جاروسلاف ستتكيفيتش الأستاذ الجامعي اليوغوسلافي الأمريكي المعاصر، الذي طوّف في بلادنا مـن شرقيهـا إلى غـربيهـا أستاذا زائرا؛ فدرس تطور اللغة العربية ألفاظا وتعابير، وتطور التفكير اللغوي عند العرب في العصر الحديث، وجهاد رجال النهضة أدباء وعلماء، لتحديث العربية وجعلها وافية بمقتضى الحياة؛ وأودع خلاصة بحوثه في كتابه: (العربية الفصحى الحديثة: بحوث في تطور الألفاظ والأساليب)، وهو مشروع رسالته للدكتوراه. وقد ترجمه وعلّق عليه الدكتور محمد حسن عبد العزيز، طبعة دار النمر بالقاهرة، سنة 1985م، ص284 ? 285. وتناول فيه مسائل القياس والنحت وتعريب الألفاظ والتعابير وتطور الدلالة وتيسير النحو، ثم انتهى إلى أن " العربية الحديثة تبتعد الآن عن اللغتين كلتيهما الفصحى والعامية ؛ فبينما تحتفظ بالبناء الصرفي للعربية الفصحى ، تقترب من حيث التركيب النحوي والأسلوبي في الشكل والروح من عائلة اللغات التي تعبر عن الثقافة الغربية، وهذا مشروط بأن تمضي العربية المعاصرة في هذا الطريق إلى مداه، وربما لا يمضي جيلان أو ثلاثة حتى تصبح عضوا متكاملا في عائلة الثقافة الغربية، وحيث تسهم بدور كامل في هذه الجماعة اللغوية الحديثة المشتركة. وسوف يخضع النحو ? عندئذٍ ? لتغيرات بعيدة الأثر فرضتها عليه ديناميكية الفكر الغربي. إن أنماط الجملة الفعلية والاسمية لن تكون الخواص النحوية الأساسية، وبدلا من ذلك سوف يكون مفهوم النبر الدلالي حاكما لترتيب عناصر الجملة. وسوف يتطلب هذا تغيرا طبيعيّا في الاتجاه من الجانب الشكلي القواعدي إلى الجانب الأسلوبي الديناميكي. إن الجملة العربية سوف تصبح أغنى بالجمل التابعة وسوف يصبح نظامها وترتيب عناصرها مرنا كالعادات الفكرية الحديثة. ومن الملاحظ أن هناك اتجاها واضحا للابتعاد عن البساطة التركيبية.... (أفكار ستتكيفتش الثمانية الخطيرة) : لقد أفضى به تأمله إلى ملاحظة اقتراب اللغة العربية من عائلة لغات الثقافة الغربية ؛ فتطوع ببيان ما ينبغي للغة العربية - والمراد العرب - أن تصطنعه بنحوها ، لتصبح عضوا عاملا مؤثرا في تلك العائلة ؛ فزادنا إيمانا بمكانة النحو من لغتنا ، وتمسكا بخصائص العروبة فيه . * الفكرة الأولى: أنه ليست للعرب الآن لغة يفكرون بها. أما العامّية فلغة عادات الحديثة اليومي الحي، وأما الفصحى التقليدية فلا هي بهذه المنزلة ولا هي لغة عادات تفكير من يستخدمونها. * الفكرة الثانية: أنه توشك أن تولد بعيدا عن الفصحى التقليدية والعامية المتضادتين، عربية فصحى حديثة تنتمي بتطورها النحوي إلى عائلة اللغات الغربية الثقافة . * الفكرة الثالثة: أنه تعتمد صيرورة العربية الفصحى الحديثة الوليدة، عضوا عاملاً مؤثرا في الثقافة اللغوية الغربية، على بلوغ تطورها النحوي مداه. * الفكرة الرابعة: أنه تقتضي (ديناميكية) الفكر الغربي، نحو العربية الفصحى الحديثة الوليدة، أن يتخذ النبر الدلالي معيارا لترتيب عناصر جمله، فيتجه من الجانب الشكلي (القواعدي) في العربية الفصحى التقليدية، إلى الجانب الأسلوبي (الديناميكي) في عائلة اللغات الغربية الثقافة. * الفكرة الخامسة: أنه يفضي ذلك متى تَمّ، إلى غنى الجملة العربية بالجمل التابعة، وصيرورة نظامها وترتيب عناصرها، على مثل مرونة العادات الفكرية الحديثة الغربية. * الفكرة السادسة: أنه تفضي محاكاة الأساليب (التعابير) الغربية المعربة، إلى سلسلة من المشتقات الأسلوبية (التعبيريّة) الفعّالة، تبدو أصيلة في إطار الروح اللغوي الحديث الوليد. * الفكرة السابعة: أنه ينجح الأسلوب الغربي السهل المعرب الحديث الوليد متمثلا في أسلوب طه حسين وجيله، بين من تلاه من الكتّاب والشعراء. * الفكرة الثامنة الأخيرة: أنه على رغم اتجاه بعض الأساليب إلى التعقيد، لن تعود العربية الفصحى الحديثة الوليدة، إلى العربية الفصحى القديمة التقليدية. بعض هذه الأفكار كما لا يخفى، من المأثورات الغربية (2)، ولكن جدّةَ أكثرِها ودقةً علميةً فيها، حافزان كافيان إلى تقليبها على وجوهها، وإدامة النظر فيها، واعتمادها فيما يأتي ، مسائلَ بحثٍ. اقتبسنا هذا النص من كتاب (رِعايَةُ النَّحْوِ الْعَرَبيِّ لِعُروبَةِ أَطْوارِ للُّغَةِ وَالتَّفْكيرِ) للدكتور محمد جمال صقر مدرس بكية دار العلوم من جامعة القاهرة، يعمل أستاذًا مساعدًا بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية من جامعة السلطان قابوس. والكتاب مناقشة لستتكيفيتش في آرائه المذكورة، وقد بعث إلينا د. صقر مشكورا بمجموعة من أعماله هدية منه لموقع الوراق، وسوف نقوم بنشرها في موقع الوراق إن شاء الله