يرى ابن عربي كما يفهم من النص الآتي: (أن السنة في الإسلام بمنزلة الرهبانية في المسيحية، وأن الخلفاء الراشدين وصلحاء المسلمين لهم الحق في سن ما يرونه حسناً أيضاً.). قال ( ويدخل فيما سنه (ص) الإيمان بسنة من سنّ سنة حسنة فاستمرّ الشرع وحدوث العبادة المرغب فيها مما لا ينسخ حكماً ثابتاً إلى يوم القيامة. وهذا الحكم خاص بهذه الأمّة وأعني بالحكم تسميتها سنة تشريفاً لهذه الأمّة. وكانت في حق غيرهم من الأمم السالفة تسمى رهبانية، قال تعالى: ( ورهبانية ابتدعوها ..). فمن قال بدعة في هذه الأمة مما سماها الشارع سنة فما أصاب السنة. إلا أن يكون ما بلغه ذلك. والاتباع أولى من الابتداع والفرق بين الاتباع والابتداع معقول، ولهذا جنح الشارع إلى تسميتها سنة، وما سماها بدعة، لأن الابتداع إظهار أمر على غير مثال - هذا أصله- ولهذا قال الحق تعالى عن نفسه: (بديع السموات والأرض) أي موجدها على غير مثال سبق. فلو شرع الإنسان اليوم أمراً لا أصل له في الشرع لكان ذلك إبداعاً ولم يكن يسوغ لنا الأخذ به، فعدل الشارع عن لفظ الابتداع إلى لفظ السنة، إذ كانت السنة مشروعة. وقد شرع الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الاقتداء بهدي الأنبياء عليهم السلام (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل). (الفتوحات المكية : طبعة دار صادر ج 1/ 329) و كتاب الفتوحات المكية، وهو مستودع آراء ابن عربي، وسجل ذكرياتها، ،وصلتنا نصوص، يكاد يكون من المستحيل الجمع بينها. فهو في بعضها نسخة متقدمة من السلفية المتشددة، وفي الأخرى نسخة سافرة من القاديانية والبهائية. وكان أول صوفي في تاريخ المتصوفة يحمل لواء ابن حزم. وأثر عنه قوله: (نسبوني إلى ابن حزم وإني ... لست ممن يقول قال ابن حزم). ولكنه أيضاً رفع راية أبي مدين الغوث الذي كان موته عام 589هـ بداية لحياة مليئة بالمفاجآت كانت بانتظار ابن عربي. وقدر له أن يسجل كل تلك المفاجآت، بقلم يكون مرة ساحرا أخاذا، ومرة فجا هشا، صفيقا رقيعا. وأذكر هنا أنني كنت صحبة المرحوم الشيخ أحمد كفتارو في بيت آل الصالح في منطقة الزبداني بغوطة دمشق، في صيف 1987م فسألني : ما آخر أخبارك يا زهير ? فقلت له: أعمل في ترتيب مواد الفتوحات، فقال: وهل هذا زمان الفتوحات: وأضاف: (دخلت أنا والشيخ زين العابدين التونسي (1) على بعض شيوخ الشام وهو يقرئ مريديه من الفتوحات، فقال لي الشيخ زين: هل فهمت شيئا ? فقلت له: وهل أنت فهمت شيئا ? فقال: وهل هذا الذي يقرأ فهم شيئا، فقلت: وهل الذي ألف الكتاب فهم شيئا). ولا أريد بذلك أن أحط من قدر ابن عربي. الذي لا أكون قد أضفت شيئا إذا قلت: ليس في شيوخ الإسلام شيخ اتفقت على مشيخته طوائف لا تحصى من الفرق الإسلامية، ولم يكن من حق أي طائفة أن تستأثر به لنفسها. ولا ننسى هنا أن نذكر برسالة الخميني إلى (غورباتشوف) التي دعاه فيها إلى الإسلام في محراب ابن عربي. وقد اخترت في هذه البطاقة نصا واحدا من مئات النصوص التي تجدها في (مجالس الوراق) بعنوان (الفتوحات المكية تحت المجهر). والذي دفعني إلى ذلك ندرة المعلومات التي يذخر بها كتاب الفتوحات، سواء في حديثه عن أعلام عصره، أو كلامه عن رجالات التصوف والفقه، وآرائهم وخفايا مذاهبهم، ونوادر كتبهم. ولما كان ملف التعريف بمكانة السنة عند ابن عربي يستوعب صفحات طويلة آثرت هنا أن أكتفي بهذا النص، فمن أراد الزيادة فليبحث مجالس الوراق عن ملف (الفتوحات المكية: تحت المجهر). (1) الشيخ زين العابدين التونسي، من كبار مشايخ دمشق، من مهاجرة تونس، مولده في تونس عام (1306هـ 1888م) ووفاته في دمشق (1397هـ 1977م) وهو الشقيق الأصغر لشيخ الأزهر محمد الخضر الحسين المتوفى عام (1377هـ 1958م) هاجرت أسرتهم إلى دمشق عام (1912م) بعد صدور حكم الإعدام على الشيخ محمد الخضر الحسين من طرف حكومة الاستعمار الفرنسي، وأخباره مشهورة.