القصة التي حكتها شهرزاد في هاتين الليلتين لها ذكر في معظم كتب الأدب، ولكن بأسانيد مختلفة، وأكتفي هنا بالإشارة إلى ما هو منشور على الوراق منها، فهي في (الجليس الصالح) للمعافى بن زكريا مما نقله الزبير بن بكار عن عمه مصعب، وهي في (إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس) مما سامر به الأصمعي هارون الرشيد. ونجد البيت الأول في القصة منسوبا في كتاب الأغاني لجميل بثينة، وهو قوله: (عجبت له أن زار في النوم مضجعي .. ولو زارني مستيقظا كان أعجبا) ورواها السراج القارئ مرتين في كتابه مصارع العشاق، ومن عجيب الاتفاق أن الرواية الأولى التي ذكرها أتبعها بخبر من أخبار جميل بثينة، والحالة نفسها نجدها في (ألف ليلة وليلة) حيث كانت الليلة (639) من أخبار جميل، ولكنها قصة أخرى غير التي ذكرها السراج. ويتبين لنا بالمقارنة أن كاتب (ألف ليلة وليلة) استعار هذه القصة من رواية الإتليدي. قارن فيهما قول الأصمعي في إعلام الناس: (وهو محمول معلق على شرط ...إلخ) وفي ألف ليلة وليلة: (وهو محجوب معلق على شرط...إلخ). والإتليدي مؤلف (إعلام الناس) من المتأخرين، لا يعرف الناس عنه إلا أنه مؤلف هذا الكتاب، انظر ما حكيناه من ذلك في التعريف بكتابه على الوراق. نص الحكاية كما رواها الزبير بن بكار، ونقلها المعافى بن زكريا في كتابه (الجليس الصالح): حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب بن أبي خيثمة، قال: أخبرنا الزبير بن بكار، قال: حدثني مصعب عمي، قال: ذكر لي رجلٌ من أهل المدينة، أن رجلاً خرج حاجا فنزل تحت سرحةٍ في بعض الطريق من مكة إلى المدينة، فنظر إلى كتاب معلقٍ على السرحة مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: أيها الحاج القاصد بيت الله، إن ثلاث أخواتٍ خلون يوماً فبحن بأهوائهن وذكرن أشجانهن، فقالت الكبرى: (عجبت له إذ زار في النوم مضجعي.. ولو زارني مستيقظاً كان أعجـبـا). وقالت الوسطى: (وما زارني في النوم إلا خياله..فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحبا ).. وقالت الصغرى: (بنفسي وأهلي من أرى كل ليلةٍ..ضجيعي ورياه من المسك أطيبا ).. وفي أسفل الكتاب مكتوب: رحم الله امرأً نظر في كتابنا هذا فقضى بالحق بيننا، ولم يجر في القضية، قال: فأخذ الكتاب فكتب في أسفله: (أحدث عن حورٍ تـحـدثـن مـرةً.. حديث امرىءٍ ساس الأمور وجربا).. (ثلاثٌ كبكرات الهـجـان عـقـائل.. نواعم يغلبن اللبـيب الـمـهـذبـا).. (خلون وقد غابـت عـيونٌ كـثـيرةٌ ..من اللائي قد يهوين أن يتـغـيبـا).. (فبحن بما يخفين من لاعج الـهـوى ..معاً واتخذن الشعر ملهىً وملعـبـا).. (عجبت له أن زار في النوم مضجعي.. ولو زارني مستيقظاً كان أعجـبـا).. (فلما أخبرت ما أخبرت وتضاحكـت.. تنفست الأخرى، وقالت تـطـربـا).. (وما زارني في النـوم إلا خـيالـه.. فقلت له أهلاً وسهلاً ومـرحـبـا).. (وشوقت الأخرى وقالـت مـجـيبة.. لهن بقولٍ كان أشهى وأعـجـبـا).. (بنفسي وأهلي مـن أرى كـل لـيلةٍ ..ضجيعي ورياه من المسك أطـيبـا).. (فلما تبينت الذي قـلـن وانـبـرى.. لي الحكم لم أترك لذي القول معتبا).. (قضيت لصغراهن بالظرف إنـنـي.. رأيت الذي قالت إلى القلب أعجبـا)..