مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث
لهو الأيام

لهو الأيام كتاب طريف، أودع فيه المرحوم أحمد الجندي جانبا من ذكرياته. وهي ذكريات تفيض بالصدق وصفاء الطوية، قال في مقدمته: (وما كنت لأكتب إلا ما شاهدت، ولم أكتب لأرضي زيدا أو عمرا...وقد أسفت كثيرا لأن بعض الأحداث والقصص لم أستطع روايتها، فضربت صفحا عنها، لأنها كانت غير قابلة للإثبات، فهناك ألفاظ لا تكتب، وأحداث لا تسر القارئ، وأمور لها عواقب وعقابيل، قد تضر بالذكريات ولا تفيدها). استوقفني في هذا الكتاب حديث المؤلف عن الصلاة التي ابتدعها آغا خان في مطلع القرن العشرين، لتكون بديلا عن صلاة أهل السنة التي كان يصليها الإسماعيليون طوال التاريخ الذي خضعوا فيه لسلطان أهل السنة. وكان جد أحمد الجندي أحد المساهمين في نشر هذه الصلاة، والمحكوم عليهم بالإعدام فيما بعد بسبب ذلك. قال (ص48) بعدما أوجز سيرة الإمام محمد شاه المعروف بآغا خان: (في زمن آغا خان هذا وجد رجل من مشايخ منطقة الخوابي =منطقة تابعة لمحافظة طرطوس= اسمه الشيخ (أحمد المحمد) وقد كان الرجل ذكيا وجريئا ومقداما، وكان ذا هيئة مقبولة، إذ كان طوالا من الرجال، أبيض الوجه، يلبس العمامة البيضاء والجبة، ولكنه لم يكن على شيء من العلم، اللهم إلا بعض الجمل والعبارات المأخوذة عن محيي الدين ابن عربي، المرجع الديني الكبير للطائفة الإسماعيلية، وعن الحلاج، وعن غير هذين من علماء الدين الذين كانوا يدينون بمذهب وحدة الوجود، كالطالقاني والطوسي من علماء الإسماعيلية. وقد فكر هذا الرجل =أي الشيخ أحمد= بالاتصال بآغا خان، وذهب إلى الهند ومعه أقرباؤه من المشايخ، مثل الشيخ سليمان والشيخ مرتضى، وهما من مشايخ قرية تسمى (خربة الفرس) وهي تقابل قرية (عقرزيتي) التي كان منها الشيخ أحمد. وفي الهند عقد اتفاق بين الشيخ أحمد وآغا خان على إظهار دعوة إسماعيلية جديدة، فيها تطوير كثير وتعديل وتغيير. لقد بني هذا التغيير على أن الإمام حر التصرف بكل شيء في هذه الدنيا، حتى الدين الذي يجب أن يتطور. ولهذا فقد أصدر آغا خان ما يسمى بالفرمان =أي الأمر أو النظام الجديد= وذلك بأن تسبتدل الصلاة الإسلامية بصلاة جديدة، تقام مرتين صباحا ومساء، وأن يعفى الإسماعيليون من الصيام في شهر رمضان. أما صلاتهم الجديدة فتكون على النحو التالي: توضع طاولة طولها متران في منتصف ما أسموه (جماعة خانة) ويجلس حولها المصلون دون تعيين القبلة، فالاتجاه جائز إلى أي جهة كانت، وقد |أولوا الآية القرآنية القائلة (أينما توجهتم فثم وجه الله) =كذا أورد الأستاذ الآية (!) والصواب (...فأينما تولوا فثم وجه الله..) البقرة: 115= ووراء الطاولة شيخ المسجد، وهو المسمى بالهندية (المُكّي) كما يسمى خازن المال الذي يجمع الأخماس (كامريا). ويجلس الشيخ (المُكّي) وراء الطاولة، ويتولى قراءة الصلاة، التي كانت مزيجا من اللغة الهندية والفارسية والعربية، ثم يتلو نسب الإمام حتى يصل إلى (آغا خان) ...ثم يقرأ بعض المصلين شيئا من أشعار ابن الفارض وابن عربي والحلاج... وكان الإسماعيليون قبل هذا يصلون ويصومون، ولم يكن هناك فرق بينهم وبين الإسلام السنة، إلا الاختلاف على خلافة علي بن أبي طالب...مع شيء من التقديس المبالغ فيه للإمام علي و|آل البيت. =شرح المؤلف هذا التقديس المبالغ فيه (ص47) بأن الإمام عند الإسماعلية أعلى من النبي، بل إن النبي يستقي تعليماته من الإمام الذي هو كل شيء= ! وعاد الشيخ أحمد يحمل الفرمان، ولكنه عاد وحده، فقد مات في الهند الشيخ سليمان والشيخ مرتضى، قريباه وشريكاه في البعثة. وهنا حامت الإشاعات حول وفاة هذين الشيخين، ومنهم من اتهم الشيخ أحمد بتصريفهما، أو أنها كانت مؤامرة لتسيير هذه الدعوة الجديدة، وعدم ترك المجال لمعارضتها..... إلى أن قال (ص50) بعدما أسهب في تسمية من اتبع الشيخ أحمد ومن ناصبه العداء: وكان من الغريب العجيب أن يصلي الناس صلاة بلغة لا يفهمون منها حرفا، ومع ذلك فإن أحدا لم يفكر في الاعتراض على هذه الصلاة التي اعتبرت حدثا من أغرب الأحداث التي مرت في التاريخ.... ووصلت هذه الفكرة إلى استنبول...وجاءت الضربة التي غيرت معالم (سلمية) وخربت كثيرا من البيوت المعروفة. فقد ألقي القبض على الشيخ أحمد وأخيه، وعلى جدي ووالدي، وعلى والد الأمير تامر، وكان والدي في السابعة والعشرين من عمره، وكان جدي الرجل المنعم المعروف في الخمسين من العمر. وإلى محكمة الجنايات بدمشق كان هؤلاء يقادون من القلعة، وكانت المحكمة في (المرجة) والناس ينظرون إليهم متعجبين، وقد دارت على ألسنتهم أنهم خالفوا الدين وتآمروا على الدولة. وظلوا على هذه الحال قرابة ثلاث سنين. وبعد السجن اضطر عدد من هؤلاء إلى البقاء في دمشق مدة من الزمن تحت المراقبة. وفي هذه المدة توفي الشيخ أحمد وأخوه الشيخ إسماعيل بعد أن حكم عليهما بالإعدام، وماتا قبل أن ينفذ الحكم....ودفنا في مقبرة الباب الصغير بدمشق، مع جماعة من أهل (سلمية). والبقية الباقية أفرج عنهم، بعد أن بقوا في دمشق مدة من الزمن تحت المراقبة أما جدي فقد أصيب بالشلل، فنقل إلى المشفى في دمشق، ثم عاد إلى (سلمية) بعد أن تهدمت صحته وأصبح غير الشخص الذي كان معروفا من قبل...وغير من جسمه ومن عقله فأصبح مريضا كالطفل. وبعدما حضر والدي إلى (سلمية) وقد أنهكه السجن، جاء نبأ من حماة بأن الدرك يطلب والدي لأجل التحقيق...فهرب ....وتسلق الجبال الغربية إلى أن وصل بعد يومين إلى قرية (بحوّي) وهي القرية التي ولد فيها، والتي فيها أقرباؤه وأهله، وبقي في هذه القرية أكثر من سنتين، إلى أن سقط السلطان عبد الحميد وأعلن الدستور، فعاد إلى (سلمية) وهدأت بعد ذلك الأحوال، وكفت الملاحقات عن أصحاب الدين الجديد... (لهو الأيام: 46 ?52) باختصار. وكانت وفاة والد المؤلف: علي بن أحمد الجندي يوم 7/ 1/ 1926م. وقد ترجم له (ص16 و56). وهو من الوطنيين الذين حكم عليهم جمال باشا السفاح بالنفي سنة 1916م، فنفي هو وأسرته إلى قرية صغيرة في جبال طوروس تسمى (بيله جيك). قال بعدما سرد خبر موته: وكان آخر ما قال وهو يحتضر قول امرئ القيس: (وما خلت تبريح الحياة كما أُرى...تضيق ذراعي أن أقوم فألبسا).


    * هذه الصفحة من إعداد الباحث زهير ظاظا : zaza@alwarraq.com
نصوص أخرى