رسالة مريم جميلة إلى المرحوم الشيخ أبي الأعلى المودودي
ولدت مريم جميلة والتي كانت تدعى قبل اعتناقها الإسلام "مارجريت ماركوس" في نيويورك عام 1934م لأبوين يهوديين، وتلقَّت تعليمها الأولي في ضاحية "ويستشير" وتعرفت على مأساة الشعب الفلسطيني في وقت مبكر من عمرها، أهلَّها أن تكتب وهي في الخامسة عشرة من عمرها روايتها المشهورة (أحمد خليل: قصة لاجئ فلسطيني) ومنذ كانت في العاشرة -كما تقول-نمت لديها الرغبة في قراءة كلّ الكتب التي تتحدَّث عن العرب. وفي صيف 1952م التحقت بقسم الدراسات الأدبية بجامعة نيويورك. ولكنها مرضت في العام التالي واضطرت لتأجيل دراستها لمدة عامين عكفت خلالها على دراسة الإسلام، وبعد ما عادت للدراسة وهي محمَّلة بتساؤلات كثيرة وحنين إلى العرب، التقت شابة يهودية كانت عقدت عزمها على الدخول في الإسلام، وكانت مثلها تحبّ العرب حباً عاطفياً، فعرَّفتها على كثير من أصدقائها العرب المسلمين في نيويورك. ووقعت في يدها نسخة من ترجمة القرآن الكريم بالإنجليزية للأستاذ "محمد بيكتول" فتعمقت معرفتها بالإسلام. وفي أول أيام عيد الأضحى من عام 1380هـ الموافق يوم الخميس 25/ 5/ 1961م أعلنت إسلامها في مقر البعثة الإسلامية في "بروكلين" بنيويورك، على يد الداعية "داود فيصل"، وأصبح اسمها "مريم جميلة". في العام التالي هاجرت مريم إلى باكستان بدعوة من الشيخ أبي الأعلى المودودي، ثمَّ تزوجت الداعية الإسلامي "محمد يوسف خان" وأنجبت منه أربعة أطفال. وكتبت قصة إسلامها في كتاب ( رحلتي من الكفر إلى الإيمان ) لها مؤلفات كثيرة، أشهرها ( الإسلام في مواجهة أهل الكتاب ) و( الإسلام والتجدد ) و( الإسلام وأغراض المستشرقين ) و(ميثاق النهضة الإسلامية) و(أحمد خليل : قصة لاجئ فلسطيني ) و(جاذبية الإسلام) . وانظر على موقع الفسطاط مقالا لها منقولا عن (مجلة حضارة الإسلام) لصاحبها المرحوم الشيخ مصطفى السباعي: العدد الثاني، السنة الرابعة، أيلول 1963، ص79-102) وتجد الكثير من أخبارها في معظم المواقع الإسلامية. ونبذة عنها في كتاب (لم أسلم هؤلاء الأجانب) للأستاذ محمد عثمان عثمان (1/ 36) وكتاب (ربحت محمدا ولم أخسر المسيح) د. عبد المعطي الدالاتي (مؤسسة الرسالة: دمشق 2003م) وأهم ما عثرت عليه من أخبارها رسالتها إلى المرحوم أبي الأعلى المودودي، وتاريخ الرسالة (29 / 5/ 1961م) بعد إسلامها بخمسة أيام. والرسالة ترجمة محمد لقمان السلفي، إعداد سمية عبد الرحمن. وهذا نصها: ((حضرة الشيخ المودودي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : _ لقد كنت بالغة السرور بتلقي كتابك المؤرخ في العشرين من شهر مايو ، إذ علمت أنكم تتماثلون للشفاء . آمل أن تعود اليكم صحتكم عاجلاً . لكم الخيار التام في نشر أي جزء من رسائلي أو مقالاتي في مجلتكم الغراء ( ترجمان القرآن ) إن الرسائل التي وردتني تعليقاً على القصة القصيرة ، لم يكن من بينها الا كتابكم الوحيد الذي يحمل تشجيعياً لما أردت أن أعبر عنه في القصة . والقصة _ كما ذكرت لكم سابقاً _ عبارة عن الحلقة الأخيرة للرواية ( أحمد خليل ) وهي ترجمة حياة لمهاجر عربي فلسطيني ، بدأت في كتابتها منذ أغسطس 1949 م حينما كنت في الخامسة عشرة من عمري . الفصل الأول من الرواية يبدأ الحديث فيه عن طفولته في قرية صغيرة بجنوب فلسطين ، وعن بيته وبيئته وأعضاء أسرته ، وينتهي بذكر المأساة المفجعة التي حلت به وبأسرته إذ أخرجوا من ديارهم أيام الحرب الفلسطينية في 1948 م ، وهدمت القرية بأسرها ، بل قضي على كامل نظام الحياة فيها باستخدام القوات العسكرية الصهيونية الهائلة . أما الفصل الثاني ، فيبدأ النصف الثاني منه بأن أحمد خليل ( الذي كان قد بلغ الثامنة عشرة من عمره وتزوج منذ سنتين ) يقرر مغادرة مخيمات اللاجئين من دون إذن من الحكومة ، فيجمع الحوائج المتبقية لعائلته ويسافر للحج وينوي البقاء بالمدينة المنورة إلى أن يحين وقت العودة إلى فلسطين . أما البقية الباقية من الرواية ، فإنها تدور حول ابن عمه ( راشد ) الذي كان رفيق سفره وصديق حله وترحاله ، وحول أخيه الصغير ( خليفة ) الذي كان مصاباً في عقلة وابنه الوحيد ( اسماعيل ) الذي كان في حالة شك وعنف متزايدين على مر الزمن ، وحول عبد الرزاق الطالب الكفيف بالأزهر الذي كان تبناه أحمد خليل فكان راحةً لقلبه وسكناً لروحه الجريحة . الحلقة الأولى من الرواية تؤكد ما عليه المادية الغربية من الأخطار الوحشية ، متخفية تحت شعار الامبريالية الصهيونية وأهدافها ، كما أن الحلقات الأخيرة تؤكد ما لصناعة الزيت في السعودية من الأضرار البالغة والآثار السيئة على الحياة اليومية . وفي آخر القصة ، النهاية لهذه العائلة المسلمة العربية . إن كتابي يعبر عن النظريات والأفكار التي أودعتموها في كتبكم ، إلا أنها مصاغة في رواية . ولأسباب واضحة ( من دون النظر إلي براعة الأسلوب أو عدمها ) فإن الرواية سوف لا تلقي الرواج ههنا ، ولا أعتقد أنها تحظي بالموافقة على الطبع من قبل الناشرين الأمريكيين . إنني الآن على أتم استعداد لإخراج كتاب باسم ( الإسلام محارب من الخارج والداخل ) وهو عبارة عن مقتطفات من الدعاية العدائية ضد الإسلام . وليس غرضي مجرد العرض المفصل للهجمات التي يتعرض لها الإسلام في جميع نواحيه من قبل المستشرقين الغربيين والمسلمين المتفرنجين . أريد فوق كل هذا ، الكشف عن عقلية خصومنا ، فإنه لا يفيدنا مجرد توجيه الاتهام إليهم ولكن لتكون حربنا ضدهم مؤثرة ، فإنه يتحتم علينا أن نفهمهم وندرك كيفية تفكيرهم . علم النفس من الموضوعات الساحرة الجذابة ، فأريد أن استخدمه هنا لأعلم على وجه التحديد ما يحرضهم على صنع ما يصنعون . المؤلفون الذين أريد النقل عنهم هم السادة : ويلفريد كانت ويل سميث . مدير المعهد الإسلامي بجامعة ميك جيل في كندا وح. ج . ويلز المؤرخ الإنجليزي الشهير ، وارنولد تويمبي ، وويليام دوجلاس القاضي حاليا بالمحكمة العليا في أمريكا ، وجوليان هكسلى عالم الأحياء ومدير يونسكو سابقاً من 1946 م إلي 1948 م ، والبرت سوتيزر ، والسيدة ايليزروزولت ، وجون سي باديو الأستاذ سابقاً بالكلية الأمريكية بالقاهرة والسفير الأمريكي حالياً في الجمهورية العربية المتحدة . أما المسلمون المتفرنجون الذين لابد أن يشملهم نقدي ، فهم : ضياء جوكالب والدكتور طه حسين وآصف أ ، فيفي نائب رئيس جامعة كشمير . وسوف يكون كل مقتطف مسبوقاً بكلمات بتعريف كما سيتبع كلاً من القتطفات تعليق مفصل . أما بداية العمل فتكون بمقدمة طويلة وتنتهي بخاتمة موجزة واضحة . لقد قرأت هذه الأيام كتاباً ينور العقول ، للراحل محمد علي ، الرئيس السابق للحركة الأحمدية اللاهورية وقد عنونه ( يأجوج ومأجوج المناهضان للمسيح ) ذكر فيه أسباب اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بسيطرة الحضارة الغربية المادية في الأحاديث التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم . وفي اعتقادي أن المساعدات التكنولوجية للنمو الاقتصادي في البلدان المتخلفة لا تعني أكثر من أنها حيلة لنشر الحضارة المادية الغربية. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مدركاً هذا كله إدراكاً دعاه للقول عن الدجال : إنه يعطيهم الطعام ولكنه يجعل منهم كفرة . والمؤسف في الأمر أن المؤلف قضي على كل ما كتبه بما قاله في النهاية من أن المرزا غلام أحمد القادياني كان الإمام المهدي الموعود . منذ عدة أشهر كنت أحاول الاتصال بالأستاذ سيد قطب ، الذي أنتم تعرفون عنه أكثر وأحسن من أي شخص آخر ، إنه مسجون بأمر عبد الناصر منذ أن حل جماعة الإخوان المسلمين في عام 1954 م . إنه لم يتمكن من الكتابة إليّ بنفسه ، ولكني اليوم استلمت كتاباً جميلاً من اخته أمينة قطب التي ذكرت في كتابها أن رسائلي كانت ترسل في حين وصولها إلي أخيها في زنزانته ، وأنها كتبت بالنيابة عنه . سيد قطب الذي هو عالم ومؤلف لعديد من الكتب معجب بكم كثيراً ، ونصحني بقراءة مؤلفاتكم . كم من المؤلم أن يكون الإسلام مضطهداً في البلدان المسلمة أكثر منه في غيرها من البلدان . تجدون برفق الكتاب نسخة من النشرة التي تتولي إصدارها الكنيسة المحلية الموحدة التي يريد ابواى وأختي الكبيرة الالتحاق بها كأعضاء . أنا كنت حتى الآن أظن أن الكنيسة الموحدة تضم المسيحيين الذين يرفضون التثليث وتأليه المسيح ويحترمونه رسولاً ويؤكدون وحدانية الله سبحانه وتعالي . ولكن علمت فيما بعد أن الكنيسة التي يريد أبواي وأختي الانتماء إليها تعلن عن أفكار لا تختلف عن فكرة اللاأدرية البشرية الناشئة عن الحركة الثقافية الأخلاقية .
قبل خمسة أيام ( بعد صلاة عيد الأضحى ) أعلنت إسلامي ونطقت بالشهادتين أمام اثنين من أصدقائي المسلمين . وبذلك أصبحت مسلمة بما تعني الكلمة من المعني ، ثم حصلت على الشهادة الصادرة من منظمة الدعوة الإسلامية الأمريكية في بروكلى بتوقيع الشيخ داود أحمد فيصل . وقد أصبح اسمي الجديد مريم جميلة الذي به أوقع في المستقبل جميع رسائلي وكتاباتي . ولكن والدي وأمي لا يرغبان في مخاطبتي باسمي العربي كما هو حال الآخرين من الأسرة ، فأنا لن أصر عليه عند الحديث معهم سوف استعمله لكم ولجميع إخوتي وأخواتي في الإسلام ، إذ أنني فخورة به جداً . وآمل أن تكون صحتكم في تحسن مستمر. أختكم في الإسلام : مريم جميلة نيويورك 29 / 5 / 1961 م .