مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث

الحب منتصراً في رواية نزار دندش

هل يستطيع الحب عبور القارات اذا كان قد فشل في عبور المذاهب والعائلات؟ هذا السؤال تطرحه رواية «حب عابر للقارات» للكاتب اللبناني نزار دندش (الدار العربية للعلوم - ناشرون). وهي الثالثة بعد أولى هي «حوار في الممنوعات»، وثانية هي «يوميات موسكو الحمراء».

يجيب دندش عن السؤال المطروح من خلال الأحداث الروائية التي تتمحور حول شخصية زياد المحورية في الرواية، وانخراطها في علاقات حب، طويلة أو قصيرة، كثيراً ما كانت تصطدم بجدران قومية أو مذهبية أو عائلية تفرغها من مضمونها، وتجعل الشخصية تتردّى في مهاوي الألم والخيبة والعزلة. هذه الجدران الخارجية التي يسمّيها الكاتب تجاوزاً بـ «العصبيّات» تقول تأثير الخارج في الداخل، والعام في الخاص، وخضوع الأفراد لتأثيرات الأطر التي يُولدون فيها، سواءٌ كانت واسعة كالقومية، أم متوسطة كالمذهبية، أم ضيِّقة كالعائلية. واذا كانت الشخصية نجحت، في نهاية المطاف، في اختراق بعض هذه الجدران، فمردّ ذلك الى الصدفة الروائية التي تعكس صدفة قدَرية، والى صمود طرَفي العلاقة في وجه الزمن وإصرارهما على اختراق الجدار.

تلعب الصدفة دوراً رئيساً في تطوّر الأحداث، لا سيّما في بداية الرواية ونهايتها. على أن العلاقات السببية حاضرة، بدورها، في السياق الروائي؛ فاللقاء صدفةً في مطعم الجامعة الأسترالية، بين زياد العربي اللبناني المسلم، وسونيتا الهندية البوذية، شكّل الشرارة الأولى لعلاقة حب بين الاثنين، بدأت بسوء فهم يتعلّق بهوية زياد الذي زعم ممازحاً أنه يوناني، حتى اذا ما لمس كره سونيتا للعرب والمسلمين وحقدها عليهم، على خلفية تفجير تمثال بوذا في أفغانستان، راح يتستر على هويته الحقيقية حرصاً على علاقته الوليدة. وحين تكتشف سونيتا الحقيقة بالصدفة أيضاً تتخذ قراراً بقطع علاقتها به، بعد شهرين من الحب المثالي، الرومانسي. وهكذا، يلقي العام بثقله على الخاص، ويدفع الحبيبان ثمن أخطاء الآخرين ومواقفهم.

يُصدِّر كل من سونيتا وزياد عن موقفين مختلفين في مآل العلاقة بينهما؛ فهي تُصدِّر عن موقف قومي/ديني لا يخلو من عنصرية حين تقطع علاقتها بزياد لجريمة ارتكبها بعض المتطرفين من أبناء دينه، فتُغلّب الاعتبارات القومية والدينية على العاطفية، وتبني موقفها على خطأ تاريخي تخلط فيه بين العرب والمسلمين.

في المقابل، يُصدِّر زياد عن موقف ذاتي لا يخلو من انتهازية، فيجاريها في الخطأ التاريخي، ويدافع بخجل عن قومه حتى انه ذهب الى حدّ التبرّؤ منهم في بداية الرواية خوفاً على علاقته الوليدة، فيُغلِّب الاعتبارات الذاتية/العاطفية على ما عداها. وهكذا، يقف الجدار القومي/ الديني/ العنصري حائلاً دون أن تؤتي العلاقة ثمارها، ولو الى حين.

بعد عودته الى لبنان حاملاً جرحاً غير ملتئم، ينخرط زياد في نشاط بيئي، ويدخل في علاقة جديدة مع سعاد، زميلته في المدرسة الخاصة التي يعلّم فيها، ليتداوى من حبه السابق. وحين تشارف العلاقة على الزواج، تصطدم بالجدار المذهبي هذه المرة، ويلقي العام بثقله على الخاص، فينسحب أحد طرفي العلاقة، سعاد. وتحمّل زياداً المسؤولية عن قيام جماعته بحرمان جماعتها من الثلث المعطّل، ويبلغ بها الأمر حدّ اعتبار الزواج منه خطأً تاريخياً جسيماً. وهكذا، وخلافاً للمألوف، تُغلِّب المرأة الاعتبارات السياسية على العاطفية في خياراتها، ويدفع الحب ثمن الصراع السياسي.

تتدخّل الصدفة مرة أخرى حين يلتقي زياد بفدوى، ابنة الوطن والمذهب. وحين تشارف العلاقة على الزواج تصطدم بالجدار العائلي والصراعات القديمة.

المفارق، في الرواية، أن المرأة، وخلافاً، لطبيعتها، كانت تغلِّب الاعتبارات الخارجية على العاطفية، وترضخ سريعاً للبنى القومية أو المذهبية أو العائلية، من دون أدنى مقاومة أو دفاع عن حبها، فتبدو شخصية انهزامية، ضعيفة، وإن بدا في ظاهر الأمر أنها هي التي تتخذ المبادرة بقطع العلاقة مع الطرف الآخر. بينما كان زياد يغلِّب الاعتبار العاطفي على ما عداه، ويقدم تنازلات مبرّرة، بل ومطلوبة، على المستوى المذهبي والعائلي، لكنها غير مقبولة، على المستوى القومي، كاشفاً عن زاوية انتهازية في مكان ما من شخصيته.

إزاء هذا الفشل المتتالي، ينسحب زياد من الحب الانساني الى حب الطبيعة، وتصبح البيئة في رأس اهتماماته، فيشارك في مؤتمر بيئي في جنوب أفريقيا. وهنا، تتدخل الصدفة مرة أخرى، يلتقي بسونيتا، بعد عشرين عاماً لم ينسَ خلالها أحدهما الآخر، فيتعانقان، ويجدّدان حبل الوصال، وقد أسقط كل منهما تحفّظاته وتأكد من صمود حبه، ويتوّجان علاقتهما بالزواج.

في روايته، يقدّم نزار دندش نصاً روائياً متماسكاً، بإيقاع سردي يتراوح بين البطء أحياناً بحيث يغرق في التفاصيل، والسرعة بحيث يقفز قفزات زمنية كبيرة، فيذكر في بضعة أسطر فقط سفر زياد الى بومباي وعودته الى لبنان، على سبيل المثال. وهو يستخدم لغة سردية مباشرة، لكنه لم ينأَ عن السقوط في بعض الانشائيات، وقد يتّكئ على المعجم الفيزيائي المستمد من اختصاصه وتدريسه الجامعي للمادة. ويطعّم سرده بحوارات رشيقة تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من النص، وتنخرط مع السرد في علاقة تكاملية.

وهو يخلص الى نتيجة مفادها أن الحب قد يعجز عن اختراق الجدار المذهبي أو العائلي اذا ما انسحب أحد طرفي العلاقة، لكنه يستطيع أن يعبر القارات اذا ما صمد طرفا العلاقة في وجه الزمن.

المصدر : دار الحياة