة تتزلزل الناحية التي تخرج منها، فإذا كان الثور كما تقول، فلماذا لا تتزلزل الدنيا كلها؟

وكان الناس عند حصول الزلزال، يخرجون الى الساحات العامة، يبتهلون ويصلون ويرفعون الدعاء برفع الغمّة· حصلت زلزلة سنة 1821م طالت وهدمت كثيراً من البلاد، وأهلكت الكثير ممن كان فيها من العباد، فنظّم الشيخ احمد الاغر عروض الميجنا وجعلها استغاثة لزوال الزلزلة، متوسلاً بالبسملة· وهي من مقام السيكاه، قال فيها لازمة:

إلهنا أهمّنا ما عمّنا فبنا فالطف كما عودتنا دور بكريم الذات ذات العظم والصفات الواجبات القدم وبلوغ النور ثم القلم والسماوات العلى يا حسبنا دور بالأسامي كلها والبسملة وجميع الكتب المنزله ادفع اللهم عنّا الزلزلة هدّ يا مولى الموالي روعنا كانوا عند احباس المطر، يهرعون الى الساحات يتضرعون ويطلبون رفع الغضب وسقيا الرحمة من الله· ففي سنة 1818م تأخّر نزول المطر فنظّم الشيخ احمد الاغر استغاثة:

إنا اذا ما اقعدتنا ازمة في غير باب الله قطعاً لم نقم يا ربنا انت الرحيم فاسقنا في عامنا فالنبت من جدب سقم فكيف لا نسقى وارخناه ما لا تقنطوا وفي السماء رزقكم كما هرع البيارتة سنة 1861م الى ساحة البرج وعلى رأسهم المشايخ والمطارنة للاستسقاء· وكانت ازمة مالية قد وقعت في بيروت سنة 1858م حتى ان احدهم سمى مولودته سنتها باسم <كريزا>·

وفي شهر تشرين الاول (اكتوبر) سنة 1870م اشتغلت افكار الجمهور في بيروت، مما ظهر من احمرار في جهة الشمال من الافق فوق البحر بعد الغروب، فأخذ الخوف والارتعاش بمجامع قلوب البيارتة من ذلك المشهد الغريب· وكنت تسمع من يصلي مستغفراً ذنبه، وآخر يكبّر من منارات المساجد، واخرى تقرع صدرها وتتنهّد مشفقة مما يتهددها من الكوارث· وقيل ان كثيراً من اهل البلدة لم يطبقوا جفن الرقاد من شدة الارتعاد· وتردد ان الله غضب على البشر، فأرسل ناراً من السماء· ومنهم من قال بأن جبلاً من النار قد انفتح· وكان اصل الاحمرار طاقة كهربائية متلبدة في الافق في حالة مضيئة اشبه ببرق متصل· وبالنظر لوجود بخار كثيف في الجو، ظهر ذلك النور محمراً، وكان ينذر بتغيّر الطقس وحدوث عواصف·

وتروج بين الحين والآخر فكرة نهاية العالم، لا سيما في الازمات الاقتصادية والاجتماعية، وعند انحطاط الاخلاق وتبدل القيم وشيوع الفساد والشذوذ والمخدرات والإلحاد· فإذا عمّ الفساد ظهر المسيح الدجال او الاعور الدجال - باعتباره بعين واحدة - الذي يضل الناس، ثم يظهر المهدي الذي يقتل الدجال ويملأ الارض عدلاً بعد ان ملئت جوراً·

يقال ان القديس اوغسطينس (354 - 430م) اول من قال بزوال العالم عام 2000 ميلادية من خلفية لاهوتية· ثم جاء الطبيب اليهودي الفرنسي نوستراداموس (1503 - 1566م) صاحب كتاب المئويات، وينسب له القول المأثور التي تردده العامة وهو <تؤلف ولا تؤلفان> اي ان العالم سوف ينتهي قبل العام 2000م·

ويبدو ان فكرة انتهاء العالم وظهور المهدي راجت في اوائل القرن التاسع عشر· فقد روى الجبرتي ان الزبيدي صاحب معجم تاج العروس (توفي سنة 1205 هـ) ارسل مرة الى احمد باشا الجزار مكتوباً، ذكر له فيه انه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم، فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس الى الاماني، ووضع الجزار ذلك المكتوب في حجابه المقلّد به مع الاحراز والتمائم، فكان يسرّ بذلك الى بعض من المعارف في الجفر والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك، ومن قدّم عليه من جهة مصر وعرفه انه اجتمع بالزبيدي واخذ عنه وذكره بالمدح والثناء، احبه واكرمه واجزل صلته، وان وقع منه خلاف ذلك، قطب منه وابعده ومنع عنه برّه ولو كان من اهل الفضائل· للشيخ محمد الحوت (1794 - 1860م) رسالة في موضوع ظهور المهدي وهي مفقودة· وقد تناول الشيخ احمد البربير هذا الموضوع في رسالة <في تحقيق ظهور المهدي> ألفها سنة 1808م (في خزانتنا نسخة منها) اوضح فيها سبب التأليف بأنه في تلك السنة صدّ فيه الحجيج وانتشر الجراد بما اجهل العقل وحيّر الفكر وأتعب القلب وأدهش الطرف رأيت الناس فيه حيارى سكارى وما هم بسكارى، قد غرقوا في بحر الحدثان وانكسر من دنياهم السكان، وجاءهم الموج من كل مكان، حتى آيسوا من النظام وأيقنوا بانقراض دولة الاسلام، وحكموا بأن المهدي في هذا العام، يبايع بين الركن والمقام، وقالوا قد امتلأت الارض جوراً واصبح العدل غوراً، فلما رأيت قلقهم وجزعهم وفرقهم، عزمت اني اضع لبيان ما اقيم لهم من الحجج على غلطهم تأسيساً، وأبين لهم ان في الزمان بعد تنفيساً، ليزول بذلك ما اعتراهم من الوهم والافكار، ويصفو عيشهم من الاكدار···>· ويروي البربير حديثاً نبوياً مآله ان عمر الدنيا سبعة آلاف سنة من خلق آدم الى قيام الساعة وانه، اي البربير، رأى في فتوحات الشيخ الاكبر - ابن عربي - انه لما خلق آدم كان قد مضى من عمر الدنيا 21 الف سنة· كما اشار الى ان الحافظ السيوطي الف رسالة سماها <الكشف في مجاوزة هذه الامة الالف> نقل فيها عن وهب بن منبه انه قال قد خلا من الدنيا خمسة آلاف وستماية سنة، وعليه يكون الباقي بعد قول ابن منبه من عمر الدنيا الف واربعمائة سنة، وانه لما قال ذلك كان قد مضى من الهجرة نحو ثمانين سنة، فزد الثمانين الى الاربعماية يكون مجموعها ثمانين واربعماية والف· وقد مضى منها الآن مايتان والف وثلاثة وعشرون· فيكون الباقي 280 سنة يذهب منها 61 لظهور المهدي لأنه يظهر على رأس 84 من قرننا وفقاً لرواية عن الإمام علي كرّم الله وجهه·

وينتهي البربير الى ان القرن 19 متعين لظهور المهدي، وان الباقي لمدة ظهوره 61 سنة من تاريخ 1808م·

وتمر السنون، فلا المسيح الدجال ظهر، ولا المهدي نزل، وانقضي العام 2000 وما زال العالم قائماً ومستمراً ولم تصح مقولة العامة: تؤلف ولا تؤلفان· وتقول رواية اخرى بأن المقصود بالألفين هو السنة الهجرية التي ألفت (اي بلغت الالف) والتي سينتهي العالم قبل بلوغها العام 2000 للهجرة·

تعتقد العامة ان من علامات الساعة ظهور يأجوج ومأجوج، والظن انهم من العرق الاصفر· فقد جاء في قصيدة من الجفر:

وبدا التاريخ من تسمع ترى جحفلاً يستغرق الأرض غشوماً من بني الأصفر جيشاً هايلاً مستقلاً يشبه الليل البهيما وقد اشار الشيخ عبدالله العلايلي في مقدمته لدرس لغة العرب الى القصد الكنائي في يأجوج ومأجوج، أي أنه كناية عن التأجج المتدافع· فالتأجج في كل شيء بحسبه· ورأى أن كل ما قرر في معنى (يأجوج ومأجوج) من أنه علم على قوم، خطأ لا حجة عليه وشبهة وقعت لعلماء التأويل· ورأيه ان يأجوج ومأجوج مثل من بقايا العهد الصوتي، بقي في اللغة للغاية المثلية فقط· وأن يأجوج فعل مضارع من ثلاثي (أجج)· ومأجوج اسم مفعول منه· والمعنى التركيبي: التأجج والتدافع، وهو تمثيل لحالة الخروج يوم القيامة بعد بعثرة القبور·

أطبق الحفاظ وعلماء الحديث والدراسة على ان الاثر المروي القائل <تؤلف ولا تؤلفان> هو من الموضوعات· وقد تقبّله الشيخ عبدالله العلايلي كارهاً فقط· وفهمه على ان العالم بمألوفه المتعارف عليه، ستقوم القيامة الكبرى عليه، ويتغير كلياً كخلق جديد· وطلائع هذه القيامة ما تؤكده معطيات العلم البادية يوماً بعد يوم في مجالات التكنولوجيا من اندثار عالم قديم وانفطار عالم آخر جديد· فالقيم القديمة لم تعد مقبولة، والقيم الجديدة غير اخلاقية· فيها ما سمي بالموت الرحيم والاستنساخ والتلاعب بالأجنة وبيع الاعضاء وتصنيعها·

ومن نوادر البيارتة ان الشيخ سليم ناصر وكان إماماً للسراية الحكومية، وكان يؤذن قبل او بعد مؤذني جوامع وسط المدينة· مما لفت انتباه الوالي فاستدعى الشيخ سليم وسأله عن السبب فأجاب متذرعاً بعدم وجود ساعة لديه· فوعده الوالي بتأمين ساعة، ومرت الايام ولم تأت الساعة· فجعل الشيخ سليم في احدى الصلوات يأتي في كل ركعة بآية من الآيات التي تتناول اقتراب الساعة: <يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل انما علمها عند ربي> (الاعراف 187) ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا ريب فيها (الكهف 21) <ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى> (طه 15)· وفطن الوالي واستدعى الشيخ سليم بعد انتهاء الصلاة فأخرج ساعته الخاصة واهداها للشيخ سليم·

ومن نوادر البيارتة انهم لم يتعرفوا على المرآة الا حديثا· ويتناقل المخضرمون منهم ان عبد الفتاح آغا حمادة، متسلم بيروت، لما بنى قصراً في محلة القنطاري في اوائل القرن التاسع عشر، احضر لصالون القصر مرآة كبيرة· فذهب البيارتة لمشاهدتها، فأخذهم العجب وشعروا بإحساس غريب، وظنوا بأنها اداة من ادوات السحر· فكانوا يغادرون القصر يتعوذون ويحوقلون ويتمتمون: يا لطيف··· صارت الدنيا عآخرها·

ومنذ ان عصى ابونا آدم واكل من شجرة المعرفة وهبط الى الارض، اصبح كل همّه وهمّ احفاده العثور على شجرة الحياة والخلود الى حين موعد عودته الى الجنة، ولكي يصل الى هدفه عليه ان يمتلك شيئين: المعرفة وسر الحياة والخلود، اي التغلب على الموت المندرج تحت عنوان تحدي المخلوق للخالق· فإذا ظن انه قادر ذكّرته الآية 24 من سورة يونس: <انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام، حتى اذا اخذت الارض زخرفها وأزينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلاً او نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون>· صدق الله العظيم·

* محام ومؤرخ
بقلم: عبد اللطيف فاخوري

المصدر : اللواء اللبنانية