مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث
(كيف نقرأ مؤلفات الغزالي): رسالة يتيمة لابن خلصون

هذه الرسالة هي الأثر الوحيد الذي وصلنا من آثار أبي القاسم محمد بن أبي الحجاج يوسف ابن خلصون، وما وصلنا هو قسم من الرسالة، كما ذكر ذلك لسان الدين ابن الخطيب في خاتمتها. وأما ابن خلصون: فهو متصوف، من أهل الأندلس، من معاصري لسان الدين ابن الخطيب المتوفى سنة (776هـ) لم يترجم له أحد من المتقدمين، ولا من المتأخرين ،حسب علمي، وقد بحثت في كل المظان من المعاجم والموسوعات التي عنيت بالتعريف بأدباء الأندلس، قديما وحديثا، فلم أقف على ذكر له، غير ما ذكره لسان الدين ابن الخطيب في (الإحاطة في أخبار غرناطة) وفي مقدمة كتابه (روضة التعريف في الحب الشريف) أثناء حديثه عمن ألف في المحبة، فقال: (وكتاب ابن خلصون وهو أعدلها، لولا بداوة تسم الخرطوم، وتناسب الجمل المخطوم) ونقل عنه في الفصل السادس من الروضة (طبعة الكتاني ص 406). وكان والد لسان الدين من أصحاب والد ابن خلصون، كما ذكر في (الإحاطة) ووالده هو (أبو الحجاج ابن خلصون). ولم يترجم له لسان الدين، ولا أحد سواه. وهو روطي الأصل من أهل لوشة التي ينسب إليها أيضا لسان الدين ابن الخطيب. ونختصر من ترجمته له قوله: (وكان من جلة المشيخة وأعلام الحكمة، .. متبحراً في الإلهيات، إماماً في طريقة الصوفية... شاعراً مجيداً، كثير الحلاوة والطلاوة، ...انتقل من حصن روطة إلى الخطابة والإمامة بلوشة، ... لم يتزوج، وتمالأت عليه طايفة ممن شأنها الغض من مثله، فانزعج من لوشة إلى مالقة، فتحرف بها بصناعة الطب، إلى حين وفاته.... وقدم غرناطة، وبها الأستاذ أبو عبد الله الرقوطي، وله استيلاء على الحظوة السلطانية، وشأنه اختبار من يرد على الحضرة، ممن يحمل فناً، وللسلطان على (ابنِ خلصون) موجدةٌ، لمدحه في حداثته، أحد الثوار عليه بقمارش(1) بقصيدة شهيرة. فلما حضر، سأله الأستاذ ما صناعتك، فقال التصوف، فالتفت إلى السلطان وقال: هذا رجل ضعيف لا شيء لديه، بحيث لا يفرق بين الصناعة وغيرها، فصرفه رحمه الله. وتواليفه كثيرة، تدل على جلالته وأصالة معرفته، تنطق علماً وحكمة، وتروق أدباً وظرفاً. فمن ذلك كتابه في (المحبة) وقفت عليه بخط جدي الأقرب سعيد، وهو نهاية. وكتاب (وصف السلوك، إلى ملك الملوك) عارض به معراج الحاتمي، فبان له الفضل، ووجبت المزية، ورسالة (الفتق والرتق في أسرار حكمة الشرق). ثم أورد ابن الخطيب طائفة من شعره في التصوف اشتملت على (9) قطع، عدد أبياتها (110) أبيات. وختم ترجمته بذكر رسالته هذه، وموضوعها: (كيف نقرأ مؤلفات الغزالي) قال: (وصلني أيها الابن النجيب، المخلص الحبيب، كتابُك الناطقُ بخلوص ودك، ورسوخ عهدك، وتلك سجية لايقة بمجدك، وشنشنة تعرف من والدك وجدك، وصل الله أسبابَ سعدك، وأنهض عزمَ جدك، بتوفيق جدك، وبلغك من مأمولك، أقصى قصدك، فلتعلم أيها الحبيب أن جناني ينطوي لكم أكثر مما ينشره لساني. فإني مغرىً بشكركم وإن أعجمت، ومفصح بجميل ذكركم وإن جمجمت، لا جرم أن الوقت حكم بما حكم، واستولى الهرج فاستحكم، حتى انقطعت المسالك، وعدم الوارد والسالك، وذلك تمحيص من الله جار على قضية قسطه، وتقليب لقلوب عباده بين إصبعي قبضه وبسطه، حين مد على الخليقة ظل التلوين، ولو شاء لجعله ساكناً، ثم جعل شمس المعرفة لأهل التمكين، عليه دليلا باطنا، ثم قبض كل الفرق عن خاصيته قبضاً يسيراً، حتى أطلع عليهم من الأنس بدراً منيراً. وإلى ذلك يا بني فإني أحمد الله تعإلى إليك على تشويقه إياك إلى مطالعة كتب المعارف، وتعطشك للورود على بحر اللطايف. وإن الإمام أبا حامد رحمه الله، لممن أحرز خصلها، وأحكم فرعها وأصلها، لا ينكر ذلك إلا حاسد، ولا يأباه إلا متعسف جاحد. هذا وصفه، رحمه الله، فيما يخصه في ذاته. (وأما تعليمه في تواليفه، وطريقه التي سلكها في كافة تصانيفه؛ فمن علماينا رضي الله عنهم، من قال إنه خلط النهاية بالبداية، فصارت كتبه أقرب إلى التضليل منها إلى الهداية) وإن كان لم يقصد فيها إلا النفع، فيما أمه من الغرض، فوجد في كتبه الضرر بالعرض، وممن قال بهذا الفقيه الحكيم أبو بكر بن الطفيل. قال، (وأما أبو حامد، فإنه مضطرب التأليف، يربط في موضع، ويحل في آخر، ويتمذهب بأشياء، ويكفر بها، مثل أنه كفر الفلاسفة باعتقادهم أن المعاد روحاني، وإنكارهم حشر الأجساد. وقد لوح هو بأن ذلك مذهبه في آخر كتاب (الجواهر) و(الأربعين) وخرَّج بأنه معتقد كبار الصوفية، في كتاب آخر، وقال: (إن معتقده كمعتقدهم، وأنه وقع على ذلك بعد بحث طويل وعناء شديد). قال، وإنما كلامه في كتبه، على نحو تعليم الجمهور. وقد اعتذر أبو حامد نفسه عن ذلك في آخر كتاب ميزان العمل، على أغلب ظني، فإن لي من مطالعة الكتب مدة. قال، (ولو لم يكن في هذه الألفاظ إلا ما يشكك في اعتقادك الموروث، يعنى التقليد، فإنه من لم يشك، لم ينظر، ومن لم ينظر، لم يبصر، ومن لم يبصر ففي العمى والحيرة. ثم تمثل بقول الشاعر:(خذ ما تراه ودع شيئاً سمـعـت بـه * في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل )(2) وذلك أنه قسم آراءه إلى ثلاثة: (رأى يجاب به كل مسترشد سائل، بحسب سؤاله، وعلى مقدار فهمه. ورأى يجاب به الخاصة، ولا يصرح به للعامة. ورأى بين الإنسان وبين نفسه، لا يطلع عليه إلا من شركه في اعتقاده). وأما الفقيه الفاضل أبو الوليد بن رشد رحمه الله، فإنه بالغ في ذلك مبالغ عظيمة، وذلك في كتابه الذي وصف فيه (مناهج أدلة المتكلمين)، فإنه لما تكلم على طرق الأشعرية والمعتزلة، والفلاسفة، والصوفية، والحشوية، وما أحدثته المتكلمون من الضرر في الشريعة بتواليفهم، انعطف فقال: (وأما أبو حامد، فإنه طم الوداي على القرى، ولم يلتزم طريقة في كتبه، فنراه مع الأشعرية أشعرياً، ومع المعتزلة، معتزلياً، ومع الفلاسفة فيلسوفاً، ومع الصوفية، صوفياً، حتى كأني به (يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن * وإن لقيت معدياً فعدنـان). ثم قال: (والذي يجب على أهل العلم، أن يَنهوا الجمهور عن كتبه، فإن الضرر فيها بالذات، والمنفعة بالعرض). قال: (وإنما ذلك لأنه صرح في كتبه بنتائج الحكمة، دون مقدماتها، وأفصح بالتأويلات التي لا يطلع عليها إلا العلماء، الراسخون في العلم، وهي التي لا يجوز أن تؤول للجمهور، ولا أن تذكر في غير كتب البرهان). وأنا أقول: (إن كتبه في الأصلين، أعني أصول الدين، وأصول الفقه؛ في غاية النبل والنباهة، وبسط اللفظ، وحسن الترتيب والتقسيم، وقرب المسائل. وكذلك كتبه الفقيهة والخلافية والمذهبية، التي ألفها على مذهب الشافعي، فإنه كان شافعي المذهب، في الفروع. (وأما كتبه التي ذهب فيها مذهب التصوف، فهي التي يوجد فيها ما ذكر من الضرر بالعرض). (وذلك أنه بنى الأكثر من الاعتقادات فيها على ما تأدى إلى فهمه من مذاهب الفلاسفة، ونسبها إلى المتصوفة). وقد نبه على ذلك الفقيه الجليل أبو بكر الطرطوشي في كتابه الذي سماه ب(مراقي العارفين). قال: (وقد دخل على السالكين ضرر عظيم من كتب هذا الرجل الطوسي، فإنه تشبه بالصوفية ولم يلحق بمذاهبهم، وخلط مذاهب الفلاسفة بمذاهبهم، حتى غلط الناس فيها). على أنني أقول: (إن باعه في الفلسفة كان قصيراً، وإنه حذا حذو الشيخ أبي علي بن سينا في فلسفته التي نقلها في المقاصد، ومنطقه الذي نقله في معيار العلم، لكن قصر عنه. وتلك الاعتقادات، منها حق ومنها باطل، وتلخيصه لا يتأتى إلا لصنفين من الناس، أعني أهل البرهان، وأهل المكاشفة، فبحسب ذلك تحتاج كتبه إلى تقدمة علوم البرهان، أو رياضة أهل المكاشفة، وحينئذ ينظر ي ساير كتبه). وهذه الرسالة طويلة، تكلم فيها على كتب أبي حامد الغزالي رحمه الله، بما يدل على تفننه، وعلى اضطلاعه، رحمه الله).

---------------------------------------------------------------------------------------------

(1) (قمارش): بلدة أندلسية حصينة ، تقع شرق ثغر مالقة في سفح جبال (سيلا نفادا) جبل الثلج.

(2) انظر هذا النص في خاتمة كتاب (ميزان العمل) على الوراق.




    * هذه الصفحة من إعداد الباحث زهير ظاظا : zaza@alwarraq.com
نصوص أخرى