البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : مفهوم الأدب المقارن ومدارسه    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
10 - فبراير - 2008
للأدب المقارن مفاهيم كثيرة، وروَّاد، ومدارس.  
أما عن المفاهيم فيرى فان تيجم أن "غاية الأدب المقارن هي أساسًا دراسة الآداب المختلفة في علاقتها مع بعضها البعض"، بينما تعرف"أناساينيا ريفنياس"الأدب المقارن بأنه "علم حديث، يهتم بالبحث في المشكلات المتعلقة بالتأثيرات المتبادلة بين الآداب المختلفة.
 كما يرى "رينيه ويليك" أن الأدب المقارن هو الدراسة الأدبية المستقلة عن الحدود اللغوية العنصرية، ومن ثم يقرر ضرورة أن يدرس الأدب المقارن كله من منظور عالمي، ومن خلال الوعي بوحدة كل التجارب الأدبية والعمليات الخلاقة والسياسية.
 ويرى الدكتور عبدالحكيم حسان أن الأدب المقارن هو: دراسة علائق الوقائع التي وجدت بين منتجات أعاظم المؤلفين في كل دولة، والمنابع التي انتهلوا منها أو استوحوها أو تأثروا بها وهو يعنى أيضا بتلك التغييرات العجيبة أو التشويهات الأسيفة التي يحدثها الأفراد أو الشعوب في منتجات الأجانب خضوعا لظروف مختلفة وعوامل متباينة كالجهل والأوهام والأخيلة الخصبة، والقصص المتداولة، والمأثورات الموروثة.
...إلى آخر هذه التعاريف التي تكثر كثرة تحتاج إلى تعليق نقدي مفصل. أقدمه من خلال جهد طلابي بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي في قادم التعاليق، إن شاء الله تعالى.
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
عودة مبسطة إلى جذور عصر النهضة    كن أول من يقيّم
 
 التحية والتقدير لهذه الجهود التي يبذلها طلاب وطالبات كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة دبي ولأستاذهم القدير الدكتور صبري ، الذين أثروا هذا الملف ببحوثهم المفيدة والممتعة . أخص بالذكر اليوم صاحبَيْ التعليق الأخير يحيى البوصافي ومحمد السيابي ( وأحمد الله على سلامتهما ) وإليهما أهدي هذا التعليق :
 
لا شك في أن عصر النهضة الأوروبية الذي ابتدأ في القرنين الخامس والسادس عشر هو عصر التجديد والانتقال من حال إلى حال ، في الأدب والفن والعلم والسياسة والاقتصاد : هي ثورة في كل المجالات غيرت بنية المجتمع ووضعية الإنسان فيه . ولا شك بأن هنالك مجموعة من العوامل التي تراكمت وأدت إلى إحداث هذا التغيير ، أهمها العامل الديموغرافي ، وحركة ونشاط المدن الإيطالية الكبرى التي بدأت فيها تلك النهضة وأواصر العلاقات المتينة التي كانت تجمعها بالعالم الإسلامي ، واكتشاف الأوروبيون للبوصلة والأسطرلاب عبر احتكاكهم بالعرب مما مكنهم من الإبحار نحو آفاق جديدة يسعون وراء الذهب والتجارة الرابحة ، ولكن أيضاً سقوط القسطنطينية بيد المسلمين مما دفع بعدد كبير من العلماء الروم المطرودين من بيزنطة للنزوح إلى أوروبا  وتدفق عدد كبير من المخطوطات اليونانية إليها ، كل هذا ترافق مع اكتشاف المطبعة فلم تعد الكتابة والكتب محصورة بدائرة الكهنوت ورجال الدين بل انتشرت القراءة الفردية للكتاب المقدس والمخطوطات اليونانية القديمة مما لم يكن شائعاً حتى ذلك الحين .
 
نشأت بفضل كل تلك العوامل نهضة ثقافية هائلة عزز نموها وجود الطبقة الجديدة من التجار المتنورين ( البورجوازيين ) الذين أصبح لديهم كتب يقرؤونها ، ولأن هؤلاء بدأوا يشعرون بأن عصرهم يتناقض جذرياً مع الفترة التي سبقتهم ، فصاروا يبحثون في النصوص القديمة ( اليونانية ) عما كانوا بحاجة إليه . وحصل ذلك التمرد الكبير الذي أدى إلى قطيعة فيما بعد على سلطة الكنيسة ورجال الدين تولدت عنه رؤية جديدة للإنسان والفن والأدب . كان جمهور هذه الطبقة الجديدة هو جمهور الثقافة والأدب ، فكانوا يسافرون ويتبادلون المعارف ويترجمون النصوص القديمة : صاروا يرفضون فنون القرون الوسطى التي كانوا يسمونها بالعصر " القوطي " بشيء من الاحتقار ، ويرفضون إضفاء القداسة على تماثيل ومشخصات القديسين ، ويحبون كتابات " القدماء " ( اليونان ) الوثنيين الذين كانوا يبهرونهم ويثيرون إعجابهم ..
من أوائل رواد هذه الحملة الهولندي أيراسم Erasme ( 1469 - 1536 ) الذي كان ابناً غير شرعي لكاهن وابنة طبيب ، وكانت لديه ثقافة واسعة ، ولقد أسس مدرسة لتعليم اللغات الثلاث : اللاتينية والعبرية واليونانية ، ومع أنه كان قسيساً وبقي مخلصاً للكنيسة الكاثوليكية ، إلا أنه كان يسخر من الطقوس وممارسات رجال عصره وكان انتقادياً بشكل كبير . ونشأت حركة تحرر واسعة من الشعراء والكتاب الجدد وكان رواد حركات الإصلاح في تلك الفترة قد لاحظوا بأن النصوص المترجمة من العربية قد اكتست الطابع الإسلامي وبأن العرب والمسلمين قد ترجموا هذه النصوص وشرحوها بما يتفق مع هواهم ومعتقداتهم الدينية  ....
 
 
 
 
*ضياء
5 - مارس - 2008
عن طيب خاطر    كن أول من يقيّم
 
 
أسعدتني ثقتك وحسن ظنك بي دكتور صبري ( أبا يمناء ) ، وانا أشكرك وأشكر طلابك الكرام ، ولا أخفيك أنني كنت أخطط لتناول الموضوع من زاوية أخرى : كنت أريد الانتهاء أولاً من تأثير فلسفة كنت في العصر الحديث ، فأنا لم أنته منها بعد ، لأفتح بعدها ملفاً خاصاً ، أو مساحة خاصة في ملف الوطن والزمن المتحول لأدب القرنين الثامن والتاسع عشر في فرنسا ، لأنهما يمثلان العصر الذهبي للأدب في أوروبا حيث تجلت في تلك الفترة تراكمات مفاهيم وتحولات عصر النهضة لكي تتفتح في عصر الأنوار عن مدارس أدبية غاية في الجمال والابتكار . إنما لا بأس اليوم من تناول موضوع : كيف نشأت الإنسية ( L'Humanisme ) في أوروبا ؟ وما هو مفهومها بالتحديد ؟ بطريقة مختصرة طبعاً . هذا الكلام موجود في كل مكان وبكثرة ، ولكننا في كل مرة نعيد فيها صياغتنا له بصورة جديدة ، نقترب أكثر من جوهر الموضوع ، ونقترب من روح ذلك العصر التي أصبحت جزءاً من تاريخنا نحن أيضاً ، شئنا أم أبينا ، فهل يمكننا فصل عصر النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين عن النهضة الأوروبية وعصر الأنوار ؟
 
إنما اسمحوا لي أن أمهد للموضع بهذه المقالة الثرية للمرحوم الدكتور شوقي ضيف فهي خير ما نبدأ به .
 
 
*ضياء
6 - مارس - 2008
قبل النهضة الأوروبية (1)    كن أول من يقيّم
 
ألقيت هذه المحاضرة في الجلسة الثانية لمؤتمر المجمع اللغوي العربي بالقاهرة في دورته الثامنة والستين مساء يوم الاثنين 11 من المحرم سنة 1423هـ الموافق 25 مارس (آذار) سنة 2002م
 
تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
 

 
     ورثت الثقافة العربية في القرون الإسلامية الأولى الثقافات العالمية الهندية والفارسية واليونانية، وابتدأ ميراثها للثقافة الهندية الرياضية في زمن مبكر؛ إذ أخذت عنها أرقام العدد، وأضافت إليها الصفر وكان لذلك أثره البعيد في نظام العدد العالمي إذ عُرفت فيه العشرات والمئات والآلاف ، ونقل الغرب النظام العربي للعدد عن الأندلس؛ إذ نزل بها جربرت الذي تقلد البابوية باسم سيلفستر الثاني في القرن العاشر الميلادي وعرف نظام الأرقام العربية الإسبانية ونقله إلى الغرب وأدخله في مدارسه. ونقل الغرب النظام العربي للعدد، وشاع في كل بلدانه، ودفعهم إلى إنشاء بنوكهم وأسواقهم المالية، ولولا العرب وما أخذه الغرب من أرقامهم ما كانت بنوك ولا أسواق مالية في العالم إلى اليوم.
     وقدم وفد هندي في خلافة المنصور العباسي في منتصف القرن الثاني الهجري وفيه رجل ماهر في معرفة حركات الكواكب وحسابها وسائر أعمالها على مذهب كتاب هندي لهم يسمى جزؤه الأخير "سيدهانت" فأمر المنصور بنقل الكتاب إلى اللغة العربية، ليتخذه العرب أصلاً في حساب حركات الكواكب  وظل العرب يعملون به إلى أيام المأمون؛ إذ نُقل إليهم كتاب بطليموس في الحساب والجداول الفلكية المسمى المجسطي فعملوا به. وأمر المنصور بنقل كتب أرسطو إلى العربية ونقل كتاب الأصول لإقليدس وهو في الأشكال الهندسية أمهاتها ومركباتها.
      ومنذ هذا التاريخ أكبَّ العرب على ترجمة الثقافة اليونانية وجميع ما تحمله من علوم وفلسفة.وأسس المأمون دار الحكمة ووظف بها طائفة كبيرة من المترجمين وخاصة لكتب الثقافة اليونانية وجُلبت كتب كثيرة من بلاد الروم وعمورية وأنقرة. 
     وتبلغ هذه الموجة الحادة للترجمة أقصى غاياتها في عهد المأمون وعرف أن في جزيرة قبرص مكتبة تحتفظ بنفائس الكتب الفلسفية والعلمية اليونانية. فالتمس من حاكم قبرص أن يرسلها إليه، فأرسلها، وعهد المأمون إلى طائفة كبيرة من المترجمين فنقلوها إليه .. واستأذن ملك بيزنطة في أن يرسل إليه وفدًا من كبار المترجمين ليحملوا إلى بغداد روائع الكتب اليونانية، وأجابه إلى ذلك. وأقام  المأمون مرصدًا كبيرًا لعلم الفلك وزيجاته، فازدهر هذا العلم الهندي لعهده، وكان من القائمين عليه محمد بن موسى الخوارزمي واضع علم الجبر الذي يفتتح به في بغداد عصرًا جديدًا في الرياضيات، وعُني علماء العرب حينئذٍ بعلم الكيمياء واستعانوا فيه بالترجمة عن اليونانية، وظلوا يزدادون فيه علمًا حتى نبغ فيه جابر ابن حيان ، فخلف فيه كثيرًا من النظريات في الإكسير وخواصه، وهو المؤسس الأول لعلم الكيمياء عند العرب. وكان يوحنا بن ماسويه يعكف على تشريح القردة. ويعد المؤسس للأبحاث الطبية عند العرب، وكانوا قد أكبوا على ترجمة ما لأبقراط وجالينوس من بحوث طبية ونقلوها إلى العربية.
   ونمضي بعد المأمون فنجد الخلفاء يغدقون على المترجمين من اليونانية إغداقًا كبيرًا ويكفي أن نذكر ما أغدقه المتوكل على حنين بن إسحق كبير المترجمين من اليونانية حتى سنة 264 للهجرة، وقد أهداه ثلاث دور وحمل إليها كل ما تحتاجه من الأثاث والفرش وأقطعه بعض الإقطاعات، وجعل له راتبًا شهريًّا خمسة عشر ألف درهم.
     ووراء الخلفاء أثرياء كانوا يعدون أنفسهم حماة للترجمة والمترجمين وينفقون عليهم أموالاً طائلة مثل ثلاثة أخوة من بني شاكر، وكان اثنان منهم يشغفان بالهندسة وكتبها ويشغف الثالث بعلم الحيل (الميكانيكا).
      وكوَّن حنين بن إسحق مدرسة كبيرة للترجمة كان من تلاميذها ابنه اسحق وابن أخته حبيش وغيرهما.
     ويذكر لحنين أنه ترجم من اليونانية نحو مئة كتاب ورسالة، وكان يعنى أشد العناية بالكتب الطبية اليونانية لجالينوس وغيره ، وكان مثله ابنه، بينما كان ابن أخته حبيش يعنى بترجمة الكتب الفلسفية لأرسطو وغيره. وجعل المتوكل لحنين طائفة من شباب المترجمين يكتبون بين يديه، ويمرنهم على إتقان الترجمة الدقيقة، ومنهم أصطفن بن باسيل اليوناني الأصل مترجم كتاب ديسقوريدس في النبات والصيدلة لزمن المتوكل.
     وتكاثر المترجمون في القرن الثالث الهجري = التاسع الميلادي عن اليونانية كثرة مفرطة، وأكبوا على المأثورات الإغريقية العلمية والفلسفية ينقلونها إلى العربية  وكادوا لا يبقون كتابًا لليونان بدون ترجمة أو بدون شرح أو تلخيص حتى ليظن أن جميع كتب اليونان المهمة ترجمت إلى العربية في القرنين الثاني والثالث للهجرة.
     ومن يرجع إلى كتاب  طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة تهوله الكثرة الغامرة مما ترجم من عشرات الكتب والرسائل اليونانية.
     ولما أوشكوا على الانتهاء من نقل التراث اليوناني العلمي والفلسفي أخذوا يراجعون نقل أسلافهم له ، وما وجدوه يستحق المراجعة وإعادة النقل أعادوه ، وهذا هو السر في أننا نجد بعض الكتب يذكر لها أكثر من مترجم ، حتى عند بعض المترجمين الكبار لدى الأسلاف مثل ثابت بن قرة المتوفى سنة 288 للهجرة، فقد نقح ترجمة كتاب أرسطو في النبات من عمل إسحاق بن حنين ، ونقَّح نقله لكتاب أصول إقليدس في الأشكال الهندسية، ويقول ألدومييلى صاحب كتاب العلم عند العرب : "إن هذا التنقيح  يصلح الأصل اليوناني في غير موضع". ونلتقي بعده مباشرة بخاتمة هذا العصر من المترجمين: متَّى بن يونس، وكان من أصل يوناني ونقَّح جميع الكتب المنسوبة إلى أرسطو في المنطق وغيره.
    وبذلك ينتهي عصر نقل التراث اليوناني العلمي والفلسفي المزدهر إلى الثقافة العربية،بحيث أصبح جزءًا لا يتجزأ منها، وبحيث يتم العرب ما كان لـه مـن ازدهار في ديارها إذ كان قد أخذ منذ القرن الثالث الميلادي في الانهيار والتدهور ولم يعد شيء منه معروفاً إلا في ركن منعزل في أوربا ببيزنطة وفي مصر بالإسكندرية، وكان يعاني فيهما مما أصابه من التدهور الشديد،أما في أوربا فقد كانت الثقافة اليونانية مجهولة جهلاً تامًّا،فلم يكن يعرفها الإيطاليون والفرنسيون والإنجليز والألمان ولا أحد من أوربا الغربية والشرقية مما وراء بيزنطة يعرفها، إنما يعرفون فقط ما يستمعون إليه من التعاليم الدينية المسيحية على لسان الرهبان والأساقفة، وما قد يقرؤونه عندهم من كتب الإيمان المسيحي وحياة القديسين، وليس لهم أي صلة بالثقافة اليونانية وعلومها وفلسفتها التي بلغت غاية الازدهار عند أرسطو، بينما كان العرب ينقلون إلى ثقافتهم في القرنين الثامن والتاسع للميلاد الثقافة اليونانية، بكل أصولها وفلسفتها وعلومها، وهو أول فضل للعرب على الغرب المسيحي واحتفاظهم له بالثقافة اليونانية وأضافوا إلى هذا الفضل فضلاً ثانيًا بما زودوا الفلسفة اليونانية والعلم اليوناني به من زاد وَفْرٍ في النمو والتطور مما يعد معجزة للعرب بجانب المعجزة اليونانية، وانتفع الغرب عن طريق المعجزتين، فبنى عليهما ثقافته وحضارته الحديثة.
    ونقف أولاً عند الفلسفة ، فقد احتفظ لها أصحابها باسمها اليوناني، وهو الفلسفة، وأضافوا إليه صفة عربية تميزه، هي الإسلامية، لأنها تمزج بين الفلسفة والإسلام.
   وأول فلاسفة العرب الكندي يعقوب بن إسحاق وهو عربي أصيل من قبيلة كندة ، وعاش في القرن الثالث حتى أواخر العقد السادس. وله كتب ورسائل تعد بالعشرات، وتبلغ في كتاب الفهرست لابن النديم نحو مئتين وأربعين ، وتتناول الإلهيات والعلوم الرياضية والهندسية والفلكية والجغرافية والطبيعية والمنطق. وهو أول فيلسوف إسلامي وفق بين الفلسفة والإسلام وله في إثبات النبوة كتاب. وكان يرى أن العالم محدث مخالفًا بذلك أرسطو القائل إنه قديم ، وأهم نظرية فلسفية له نظريته في أن العقل مصدر المعارف وتقسيمه إلى عقل فاعل هو الله جل جلاله، وعقــل بالقوة في داخل الإنسان، وعقل بالملكة هو عقل الإنسان بعد حصول المعلومات فيه، وعقل مبين يؤدي للغير معقولاته.
   ويقول ألدومييلي إن دى كريمونا الإيطالي كبير المترجمين في إسبانيا بالقرن الثاني عشر ترجم للكندي كثيرًا من كتبه ، وإن لها تأثيرًا عميقًا في الشعوب اللاتينية الأوربية.
   ونلتقي بعد الكندي بفيلسوف إسلامي كبير هو الفارابي المولود في فاراب من بلاد الترك وراء خراسان ويقال إنه فارسي، وتلقى في نشأته علوم الأوائل. وشغف بها في بغداد، وأكبَّ على كتبها واستوعبها، وأخذ يحاضر فيها عن فهم دقيق وبصيرة، وعُنى بشرح كتب أرسطو في علم المنطق وغيره وقارن بين الفلسفة والإسلام وذهب إلى أن كل موجود إما واجب الوجود وإما ممكن، والله وحده هو واجب الوجود وما عداه ممكن الوجود ، ولا جنس له ولا تركيب فيه ولا يمكن حدّه إذ لا يتحيز في مكان. ونوَّه بالعقل طويلاً، وقال إن الله فيض عنه منذ الأزل مثاله وهو العقل الأول الذي يفيض عنه الفلك. ولروعة أعماله سماه معاصروه المعلم الثاني بعد أرسطو. ومن كتبه البديعة فصوص الحكم، ولخص في أوراق منه فلسفته واتخذه ماكس هورتن موضوع دراسة ضخمة، وعني بوضع موسوعة للعلوم في عصره سماها "إحصاء العلوم"  ترجمها إلى اللاتينية ديتريشي ودي كريمونا الذى ترجم له رسالته في المدينة الفاضلة وفيها يحاول وضع نظام دولة مثالية. وللدكتور إبراهيم مدكور عنه دراسة قيمة، وكانت وفاته سنة 339 للهجرة.                      
      وجاء بعده الفيلسوف الإسلامي العظيم ابن سينا المولود بالقرب من بخارى سنة370 هـ / 980 م والمتوفى بهمذان سنة 428 هـ.
     أكبَّ في فواتح حياته على إيساغوجي  وإقليدس في الهندسة والمجسطي في الفلك ، واستغلقت عليه الإلهيات حتى قرأ فيها كتابًا للفارابي فاتضحت له. وتمتزج الفلسفة عنده بالروح الإسلامية، ولقب بالشيخ الرئيس. وينحو في فلسفته نحو الفارابي. ويتفق معه في الإلهيات وتفاريع علم المنطق، وكان يرى مثله أن المادة لا تصدر عن الله ، لأنه منزه عن كل مادة وجسم. وكان يرى أن الله لا يصدر عنه إلا عقل واحد، وعن هذا العقل يصدر عقل يدير الفلك. وخطا بفلسفته الإسلامية خطوة نحو التصوف.
     وأهم كتب ابن سينا الفلسفية كتاب"الشفاء"وهو دائرة معارف كبرى في المنطق والطبيعيات والميتافيزيقا أو الإلهيات، ويذكر ألدومييلي ترجمة له. وترجمت أقسام منه إلى اللاتينية في العصور الوسطى. وبالمثل عنوا بترجمة كتاب "النجاة" ودراسته،وهو تلخيص كامل لكتابه"الشفاء"، وأيضا بكتابه الإشارات والتنبيهات وترجم إلى الفرنسية سنة 1892م. ومما شغل به الغربيون من كتبه كتابه في الرمد باسم "علاج العين". ولم يكن ابن سينا فيلسوفًا إسلاميًّا فقط، بل كان أيضًا طبيبًا عظيمًا، ومعجمه فيه الذي سماه "القانون" شاعت طبعاته في المدن الغربية شيوعًا كبيرًا حتى ليقال إنه طبع بالغرب في القرن الخامس عشر ست عشرة طبعة، وطبع في القرن السادس عشر عشرين طبعة. وأول مترجميه دي كريمونا في القرن الثاني عشر، وتشغل ترجمته ومؤلفاته وترجماتها عند ألدومييلي ثلاث عشرة صفحة.
       ونضم إلى الفلاسفة الإسلاميين الثلاثة السابقين فيلسوف الأندلس في إسبانيا "ابن رشد" أهم فلاسفتها ، وقد وضع شروحًا مطولة ومتوسطة وموجزة لكثير من مؤلفات أرسطو. وكل شروحه ترجمت إلى اللاتينية، وترجم إليها أيضًا كتابه "تهافت التهافت" الذي يرد فيه على كتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة" مدافعًا بحرارة عن الفلسفة وأرسطو، كما ترجم كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، ويريد بالحكمة الفلسفة، ومن قوله  فيه:"الحكمة أي الفلسفة صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة، وهما مصطحبتان بالطبع ومتحابتان بالجوهر والغريزة. والفلسفة تخاطب الخاصة والدين يخاطب العامة". وحاول أن يوفق بين أرسطـو وعلمـاء الإسلام بالقول بقدم العالم وحدوثه، فقال إن قدمه بالقوة وحدوثه بالفعل وهو قديم محدث معًا. ومنذ نقل دي كريمونا الإيطالى وميشيل سكوت الإنجليزي ( 1235 م ) وهرمان الألماني ( 1272م ) أعماله أخذت تدرس في الجامعات الأوربية بإسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وانتشرت أفكاره الرشدية على الرغم من مقاومة رهبان الدومينيكان. ولفلسفته وتعاليمه أنصار كثيرون وكان لأفكاره أثر كبير في قيام حركة التحرير والإصلاح الديني في النهضة الأوربية، وهو يعد بحق خاتمة الفلاسفة الإسلاميين العظام.
   ( تابع )
*ضياء
6 - مارس - 2008
قبل النهضة الأوروبية (2)    كن أول من يقيّم
 
 وقد جعل ألفونس السابع ( 1126 1157م ) طليطلة في إسبانيا المركز الذي تنتشر منه الثقافة العربية في أنحاء إسبانيا وأوربا، وقد دعا إلى مدينته المترجمين من أنحاء الغرب، وأدخل الثقافة العربية في مناهج المدارس المسيحية يساعده في ذلك أسقف طليطلة رايموندو، الذي حفز مدرسة المترجمين الطليطليين على نقل المؤلفات العربية في الفلك والرياضيات والطب والكيمياء والطبيعة وما وراء الطبيعة وفلسفة أرسطو وشروح الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد. وترجمت مؤلفات إقليدس وبطليموس وأبقراط وجالينوس بشروح أعلام العرب وبلغت طليطلة الذروة في عهد ألفونس الحكيم ( 1252 1284 )  وهرع إليها المتعطشون إلى مناهل العلم اليوناني والعربي من أمثال سكوت الإنجليزي الذي ترجم بعض كتب أرسطو وابن سينا والبطروجى وكتب ابن رشد وشروحه على أرسطو إلى اللاتينية، ومثله هرمان الألماني في كثرة الترجمة لكتب الثقافة العربية إلى اللاتينية، وقد نقل إليها كتب ابن رشد والفارابي.
      وبجانب طليطلة ومدرستها الكبيرة في ترجمة الثقافة العربية مدرسة سالرنو في جنوب إيطاليا،وقد نشأت في القرن العاشر الميلادي، وأتيح لها في القرن الحادي عشر الميلادي قسطنطين الإفريقي من قرطاجة التونسية، وكان قد ثقف العربية وعلوم الأوائل، وعرض على روجار الأول ملك صقلية ترجمة الكتب العربيـة فشجعه، فرجع إلى تونس واختار له أنفس ما كتبه أطباؤها، كما اختار له روائع ما كتب العرب في الفلك والرياضيات، وكان قد أصبح أسقفًا، فأسس له ديرًا في جبل كاسينو بالقرب من سالرنو، فأغرى رهبان الدير بتعلم العربية وترجمة ما حمله من الكتب العربية، واشترك معهم في الترجمة، ودُرس ما ترجموه في مدرسة سالرنو ومنها نقل إلى الجامعات الأوربية، وبذلك أصبحت مدرسة الترجمة في سالرنو مركزًا كبيرًا لنقل الثقافة العربية إلى الغرب منذ القرن الحادي عشر الميلادي.
    ونقل الغرب عن العرب علوم اليونان والأمم القديمة وما أضاف العرب إليها من نظريات علمية قيمة، وأبدأ بالرياضيات وبعلم الفلك من علومها، فقد صاغ لهم الفزاري في القرن الثاني الهجري ما للهند فيه ولم يلبثوا أن نقلوا إلى لغتهم ما ذكره بطليموس الإسكندري من نظريات الفلك وتنشأ عندهم مراصده منذ عهد المأمون وزيجاته وآلاته. ومن كبار علماء الفلك في منتصف القرن الثالث الهجري ابن كثير الفرغاني. ويقول ألدومييلي إن لكتابه أصول الفلك ترجمات كثيرة إلى اللاتينية وأثر تأثيرًا محسوسًا في الغرب وله كتب متعددة في الأسطرلاب، ومن الفلكيين بعده أبو معشر البلخي المتوفى سنة 272 للهجرة وله تأثير واسـع عند مسيحيي الغرب في العصور الوسطى. ومن كبار الفلكيين في المشرق بعده البتاني في أوائل القرن الرابع الهجري، وكان له مرصد على نهر الفرات وترجم زيجه إلى اللاتينية وضمنه أرصاد النيرين وإصلاحه لحركاتهما في كتاب بطليموس، ولنالينو كتاب عنه.
      وينشط علم الفلك وكل ما يتصل بالرياضيات في جميع البلاد العربية. وخير من يصور ذلك في مصر أبو كامل شجاع بن أسلم في أواخر القرن الثالث الهجري ويشتهر بتنقيحه لعلم الجبر، ويذكر ألدومييلي أن له رسالة في المضلع ذي الزوايا الخمس ترجمت إلى الإيطالية والألمانية، مما يدل على أنه كان حاذقًا في الرياضيات والهندسة. ومن كبار علماء الفلك المصريين ابن يونس، ويقول ألدومييلي : كان راصدًا للفلك عالمًا رفيع المنزلة للظواهر السماوية، وبدأ يعمل زيجًا في عهد الخليفة العزيز الفاطمي وأتمه في عهد الخليفة الحاكم، وكان كبيرًا ويشغل أربعة مجلدات ضخام ، ويدل على زيادة النشاط الرياضي بمصر والدراسات الفلكية والهندسية والفلسفية حينئذ أن عالما رأى خزانة القصر الفاطمي سنة 435هـ وكان بها في تلك الدراسات ستة آلاف وخمسمئة جزء وكرة نحاس من عمل بطليموس الإسكندري. واشتهر في عهد الأيوبيين قيصر بن أبى القاسم المتوفى سنة 649 للهجرة وكان مهندسًا كبيرًا. وأقام لأمير حماة في الشام نواعير نهر العاصي، وتنحدر إليها المياه من علو شاهق إلى اليوم، وأنشأ كرة سماوية عظيمة وهي محفوظة إلى الآن في المتحف الوطني لمدينة نابولي بإيطاليا. 
     ويؤلف البيروني سنة 421هـ كتابه القانون المسعودي في الفلك والتنجم، ويقال إنه يتفوق على كل كتاب فيهما. وترجم إلى اللاتينية.
     ويزدهر علم الفلك في الأندلس منذ مسلمة المجريطى في أواخر القرن الرابع الهجري ، ويفتتح سلسلة الرياضيين العظام هناك وترجم إلى اللاتينية شرحه لقبة الفلك لبطليموس ورسالة له عن الأسطرلاب.  ومن كبار علماء الفلك هناك الزرقالي المتوفى سنة 472هـ ، وله زيجات أو جداول فلكية، واخترع للأسطرلاب أجهزة دقيقة وابتكر في الفلك نظرية جديدة عن الكواكب السيارة والحركات الدائرية للنجوم ، وأعماله مترجمة إلى اللاتينية.
     ويشتهر بعده جابر بن أفلح الإشبيلي بكتابه في علم النجوم الذى سماه "إصلاح المجسطي" وترجمه دي كريمونا إلى اللاتينية. ويتألق اسم البطروجي في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي بكتابه في علم الهيئة الذي قوَّض فيه نظرية بطليموس في كتابه عن الكواكب السيارة ذاهبًا إلى أنها تتحرك في مدارات إهليليجية أو بيضاوية حول الشمس، وكانت نظرية بطليموس قد ظلت تنتقل قرونًا بعد قرون وجيلاً بعد جيل إلى أن هدمها البطروجي. وترجم ميشيل سكوت كتابه إلى اللاتينيـة سنة 614 هـ / 1217 م وبذلك أدخل نظـرية البطروجي الفلكية مبكرًا إلى العالم الغربي ، وبدون شك اطلع عليها كبلر الألمانى ( 1571 1630 م ) وصاغ على أساسها نظريته الفلكية المشهورة في مدارات الكواكب السيارة وعُدَّ بها أبًا لعلم الفلك الحديث ، وهو ليس أباه الشرعي ، فأبوه الشرعي البطروجي الإشبيلي العربي.
     ويلقانا في الهندسة الفضل بن حاتم وله شرح على كتاب الأصول في الهندسة ترجمه إلى اللاتينية دي كريمونا وله شـــرح على كتاب بطليموس في الفلك. 
     وكما عُني الغربيون بمباحث الهندسة العربية عنوا بعلم العدد وحساب المثلثات. ومن العلوم اليونانية التي نهض بها العرب نهضة كبيرة الطب، وقد نقل العرب عن اليونان لبقراط وجالينوس كل ما ألفاه فيه من كتب ورسائل ، وازدهرت دراسة هذا العلم عند العرب ازدهارًا عظيمًا، ومن أكبر أطبائهـم محـمد ابـن زكريـا الـرازي المتـوفى سنـة 320 للهجـرة رئيـس بيمارستان بغداد وأهم كتبه في الطب كتاب "الحاوي" وهو موسوعة طبية ضخمة، وتُرجم إلى اللاتينية، واستخرج منه مايرهوف 33 ملاحظة إكلينيكية مهمة وفيه وصف لكثير من الأمراض، ومن أشهر مؤلفاته رسالة في الفروق بين الجدري والحصبة، وهي بحث طبي عالمي وترجمت إلى اللاتينية واليونانية واللغات الحية. ويلي كتابه "الحاوي" في الشهرة كتاب المنصوري الذي ترجم مرارًا في العصور الوسطى وعصر النهضة، وطبع الجزء الأول منه الخاص بالتشريح طبعة فرنسية، وترجم بروند القسم الخاص بالرمد.
       وكانت مصر تعنى بالطب منذ عصر الفراعنة،وعنيت به في مدرسة الإسكندرية لعهد البطالسة، وظلت عنايتها متصلة بعد احتراق مكتبة الإسكندرية، أجيالاً بعد أجيال، ونرى عمر بن عبد العزيز حين صار خليفة يستدعي منها طبيبه ابن أبجر، ويَلْزمه، كما نرى هارون الرشيد يستدعي منها طبيبًا مشهورًا لعلاج إحدى  جواريه هو بليطيان وكان بطريركًا لها في القرن الثامن الميلادي، وكانت كثرة أمراض العيون في مصر سببًا في نبوغ أطبائها في الرمد ولخلف الطولوني في القرن الثالث كتاب "النهاية والكفاية في تركيب العينين وأدويتهما"، وتألق اسم عمار بن علي طبيب العيون في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم ، واشتهر بنجاحه في إجراء عملية ماء العين (الكاتاراكت) وابتكر لها الإبرة المجوفة التى تمتص ماء العين كما يقول ألدومييلي، وله المنتخب في علاج أمراض العين. ومن الأطباء الكبار في مصر علاء الدين أبو الحزم بن نفيس القرشي المصري في العصر المملوكي طبيب الظاهر بيبرس المتوفى سنة 687 وكان رئيسًا لأطباء مستشفى  قلاوون واكتشف لأول مرة الدورة الدموية الثانية مسجلاً بذلك كشفًا طبيًّا مهمًّا. ويقول ألدومييلي: "إن سرفيتو نقله عنه في القرن السادس عشر كلمة كلمة. ومما يدل على شهرة مصر في الطب  أن نجد السلطان العثماني يرسل في سنة 795  إلى السلطان برقوق المملوكي رسالة يسأله فيها أن يرسل إليه بطبيب مختص بأمراض المفاصل وأرسل إليه رئيس الأطباء ابنًا صغيرًا ومعه أدوية كثيرة لعلاجه.
      ويزدهر علم الطب في الأندلس منذ عهد عبد الرحمن الناصر في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، ولا يلبث هذا الازدهار أن يتوَّج بالزهراوي أبي القاسم خلف بن عباس طبيب ابنه المستنصر المتوفى سنة 404 للهجرة وهو أعظم الأطباء الجراحين من العرب ، وله موسوعة طبية في ثلاثين جزءًا سماها "التصريف لمن عجز عن التأليف" وجعلها ثلاثة أقسام : قسمًا في الطب العام والأمراض ، وقسمًا في الصيدلة، وقسمًا في الجراحة أرفق به صورًا كثيرة لآلاتها. وتُرجم جميعه وأجزاء منه إلى الغرب مرارًا، وانتشرت ترجماته في البلدان الأوربية، ويقول ألدومييلي إنه نال أسمى درجات التقدير في أنحاء أوربا، وظل يدرس في جامعاتها من القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر كما ظل الأطباء في الغرب يعدونه إمامهم في جراحة العظام وحصاة المثانة وتفتيتها وعمليات الفتق والدوالي وبذلك يعد أبًا للجراحة العالمية كما عد البطروجي أبًا لعلم الفلك وابن رشد أبًا لحركة التنوير الفكري في الغرب.
     ومنـذ القـرن الخـامس الهجـري تشتهـر أسـرة بني زهر بأطبائها ، مثل عبد الملك الذي طبع كتابه "التيسير" في الغرب مرارًا. ويقول ألدومييلي: "يعد عبد الملك أعظم طبيب إكلينيكي عند العرب". ولابن رشد في الطب كتابه "الكليات" وفيه يعرض التشريح ووظائف الأمراض وأعراضها والأدوية وعلاجها ، وطبعاته تكررت في الغرب.
      وكما ازدهر الطب عند العرب ازدهرت الصيدلة منذ ترجمة كتاب ديسقوريدس في الحشائش والأدوية، ويشتهر كتاب فيها لسابور بن سهل في النصف الأول من القرن الثالث الهجري،وتكثر الصيادلة شرقًا وغربًا، وتشغل الصيدلة القسم الثاني من كتاب الزهراوي السالف،ويشتهر فيها بالقرن السادس الهجري كتاب الغافقي الأندلسي عن الأدوية المفردة في العقاقير وقد ترجم إلى اللاتينية. وأهم صيادلة العرب على مر العصور ابن البيطار الأندلسي الذى جعله السلطان الكامل الأيوبي رئيسًا للصيادلة بمصر، وأهم كتبه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" وبه(330) دواء عن اليونان والعرب وزاد عليها 300 دواء، وترجم إلى الفرنسية والألمانية.
      وترجم مبكرًا إلى العربية كتاب الأصول لإقليدس في الأشكال الهندسية ودفع إلى نشاط كبير في علم الهندسة. وللكندي فيه كتاب ترجمه دي كريمونا إلى اللاتينية، وله ترجمة فرنسية، ويقول ألدومييلي: "إنه أثر تأثيرًا ملحوظًا في: بيكون ووايتلو". ومن كبار الرياضيين وأهمهم أبو الوفا البوزجانى المتوفى سنة388هـ، ويقول ابن خَلِّكان: "هو أحد الأئمة المشهورين في علم الهندسة، وله فيه استخراجات  عربية لم يسبق بها" ويقول فيه ألدومييلي : "شارح إقليدس وبطليموس عالم أصيل رفيع المنزلة  ويقترن اسمه بتنمية حساب المثلثات والمسائل الهندسية". وأعظم المهندسين الرياضيين عند العرب الحسن بن الهيثم البصري نزيل القاهرة والمتوفى بها سنة 430هـ وقد ظل بها ثلاثين سنة ، وفيها ألف كتابه "المناظير في علم الضوء والعدسات" وفيه يذهب إلى أن الضوء ينشأ من المرئيات لا من العين ، كما كان يظن سابقوه ، ويدرس ظاهرة الانكسار الجوي والرؤية المزدوجة بالعينين ، وهو أول من استعمل الغرفة المظلمة. وتحدث ألدومييلي عن ترجماته وعمَّن تُعَدّ  مؤلفاتهم مقتبسة من كتابه البصريات أو مأخوذة منه.
    وفى القرن الحادي عشر الميلادي استدعى الملك روجار الثاني ملك صقلية من غرناطة إلى بالرمو عاصمته الشريفَ الإدريسيَّ ليؤلف له كتابًا جغرافيًّا، ويقول ألدومييلي إنه من علماء العرب الذين اشتركوا في نقل كنوز العلم العربية إلى الغرب  واستجاب لروجار، وظل عنده، وألف له كتابه الباهر: "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، وألحق به كرة فضية تزن ثمانمئة أوقية رسم عليها خريطة الأرض وأقاليم شعوبها المعروفة، مثبتًا عليها خطوط الطول والعرض لأول مرة في الخرائط العربية ويقوم الكتاب من الخريطة مقام الشرح والتكملة، وهما بحق كما يقول ألدومييلي عملان علميان باهران نقلا إلى الغرب كما نقلت الأعمال الباهرة السابقة لأعلام العرب في العصور الوسطى، وانتفعوا بها انتفاعًا عظيمًا.
    ولعلي في هذه الكلمة الموجزة أكون قد أوضحت تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة، وما أتمت للعلم العالمي من اكتمال دوره الثاني إذ رعته ونمته صورًا متنوعة من النمو وطورته أطوارًا شتى، انطلق الغرب بها ينشئ للعلم العالمي دوره الثالث للنهوض بالثقافة الغربية الحديثة.
والسلام عليكم ورحمة الله .

                  شوقي ضيف

      
*ضياء
6 - مارس - 2008
شكر واجب    كن أول من يقيّم
 
أقدم خالص شكري إلى الجهد الطيب لأخي يحيى الذي يتحفنا بكل تراث طيب، ويعلن عن تنوع معارفه وثقافاته. د/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
11 - فبراير - 2008
أبرز مدارس الأدب المقارن    كن أول من يقيّم
 
توجد للأدب المقارن ثلاث مدارس بارزة، أهمها:
 *المدرسة الأولى: المدرسة الفرنسية، ومن أشهر أقطابها "فان تيجم"، و"فرنسو جويار"، و"أناساينيا ريفنياس".
 *المدرسة الثانية: المدرسة الأمريكية، وعلى رأسها "رينيه ويليك"، الذي يرى ضرورة أن يدرس الأدب المقارن كله من منظور عالمي، ومن خلال الوعي بوحدة كل التجارب الأدبية والعمليات الخلاقة؛ أي يرى أن الأدب المقارن هو الدراسة الأدبية المستقلة عن الحدود اللغوية العنصرية والسياسية. ثم بين جوهر الاختلاف بين المدرستين الأمريكية والفرنسية، وأعاد جوهر الاختلاف بين المدرستين إلى أن المدرسة الفرنسية تحصر الأدب المقارن في المنهج التاريخي، بينما تتسع الرؤية الأمريكية لتربط بين المنهج التاريخي والمنهج النقدي، باعتبارهما عاملين ضروريين في الدراسة المقارنة.

ويرى "عبد الحكيم حسان" أن أهم ما يتميز به المفهوم الأمريكي للأدب المقارن أنه قد استجاب للمتغيرات الفكرية والمنهجية التي تطورت خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولكنه عاب عليهم طابع الازدواجية، وكذلك القومية التي عابوها على الفرنسيين.
*المدرسة ثالثة: المدرسة الشرقية، التي عكست رد فعلها تجاه المدرستين السابقتين .

*صبري أبوحسين
11 - فبراير - 2008
قيمة دراسة الأدب المقارن    كن أول من يقيّم
 
قيمة دراسة الأدب المقارن
 
 
     يجب على من يدرس الآداب الحديثة أن يقف وقفة خاصة مطولة عند الأدب المقارن؛ ذلك أنه أدب زاخر زاهٍ بين علوم الآداب الأخرى، برز فيه شعراء وأدباء كبار مجيدون، واتضحت عن طريقه مذاهب أدبية مختلفة، واتسع نطاق النثر الفني باستكمال أدواته، وتعدد  مجالاته ، وازدهر النقد الحديث، فهو علم يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير وتأثر.
    فليس في مقدور أي مثقف أن ينكر ما لهذا الأدب من أهمية في تغذية شخصيتنا القومية، وتنمية نواحي الأصالة في استعداداتنا، وتوجيهها توجيهًا رشيدًا، وتوضيح مدى امتداد جهودنا الفنية والفكرية من التراث الأدبي العالمي، إلى جانب ذلك تظل للأدب المقارن رسالة إنسانية أخرى، هي الكشف عن أصالة الروح القومية في صلتها بالروح الإنسانية العامة في ماضيها وحاضرها، فلا نستطيع تقويم الأدب القومي حق التقويم، ولا توجيهه خير توجيه إلا بالنظر إليه في نسبته إلى التراث الأدب الإنساني جملةً؛ كي يُتاح له أن يقوم بوظيفة الإنسانية في ثنايا قوالبه الفنية.
 
   وقف شاعر الهند: رابندرانات ناجور عام 1908م، في إحدى الجامعات يتحدث عن الرسالة الإنسانية للأدب المقارن حيث قال:" الأدب ليس مجرد مجموعة أعمال أدبية صاغتها أيدي الكتاب المختلفين، بل علينا أن نجاهد؛ كي ننظر في عمل كل مؤلف بوصفه كلاًّ، وننظر في هذا الكل بوصفه- جزءًا من خلق الإنسان العالمي- وننظر إلى هذا الروح العالمي في مظاهره من خلال الأدب العالمي".
 
    وكذلك يفيد الكتاب والنقاد من نتائج بحوثه ومصطلحاته الفنية دون أن يكونوا من المتخصصين فيه، فالدراسات المقارنة من نوع الدراسات الإنسانية التي من شأنها أن تزدهر في عصور النهضات.
 
 ويمكّننا من دراسة التيارات الأدبية العالمية كـ( الكلاسيكية، والرومانسية، والواقعية، والسريالية...) ، فمحورها دائمًا الأدب القومي في صلته بالآداب العالمية وامتداده بالتأثير بها والغنى بسببها. وأيضًا التعمق في الكشف عن طبيعة التجديد واتجاهاته في الأدب القومي والآداب العالمية. ثم إن الأدب المقارن أساس لا غنى عنه في النقد الحديث، فقواعد النقد الحديث ثمرات لبحوثه العميقة.
 
     هذه كلمة انجر القلم إليها، أردت فيها أن أستحث الأدباء والكتّاب والباحثين، وأثير هممهم، علهم يقبلون على هذا المنجم البكر فيستخرجوا كنوزه، ويعرضوا على الناس جواهره.
  
                               جابر بن سالم بن خميس المصلحي
                                                                                                  
      الفرقة الرابعة من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
                       مراجعة د/صبري أبوحسين
 
*صبري أبوحسين
11 - فبراير - 2008
مفهوم الأدب المقارن    كن أول من يقيّم
 
مفهوم الأدب المقارن
للأدب المقارن مصطلح حديث، يعبر عن علم من علوم الآداب الحديثة. وقد كثرت تعاريفه وتنوعت رؤى الباحثين والدارسين في مفهومه؛ ومن ثَمَّ تتضح ضرورة تجلية مفهومه.
المصطلح لغةً:
 وهذا المصطلح - كما تراه- مكون من كلمتين هما: الأدب والمقارن.
لفظة "الأدب" في اللغة:
 أما لفظة الأدب فقد تطور مفهومها بتطور الحياة العربية في الجاهلية حتى أيامنا هذه عبر العصور الأدبية المتعاقبة؛ فقد كانت كلمة (أدب) في الجاهليةتدل على مفهوم حسي هو الدعوة إلى الطعام، من ذلك قول طرفة بن العبد البكري:
 نحن في المشتاة ندعو الجفلى         لا ترى الآدِبَ فينا يَنْتقرْ
 ثم انتقلت الكلمة إلى معنى جديد في العصر الإسلامي في عهد رسول الله -صلى الله علية وسلم- وهو التهذيب والتربية أي الدعوة إلى مكارم الأخلاق، حيث جاء في الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- قوله: " أدبني ربي فأحسن تأديبي ".-
أما في عصر بني أمية فقد وُجدت طائفة من المعلمين سُمُّوا بالمؤدبين، كانوا يعلمون أبناء الخلفاء، وبذا اكتسبت كلمة (أدب) معنى تعليميًّاً.
ثم تطورت الكلمة  في العصر العباسي إلى معنى التعليم، والتثقيف، حيث الأخذ من علم وفن بطَرف.
 ثم انتهى المطاف بلفظة الأدب في منتصف العصر العباسي إلى عصرنا الحاضر أن صارت ذات مفهوم متخصص، هو ( الإبداع اللغوي الفني الجميل المؤثر، المعبر عن المشاعر والأفكار، سواءً كان شعرًًا أو نثرًا.
لفظة "المقارن" في اللغة:
جاء في المعاجم:" قَرَنَ الشيء بالشيء، وقَرَنَ الشيء إلى الشيء، وقَرَنَ بين الشيئين قرنًا، وقِرانًا: أي جَمَعَ. أقرن فلانٌ : أي جمع بين شيئين أو عملين.
قارنه مقارنةً ، وقِراناً: أي صاحبه واقترن به . وقارن بين القوم: أي سوَّى بينهم . وبين الزوجين قِراناً: أي جمع بينهما . والشيء بالشيء : أي وازنه به(محدثة).
فظاهر أن مادة (قرن) تدور حول معنى الجمع والمصاحبة.
 لماذا وصف الأدب المقارن بالمقارن وليس الموازن؟
ذكر الدكتور صبري أبوحسين إجابة عن هذا السؤال قائلاً:
أظن أن رادة الدرس الأدبي المقارن وسموه بهذا الوصف للسببين الآتيين:
1- حتى نميز بين المفاضلات التي تعقد بين أديبين في لغة واحدة وينتميان إلى جنس بشري واحد مثل أبو تمام والبحتري، وهذا يسمى بـ (الموازنة)، وبين المفاضلات التي تحدث بين أديبين عالميين في لغتين مختلفتين، وينتميان إلى جنسين بشريين مختلفين مثل شكسبير وشوقي، وهذا يسمى بـ (المقارن).
 2- لفظ الموازنة لغويًّا فيه معنى التقييم والترجيح، وأما لفظ المقارنه ففيه -فقط- معنى الجمع والوصل. وهذا هو المراد، كما سيتضح في بيان المصطلح علميًًّا.
 الأدب المقارن اصطلاحاً:
 للأدب المقارن مجموعة من التعاريف. فمن تعريفات الغربيين له تعريف (كروتشيه) الأدب المقارن بأنه " اسم جديد لنوع من الخبرة هي موضع التبجيل على مر العصور".
ويعد هذا التعريف مبهمًا خصوصًا في لفظتي (الخبرة ومر العصور)، وناقص لأنه لم يشر إلى عنصر التأثير والتأثر، وهو مادح للأدب المقارن. وذلك في قوله: (التبجيل)، كما يدل على أن صاحبه كلاسيكي أي مبجل للقديم.
و قال الناقد الفرنسي (فيلمان)عن الأدب المقارن: " إنه السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول". ويعد هذا التعريف قاصرًا؛ لأنه يُضيّق مفهوم الأدب المقارن وينال منه.
 هذا، وقد ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال تعريفًا للأدب المقارن نصه: " دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها" .
ويمكن القول عن هذا التعريف بأنه تعريف جيد، لكن ينقصه التصريح بعنصر التأثير والتأثر.
 ويقصد بالأدب القومي في هذا التعريف-كما شرح لنا الدكتور صبري أبوحسين: " أدب قوم بعينهم كُتب بلغة رسمية متداولة بين مجموعة من البشر".ويضاده الأدب الشعبي، الذي هو " أدب مجموعة من العامة، كتب بلهجتهم الخاصة التي لا يفهمها غيرهم".
  وذكر الدكتور محمد غنيمي هلال تعريفًا آخر للأدب المقارن نصه: " العلم الذي يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، في حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر". وهذا التعريف سليم منطقيًّا وواضح تعبيريًّا يفهمه كل قارئ له.وهو الراجح.
التعليق على المصطلح:
ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال أن تسمية هذا العلم بالأدب المقارن تسمية ناقصة، كان الأولى أن يُسمَّى (التاريخ المقارن للأدب) أو (تاريخ الأدب المقارن)، لأن هذا العلم يعتمد على المنهج التاريخي في بحوثه، ولكن شاعت هذه التسمية لإيجازها وسهولتها.
 صياغة الطالبين:محمد السيد حسين شُبّر
                 سيف بن خلفان بن مصبح
            شرح ومراجعةد/صبري أبوحسين
 
*صبري أبوحسين
13 - فبراير - 2008
دور اللغات في الأدب المقارن    كن أول من يقيّم
 
دور اللغات  في الأدب المقارن
 
     حدثنا أستاذنا الفاضل في مادة الأدب المقارن عن نشأة علم الأدب المقارن، وبدا لي الموضوع جديدًا وشيقًا؛ إذ إنني طالما سمعت بهذا الاسم – الأدب المقارن – يتردد كثيرًا خلال المراحل السابقة من دراستي، ولكنني لم  أفهم ما يراد به. أما بعد الدرس الأكاديمي الذي أخذناه في هذه المادة تولد في أعماقي سؤال آخر بدا لي غاية الأهمية: مادام الأدب المقارن يدرس علاقات التأثير والتأثر بين الآداب في مختلف الأمم، وما دام الأدباء والمفكرون العرب والمسلمون كانوا همزة وصل بين مختلف الأمم سواء من المشرق إلى الغرب أو العكس، وكان لهم السبق في نقل العلوم والآداب بين الأمم، فلماذا إذنْ لم يفطن العرب إلى هذا العلم، بل لماذا لم يزدهر هذا العلم وبالأصح لم يظهر بصورته المتكاملة إلا في القرن العشرين؟!
      ولكي أجد إجابة لهذا السؤال كان لابد لي أن أعود إلى العوامل المشتركة بين الأمم والعوامل المفرِّقة التي تساعد على إعدام التواصل الحضاري بينها، فوجدت أن العوامل المشتركة المعروفة لا تتعدى أصابع اليد بل تكاد تتلخص في الصفات الإنسانية والقُدُرات البشرية التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات، هي ما تجمع بين الأمم في المجمل، في حين أن ما يفرقنا كثير. ومنه: الثقافة، والعادات، والتقاليد، والدين، والدم، وغيرها.
       ولكن هذه الأمور كلها قد يكون لها دور في نوعية الجنس البشري وشكله ونكهته التي تميزه عن آداب الأمم الأخرى ؛ ولكنها بالتأكيد لا تمثل عائقًا حقيقيًّا أمام تأثير الأدب وتأثره بآداب الأمم الأخرى. إذن لا بد من وجود عامل آخر حال دون نشأة هذا العلم في السابق.
 كل هذه الأفكار كانت تدور في ذهني، بينما كان الأستاذ يشرح الدرس حتى بلغ إلى ( دور اللغة في الأدب المقارن ) عندها بدأت أُنْصت باهتمام أكبر، وبدأ السؤال الكبير يضمحل ويصغر، وتلاشت كل الأسئلة التي كانت تدور في ذهني، ولم يبق منها سوى سؤال واحد، ظل متشبثًا في ذهني لا يفارقه، بل إنه قفز إلى عقلي فجاء دون إنذار:
 هل من الممكن أن يكون هذا العائق الذي أخَّر نشأة هذا العلم وتطوره كل هذا الوقت هو...( اللغة)...؟!
 
    يوجد رأيان حول هذا الأمر، كما أوضح لنا أستاذنا الفاضل، من خلال شرحه كلام الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه(الأدب المقارن):
 
الرأي الأول: هو أنه من المستحيل دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن لغته؛ وذلك لأن اللغات حدود حصينة تمنع من تبادل التأثير والتأثر. وهذا الرأي ضعيف واهٍ، بل إنه كان السبب الرئيس في تأخر نشوء علم الأدب المقارن.
 
والرأي الثاني: -وهو الأرجح- ومفاده أن اللغات ليست حاجزًا يمنع تبادل التأثير والتأثير بين الأدباء، وليست عقبة كأداءَ أمام الباحث في الأدب المقارن، وذلك للأسباب الآتية:
 
1-     وجود نصوص من الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات الـتأثير والتأثر، مثل قصص(ألف ليلة وليلة) وقصة(روميو وجولييت) وتتجاوز هذه الحدود المزعومة المصطنعة.
 
2-     إن الممارس لترجمة الأعمال الأدبية العالمية لا يجد صعوبة في الترجمة لما يجده من تناظر في الأفكار والتعبيرات في معظم اللغات.
3-     وجود مجموعة من كبار الأدباء الذين نالوا حظًّا كبيرًا وشهرة واسعة عالمية، وفرضوا أسماءهم على كل مثقفي العالم ولم تحل اللغات دون شهرتهم.
 
4-    أن الأدب المقارن لا يُعنَى بدراسة الأدب الفردي المتخصص بل يُعنَى بدراسة الأشكال والأفكار الأدبية والقوالب العامة للفنون والأدب.
  
     ومن هنا يمكننا أن نلخص دور اللغات في الأدب المقارن بأن الباحث فيه ينظر إلى لغة الأديب، وليس إلى جنسه أو زمنه. وأن إتقان اللغات يعين الباحث في الأدب المقارن على تبين الصلات بين آداب الكون، وما فيها من تأثير وتأثر، وأصالة وإبداع، وخصوصيات وعموميات. 
إعداد الطالب/عادل بن ثاني الخميسي
 مراجعة الدكتور/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
21 - فبراير - 2008
أسئلة في الأدب المقارن:    كن أول من يقيّم
 
حقائق حول الأدب المقارن:
 
بدأت لفظة  بدلالة حسية في العصر الجاهلي، وهي الدعوة إلي الطعام ، ثم انتقلت إلى المعني الخلقي في عصر صدر الإسلام. ثم تطورت إلي المعني التعليمي في العصر الأموي ، ثم انتقلت إلى كونها مرادفة إلى مصطلح الثقافة في العصر العباسي (وهو الأخذ من كل علم بطرف) إلى أن استقرت إلى المفهوم الاصطلاحي الآن وهو: ( الكلام الجميل المعبر عن المشاعر و الأفكار سواء كان شعرًا أو نثرًا ). وهذا المفهوم هو المقصود في تركيب(الأدب المقارن).
والأدب في هذا العلم أنواع ثلاثة:
الأدب الشعبي، الأدب القومي، والأدب العالمي.
الأدب الشعبي: أدب كُتب بلهجة قوم ليعبر عن مشاعرهم وآمالهم وآلامهم.
الأدب القومي: أدب كتب بلغة فصيحة متداولة بين مجموعة من البشر تربطهم
صلات عدة .
الأدب العالمي: مصطلح دعا إليه الأديب الألماني جوتة, وهو أن يكون الإبداع الأدبي كونيًّا في شكله ومضمونه في مقابل تلك الآداب المحلية المحدودة.
س:اذكر تعريف كروتشيه للأدب المقارن؟ وما رأيك في هذا التعريف ؟
عرف كروتشيه الأدب المقارن بأنه: ( اسم جديد لنوع من الخبرة هي موضع التبجيل على مر العصور ) .  وهو تعريف غير سليم منطقيًّا؛ أولاً لأنه لم يحدد أن الأدب المقارن خاص بآداب مختلفة وبلغات مختلفة، ولم يذكر التأثير والتأثر، وثانيًا لأنه تعريف غير مُفهم لا يوصل المعني الاصطلاحي للأدب المقارن. و فيه غموض في لفظتي (الخبرة – على مر العصور ) .
أجمل ما فيه أنه مدح الأدب المقارن بلفظة التبجيل.
 كأن كروتشيه كلاسيكي يحب المحاكاة للأدب المقارن .
 وقد ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال عدة تعاريف للأدب المقارن، هي:
الأدب المقارن هو: دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها.ص10
مما يؤخذ على هذا التعريف أنه لم يذكر عنصر التأثير والتأثر بين الآداب المختلفة.
 
تعريف الناقد الفرنسي فيلمان : بأنه السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول.
وهو تعريف فيه حدة يوحي بأن قائله رومانسي، رافض لأداة للمحاكاة. وكلمة كل الدول بها غموض.وقصره على دراسة السرقات فيه تحجيم أو تضييق لمفهوم الأدب المقارن.
 
الأدب المقارن: يرسم سير الآداب في علاقاتها بعضها ببعض، ويشرح خطة ذلك السير ويساعد على إذكاء الحيوية بينها ويهدي إلى تفاهم الشعوب وتقاربها في ثرائها الفكري. وهو تعريف طويل ممل يركز على الأهميات المختلفة للأدب المقارن .
الأدب المقارن تاريخي: العلم الذي يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، في حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر.ص13
وهذا هو التعريف السديد الواضح.
لماذا لقب هذا العلم بالمقارن لا الموازن ؟
بالتدبر للفظي المقارن والموازن في المعاجم العربية يتضح لنا أن :
الموازنة لغويًّا تعني المقابلة بين شيئين للمفاضلة والترجيح بينهما
والمقارنة لغويًّا تعني الجمع بين الشيئين والوصل بينهما فقط.
 
وبالتالي فضل الباحثون استخدام لفظ المقارن للسببين الآتيين:
*حتى يميزوا بين دراسة الآداب المتشابه في اللغة الواحدة، مثل دراسة والمفاضلة بين شعري أبي تمام والبحتري فهذه تسمي موازنة، وبين دراسة الآداب المتشابهة في لغات عدة ،مثل دراسة شكسبير وشوقي فهذه تسمى مقارنة .
*أن لفظة الموازنة فيها معني المفاضلة والترجيح. وهي غير مقصودة في الأدب المقارن، بل المقصود في الأدب المقارن العالمية المتشابهة وبيان مافيها من تأثير وتأثر.
 
لماذا ندرس الأدب المقارن ؟
ندرس الأدب المقارن للفوائد الآتية :
*للتعرف إلى فرع الحديث من فروع الدراسات الإنسانية الأدبية.
*إطلاع المثقف على الآداب الأجنبية وموازنتها بالأدب القومي.
*بيان أوجه الصلات والعلاقات الفكرية والإنسانية بين البشر، مهما اختلفت لغاتهم أو أجناسهم أماكن وجودهم.
*الوقوف على مكانة الأدب العربي بين الآداب العالمية شرقا وغربا .
*دراسة التيارات الأدبية العالمية مثل الكلاسيكية، والرومانسية، والواقغية.. وغيرها.
*التعمق في الكشف عن طبيعة التجديد واتجاهاته في الأدب القومي والآداب العالمية .
*لاغني عن الأدب المقارن في النقد الأدبي الحديث فقواعد النقد الحديث ثمرات لبحوث الأدب المقارن العميقة حتى يسمى النقد الحديث النقد المقارن.
 
 
هل اللغة حاجز يمنع الأدباء من تبادل التأثير والتأثر فيما بينهم أو لا ؟ ص10
هناك رأيان:
 *رأي واهٍ يظن أن من العسير بل من المستحيل دراسة الأدب القومي في علاقته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن لغته بسبب أن اللغة حاجز يمنع من تبادل التأثير والتأثر وعقبة كأداء أمام الباحث في علم الأدب المقارن.
*رأي راجح يقول ليست اللغات حاجز يمنع تبادل التأثير والتأثر بين الأدباء  للأسباب الآتية :
-وجود نصوص أدبية من مختلف الأمم فيها تبادل تأثير وتأثر.
-أن الممارس لترجمة الآداب يجد سهولة في الترجمة لأن الأفكار والتعبيرات كثيرة ما تتناظر في مختلف اللغات.
-أن الآداب الحديثة استطاعت أن تقلل الآداب القديمة ولم تقف اللغة حائلا دون التقليد.
-وجود أدباء نجوم فرضوا أنفسهم على الثقافات العالمية المختلفة ونالوا حظا وشهرة عجيبة مثل (طاغور – محمد إقبال – نجيب محفوظ - شكسبير...).
-أن الأدب المقارن لايهتم بالنتاج الفردي المتخصص بل يهتم بالأفكار الأدبية -وبالقوالب العامة ، ولذلك فأن اللغة لا تمثل حاجز أو عقبة كأداء .
 
 
إعداد الطالب/مرهون بن علي مرهون السلماني
الفرقة الرابعة
كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
مراجعة د/صبري أبوحسين
 
 
 
 
 
 
 
 
*صبري أبوحسين
26 - فبراير - 2008
 1  2  3