من عثرات المرحوم أحمد الجندي في تحقيقه ديوان فتيان
قال المرحوم أحمد الجندي معلقا على قول فتيان الشاغوري: (برزتْ إلى نرزيه عزمتُك التي ... مدت يدا عن مطلب لم يَقْصُرِ).. (فتناولته بأيدها من بازخ... في الأفق ذي مثل يروع مُسيَّر)... قال: نرزيه: أحد قوات الصليبيين. (ديوان فتيان الشاغوري: مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق ص148). قلت: ما قاله الجندي لا أساس له من الصحة، وإنما هي (برزيه) الحصن المشهور المطل على القسم الشمالي من سهل الغاب. في بلدة أحمد الجندي، فكيف غفل عن هذا.?! .وأما قول فتيان في البيت الثاني (ذي مثل يروع مسير) فهو إشارة إلى المثل السائر الذي ذكره ابن العديم في بغية الطلب، قال في التعريف ببرزيه (وهو حصن منيع يضرب المثل بحصانته ومنعته فيقول الناس: كأنه في حصن برزيه) انظر ذلك على الوراق، قال ابن خلكان: (وهي من الحصون المنيعة في غاية القوة يضرب بها المثل في بلاد الفرنج تحيط بها أودية من جميع جوانبها، وعلوها خمسمائة ونيف وسبعون ذراعاً، وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر، ثم أخذها عنوة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة). ثم من يقع في هذا الخطأ فمن باب أولى أن لا ينتبه إلى ما ورد في مقدمة القصيدة من قول الناسخ: (أنشدها بمحروسة قلعة دمشق في ثالث وعشرين رجب سنة ثلاث وثمانين وخمس ماية). وهذا التاريخ لا يتفق مع ما أجمع عليه المؤرخون من أن فتح بيت المقدس كان يوم 29/ رجب/ 583هـ فكيف يكون صلاح الدين في دمشق في 23/ رجب (أي قبل ستة أيام) ويكون قد مضى على الفتح أكثر من ثلاثة أشهر، بناء على قول فتيان في نفس القصيدة (ملك السواحل في ثلاثة أشهر) مع العلم أن بدء فتح الساحل كان كما هو معروف يوم 6/ جمادى الأولى/ 584هـ. يضاف إلى ذلك أن صلاح الدين لم يكن أصلا في دمشق طوال عام (583) قال ابن شداد: ودخل صلاح الدين دمشق يوم 6/ ربيع الأول/ 584هـ وكانت غيبته عنها (16) شهراً. وكان فتح صلاح الدين لبرزيه يوم الثلاثاء 27/ جمادى الآخرة/ 584هـ. قلت: (وفتح برزيه كان آخر فتوحات صلاح الدين) ولصلاح الدين رسالة في وصف قصة فتحه لهذا الحصن، وهي من نوادر الرسائل التاريخية، أوردها برمتها الأسقف ابن المقفع الأشموني في كتابه (تاريخ البطاركة) (ج3 ص66). قال البستاني في (دائرة المعارف ج5 ص324) : (وهذا الحصن خرب الان، وكان موقعه على جبل عرف بالخيط إلى الشمال الغربي من أفامية، على مرحلة منها، وإلى جهة الجنوب من الشغر، ثم نقل أبيات فتيان الشاغوري هذه في فتح برزيه نقلا عن الكامل لابن الأثير)