البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : العمارة و الفنون

 موضوع النقاش : حديث عن الموسيقى    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 محمود العسكري 
2 - ديسمبر - 2010
هذه مقالةٌ كُتِبَتْ منذ فترةٍ طويلةٍ ، لكن أُرْجِئَ نشرها إلى اختمار بعض الآراء والأفكار ، وقد لُخِّص فيها جُمْلَةُ معارفَ مُقْتَبَسَةٍ وقتَ الاطِّلاعِ على تراث هذا الفنِّ ، وجملة تأمُّلاتٍ في هذا التراث ، ولعلَّ أهمَّ الآراء المختمرة : أن ثَمَّةَ تفرقةٌ ضروريةٌ لفَهْمِ الأشياء على حقائقها بين الإنسان ، وبين فنِّه كإضافةٍ لإنسانِيَّته ، وبين فنِّه كتزويرٍ طامسٍ لإنسانيَّته ، فالإنسان كمخلوقٍ كريمٍ غايتُه أن يحيى حياةً فطريةً بسيطةً تمنحه التكريمَ بعُبودِيَّته الحقَّةِ لله = يجب أن يأتي فنُّه إضافةً لإنسانيَّتِه في ومضاتٍ خاطفةٍ تحفز الروح لتصنع في الحياة : الخيرَ والحقَّ والجمالَ ، وليس أن يأتي مُخَدِّرَا لها لتستنيمَ في قَبْو صُورةٍ من الحياة : مشوَّهةٍ لاهيةٍ عابثةٍ ، قد لا يختلف أنموذجٌ فَنِّيٌّ عن آخر قيد أنملةٍ بالنسبة إلى القواعد الفنية ، لكن ؛ بالنسبة لإنسانٍ وإنسانٍ : قد يكون بينهما بَوْنٌ شاسعٌ ! .
مُعْرِبًا عن الشكر الخالص للأساتذة الأعزَّاء الذي كان لكتاباتهم ونَقَداتهم عن هذا الفَنِّ وعن غيره من الآداب في مواضيع سابقةٍ في المجالس = حافزٌ لارتياد آفاقٍ جديدةٍ لي من ألوان الثقافة كانت للروح والفكر غذاءً وفاكهةً .
 
بسم اللـه الرحمن الرحيم
 
حَدِيـثٌ عَنِ الْمُوسِـيقَا ...
( الرُّوحَانِيَّة . الفَلْسَفَة . أَرَقُ الْمِيلُودِيَّة )
------------------
[ الفن عمومًا يكتسب أبعاده بالقراءة ، ونقده بالتالي لا يمكن أن يكون نزيهًا عن النَّزعة الفردية ، والموسيقا بخاصَّةٍ هي لغة ينشئ المستمع معانيها ، وهذا المقال عنها هو شيءٌ من القراءة والنقد والتذوق ، ولعل الفكرة الجدية الجديرة بالاحترام هنا هي : أن الفن ليس للفن ، وإنما الشرف للفنِّ أن يكون في خدمة مبدأٍ سامٍ ونبيلٍ ].
·   برأيي ؛ أن أدفأَ الموسيقى عاطفةً وأصدقَها حديثًا عن الروح أشواقًا وآلامًا - وهي برأيي : البلاغة الموسيقية الأعلى- ؛= هي موسيقى عصر الباروك ، تلك الموسيقى التي كانت تُؤَلَّف أصالةً كنجوى من الروح الجميلة المرهفة الصادقة ؛ مصوِّرةً عواطفها الرقيقة تصويرًا ينمُّ عن الكثير من البراءة والطهر والتحليق في الفضائل الإنسانية ، ومن ثمَّ كانت حُرَّةً طليقةً ، لا تتولَّع بإحساسٍ فريدٍ ، ولا تستبدُّ بها فكرةٌ واحدةٌ ، وإنما هي - وحسب - فيضٌ من المشاعر والخواطر يهدر ويحتشد في عَرْصة روحٍ قد بلغت قمة النرفانا . [ من أهم النماذج أعمال كبار الموسيقين الإيطاليين النبلاء من أمثال الكاهن الأصهب / فيفالدي والوجيه / ألبينوني والقاضي / مارسيللو ، وهؤلاء الثلاثة بالأخص في أعمال الأوركسترا ، ويبقى دومينيكو سكارلاتي - كانت عرَّابته نائبة الملكة - عميدًا للآلات ذات الملامس / الهاربيسكورد والكلافيسان ، للاستماع مثلاً : Mandolin Concerto in C = فيفالدي ،  alergo in g minor = ألبينوني ، Concerto in d minor Oboe = مارسيللو ، sonata in f minor, k466 = سكارلاتي ، ولاحظ التعبير الموسيقي الرفيع مع الاقتصاد في الإيقاع اقتصادًا جميلاً ؛ خلافًا لهاندل وباخ مثلاً ] [ لا يخفى ولع باخ بفن الفوغا ، وماهِيَّته : استخدام اللحن الميلودي ذاتِه كإيقاعٍ يبدأ بعد عِدَّة موازير ويرافقه - مع مراعاة الهارمونية ضرورةً ! - ؛ فتحصل الكثافة اللحنية ، استمع مثلاً إلى : little fugue in g minor لباخ ] .
·   ارتباط الموسيقى في ذلك العصر ارتباطًا وثيقًا بالدين والعقيدة ( لا ننسى فخامة الأورغن الأنبوبي الكنسي : أضخم الآلات الموسيقية ) ، وتحررها أيضًا من فنون الأوبرا والباليه التي أَغْوَتِ الكثير من الموسيقيين بعد ذلك = هذان عنصران منحها الصدق والعمق في التعبير الخالص عن الروح ، وهيآ لها الانحصار فيه أيضًا .
·   وهذا التعبير الموسيقي - وإن بدا للوهلة الأولى تجافيه عن الفلسفة بل ربما تجافيه عن الواقع - هو الأرقى والأعمق فلسفةً وتأملاً ؛ لأنه لا يتعمَّد التعبير عنها ، بل يختزل مقدِّماتها ليصل إلى نتيجتها ؛ وهي : نفس بشرية سوية ، وهذا غاية ما ترنو إليه حكمةٌ أو فلسفةٌ .
·   لذا ؛ لم يكن لمعظم أعمال عصر الباروك ( باستثناء الأوبرات ولا غرو أن كانت أضعف المؤلفات الموسيقية في هذا العصر ؛ باستثناء الأوبرا الدينية / الأوراتوريو ) = أسماء أو عناوين ذات دلالة على المحتوى ، ولكن تصنيفاتٌ لنمط العمل الموسيقيّ ( مثل : سوناتا ، فوغا ، كونشيرتو غروسو ... إلخ ) ، وفي هذا تقدير لعظمة الموسيقى : ألا تحتكر فضاآتها الرحيبة لخصوصيِّة أيِّ شيْءٍ ؛ ولو كانت الفكرة أو الشعور الذي يخالج الموسيقيِّ عند ميلاد اللحن .
·   أما بعد هذا العصر ؛ فباستقراءٍ شخصيٍّ : أرى أن الأعمال من نوع الفانتازيا هي وحدها التي ارتقت إلى هذه الدرجة من التعبير الموسيقي .
·   بل ! ؛ لقد حالفها الحظ بانتقاء البيانو ، فروعة البيانو تكمن في إبراز قوة التآلفية الهارمونية في العمل الموسيقي ، والتوافق الهارموني هو طابع فلسفي منطقيٌّ في حد ذاته ، يشبهه في نَظَر ( أي : تفكير ) الفيلسوف : ترتب النتائج على المقدمات بشكلٍ تلقائيٍّ وعفْوِيٍّ يمنح الفكرة الْمُعَبَّر عنها القوة والأهمية ، والوضوح أيضًا وكأنها شيء من البديهيات ( الفيلسوف يشرح أفكاره دائمًا للآخرين على أنها بديهيات أو مُسلَّمات عندهم ) ، والتأليف الفانتازي –بخاصَّةٍ- ماهيَّتُه : توالي النوطات والتآلفات الهارمونية في السُّلَّم الموسيقي المختار على نَحْوٍ رتيبٍ ( يقارب ما يُسَمَّى : الصفَّ اللحني ) ؛= فتكون المحصِّلة : هذه الفانتازيا ، ( أما تعبير البيانو عن ميلودية لحن مفرد فهو تعبير متواضع إذا ما قورن بالآلات النفخية والوترية ) ، ( يستمع لأعمال الفانتازيا مثل : [ ضوء القمر : بيتهوفن ، Fantasia in D minor : موتسارت ،  Fantaisie Impromptu: شوبان ، Variations Sérieuses in D minor : مندلسون  ، Fantasy in C "Wanderer" : شوبرت ] ) .
·   يبقى أن نذكر أن الفانتازيا هي فكرة وهيأة للموسيقى ، وليس ضروريًّا أن تُسمَّى المقطوعة الموسيقية بـ[الفانتازيا] وإن كانت كذلك ، فقد يكون عنوانها مجرَّدَ تصنيفٍ لنمط تأليفها الموسيقيِّ ( كنماذج يستمع إلى : [Prelude No. 5 in C sharp minor : رخمانينوف ، Etude No. 12 in D sharp minor : سكريابين ،  adagio: صموئيل باربر ، افتتاحية  carmina burana : كارل أورف ] ) .
·   وكثيرٌ من الأعمال في عصر الباروك هي حقيقةً عند النظر من قبيل الفانتازيا وإلم تشتهر بهذا الاسم ، لأن طبيعة العصر ككُلّ كانت هي ذلك النوع من الموسيقا ، كما أنه قد وُجِدَتْ أعمال ( الفانتازيا ) بالمعنى المصطلح لهذا الاسم ( استمع إلى المقطع الثانِي من :  toccta and fugue in d minor : باخ ) .
·   وبموازة الفانتازيا ؛ = هناك الأعمال التي استلهمت الموسيقى الشعبية الهنغارية والسلافية ، فطبيعة تلك الشعوب – الغَجَر والنَّوَر -  في الأطراف الشرقية من أوروبا بعيدًا عن أبهة الفاتيكان وجلال قصر فرساي = جعلت من حياتهم كحُلُمٍ فانتازيٍّ تتماهى فيه ألوان الحياة سوداء وحمراء ، وبقدر ما كانت ألسنتهم لا تفقه شيئًا من لغة المعرفة وحذاقتها = كانت ألحانهم الرَّعَوِيَّة تَفْصِمُ عن أرواحهم البريئة الساذجة وعليها أَثَرُ الحكمة ( يستمع لـ : [ الرقصات الهنغارية : برامز ، الرابسوديات الهنغارية : ليست ، الرقصات السلافية : دفورجاك ] ) .
·   والنموذج المشابه لطبيعة تلك الشعوب الغجرية وألحانها = كان في أمريكا الجنوبية وفي الشعب البرازيلي - حيث نشأت في كرنفالات الشواطئ ألحان السامبا والتانجو ... ، وقد استُلْهِم ذلك الفلكلور الموسيقي               في أعمال فيلا لوبوس المهضوم حقه لأنه من العالم الثالث ( يستمع  إلى :  Bachianas Brasileiras No. 5 ) .
·   فاختلاط أمشاج الآلام بالآمال في هذه الموسيقى ( يتأمل تتابع الحركات الثلاث في الرقصات الهنغارية ) ؛ بل وقوف النوطة الواحدة على الشفير بين الجرح الباسم والبسمة الدامعة ؛= هو نوعٌ من المصالحة مع نواميس الحياة دون ممالأةٍ لآنِيَّةِ فكرةٍ أو عاطفةٍ ، مما هو نسبةً إلى الطبيعة البشرية : مجرَّدُ زيفٍ .
·   وهناك أعمالٌ جعلت من الفلسفة والميتافيزيقيا موضوعها أصالةً ، فاكتسبت العمق التأمليِّ بداهةً لضرورة الموضوع ؛= كسيمفونيات غوستاف مالر ( استمع مثلاً : إلى الحركة الرابعة من سيمفونيته الأولى ) ، لكن الجدير بالذكر : أن هذه السيمفونيات لم تشتهر إلا بعد منتصف القرن العشرين ، وبظني حتى الآن لم تأخذ مكانها اللائق ، ولهذا حديث آخر .
·   الموسيقا المرصودة للحزن هي أيضًا حازت أعماقًا فلسفية ، لأن الحزن وما ينطوي عليه من نظرة تشاؤمية للحياة هو بمثابة إعطاء فكرة غير تقليدية عن الحياة ، مما يتهيأ في هذه الأجواء أن ينداح الموسيقي في أغوارٍ تأمليةٍ ، وأيضًا في مثل موسيقا القداسات وامتداد الخيال فيها إلى الحياة الأخروية ، والوقوف عند رهبة الموت ، واحتكاك الرغبة بالرهبة فيها ؛= هذا ما يولد أيضًا شرارة الفلسفة ( استمع مثلاً : إلى افتتاحية قداس باخ الرائع في سلم سي الصغير ، وإلى مقطع lacrimosa من قداس الموت لموتسارت ) .    
·   ولكن ما الذي حدا بأولئك الموسيقيين آنفًا إلى استلهام الفلكلور الموسيقي الشعبي ؟ ، جوابي : هو البحث عن الميلودية ( ونعني بها في اختصار : البصمة  المميزة للحن ) ، فالميلودية التي تتمتَّع بالجِدَة والابتكار هي أكثر ما يُؤَرِّق أيَّ مُؤَلِّفٍ موسيقيٍّ ، ونقول : يُؤَرِّقه ؛ لأن الجِدَة والابتكار في لُغَةٍ تتأَلَّفُ من سبعة أحرف = أمرٌ يحتاج إلى ما يشبه معجزة الوحي ، وليس من قبيل ما تغني فيه الحيلة ، وما دام الأمر كذلك ؛= فالموسيقيون ما بعد عصر الباروك لم يستطيعوا المراهنة في الحصول على أطماعهم من الميلوديات الفريدة على مناجاة الروح وحدها ، فعالم الروح عالم حقائق كبيرة ، وهو خالٍ عن الكثير من التفاصيل الصغيرة المبعثرة في الحياة ، هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى : فالروح الموسيقية التي تحلق إلى هذا العالم وتجاوبه التغريد لا بُدَّ أن تمتلكَ من الرهافة واللطافة ما يقرب من الملائكية كي تستشفَّ خفاياه الرائعة ، والبشرية الضعيفة تعتذر عن الوفاء لهذا السمو ، وهم لا يريدون أن يكونوا مثل باخ أو تيليمان الذي له 6000 عمل موسيقي لم يعرف منها إلا القليل النادر ، لذلك كان لا بد من البحث عن سُبُلٍ جديدة .
·   وكان من تلك السبل أيضًا : تلحين الأوبرات والباليه ، فطبيعة المشاهد الحركيَّة للقِصَّة الْمُمثَّلة سواءً في الأوبرا أو الباليه = تُلْهِم الموسيقي الميلوديات المبتكرة المعبِّرة عن التفاصيل المختلفة في القصة ، ولهذا كان أغلب الموسيقيين الذين يلحنون الأوبرات تجفُّ قرائحهم عما سوى ذلك فيتخصَّصون فيها ، ولا شك يبدعون ( أمثال : بوتشيني - روسيني - بلليني - دونيزتي - فردي – فاجنر - شتراوس ) ، حتى وعندما يعمدون إلى التأليف الموسيقي سوى الأوبرات يبقى جو الأوبرات مسيطرًا عليهم ( يتأمل : افتتاحية قداس فردي ، Also Sprach Zarathustra : لشتراوس ) ، ومن المعروف أن فن الأوبرا في صميم نشأته فنٌّ شعبيٌّ ، وكان مبدأه عند الإيطاليين فلاحي أوروبه ، ولذلك كانت في أطوائه منذ البداية أنفاسٌ من الموسيقى الشعبية الإيطالية ، ( علاوةً على استلهام مندلسون لها في سيمفونيته الرابعة ، وهوجو وولف في السرينادا الإيطالية ، وآخرين ) .
·   وعودًا إلى الفلسفة ؛ نقول : باستثناء فاجنر من سائر الأوبراليين فهو الأكثر والأعمق فلسفةً ، وهذا يرجع برأيي ليس إلى تعمُّده ؛ ولكن إلى طبيعة انتقائه لموضوعات أوبراته ، فهو انتقاها من الأساطير الجرمانية القديمة ، حيث الآلهة الشتى ، والقوى المتصارعة ، ومبادئ الشرف والواجب ؛ مما هيَّأَ وأضفى على موسيقاه مزيدًا من التخيُّلية والتأمُّلية لا سيما في عمله الأهمِّ : ( الرباعية الأوبرالية : حلقة البيلونج ) ( استلهمت منها فكرة فيلم الأوسكار [ ملك الخاتم ] ) .
·   عمادة بيتهوفن لموسيقى الالآت في صدر القرن التاسع عشر لا سيما في ألمانيا ؛= جعلت من تلحين الأوبرا (وهو المجال الذي لم يجد فيه بيتهوفن الكثير من غايته) هي السبيل الأمثل لفاجنر إذا ما أراد النبوغ وذيوع الصِّيت دون أن ترهبه القامة السامقة لبيتهوفن .
·   والألماني الآخر الذي حاز الشهرة والتفوق ، ونعني به : مندلسون  ؛= يعزى ذلك إلى أن له الفضل في إعادة اكتشاف أعمال باخ بعد أن كانت لنصف قرنٍ حجابًا مستورًا ، واستلهامه بذلك لروح باخ في أعماله أكسبه التمايز والتغاير عن معاصريه ( قارن بين كونشيرتو الكمان الشهير له وبين مثيلاته من أعمال باخ مثل: thw duble violin concerto in d minor، violin concerto in a minor ولهذا فإلحاق مندلسون بشوبرت والكلاسيكيين من قبله أولى وإن كان متأخرًا عنهم في العصر الرومانسي حسب المنطق الزمنيِّ .
·   كان أيضًا من تلك الميلوديات المبتكرة : الإلحاح والاعتماد على تصوير العواطف الغزلية الرقيقة بين المرأة والرجل ( ومن نافلة القول أن مصطلح الرومانسية أوسع من ذلك ) ، وهو النهج الخاص بشوبان ، وبمقدار ما كان لشوبان في هذا من إبداعٍ ، والذي سايره فيه شومان ، لكن تحرر شومان وإحساسه بالحب كحالة روحانية تأملية وليس مجرد عاطفة قلبية = هيأ لموسيقاه أن تكون ذات بعد فلسفيٍّ تأمليٍّ لم يتهيأ للكثير من موسيقا شوبان ( يستمع مثلاً إلى : السيمفونية إيتودي ) ، ويحلو لي أن أشبههما في الشعر العربي ( مع فارق الموسيقا عن الشعر ) بإبراهيم ناجي وعلي محمود طه .
·   وعودًا إلى استلهام الموسيقى الشعبية بقي أن نذكر الأعمال المستقاة من الفلكلور الإسباني مثل : (السيمفونية الأسبانية: لالو - الكبريتشو الأسباني : كورساكوف ، المجموعة الأسبانية للبيانو : ألبينيز - الرقصات الأسبانية : جراندوس ، حدائق أسبانيا : مانويل دي فالا ) ، وأيضًا بعض أعمال مجموعة الخمسة (بالاكريف - كوي - موسورسكي - كورساكوف - بورودين ) التي سعت لإحياء الموسيقى الشعبية الروسية ، أو الأعمال التي اهتمت بالموسيقى الشعبية كنوع من النضال الوطني كما في بعض أعمال سميتانا وبارتوك ويوهان شتراوس ( خلافًا لجان سيبليوس مثلاً في عمله فنلنديا فهو عمل وطني لكنه لم يتطرق إلى المواضيع الشعبية ولم يستخدم الموسيقى الفلكلورية ) ، وكذلك بالاكرييف في عمله للبيانو islamy ، وإيفانوف في النبذات التاريخية القوقازية ، واستلهام خاتشوريان للموسيقا الشعبية الأرمينية ، والومضات الشرقية في أعمالٍ مثل : adieux de l'hotesse arabe لبيزيه ، وشمشون ودليلة لسان سيين كميل، وشهرزاد لكورساكوف ، وغيرها ( فللاستشراق في الموسيقا الغربية حديث آخر ) = إلا أنه ما من هذه الأعمال شيءٌ اكتسب الطابع الفلسفية الذي امتازت به الأعمال الهنغارية والسلافية ، لكن الاستلهامات الشرقية بلا شك أكثر روحانية .
... ( بقيَّةٌ لاحقةٌ )
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ها هي ذي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
http://www.rahtawi.net/vb/showthread.php?t=132312
*د يحيى
8 - ديسمبر - 2010
نغم عجيب..... هل رأى الحب سكارى مثلنا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 

 
*د يحيى
10 - ديسمبر - 2010
بقية المقالة    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :
 
·   تسمية هذه الألحان التي رأينا فيها تأملاً وفلسفةً وحكمةً بالفانتازيا والرقصة والرابسودي ؛= تحته فكرتان على الأقل : الأولى / أن فلسفة الموسيقيّ أساسًا أنه لا يكترث للفلسفة ولا يكترث للإيغال في التأمليات والروحانيات ، وهو يعتبر الموسيقى أساسًا مصالحةً للإنسان في عالمه القريب الذي يستمتع به ويعيشه دون كبرياء فارغة - كما يراها - ، هو فيه يطرب ويبتهج ويستمتع بالملذات ويحزن أيضًا ويحب ويعشق ويغوى ويرشد ، ويبقى كل هذا في حدود القدر المشترك بين أفراد الإنسان جميعًا ، أما الإيغال في الروحانية والتأمل ، وإرهاق الحياة السهلة بالفلسفة الجوفاء فهذا زيادة عن القدر الإنساني المشترك ، زيادة نادرة لا يحفل بها ، لا تكون إلا في الذين ظلموا أنفسهم فأصبحوا شيئًا آخر ، زيادة يراها شذوذًا وفانتازيا أو رقصة أو رابسودي ، فكأن هذه الأسماء هي مجرد سخريةٍ من المضمون لا أكثر ، ولما إذًا يؤلف الموسيقي مثل هذه الأعمال ؟! ؛= الجواب : لأنه موسيقيٌّ ، وجوده مرهون بهذا الوصف ، هو يقتات وجوده من هذه الألحان التي يؤلفها على سائر السلالم والآلات الموسيقية وفي الأنماط المختلفة فلا بد أن يظل حيًّا ولا بد أن يدلل على مقدراته الموسيقية دائمًا ( ليس غريبًا أن يولع شخصٌ كموريس رافيل - وهو من التأثريين الذي يعتبرون أنفسهم التجديد الأول في الموسيقى بانصبابهم على المعنى - بتأليف عدد من الأعمال لليد اليسرى ككونشيرتو البيانو المشهور له ؛ فهو في قصارى الأمر موسيقي ! ) .
·   والفكرة الثانية / هي أن للموسيقيين حسابات أخرى غير حساباتنا نحن المستمعين والمستمتعين بالموسيقا ، فمثلاً تأليف الكونشيرتو يقصد به تمجيد الآلة وعازف الآلة الموضوع لها الكونشيرتو بإبراز مهارات وإمكانيات كُلٍّ من الآلة والعازف ، وعلى مدى تحقق هذه الغاية يكون التقييم في امتياز الكونشيرتوهات ، والحركة الثالثة من سوناتا البيانو كذلك ، واعتبار سوناتا ضوء القمر لبيتهوفن ثاني أفضل الأعمال للبيانو المنفرد من أجل الحركة الثالثة - وليس الأولى كما قد نظن نحن المستمعين - فهي من القوة والهارمونية مع الميلودية الخاصة بحيث لم يتفوق عليها سوى : ( heroic polonaise ) لشوبان [ رقصة ] .
·   بعد أن استهلكت خلال القرن التاسع عشر ينابيع الأوبرا والباليه والموسيقى الشعبية والعواطف الرومانسية كينابيع للتجديد في الميلودية الموسيقية ؛= جاءت مجموعة التأثريين .
·   كانت فكرة التأثريين مقطوعة موسيقية مركزة الفكرة ، متحررةً من بهرجة الكلاسيكية ، متميزة الميلودية ، ليست مستقاةً من الموسيقى الشعبية ، وليست لحنًا مرصودًا للأوبرا أو الباليه ، وليست سيمفونيةً مترامية الأطراف متشعِّبة الأفكار ، مقطوعةٌ موسيقيةٌ تستوحي المشهد ، وتعبِّرُ عنه تعبيرًا وسطًا بين الإغراق في التأمُّل والروحانية بحيث يفقد المشهد واقعيته ، وبين الالتصاق بالواقعية بشكل يجعلها فجَّةً ، ويجعل التعبير أوبراليًّا ساذجًا ، وكتقريبٍ : لو عبَّرْنا عن مشهدٍ ما بالشعر وبالرسم ؛ فموسيقى التاثريين هي أشبه بالرسم، فهو ليس في خيالية الشعر ، وليس في سذاجة صورة فوتوغرافية ( يقارن مثلاً بين : moonlight  لبيتهوفن وclair de lune  لديبوسي ) .
·   والتشبيه المذكور ليس مجرد تشبيه بل له نموذج من أعمالهم ؛ وذلك عندما عبر موسورسكي عمن صور معرض أحد زملائه بالعمل الشهير : Pictures At An Exhibition  ، وعمل ديبوسي : images for piano .
·   واعتبار موسورسكي وخلفه إيغور استرافنسكي من التأثريين هو اجتهادٌ شخصيٌّ مني بالتذوق ، ولعلَّ الفارق فقط هو : أنهما كان أميل للأعمال الأوركسترالية والسيمفونية ، وأيضًا خلو لغتهما الموسيقية من رقة التأثريين الفرنسيين ، الأمر الذي تدراكاه بأسماءَ بالغةِ الشاعرية ؛ كمثل : طائر النار ، وليلة فوق الجبل الأجرد ...
·   ومما يؤكد هذا التقارب هو التعاون بين الفريقين ، فبفضل إنجاز موريس رافيل الوصف الأوركسترالي لعمل موسورسكي الآنف الذكر = أصبح هذا العمل من أعظم الأعمال في الموسيقى الكلاسيكية الغربية بعد أن كان وحسب في عداد أفضل أعمال البيانو المنفرد .
·   ولعل التمهيد الجدِّي للتأثريين كان في أعمال سان سيين كميل ، لا سيما في في عمله الشهير : كرنفال الحيوانات ( استمع لموسيقى الإوزة ؛ وقارنها بموسيقى Gymnopédie لإريك ساتي ) ، لكن زاد تحررهم من زيه الكلاسيكي .
·   ويبقى جديرًا بالذكر ؛ أنه لصرامة الضوابط التي وضعها التأثريين لأنفسهم = كان الكثير من أعمالهم يفتقر إلى جمال الشكل ورواء الهيأة .
·   على أن التجديد الموسيقي في بواكير القرن العشرين تجاوز شوط التأثريين ؛ ليبلغ حد الابتكار في أسس الموسيقا ذاتها ، كما في ابتكار أرنولد شونبرغ للصف اللحني الكروماتي الاثني عشري ، وابتكارات غيره ، وتمادى ذلك إلى شأوٍ بعيدٍ ، لكن نريد أن نذكر كلمةً أخيرةً عن تطوير التأثريين للغة البيانو .
·   منذ بواكير الإبداعات الموسيقية في عصر الباروك كانت قد تكاملت لكل آلة موسيقية لغةٌ خاصَّةٌ بها لها هيأتها المتميزة وملامحها الواضحة ، ماهِيَّة هذه اللغة تتجلَّى في مدى تعبير الآلة الموسيقية عن فحوى اللحن المكتوب لها ، وعندما تترجم مثلاً لغةُ الكمان لحنًا نطقت به لغة الفلوت ؛= فهذه الترجمة لن تكون أمينةً تمامًا في الحفاظ على روح العمل الفني ، دفيئةً بعواطفها ، منتعشةً بأفكارها ؛ مثلما نطقت به اللغة الأم ، وإن افترضنا أن لا إساءة ستلحق اللحن ، بيد أنها لاحقةٌ للآلة المترجِمة ؛ إذ سيبدو بها العِيُّ والحَصَر ؛ إذ عدلت عن الترنُّم بالمعهود منها من النغم البليغ الذي لا تؤديه على هذه البلاغة المنعوتة آلةٌ سواها .
·   لكن ما مدى انتماء الآلة الموسيقية إلى اللغة الموضوعة لها ؟ إنها في نهاية الأمر كما وصفنا لغةٌ موضوعةٌ لها ، أي : أن العرف والاصطلاح بين أفراد الوسط الموسيقي هو الذي أجرى هذه الزيجة بين الآلة الموسيقية ولغتها ، لكن ؛ أليس من المرجح إلى حد بعيد أن يكون لدى الآلة الموسيقية الحماس والتشوق إلى تعلم لغات أخرى ؟! ، ولعلها أيضًا تصل إلى مستوًى من الفصاحة والبراعة فيها لا يقل عما حازته آنفًا ؟! ، وجواب التساؤل : أن الحقيقة كذلك .
·   هذه الفكرة أصبحت من مناهج تطور الموسيقا وظهور الإبداعات الجديدة المتميزة بشكلٍ متلاحقٍ زمنيًّا ، ففي حدود القرنين ( 200 سنة ) لا أكثر ونعني : القرن الثامن عشر والتاسع عشر ؛= كان فن الموسيقا قد اغتنى بالأنماط والأساليب والألوان والاتجاهات المختلفة ما لم يتحقق لفنٍّ غيره في مثل هذه المدة الوجيزة .
·   ونوضح تحلق تطور الموسيقا حول هذه الفكرة التي تبيَّنت : عندما تعزف آلةٌ موسيقيةٌ لحنًا مكتوبًا لآلةٍ غيرها سيكون هذا طريفًا عليها ، وسيكون غريبًا بعض الشيء أيضًا ، فإذا استوحينا روح هذا اللحن المشار إليه ، وألَّفنا لحنًا يقاربه في هذه الروح لكن يتقارب أيضًا مع الخصائص الأساسية لآلتنا تلك ؛= فإننا بذلك سنحقق لهذه الآلة لغةً جديدةً ستزداد معالمها وضوحًا كلما تكاثرت المؤلفات المتابعة للخطوة الأولى التي خطوناها .
·   بطبيعة الموهبة الفطرية : كانت الآلات ذات الْمُدَرَّجَيْن في التدوين الموسيقي (مثل : البيانو والأرغن والهارب) ( ثم : الجيتار ) هي الأقدر على احتواء اللغات الموسيقية للآلات الأخرى بل حتى على احتواء اللغة الموسيقية للأوركسترا ككُلّ ، ولذلك كثرت المدونات الموسيقية المسماة بـ : ( الأوصاف ) descriptions)) ، وكان من أشهر أوصاف البيانو تلك التي أعدها ليزت لسيمفونيات بيتهوفن .
·   لكن في كثيرٍ من الأحيان ؛ كانت تبقى تلك الأوصاف كأوصافٍ ، أما تبنِّيها كلغةٍ جديدةٍ للبيانو ؛= فذلك ما تمَّ على أيدي التأثريين .
·   فالتأثريين فيما كتبوه للبيانو من أعمالٍ تميزت في لغتها الموسيقية = لم تكن آلة البيانو التي يوقِّعون عليها بأصابعهم هذه الأعمال صورةً من نظيرةٍ لها في داخلهم تلقي تعبيرها الموسيقي إلقاءً خطابيًّا ؛ بل كانت اختزالاً لمسرحيةٍ في داخلهم تؤدِّيها الأوركسترا بكل ما فيها من مشاهدَ وشخوصٍ وأضواء ، ما يمنحك الاطمئنان إلى صواب هذه الفكرة : أنك لو استمعت إلى الأوصاف الأوركسترالية لأعمالٍ مثل : ( صور من المعرض ) لموسورسكي و( ضوء القمر ) لديبوسي ؛= فستجدها أروع وأجمل وأدقَّ من وصفها الأصلي للبيانو ؛ خلافًا للأنماط الأخرى من أعمال البيانو ؛= فأوصافها الأوركسترالية لا تكون بروعتها من البيانو ، ( استمع مثلاً إلى : الرقصات الهنغارية لبرامز تؤدِّيها أوركسترا ، وقارن ) .
·   وإذا كان البيانو قد حظي بهذه الفرصة من التأثريين ، فإن آلة أخرى مثل الأرغن مرشحةٌ إلى إبداعات جديدة فيها ، وإلى لغة مبتكرة لها إذا أتيح لها المؤلف الموسيقي الذي يوقِّع بأصابعه عليها وهو يستمع في داخله إلى أوركسترا وليس إلى أورغن .
·   وإذا كان البيانو قد اختزل الأوركسترا ، فالفضل كان للأورغن بدايةً ، فقد كانت للبيانو تجربةٌ سابقةٌ باختزال الأورغن ، وخذ مثلاً في عمل باخ : toccta and fugue in d minor ؛ وهو العمل الأول والأفضل عند تَعداد الأعمال الفُضْلى للأورغن ، ووصفُه للبيانو يتراجع إلى المركز العاشر في بعض القوائم لأفضل أعمال البيانو المنفرد ، ولا ننسى سان سيين كميل الذي ذكرنا أنه التمهيد الأول للتأثريين ؛= فقد كان خليفةَ باخ الذي وصفه ليزت بـ : ( أنه العازف الأول للأورغن في العالم ) .
[ تَمَّتْ ]
*محمود العسكري
2 - ديسمبر - 2010
مودة صافية    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :
 
( مَوَدَّةٌ صَافِيَةٌ )
-       الأستاذ العزيز / ياسين الشيخ سليمان .
-   تقديرٌ واحترامٌ وإكبارٌ لهذه الأخلاق الكريمة الجميلة ؛ التي تغوي وتغري بِخِطْبة مَوَدَّتِهَا = بكُلِّ ما آمل أن أكون به أهلاً لها إن شاء الله .
-   وشكرٌ فائقٌ على التكرُّم بالنظر في هذه المقالة ، وعلى التفضُّل بإبداء الإعجاب بتلك الأسطر الْمَطْلِيَّة باللون الأحمر والظليلة باللون الأصفر ، أسأل الله تعالى أن تشرق شمس السعادة والحرية والوئام على بلادنا الحبيبة : فلسطين ، وألا تغيب عنها أبدًا .
-   وأنا كأخٍ أصغر لكم ، بل : كابْنٍ ؛: أرجو ألا يكون فيما بيني وبين حضرتكم = لنون الجمع = موضعٌ ، وكُلُّ ما في وسعكم إسداؤه لي من توجيهٍ وإرشادٍ = ليس بي غِنًى عنه.
-       وعَوْدٌ على بَدْءٍ : لحضرتكم كُلُّ تقديرٍ واحترامٍ وإكبارٍ وشكرٍ فائقٍ .
*محمود العسكري
2 - ديسمبر - 2010
حديث من القلب    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
-       ( حديثٌ من القلب )
-   شكرًا واحترامًا للأستاذ العزيز / د. يحيى على اهتمامه ومشاركاته ، وهذه المشاعر الطيِّبة الحميمة في مجالس الوراق هي أغلى ما لديَّ من كنوزٍ بحمد الله .
-   والخلاف الفقهي في موضوع الغناء والموسيقى أو السماع يضرب بجذورٍ بعيدةٍ إلى بداءة التاريخ الإسلامي ، وشأنه شأن أيِّ خلافٍ فقهيٍّ : ينشأ من التفاوت في فهم نصوص الشريعة وتفسيرها ، وفي تطبيقها على أرض الواقع المتغيِّرِ من زمانٍ إلى زمانٍ ومن مكانٍ إلى مكانٍ .
-   لذلك ؛ قد يكون من المعين والمقرِّب إلى امتلاك الفكرة الحقَّة في أي خلافٍ ؛= أن يُبْتَعد قليلاً عن الكلام في صميم دلالات النصوص الشرعية ، وهو الكلام الذي يحتاج إلى أدوات تفكيرية خاصة لا تتأتى لكافة الناس ؛ مع أن فهم الشريعة مطلوب لكافة الناس (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) ، ويُرْتَفَعُ إلى أعلى لينظر بنظرة عامة في المقاصد المرعية في الدين .
-   الإنسان في الحياة يحتاج إلى أن يأكل ويشرب ويلبس ويسكن ويتزوج ، هذه تقريبا هي الضرورات الطبيعية لكل إنسان ، وبمقدار الاختلال - نقصًا أو زيادةً - في توفر هذه الضرورات يحصل مقدارٌ من الاختلال في النظام الإنساني لا محالة .
-   والموسيقى كغيرها من العلوم والفنون والآداب ما هي إلا مظهر من مظاهر الحياة كالقشور الساترة للب الكامن وراءها ، فما قد يبدو للوهلة الأولى أن لها في بعض الأحيان أثرا قويا بذاتها في اختلال النظام الإنساني أو زيغ الفطرة والتوائها = ما هو إلا نظرة متعجلة لا تصمد عند التفكير المتروِّي .
-   وإنما يكون للموسيقى أو غيرها من هذه المظاهر الحياتية أثرها السيء عندما يحدث بها الاضطراب فيما تقتضيه العدالة الاجتماعية من المساواة في الضرورات الطبيعية .
-   يحدث ذلك عندما يجعل بعض المنتفعين من هذه الفنون دوامة من دوامات الاقتصاد ، تجمع المال بشَرَهٍ من جهاتٍ كثيرةٍ ثم تصبُّه في انتفاع شهوات جهةٍ ما وأهوائها .
-   هنا تلتغي المقاصد المرعية في الدين ، ونتيجةً ذلك : تشيع في المجتمع مجموعةٌ من الأخطاء والأغلاط = ظاهرها : أنها جريمة الفن ؛ وباطنها : أنها جريمة المال ! .
-   والمتعة الروحانية في الفن هي متعةٌ ينبغي أن تكون مكفولةً للإنسان بلا مساومةٍ ، لأنها شَيْءٌ من صميمه ، ومن الخطير أن يحصل الانشطار بين الإنسان والفنان ! .
-   لذلك فأكثر ما بعث المقت عند من نظر إلى الغناء والموسيقى أو السماع من جهة الشريعة = هي تلك الحال المزرية التي كثيرًا ما قد يبرز فيها الفن : مُبَدِّدًا للمال ، مُضَيِّعًا للعمر ، هاتكًا للفضيلة ، خارمًا للمروءة .
-   وعندما يراد التعبير عن هذا المقت في صورة خطابٍ فقهِيٍّ يعتمد على تفسير النصوص الشرعية = كثيرًا ما يؤدِّي ذلك أيضًا إلى فَطْر حفرةٍ للجدل تُسْتَهْلك لأجلها طاقاتُ الإنسان المفيدة في شَيْءٍ غيرِ مفيدٍ .
-   يحكى أن سلمًا الخاسر باع مصحفًا واشترى طنبورًا ؛ ولذا : لُقِّب بـ : الخاسر ، ولعلَّ المشكلة ليست في شراء الطنبور بقدر ما هي في بيع المصحف .
-   إن تأمل النصوص الشرعية بأناةٍ - وتفصيل ذلك ليس هنا - يقود المتأمل إلى أن الإسلام : إنما يمنع من صور اللهو ما يكون أضلولةً لحياة الإنسان ، وأحبولةً لإيقاعها في الْهُراء والْهُذاء والعبث غير المجدي .
-   وهذه الصور من اللهو كثيرةٌ لا تُضْبَط ، قد يكون منها بناء مسجدٍ ، أو إقامة ضريحٍ ، ولا تستغرب ! ، فإن آلاف الآلاف من النقود التي يغدقها بعض الأغنياء على بناء مسجدٍ فَخْمٍ يحمل اسمه = هي في وجه العملة الآخر : بطنٌ جائعةٌ ، وجسدٌ عارٍ ، وقدمٌ حافيةٌ ، وشابٌّ أعزب ، وغير ذلك من ألوان الحرمان .
-   والفقيه الذي قد يفتي بحرمة الموسيقى دون علمٍ كافٍ بطبيعتها = لعلَّه لم يقف كثيرًا للتأمُّل عند حديثٍ صحيحٍ جاء في مجموع مسلم بن الحجاج - غفر الله لنا وله - : ((فراش للرجل ، وفراش للمرأة ، وفراش للضيف ، والرابع للشيطان)) ، ولم يتأمَّل بالتالي في حاله وهو يتقلَّبُ على كثيرٍ من الأنماط والنمارق والزرابي الغالية الأثمان ! ، مع أن بعض الفتيات الفقيرات قد يعملن حتى يبلى شبابهنَّ لأجل أن تُحَصِّل لنفسها جِهازها وشِوارها لتتزوَّج ، هذه مشاهد أليمةٌ في الحياة ، ولكن بعض الذين يعيشون في القصور العاجية لا يرونها ، والمغنِّية التي تتقاضى أجورها بالآلاف = هي بالتأكيد لم تر مثل تلك الفتاة .
-   إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو من أشار إلى أن اللذة بالصوت الحسن هي لذَّةٌ طيِّبةٌ رائعةٌ ما دامت في طَوْرها الطبيعيِّ ولم تتورَّم إلى ورمٍ خبيثٍ ؛ قال صلى الله عليه وسلم : (( مَن لَّمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا )) ، هذا هو الكلام ، أن تقرأ القرآن ، وتدعو الله ، وتبتهل إليه بصوتٍ جميلٍ خاشعٍ ؛ كتأويب داود عليه السلام ؛ وقد أوبت معه الجبال والطير ، فإذا انتسقت هذه التلاوة على مقامٍ من المقامات = فلا خطيئة .
-       ولحضرة الأستاذ العزيز : مسك الختام .
*محمود العسكري
3 - ديسمبر - 2010
جزاك الله خيرًا    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
- شكرًا لأستاذنا الحبيب / د.يحيى على الفائدة النحوية ، وعلى ثنائه الطيِّب ، وعلى هذه السيرة الذاتية لشابٍّ من المجتهدين المثابرين ، وكما في الأمثولة : ( فكن حديثًا حسنًا لمن وعى ) ، وبحسب سيرته فهو من إقليمي، ولكن لا تربطني به قرابة ، وكما قال العراقيُّ في ألفيَّةِ المصطلح : ( وضاعت الأنساب في البلدان - فنسب الأكثر للأوطان ! ) ، وأسأل الله تعالى التوفيق إلى التشبُّهِ بكُلِّ المجتهدين في العلم النافع والعمل الصالح، (فتشبهوا إلم تكونوا مثلهم-إن التشبه بالكرام فلاح).
*محمود العسكري
4 - ديسمبر - 2010
كشف الخفا ومزيل الإلباس ...    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
-   أستاذنا الحبيب المفدَّى / د.يحيى ؛ أنا حقًّا لست ذلك الأخ / محمود الدمنهوري أبو عبد الحميد ، أنا شخص آخر غيره ، هو تشابه أسماء ، ودمنهور هي بلدي التي لم أغادرها ، وعائلتي هي العسكري ، وأبو أحمد هي كنيةٌ للتفاؤل . والمصادفة السارة في الأسماء تبعث على التفاؤل ، ولعلِّي أُقَدِّم إن شاء الله شيئًا من الأعمال النافعة الطيِّبة كتلك التي قدَّمها ذلك الشخص وَفَّقُه الله ، ومن سيرته التي قدَّمْتَها أستاذنا الأثير = فهو متخصِّصٌ في مجال طرق التدريس ووسائل التعليم ، ولديه أفكار وابتكارات في هذا المجال ، ولعلِّي أفيد منها فيما أردتُّ كتابته عن الجوانب المهارية في تعليم الطفل إن شاء الله .
 
-   وكوني لم أغادر دمنهور = لم يمنع والدي - حفظه الله ، وجزاه عني خيرًا - أن يزور حلب الشهباء في أواخر السبعينات ، وأن يقيم بها أسبوعًا ، وقد تناول بها أكلةً سوريَّةً شهيَّةً يذكر مذاقها واسمها ؛ لكنه نسي ما هي ؟! ؛ أكلة ( الفتُّوش ) .
 
-       فسلامٌ إلى حلبٍ ، وإلى مآذن حلب ، ذات الأصوات الرخيمة النديَّة .
*محمود العسكري
4 - ديسمبر - 2010
بالغ امتناني ...    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
شرَّفك الله وأعلى قدرك أستاذنا الفاضل ، وهدية جميلة غالية من أصيل كريم ، شكرًا لك وشكرًا للأعضاء الأعزاء الذين شاركوا بالتقييم  ، ولقاؤنا دائمٌ بنعمة الله على بساط العلم والأدب والمحبة والاحترام .
*محمود العسكري
5 - ديسمبر - 2010
إضافة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
-   أشكرك أستاذي الأثير ياسين على ما تفضلت به من قراءة هذه الكلمة المتواضعة لكاتب ليس متخصِّصًا في هذا المجال ، وشكرًا لهذه الأسئلة التي تدل على حسن ظنك بي ، وسأجتهد في الإجابة عليها في حدود معرفتي ؛ مع اعتذاري عما إذا كان بها من خطأ أو تقصير .
-   وأبدأ بإيضاح معنى الفانتازيا في الموسيقى ، إنها تعني الغموض المثير ، كما لو أن المؤلف الموسيقي يريد التعبير عن حقائق كبيرة ، ولكنها لأجل أنها كبيرة = فإن التعبير عنها لا يأتي مختصرًا واضحًا متوجِّهًا ، وإنما يحوم من فوق ويومئ من بعيد ، ولذلك فإن الطابع العام للموسيقى الفانتازية : أنها أقرب إلى الحزن والتأمل ، وقد تأتي في أثنائها مقاطع مبتهجة ليس لغاية الابتهاج في ذاتها = وإنما لتعزيز كبر هذه الحقيقة وغموضها ؛ مثلما تحاول تلطيف صدمة حادث محزن أو موقف محير = بنظرة راضية وأمل متفائل .
-   وإذا أردنا أن نأخذ مثالاً للفانتازيا بهذا المعنى المتقرر من الشعر العربي = فمن المنتقى قصيدة الأطلال لإبراهيم ناجي غفر الله لنا وله ، فهذه القصيدة ليست غزلاً أو نسيبًا صريحًا ، وليست حكمةً خالصةً ، وليست تألُّمًا محضًا ، ولكنها مزيجٌ متراكبٌ من معانٍ شتى مصوغة في نفس طويل متأمل ، وأذكر هنا عيبا أراه في بعض الألحان الموضوعة لبعض القصائد ، ففي لحن السنباطي - غفر الله لنا وله - لقصيدة الأطلال = لم يوفق في تلحين مقطع منها كما ينبغي ؛ وهو قوله ( هل رأى الحب سكارى مثلنا ) ، فهذه الأبيات من جهة المعنى فيها روحانية وخشوع ، بيد أن اللحن جاء مغايرًا ومشحونًا بالطرب والاهتزاز والبهجة ، فالمعنى سار في جهة واللحن سار في جهة أخرى . أما إذا أردنا أن نأخذ مثلاً للفانتازيا من الموسيقى الشرقية = فمن المنتقى المقدمتان الموسيقيتان لحديث الروح وأنا وحدي للسنباطي ، وقد استمعت إلى موسيقى فانتازيا نهاوند من خلال الرابط ؛ لكن بحسب فهمي لمعنى الفانتازيا في الموسيقى الغربية = فإن أسلوب هذه الموسيقى لمحمد عبد الوهاب مختلفٌ عنه ، كما أن مقام النهاوند بطبيعته ليس مليئًا بالحزن والروحانية كالحجاز أو البياتي ، لكن لعله قصد من تسميتها بالفانتازيا أنه لم يَصُغْها في قالبٍ شرقيٍّ كالسماعي أو البشرف ، ووجهات النظر في الفنون لا تنحصر ولا تنضبط ، لأن الفنون مردُّها الرئيس إلى الأذواق والأحاسيس ، وهذه أمورٌ فطريَّةٌ أكثر منها مكتسبة .
-   وفي المقارنة بين الشعر العربي والموسيقى الغربية ، فمن جهة الطول والبحور والقوافي ، فلنا أن نقول : إن الأوبرا وهي مسرحية غنائية موسيقية تشبه المسرحيات الشعرية العربية من جهة تنوع مواضيعها وبحورها وقوافيها ، والرقصات وهي أعمال موسيقية صغيرة ويتضَّح فيها الانفعال الشعوري ابتهاجا أو تألُّمًا على نَحْوٍ لافتٍ ، لأنها من ميزان 2/4 : تشبه المقاطيع الشعرية من البحور الصغيرة مثل المجزوآت والمجتث والمقتضب ، وهي مثل هذه المقاطيع الشعرية لها أفكار مختصرة ومحددة ، وموسيقى الفالس وهي أعمال موسيقية صغيرة أيضًا من ميزان 3/4 ولها إيقاع خاص يسمى : om – pah – pah = أي نقرة ضعيفة ثم نقرتان قويتان ، = فهي تشبه الأعمال الشعرية التي تتَّضِحُ تفاعيلها وكأن البيت الشعري مفصَّلٌ إلى أقسامٍ ، أما السيمفونيات والكونشيرتوهات ( وأحب تعريبها بالمحاورات ) فهي مثل القصائد المطولة ذات الأفكار الكثيرة ، وقد تلزم قافية واحدة ، وقد تتعدد قوافيها .
-   والموسيقى الشرقية تختلف عن الموسيقى الغربية = اختلافَ الجمال في الفنون العربية كافةً عن الفنون الغربية ، فالجمال العربي يعتمد على الزخرفة والنمنمة والتقاطيع المليحة ، والجمال الغربي يعتمد على فخامة الهيكل وهيبة الشكل العام ، فمثلاً قد يبرز جمال الفن العربي من خلال لوحة خطية صغيرة ، أو في لحن وجيز يعزف على عودٍ منفردٍ ، لكن في الفن الغربي تجد القصور الضخمة ذات التماثيل الكبيرة ، وتجد السيمفونيات التي يشترك في عزفها مئات العازفين بمئات الآلات ؛ مع أن اللحن الأصلي قد يعزف بالفم أو بواسطة نايٍ صغيرٍ .
-   وإذا أردنا مقابلة عصور الموسيقى الغربية بعصور الشعر العربي ، فإن عصر الباروك والعصر الكلاسيكي يقابلان الشعر العربي في العصر العباسي ابتداءً ببشار وانتهاءً بابن عنين ، والعصر الرومانسي وهو القرن التاسع عشر يقابل الشعر العربي في العصر الحديث ابتداءً بشوقي وانتهاءً بالجواهري مرورًا بأطيافه المختلفة ، أما موسيقا القرن العشرين فليس لها نمطٌ خاصٌّ ولكنها تختلف باختلاف الميول الذوقية لدى كل مؤلف ، فمثلاً : موسيقا رخمانينوف أشبه بالعصر الكلاسيكي ، وموسيقا موريس جار أشبه بالعصر الرومانسي ، وهكذا ، وعمومًا فمن الجليِّ : أنه لا توجد ضوابط صارمة في عصور الفنون ، فشاعر مثلاً كالأمير منجك باشا = شعره أشبه بشعر أواخر العصر العباسي ؛ منه بشعر نظرائه من الشعراء في القرن العاشر الهجري وما بعده .
-       وأكرر لحضرتكم شكري وامتناني على إيلائكم هذا الموضوع بالاهتمام والمشاركة .
*محمود العسكري
9 - ديسمبر - 2010
مودة خالدة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
جزاك الله خيرًا أيها الأستاذ الفاضل الكريم على هذه الكلمات الغالية الرائعة ، لقد ضاق بي سبيلُ القول وأنا أمام هذه النفس الجميلة السامية ، وإنِّي لَمُحْتارٌ : أأتواضعُ ؟ ، ولا أراه أدبًا أن يتواضع التلميذ وقد شَرُفَ بتقدير أستاذه ، أم أمدح أستاذي ؟ : وليس هذا شأنُ التلميذ الصغير مع معلِّمه القدير ، أم أزهو وأزدهي ؟ ، : نعمْ ؛ فإنَّ فؤادي لَيَضِجُّ بالسعادة ، أَمَا وقد ظَفِرْتُ بهذه المودَّة العزيزة : فليس أحدٌ يَشْرُفُ عليَّ بتاجٍ أو وسامٍ ! .
وشكرًا على هذه الهدية القيِّمة ، وكان مبلغي علمي بمحمد سرور الصبان أنه أحد سراة الحجاز وأغنيائه ذوي المآثر في نشر العلم والثقافة ، فإذا به أحد الشعراء الجيِّدينَ أيضًا .
وَلْتكُن أماسيُّ أستاذي الحبيب وأسرتِه الكريمة أماسيَّ السرور والانشراح والأفراح دائمًا .
*محمود العسكري
11 - ديسمبر - 2010
 1  2  3