(ومن لا تهيجه القيروان...فليس يهيجه المصحف).. (وآية أن الفتى ميت...إذا قيل (تونس) لا يرجف)... البيتان من قصيدة لي، سامرت بها صديقا لي من مهاجرة تونس في دمشق، وقد تذكرتهما وأنا أقرأ كلام رشيد رضا في مقدمته للطبعة الثانية لكتاب (دلائل الإعجاز): وذلك عام (1331هـ) (1912م) قال: (وعلوم اللغة العربية عامة، وعلوم البلاغة منها خاصة، لا تزال في بوار وكساد، وإن كنا نرجو أن تكون قد دخلت في طور جديد من الحياة. ذلك بأن هذه اللغة ليس لها حكومة مدنية إلا الحكومة المصرية والحكومة التونسية، وكل منهما مني بسيطرة حكومة أجنبية، أما الثانية فكانت السيطرة عليها أشد، وحركة الارتقاء العلمي الاجتماعي المتوقف على ارتقاء اللغة أضعف، فلم يكن لنهضة العلوم العربية منها حظ يذكر، وأما الأولى فالسيطرة عليها أخف وطأة، ولهذا كان لهذه العلوم فيها تجدد ما ونشأة، إلا أنها تدرج فيها درجان الطفل، وهل ينظر إلا أن يكبر الطفل ويشب....أما مدرسة الجامع الأزهر بمصر، وما يتبعها من المعاهد العلمية، ومدرسة جامع الزيتونة بتونس فقد كان يجب أن يكونا روح حياة العلوم العربية وبلاغتها وآدابها، ولكن السواد الأعظم من أهلهما في أشد الجمود على طريقة التعليم السوءى التي ابتدعت في القرون الوسطى، وهبطت إلى أسفل دركات انحطاطها في القرنين الماضيين، وقد قيض الله لكل من المدرستين من يدعوهما إلى التجديد والإصلاح، فحدثت في كل منهما حركة قاومها الجمهور أشد المقاومة، والظاهر أن الأزهر سيسبق لعدم المعاضة الأجنبية له.