في هذه البطاقة سنقلب أوراق التاريخ بحثا عن مشاهير بني جمح، من خلال ترجمة أجداد عبد الحكم صاحب المكتبة المذكورة في البطاقة السابقة، وإن كان في النفس شيء من أخبار هذه القبيلة في عصر النبوة، والله أعلم بحقيقتها.... أما عبد الحكم فقد ترجم له ابن حزم في (الجمهرة) وسماه عبد الحكيم، وهو فيه: (عبد الحكيم بن عمرو بن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف) قال ابن حزم: (وعبد الحكيم، كان من فتيان قريش، قد اتخذ بيتاً لإخوانه، فيه كتب العلم، والشطرنجيات، والنرد، والقرق).... وأما أبوه (عمرو): فكان وحيد أبيه، وقد خلط أبو الفرج الأصفهاني بين عمرو هذا وعمرو بن عبد الله بن صفوان، والصواب ما حكاه ابن حزم ... وأما جده صفوان بن عبد الله، فكان هو وأخوه عمرو من سادة مكة، وهو جد بني عون الوهرانيين، كما حكاه ابن حزم، وأخوه: (عمرو بن عبد الله بن صفوان) هو المقصود بقول الشاعر (تمشي تبختر حول البيت منتخـياً * لو كنت عمرو بن عبد الله لم تزد ) .... وأما جده الثاني: عبد الله بن صفوان: فمن مشاهير رجالات عصره، نعته الزركلي برئيس مكة وابن رئيسها، قتل مع عبد الله بن الزبير في محنته، وحُمل رأسه إلى عبد الملك، وذلك عام (73هـ). ويقال له (عبد الله الأكبر) تمييزا له عن أخيه (عبد الله الأصغر) وليس كما حكى الزركلي ? والصواب في اسم الذي ترجم له الزركلي: (عبيد الله بن محمد بن صفوان بن عبيد الله بن عبد الله ابن أبي بن خلف) وكانت وفاته عام (160هـ) وترجم له الصفدي عقب ترجمة عبد الله بن صفوان فقال: عبد الله بن صفوان أمير المدينة: توفي سنة (160) وما ذكره الصفدي أيضا يفتقر إلى التحرير، فقد أورد ترجمة ثانية نصها: (عبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحي. أحد الفضلاء الأدباء. ولاه المنصور قضاء العراق. وصرفه المهدي لما ولي الخلافة. وتوفي في حدود الستين وماية). والصواب ما حكاه ابن حزم وسنأتي على ذكر عبيد الله في ترجمة أمية بن خلف...... وأما جده الثالث: صفوان بن أمية: فكان أحد المقنطرين في الجاهلية: (أي: الذين جمعوا قنطارا من ذهب) له في كتب الحديث (13) حديثاً، وشهد اليرموك، وتوفي في المدينة عام (41هـ) وكان قد أسلم يوم الفتح هو وأخوه ربيعة، ثم ارتد ربيعة، وهرب إلى بلاد الروم، ومات هنالك نصرانيا، بعدما أنجب ولدين، هما: (يحيى وعوف) ثم رجع أولاده إلى الإسلام فاشتهر من أحفادهم: البشنوني ابن عبد الغفار بن يحيى بن ربيعة بن أمية بن خلف؛ ولصفوان خمسة أخوة، وهم: (علي: الذي قتل مع أبيه يوم بدر، وربيعة (المرتد) وسلمة أبو معبد، ومسعود: والد عامر بن مسعود الذي ولاه ابن الزبير على الكوفة أيام خلافته، وفي أيامه حبس سويد بن أبي كاهل العبسي صاحب القصيدة التي سميت باليتيمة، وهي (عينية) أورد الصفدي ستة أبيات منها في ترجمته. وكان مسعود قد تزوج ابنة عمه أبيّ بن خلف، فأنجبت له (عامرا) وكان في أولاد عامر مشاهير، منهم قاضي فلسطين: عبد الوهاب بن عبد الله الجمحي. وكان صفوان قد أنجب (8) بنين، وهم: (عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر، وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأصغر، وصفوان -سمي أبيه- وعثمان وخالد وحكيم) وحكيم هذا هو والد يحيى بن حكيم الذي ولي مكة ليزيد بن معاوية، وانقرض عقبه (انظر ترجمته في الأعلام). وعبد الرحمن بن صفوان هو جد المحدث: حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان الجمحي (ت 151هـ) وكان لحنظلة ثلاثة أخوة، منهم اثنان محدثان أيضا، وهما: (عمرو وعبد الملك) والثالث عبد الرحمن...... وأما جده الرابع: أمية بن خلف، فهو الذي كان يقال له الغطريف، وكان من صناديد المشركين، وقتل يوم بدر، وكان له (9) إخوة، منهم : أحيحة: جد الشاعر أبي دهبل الجمحي (ت 63هـ). ومنهم: أسيد، وأشهرهم (أبي بن خلف) الذي قتله النبي (ص) بيده، مبارزة يوم أحد، وأخذ سيفه (ذا الفقار) وهو المقصود فيما يقال بالآية: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) وأسلم من بعده أولاده، وكان منهم مشاهير في الإسلام، وأول من نبغ منهم: محمد بن صفوان بن عبيد الله بن عبد الله ابن أبي بن خلف، الذي ولي قضاء المدينة أيام بني أمية، ثم ابنه: عبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحي الذي ولي قضاء العراق للمنصور، ثم قضاء المدينة للمهدي العباسي، فلما مات خلفه في القضاء على المدينة ابنه: عبد الأعلى بن عبيد الله....... وأما جده الخامس خلف: فهو خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو جد الصحابي المشهور (عمير بن وهب بن خلف) وأخو حبيب بن وهب: جد الصحابي عثمان بن مظعون (ر) وإخوتِه: قدامة و السائبِ وعبدِ الله - أخي عثمان بن عفان لأمه - وكلهم صحابة بدريون، ترجم لهم الزركلي في (الأعلام) ولهم أحفاد مشاهير، يطول ذكرهم، (انظرهم في جمهرة ابن حزم) وأختهم: زينب بنت مظعون زوجة عمر بن الخطاب (ر) وهي أم حفصة (ر) وعبد الله بن عمر (ر) وكان قدامة بن مظعوان شقيقا لزينب، وهو الذي زوجها لعمر بن الخطاب، وزوجه عمر أخته: صفية بنت الخطاب، وولاه البحرين، وفي أخباره أباطيل، تتصل بما ذكرناه في مقدمة البحث.... وكان لمظعون أخ اسمه (معمر) اشتهر أيضاً من أحفاده كثيرون، ومعظمهم ممن هاجر إلى الحبشة مع عثمان بن مظعون، ومنهم: محمد بن حاطب الجمحي: أول من سمي في الإسلام محمدا بعد رسول الله (ص) له ترجمة في (الأعلام) للزركلي ووفاته سنة (74هـ) وكان واحدا في الضرب بالدف، كما حكى الصفدي. وهو جد عيسى بن لقمان بن محمد بن حاطب الجمحي والي مصر أيام المهدي سنة (161هـ) استمرت ولايته خمسة أشهر فقط. وكان لمحمد بن حاطب أخ اسمه الحارث، ولي إمارة مكة ست سنين أيام ابن الزبير، (له ترجمة في الوافي). وأما جده السادس وهب بن حذافة، فهو أخو أهيب: جد أبي عزة الشاعر، الذي قتله النبي (ص) صبرا يوم أحد، وقال له كلمته المشهورة: (لا يخدع المؤمن من جحر مرتين) وترجم له الزركلي في الأعلام ، واسمه (عمرو بن عبد الله بن عثمان).... وأما جده السابع حذافة بن جمح، فهو أخو سعد بن جمح، والد (لوذان وربيعة) وهما من عشائر جمح. فأما (لوذان) فانقرضت أعقابها أيام الرشيد، ومنهم: أبو محذورة الجمحي: مؤذن النبي (ص) والذي استمر الأذان في أحفاده حتى عصر الرشيد، فورث الأذان عنهم بنو سلامان ابن عمهم (ربيعة) وكان سلامان وحيد أبيه، وهو جد: (الصحابي سعيد بن عامر بن حذيم ابن سلامان) أمير حمص أيام عمر بن الخطاب (ر) توفي نحو عام (19هـ) انظر ترجمته في (الوافي) للصفدي. وأخوه: (جميل بن عامر) جد: محمد بن القاسم (راوية الزبير بن بكار) وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي: قاضي بغداد أيام الرشيد، وهو الذي أفتى بقتل ضرار بن عمرو أحد رؤوس المعتزلة، بعدما شهد عليه الإمام أحمد بن حنبل بالكفر، ولكنه تمكن من الهرب، ونشر مؤلفاته التي نعتها الزركلي بالخبيثة. وأما جده الثامن جمح الذي تنسب إليه القبيلة، فهو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي. وهو أخو سهم جد قبيلة بني سهم المشهورة، والتي منها عمرو بن العاص ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعبد الله ابن الزبعرى الشاعر، وزياد بن إسماعيل: قاضي مكة أيام المطيع العباسي، وكثير من المشاهير.... وقبيلة جمح من أضخم قبائل قريش، كان لها باب باسمها في المسجد الحرام يعرف بباب بني جمح. انظر في كتاب (الاشتقاق) بحثا طريفا عن مشاهير هذه القبيلة، تحت عنوان (تسمية رجال بني جمح). فمن مشاهير من ترجم لهم غير المذكورين في بحثنا: (مسافع بن عبد الرحمن الشاعر) و(عبد الرحمن بن ساباط الفقيه) توفي سنة (118هـ) و(ابن أبي حميضة) و(جميل بن معمر) الذي حمل إلى قريش نبأ إسلام عمر بن الخطاب - وهو الذي قتل زهير بن الأغر الهذلي يوم حنين-. و(وهب بن عمير) الذي نزلت فيه الآية: "ما جَعَل اللهُ لرجُلٍ مِن قَلبَيْنِ في جَوْفه" -وفي (الوافي) للصفدي أن الذي نزلت فيه الآية هو جميل بن معمر الجمحي- و(جابرٌ، وجُنَادة: ابنا سُفيانَ بن معمر) وهما وأبوهما سفيان من مهاجِرة الحبشة. ومن مشاهير جمح الذين لم يذكرهم ابن دريد ولا ابن حزم: (قاضي دمشق محمد بن العباس بن محمد بن عمرو الجمحي، ولي قضاء دمشق قبل أبي زرعة، وتوفي سنة (297هـ) وعبد الله بن معاوية بن موسى الجمحي البصري المعمر (مسند العراق في زمانه) روى عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وتوفي في حدود (250هـ). وأما موالي هذه القبيلة فكثيرون، ومن أشهرهم : عبد الرحمن بن حنبل الجمحي بالولاء، من شعراء الفتوح في صدر الإسلام، وعداده في الصحابة، وقتل يوم صفين، وكان من كبار رجال علي (ر) وسجن في سبيله فيما يقال، وله وهو في سجنه قصيدة مشهورة، يندد فيها بالظلم: منها: (أإن قلت حقاً أو نشـدتُ أمـانة * قُتلت? فمن للحق إن مات ناشده) ومن مواليهم: أبو محمد الأثرم عمرو بن دينار الجمحي بالولاء، وهو فارسي الأصل، كان مفتي أهل مكة في زمانه، ووفاته عام (126هـ) وعبد الرحيم بن خالد الجمحي بالولاء: فقيه، من قدماء أصحاب مالك. وهو أول من أدخل مصر فقه مالك، وكان من الصالحين. مات شاباً سنة (163هـ). وأشهر مواليهم على الإطلاق: محمد بن سلّام الجمحي صاحب (طبقات الشعراء) ووفاته سنة (232هـ) وكان مولى بني قدامة بن مظعون. وهو خال الفضل بن الحباب الجمحي بالولاء، وكان من رواة الأخبار والأشعار والآداب والأنساب. توفي بالبصرة سنة (305هـ) وكان أعمى، وولي القضاء بالبصرة.