قال القاضي أبو بكر ابن عربي (468هـ - 543هـ) في كتابه (قانون التأويل): كان من حسن قضاء الله تعالى أني كنت في عنفوان الشباب، وريان الحداثة، وعند ريعان النشأة رتب لي أبي رحمه الله حتى حذقت القرآن في العام التاسع، ثم قرن بي ثلاثة من المعلمين، أحدهم لضبط القرآن بأحرفه السبعة التي جمعها الله فيه ونبه الصادق صلى الله عليه، عليها بقوله: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) في تفصيل فيها. والثاني لعلم العربية، والثالث للتدريب في الحسبان. فلم يأت علي ابتداء الأشُدّ في العام السادس عشر من العمر إلا وأنا قد قرأت من أحرف القرآن نحوا من عشرة، بما يتبعها من إدغام وإظهار، وقصْر ومد، وتخفيف وشد، وتحريك وتسكين، وحذف وتتميم ،وترقيق وتفخيم. وقد جمعت من العربية فنونا، وتصرفت فيها تمرينا: منها كتاب (الواضح) -لأبي بكر محمد بن الحسن الأندلسي ت 379هـ- و(الجمل) - للزجاجي (ت 337) - وكتاب النحاس - أبي جعفر النحاس (ت338هـ) وكتابه الكافي في النحو- و(الأصول) لابن السراج - محمد بن السري المعروف بابن السراج، من تلاميذ المبرد، (ت 316هـ) - وسمعت كتاب الصناعة الأصلي الذي أنهاه الخليل إلى سيبويه ثم تولى سيبويه نظمه وترتيبه. وقرأت من الأشعار جملة، منها: الستة - والمراد بالستة امرؤ القيس والنابغة وعلقمة وعنترة وزهير وطرفة - وشعر الطائي - أبو تمام - والجعفي - المتنبي- ويسيرا من أشعار العرب والمحدثين، وقرأت في اللغة كتاب ثعلب - ت291هـ - و(إصلاح المنطق) - لابن السكيت ت 244هـ - و(الأمالي) - لأبي علي القالي ت356هـ - وغيرها. وسمعت جملة من الحديث على المشيخة، وقرأت من علم الحسبان المعاملات والجبر، والفرائض عملا، ثم كتاب إقليدس وما بليه إلى الشكل القطّاع - الشكل القطاع: قطعة من دائرة، رأسها إما على مركزها، وإما على محيطها، كما حكى الخوارزمي في مفتاح العلوم - وعدلت بالأزياج الثلاثة، ونظرت في الأسطرلاب في مسقط النقطة ونحوه. يتعاقب علي هؤلاء المعلمون من صلاة الصبح إلى صلاة العصر، ثم ينصرفون عني، وآخذ في الراحة إلى صبح اليوم الثاني، فلا تتركني نفسي فارغا من مطالعة أو مذاكرة أو تعليق فائدة، وأنا بغرارة الشباب. انتهى نقلا عن د. إبراهيم النجار (شعراء عباسيون منسيون: 1/ 382) وما ورد من شروح في النص من وضعه، وقد نقل النص عن كتاب (رحلة ابن عربي إلى المشرق كما صورها قانون التأويل).