مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث البحث في لسان العرب ثقافة, أدب, شعر, تراث عربي, مكتبة , علوم, تاريخ, لغة, كتب, كتاب ,تراث عربي, لغة, أمهات الكتب, تاريخ, فلسفة, فقه, شعر, القرآن, نصوص, بحث إرشادات البحث
الموسيقى: غذاء وداوء

حكى التجيبي في كتابه (شرح المختار من شعر بشار) قال: (كنت بمدينة مالقة من بلاد الأندلس سنة (406هـ) فاعتللت بها مُديدة، انقطعت فيها عن التصرف، ولزمت المنزل، وكان يُمرّضني حينئذ رفيقان كانا معي، يَلمّان من شعثي ويرفقان بي، وكنت إذا جن الليل اشتد سهري، وخفقت حولي أوتار العيدان والطنابير والمعازف من كل ناحية، واختلطت الأصوات بالغناء فكان ذلك شديدا علي، وزائدا في قلقي وتألمي. فكانت نفسي تعاف تلك الضروب طبعاً، وتكره تلك الأصوات جبلّةً، وأود لو أجد مسكناً لا أسمع فيه شيئاً من ذينك، ويتعذر علي وجوده، لغلبة ذلك الشان على أهل تلك الناحية وكثرته عندهم. وإني لساهر ليلة بعد إغفاءة أول ليلتي، وقد سكنت تلك الألفاظ المكروهة، وهدأت تلك الضروب المضطربة، وإذا ضربٌ خفيٌّ معتدلٌ حسنٌ لا أسمع غيره، فكأن نفسي أنست به، وسكنت إليه، ولم تنفر منه نِفارها من غيره، ولم أسمع معه صوتاً، وجعل الضرب يرتفع شيئاً فشيئاً، ونفسي تتبعه، وسمعي يصغي إليه، إلى أن بلغ في الارتفاع إلى ما لا غاية وراءه. فارتحتُ له، ونسيتُ الألم، وتداخلني سرورٌ وطربٌ، وخيل إلي أن أرض المنزل ارتفعت بي، وأن حيطانه تمور حولي. وأنا في كل ذلك لا أسمع صوتاً. فقلتُ في نفسي: أما هذا الضرب فلا زيادة عليه، فليت شعري كيف صوت الضارب، وأين يقع من ضربه. ولم ألبث ان اندفعت جارية تغني في هذا الشعر بصوت أندى من النوار غبَّ القطار، وأحلى من البارد العذب. وتبعت الصوتَ وكان قريبا مني، فاطلعتُ من وسط منزلي على دار فسيحة، وفي وسط الدار بستانُ كبيرٌ، وفي وسط البستان شَرْبٌ نحوٌ من عشرين رجلاً، قد اصطفوا وبين أيديهم شراب وفاكهة، وجوار قيام بعيدان وطنابير وآلات لهو ومزامير لا يُحركْنها، والجارية جالسة ناحيةً وعودها في حجرها، وكلٌ يرمقها ببصره، ويوعيها سمعه، وهي تغني وتضرب، وأنا قائم بحيث أراهم ولا يرونني، وكلما غنت بيتا حفظتُه. إلى أن غنت عدة أبيات، وقطعتْ، فعدتُ إلى موضعي: يشهد الله وكأنما أُنشطتُ من عِقال، وكأن لم يكن بي ألمُ. وقد وعيتُ الأبيات وهي: (ما بال أنجم هذا الليل حائرةً ... أضلت القصدَ أم ليست على فلكِ) (عادت سواريه وقفاً لا حراك بها... كأنها جثثٌ صرعى بمعترك) (ما تنقضي ساعة منه فتُطمعني ... به ولا هو في وجه بمنسلك) (هل من بشير بنور الصبح تنقذني... بشراه من طول وجدٍ غير متّرك) (فقد أجدَّ التواء الليل لي شجناً ... وأضجعتني تباريحي على الحسك) (خذ يا شمول كؤوس الراح مترعة ... فسقّنيها ولا تسأل عن الدرك) (وهِج بألحانك الطنبور إن له ... على شجون المُعَنّى سطوةَ المَلِكِ). ثم انصرفت في صباح تلك الليلة، فلقيتُ صديقا لي من أهل العلم، قرطبياً سكن مالقة، فأخبرته الخبر، وأنشدته الشعر، ووصفت له الدار، فاغرورقت عيناه وقال: الدارُ دار الوزير فلان ابن وخْشون، والجارية فلانة البغدادية، إحدى المحسنات من جواري المنصور ابن أبي عامر، وصارت إلى هذا الوزير بعد موت المنصور وتمزّق مملكته، والشعر قاله محمد بن قزمان....إلخ). انظر د. إبراهيم النجار (شعراء عباسيون منسيون) (1/ 372) والنص من مختاراته، من كتاب (شرح المختار من شعر بشار) للتجيبي (ص14- 16).


    * هذه الصفحة من إعداد الباحث زهير ظاظا : zaza@alwarraq.com
نصوص أخرى