دعاء يثلج الصدور ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :
السلام عليك ورحمة الله يا دكتور يا يحي، أحسن ما في مشاركتك الأخيرة ، وكلها حسنة بإذن الله ، هذا الدعاء الجميل الذي ختمتها به وأثلج صدري ؛ فبارك الله تدينك ، وأعانك على الاستمساك بحبل الله المتين ، وكذلك باقي الإخوة الكرام ، ثم أرجو الله تعالى أن يغفر لي . لما كتبت مشاركتي التي قبل هذه مباشرة لم أكن أعني بكلمة " أتوب " إلا نفسي ولم أعن بها أحدا غيري والله يعلم ذلك ، وما كانت توبتي تتعلق بالرأي والخلاف فيه ، وإنما هي توبة عما كنت أعلم فساده ومع ذلك اقترفته . بل وأصارحك أنني كنت أكذب أحيانا ، وأنعى على غيري فساد رأيه ؛ متهما إياه بالخطل دون دليل واضح لدي ، ولكني وبفضل من الله ورحمة ، أقلعت عن كل ذلك تماما ومنذ زمن بعيد. فلا تظنن أني ألمح لأحد تلميحا باطنا أو ظاهرا ، أو أقصد إساءة لا سمح الله ؛ فأنا رجل أعيش على بركة الله إن شاء الله . أما المرحوم الطناحي فإنه لا شك كان يعلم بالمخطوطة التي ذكرتها ومع ذلك خالف أستاذه . فالمخطوطة ليست شيئا مقدسا لا يجوز لنا النقاش فيه . كل ما في الأمر أن موضوع النقاش من جهتي يتعلق بالقطع والبت الذي لا ريب فيه ، وبين الرأي الذي يحتمل الصواب أو الخطأ أو ترجيح رأي على رأي. ولو أتاك شخص بمخطوطة أقدم من التي ذكرتها تبين لك ان اسم الكتاب البيان والتبيين فلن يكون ذلك كافيا لإثبات صحة العنوان كما ورد فيها . فالجاحظ نفسه ربما اقترح لمصنفه اسما ثم غيره إلى اسم آخر ثم عاد إلى الأول ورسا عليه ، أو التزم الاسم الثاني وفضله على الأول... وهذا يحدث مع الكثير من الكتاب والشعراء . ثم إن الذي خط بقلمه تلك المخطوطة التي ذكرتها ، من الذي يضمن أنه لم يكن منحازا إلى التبين بدلا من التبيين لقناعة لديه؟ . وأي قداسة تحيط بالجاحظ وكتابه حتى تخط يد الخطاط كتابه ويده ترتجف خوفا من إستبدال حرف بحرف حتى لو كان الجاحظ هو الذي يملي عليه؟ وحتى المصاحف الشريفة لولا أن الله سبحانه تكفل بحفظها ؛ فقيض لها من يقوم بشأنها ، ويدقق في خطوطها وفي طباعتها ، لما سلمت من التحريف او التصحيف المتعمد أو غير المتعمد . كنت مرة مهتما بقصيدة للمرقش الأكبر بعد ان استرعى انتباهي إليها أحد كتب العروض ، وفهمت من الكتاب ان خلافا دار حول وزنها ، والقصيدة هي التي مطلعها : هل بالديار أن تجيب صمم | | لـو كـان رسم ناطقا iiكلم | وفهمت ان من العروضيين من نسبها إلى السريع ، ومنهم من نسبها إلى الكامل ، فأخذت أبحث عنها في الكتب لأجد ان البيت الثالث يبدأ بحرف الواو في رواية ، ولا يبدأ بها في أخرى على اعتبار أن السريع لا يبدأ بمتفاعلن ، والبيت الثالث هو ، مع الواو : وديار أسماء التي iiتبلت | | قلبي فعيني ماؤها يسجم | ( في الموسوعة الشعرية دون حرف الواو لأن الموسوعة اعتبرت القصيدة من السريع) ، غير ان مؤلف الكتاب المذكور ذكر ان حذف الواو ليس كافيا حتى تكون القصيدة من السريع ؛ لأن في القصيدة بيتا آخر تبدو فيه تفعيلة الكامل واضحة : ماذا علينا لو غزا iiملك | | من آل جفنة ظالم مرغم | ما ذَنْبُنا في أَنْ غَزا iiمَلِكٌ | | من آلِ جَفْنَةَ حازِمٌ مُرْغِمْ | ( من الموسوعة الشعرية ). ومن الجدير بالذكر ان المعري في رسالة الغفران ذهب إلى ان المرقش خلط في كلمته وذكر هذا البيت . وحكم المعري نفسه ليس قاطعا ، ذلك لأن حكم اللاحق على السابق فيه نظر . القصد ان الخلاف قام وما زال ، وذهب الباحثون في تلك القصيدة مذاهب : إما ان المرقش أخل بالوزن وهذا أمر غير مؤكد تماما ، او أن التفاعيل كانت في دور التطور وانبثاق بعضها من بعض ( رأي مؤلف الكتاب ) ، هذا غير الشك في الرواة من جهة الغفلة أو النسيان ، أو الانحياز إلى بحر السريع او إلى بحر الكامل . مدار مشاركاتي إذن يتعلق بالقطع او عدم القطع ، أي أنني لا يمكنني القسم مطمئنا إلى ان اسم كتاب الجاحظ البيان والتبين او البيان والتبيين ، بل إنني في مشاركتي الأولى القصيرة ذكرت ان ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة أورد اسم الكتاب مقلوبا فقال عنه : التبيين والبيان ، مما زاد الطين بلة . وهناك بعض المصنفات التي كان اصحابها قريبين جدا من عصر الجاحظ ذكروا كتابه باسم البيان والتبيين . ومن اللافت للأنظار ان هناك كتبا اخرى لغير الجاحظ تحمل نفس العنوان ولكن مواضيعها تختلف . ولو كان مؤلفوها على الاعتقاد بان البيان هو التبيين ما سموها كما سموها .. وفي مشاركتي قبل السابقة توجهت إلى حضرتك وإلى باقي حضرات الأساتذة ؛ راجيا الحصول على إجابات لتساؤلاتي ولكنك أنت وهم لم تفيدونا حتى نخرج بفهم يرجح هذا على ذاك أو العكس . أما ان الأيام ستبدي لنا ما كنا نجهله ... فهذا مما يسرنا سرورا لا مزيد عليه حين نتخلص من حيرتنا ونرسو على شاطيء الحقيقة إن كان ذلك ممكنا . بقي ان اخبرك ان الاستاذ الذي تحدثت عنه لم يكن ملحدا منكرا لوجود الله تعالى ، ولم يكن متدينا ايضا ، وإنما كان يظن ظنا خاطئا ان العلوم الطبيعية تنكر وجود الله جل وعلا وحسب ، ولا يمكنني الحكم عليه بالإلحاد .هذا والله اعلم . |