مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث
منهج الجاحظ في نقد الحديث

قال الجاحظ في (البيان والتبيين): روى الأصمعيُّ وابن الأعرابي، عن رجالهما، أنّ رسول اللَّه (ص) قال: (إنّا مَعْشَرَ الأنبياءِ بِكاءٌ) فقال ناس: البَكْءُ: القِلّة، وأصل ذلك من اللبن، فقد جعل صفة الأنبياء قِلَّة الكلام، ولم يجعله من إيثار الصمت ومن التحصيل وقلّة الفضول. قلنا: ليس في ظاهر هذا الكلام دليلٌ على أنَّ القِلّة من عجزٍ في الخلقة........ ألاَ ترى أنّ اللَّه قد استجاب لموسى عليه السلام حين قال: "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَاني، يَفْقَهُوا قَوْلي، وَاجْعَلْ لي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هرُونَ أَخِي، اشْدُدْ بهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً، إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً، قَال قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى" طه: 27 - 37، فلو كانت تلك القِلّة من عجزٍ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحقَّ بمسألة إطلاق تلك العُقدة من موسى؛ لأنّ العربَ أشدُّ فخراً ببيانها، وطولِ ألسنتها، وتصريف كلامها، وشدة اقتدارها، وعلى حسب ذلك كانت زِرايتها على كلِّ مَن قَصّر عن ذلك التمام، ونَقَص من ذلك الكمال، وقد شاهدوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وخُطَبه الطِّوَال في المواسم الكبار، ولم يُطِل التماساً للطُّول، ولا رغبةً في القدرة على الكثير، ولكنّ المعاني إذا كثُرت، والوجوهَ إذا افتَنَّت، كثُر عددُ اللفظ، وإنْ حُذِفت فُضُوله بغاية الحذف، ولم يكن اللّهُ ليعطيَ موسى لتمام إبلاغِه شيئاً لا يعطيه محمداً، والذين بُعِث فيهم أكثر ما يعتمدون عليه البيانُ والَّلسَن، وإنما قلنا هذا لِنَحْسِمَ جميعَ وجوه الشَّغْب، لا لأنّ أحداً من أعدَائه شاهَدَ هناك طَرَفاً من العجز ولو كان ذلك مرئيّاً ومسموعاً لاحتجُّوا به في الملا، ولتناجَوا به في الخلا، ولتكلم به خطيبُهم، ولقال فيه شاعرُهم، فقد عرف الناسُ كثرةَ خطبائهم، وتسرُّعَ شعرائهم (هذا على أنّنا لا ندري أقال ذلك رسول اللَّه (ص) أم لم يقله؛ لأنَّ مثلَ هذه الأخبارِ يُحتاج فيها الخبر المكشوف، والحديثِ المعروف، ولكنّا بفضل الثِّقة، وظهور الحُجّة، نجيب بمثل هذا وشبِهه ..... وللسَّلف الطَّيب حكَم وخطبٌ كثيرة، صحيحةٌ ومدخولة، لا يخفى شأنها على نُقّاد الألفاظ وجهابذةِ المعاني، متميِّزةٌ عند الرواة الخُلَّص، وما بَلَغَنا عن أحدٍ من جميع الناس أنّ أحداً ولَّد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خُطبةً واحدة، فهذا وما قبلَه حُجّةٌ في تأويل ذلك إن كان حقّاً. وفي كتاب اللّه المنزّل، أنّ اللَّه تبارك وتعالى جعل مَنيحَةَ داودَ الحكمةَ وفصلَ الخطاب، كما أعطاه إلانَةَ الحديد، وفي الحديث المأثور، والخبر المشهور، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: شُعيبٌ خطيبُ الأنبياء، وعلَّم اللَّه سُليمانَ مَنِطقَ الطير، وكلامَ النمل، ولغاتِ الجنّ، فلم يكن عزّ وجلّ ليعطيَه ذلك ثم يبتليَه في نفسه وبيانِه عن جميع شأنه، بالقلة والمَعْجَزَةِ...فإن كان الذي رويتم من قوله: إنّا مَعْشَرَ الأنبياءِ بِكاءٌ على ما تأوّلتم، وذلك أنّ لفظَ الحديث عامٌّ في جميع الأنبياء، فالذي ذكرنا من حال داود وسليمان عليهما السلام، وحالِ شُعيبٍ والنبي صلى الله عليه وسلم ، دليلٌ على بطلان تأويلكم، وردّ عموم لفظ الحديث، وهذه جملةٌ كافية لمن كان يريد الإنصاف.


    * هذه الصفحة من إعداد الباحث زهير ظاظا : zaza@alwarraq.com
نصوص أخرى