اشتهرت مذكرات (سعد زغلول) بأنها أصدق مذكرات صدرت في القرن العشرين، حتى ليحسب قارئها أن الكثير من صفحاتها كتبت بقلم ألد أعدائه، وكان ألد أعداء سعد زغلول شجاعته وصدقه، واعترافه المكشوف بكل أخطائه وزلاته. وكان قد شرع في كتابة مذكراته عام (1897م) وانتهى فيها إلى عام (1926م) وتقع مخطوطة المذكرات بخطه في (53) كراسة، تغطي مراحل عضويته في الجمعية التشريعية وتوليه وزارة المعارف، وفترة المنفى وفترة رئاسة الوزراء. وكان في نظر الكثيرين رمز الوطنية في مصر، سيما الوفديين، والذين كان منهم (العقاد) بينما رأى فيه أعداؤه من الحزب الوطني أداة في يد الاستعمار للتخلص من شرفاء مصر ولإبعادهم عن الساحة السياسة، كما فعل بمحمد فريد، وأخذوا عليه دوره في تجميد اللغة العربية أثناء توليه وزارة المعارف، وإتاحة الفرصة للغة الإنجليزية، وإعادة بعث قانون المطبوعات القديم الذي أجراه كرومر.

ومن طريف مذكراته ما كتبه في أبريل (1913م) قال: (كنت قبل (12) سنة أكره القمار وأحتقر المقامرين، وأرى أن اللهو من سفه الأحلام واللاعبين من المجانين، ثم رأيت نفسي لعبت وتهورت في اللعب، وأتى علي زمان لم أشتغل إلا به، ولم أفتكر إلا فيه، ولم أعمل إلا له، ولم أعاشر إلا أهله، حتى خسرت فيه صحة وقوة ومالا وثروة) (مذكرات سعد: المخطوطة، كراس 3/ ص 129) وذكر مثل ذلك في (كراس 26/ ص 1390) قال: (كنت أتردد بعد عودتي من أوربا على الكلوب -أي نادي محمد علي- فملت إلى لعب الورق، ويظهر أن هذا الميل كان بداية المرض، فإني لم أقدر بعد ذلك أن أمنع نفسي من التردد على النادي ومن اللعب، وبعد أن كان بقليل أصبح بكثير من النقود، وخسرت فيه مبلغا طائلا). وقال في (الكراس 28 ص 1571): (أريد أن أعرف ما أريد حتى أتمكن من معالجة نفسي من هذا الداء: هل أريد بسطة في الرزق ? إنه يقبضه في الكثير الغالب. هل أريد سعة في الجاه ? إنه يضيقه بما يحط من القدر في نفوس الناس. هل أريد تناسي آلام تتردد على النفس عند خلوها من الشغل وهو كثير ? لا أشعر بهذه الآلام ....وما كنت أصغي لنصائح زوجتي ولا أرق لتألمها من حالتي، ولا أرعوي عن نفسي..إلخ)

قال بعدما ذكر البيوت والضياع التي باعها وخسر أثمانها في القمار، وهي لا تقل عن (400) فدان و(18) ألف جنيه: (أصبحت منقبض الصدر، ضائق الذرع، ولم أنم ليلي، بل بت طوله تساورني الهموم والأحزان، وأتنفس الصعداء على ما فرط مني في اللعب وضياع الأموال التي جمعتها بكد العمل وعرق الجبين وصيرورتي إلى حال سيئة) عن (أنور الجندي: شخصيات اختلف فيها الرأي) (القاهرة: دار الأنصار) بلا تاريخ. (ص 13 - 21). وفيه (ص16) كانت صلة كرومر بسعد زغلول عن طريق صهره: (مصطفى فهمي) الذي كان أول رئيس وزراء بعد الاحتلال، والذي قضى في الحكم ثلاثة عشر عاما) وكان سعد قد تزوج ابنته صفية. التي عرفت بأم المصريين. وكتب سعد في مذكراته أثر استعفاء كرومر من منصبه في (11/ 4/ 1907م) وكان يجلس مع حسن باشا عاصم  ومحمود باشا شكري عندما تلقوا الخبر قال: (أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه، أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هولها (كراس 6 ص 246) وكتب في (كراس 6 ص 245) يعلن ضيقه بالذين انتقدوا كرومر عقب استعفائه، وقال: إن صفاته قد اتفق الكل على كمالها).. وانظر التعقيب في البطاقة التالية.