أقدم نص وصلنا - فيما أحسب - ورد فيه ذكر (حساب الجُمّل) قول المتنبي في أرجوزة يصف بها كلبا من كلاب الصيد :( ذي ذَنَبٍ أَجرَدَ غَيرَ أَعزَلِ... يَخُطُّ في الأَرضِ حِسابَ الجُمَلِ). قال الشراح: (يقول إن آثار ذنبه في الأرض كآثار الكاتب إذا كتب حساب الجمل، قال العكبري: لأنه يحكي حروفا غير حروف الكتابة، يعرف بها المئين والعشور والألوف، وهو خط قبطي. وقال أبو العلاء في (معجز أحمد): (أي ذنبه طويل، يخط في الأرض دفعة بعد أخرى، فيمحو في الثاني ما يخط في الأول، كما يفعل بالحروف الحُسّابُ على التخت - فارسية بمعنى اللوح -. وقيل: أراد أن الكلب يخط ذلك. ووجه التشبيه أن أكثر ما يخط من حروف الهند أحرف معدودة مختلفة الصور، فشبه آثار يدي الكلب ورجليه يمنة ويسرة على ما فيها من الاختلاف بتلك الصور. والجُمَّل: أصله جُمَل، شددها. ثم رأيت الثعالبي يقول في( اليتيمة) في أخبار أبي القاسم الزاهي (ت 361هـ) وهو معاصر للمتنبي: وأنشدت له بيتاً معمى، وما أراه قاله: (من كان آدم جملاً في سنه هجرته حواء السنين من الدمى).. قال الثعالبي: آدم في حساب الجمل خمس وأربعون، وحواء خمسة عشر. والمقصود بتاريخ الجمّل هو الطريقة المتبعة في التأريخ الشعري بالأعداد المتفق عليها ل(أبجد هوز) بأن يكون للأحرف العشرة الأولى من واحد إلى عشرة، وهي (أبجد هوز حطي) والثانية، من عشرين إلى مائتين، وهي (كلمن سعفص قر) والثالثة من ثلاثمائة حتى الألف، وهي (شت ثخذ ضظغ). وشذ المغاربة في ذلك فكانت لهم مقادير خاصة. ويكاد لا يخلو أثر عمراني في القرون الأربعة الأخيرة من وجود بيت شعر في بعض زواياه يتضمن تاريخ إنشاء البناء، وقد تنافس الأدباء والكتاب في ابتكار الطرائف في هذا الفن الشعري الشاق، كان من أبدعها أنهم صاروا يعنونون تآليفهم بتاريخ الجمَّل، فإذا جمعت قيم أحرف العنوان فسوف تظفر بتاريخ تأليف الكتاب، ومن ذلك كتاب (الحدايق الوردية في حقايق أجلاء النقشبندية) وتاريخه المستفاد من حروفه 1306هـ ومن قواعدهم أن التاء المربوطة كالهاء في قيمتها، وأن الحرف المشدد يعد حرفاً واحداً، وأن الألف الممدودة تعد همزة، وأن الحساب يبدأ من الحرف الذي يلي كلمة تاريخ ومشتقاتها.