البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 صبري أبوحسين 
18 - مايو - 2008
يعد الأستاذ الدكتور: أحمد بن عثمان رحماني علمًا من أعلام البحث الأدبي والنقدي في العصر الحديث، بلا ريب؛ إذ له، في هذا الميدان الفكري، جهود علمية وتعليمية كثيرة مشكورة معروفة غير منكورة. منها على سبيل المثال، لا الحصر:
*أنه قام بتدريس مقررات نقدية أدبية كثيرة ومتنوعة، خلال رحلة تعليمية مديدة حافلة بالمتخرجين والمتخرجات، في مرحلتي الإجازة العالية(الليسانس) والدراسات العليا، مثل مقررات: (نظريات نقدية)، و(تحليل النصوص) (إعجاز القرآن)، و(النقد الأدبي العربي القديم)،( النقد الأدبي الحديث والمعاصر)، (مصادر الأدب واللغة)، (البلاغة)،و(الأدب الإسلامي في صدر الإسلام)، و(التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)، و(كتاب قديم)، و(الأدب الأندلسي)، و(الأدب المقارن ونظرياته)...إلخ
 * أن له بحوثًا علمية محكمة وكتبًا منشورة في ميدان البحث الأدبي النقدي القديم والحديث والمعاصر، منها:
كتاب(النقد الإسلامي المعاصر بين النظرية والتطبيق)، وكتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها)، وكتاب(الرؤيا والتشكيل في الأدب المعاصر)، وكتاب(التفسير الموضوعي نظرية وتطبيقًا)، وكتاب(مصادر التفسير الموضوعي)، وكتاب(نظريات الإعجاز)، وكتاب(النقد التطبيقي الجمالي واللغوي في القرن الرابع الهجري)،...إلخ
إن باحثًا -بهذه الرحلة العلمية والتعليمية المديدة والمتنوعة مكانًا وزمانًا، فكرًا وأجناسًا وأجيالاً – قمينٌ بأ يُقرَأ له ويُحاور، ويُستفاد من تجاربه في تعاملنا الحائر والشائك مع المنجز الفكري العربي ماضيًا وحاليًا ومستقبلاً.
ولعل في عرض كتابه(نظريات نقدية وتطبيقاتها) في موقع الوراق ما يساعد على هذه الاستفادة وذلك الحوار الذي أرجو أن يكون مفيدًا وبناءً للجميع:باحثين وناقدين ومبدعين وناشئة شُداة...
 
 4  5  6  7  8 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
نظريات النقد الموضوعاتي 3    كن أول من يقيّم
 
نقاط الاتفاق والاختلاف بين النقد الموضوعاتي  وغيره :
مع أن العلاقة بين الموضوعاتي والنفسي  من الصعب تصورها فإن هناك نقاط اتفاق بينهما منها :
1ـ الاهتمام المتميز بالصورة على أن الصورة في علم النفس ليست سوى أقنعة  ساترة لمكبوت، بينما الصورة في الموضوعاتي تلتقط عند ولادتها ومعايشتها في صيرورتها
2ـ الرغبة ذاتها بتجاوز المعنى الظاهر للنصوص
3ـ اعتماد القراءة  الشاملة ( العرضانية transversale) للأعمال  الأدبية [1]، هذه القراءة التي تتخذ طريقا شاقوليا في النص بدءا من أول كلمة في النص إلى آخر كلمة فيه
4ـ الموضوعاتي يسلم بوجود علاقة  مزدوجة بين الذات والموضوع بين العالم والوعي بين المبدع وعمله[2]
5ـ يرفض النقد الموضوعاتي التصور التقليدي للكاتب الذي يسيطر على مشروعه سيطرة مطلقة كما يرفض الإجراء التحليلي النفسي الذي يرجع العمل الأدبي إلى دفينة نفسية سابقة له[3]
6ـ يتخذ موقفا من سانت بيف فيقول بروست  في كتابه ( ضد سانت بيف ) : الكتاب نتاج أنا آخر غير الذي نكتشف عنه في المجتمع وفي رذائلنا "[4]
ـ عمل النقد الموضوعاتي دائما على صون استقلاليته تجاه اللسانيات والبنيوية والتحليل النفسي[5] فأصحابه يقولون : " لقد أهمانا كل الظروف الخارجية وانعكاساتها على العمل الأدبي من نفسانية واجتماعية واقتصادية وغيرها وركزنا كل اهتمامنا على النص لا كنتيجة أو انعكاس لعوامل خارجية  وإنما بالنظر إليه ككائن مطلق الاستقلالية"[6]


[1] ـ مدخل ـ م س :128
[2] ـ مدخل : م س : 128
[3] ـ مدخل م س : 123
[4] ـ مدخل إلى مناهج النقد : م س : 123
[5] ـ مدخل : م س : 117
[6] ـ الموضوعية البنيوية : 48
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
نظريات النقد الموضوعاتي 4    كن أول من يقيّم
 
نماذج للنقاد الموضوعاتيين:
جان بيير ريشار  :(    (jean- pierre richardينطلق ريشار من مفهوم "" الوجود في العالم" ليتحدث عن " اللحظة التي يتولد فيها العمل الأدبي من الصمت الذي يسبقه ويحمله والتي يتشكل فيها العمل الأدبي انطلاقا من تجربة إنسانية" ولعل العبارة التي علق بها على  مجموعة من الشعراء  والتي قال فيها " جميع هؤلاء الشعراء قد تمت معاينتهم عند مستوى اتصالهم البدئي بالأشياء" تكشف عن شيئين:
 1 ـ كون الفكرة المسيطرة على النص الأدبي والتي تمثل موضوع الكاتب في النص هي تلك التي تركزت في قلبه عند الطفولة.
2 ـ كون العبارة الأولى في النص تحمل تعبيرا مكثفا لتحديد موضوعه[1].

 وبناء على هذه الفكرة بالضبط يمكن ملاحظة وجوه المقارنة بين ناقدين كبيرين في هذا المنهج[2] هما بوليه وريشار:

أ ـ  بوليه : يبحث في الأعمال الأدبية عن عمق مركزي.

   ـ ريشار  يعبر العمل في جميع الاتجاهات لاكتشاف كل تنوعها المرئي بنظرة تتميز بالفضول على الدوام.

ب ـ ريشار : يذرع العمل سطحا وعمقا وهو يتوافق مع رؤية متعددة المراكز للأعمال للأدبية.

ج ـ  بولييه : يفرز ويصنف ويختار  بينما ريشار يلتقط كل ما في النصوص من فرص لشحذ الذكاء وللمتعة.

د ـ بوليه :يرى أن النص مجرد وسيط  يختفي جانب طبيعة الأدب فيه على حساب الوظيفة بينما  عند ريشار  الناقد لايجد فقط  وعيا وتجربة  بل يجد أيضا نصا ( أي طبيعة الأدب)، فالنقد بهذا المعنى فرصة للتعرف على أسرار المعنى وأسرار المتعة .

ـ يلتقي ريشار والتعليق التقليدي المستوحى من تاريخ الأدب ويتجلى ذلك في اعتماده في دراسة بودلير على السيرة الذاتية، مما يدل على اعتماده تاريخ الكاتب[3]
تقييم  نظرية المنهج الموضوعاتي :
 سنكتفي في التقييم بطرح  أ سئلة أخير ة: لماذا لم تتحول المقاربة الموضوعاتية إلى مدرسة نقدية؟[4]  وإذا كان البحث عن الموضوع وكشف مكامنه لا يقدم لنا شيئا عن الشاعر، فهل يمكن  أن نميز من وجهة نظر المحتوى قصيدة أو رواية أو نصا أدبيا عن كتاب في السياسيات أو الفلسفة ؟[5]


[1]  ـ مدخل  إلى مناهج النقد الأدبي :   م س 153
[2]  ـ مدخل  م س  : 154
[3] ـ مدخل م  س : 155 ـ 157
[4] ـ مدخل : م س : 157
[5] ـ عبد الكريم حسن الموضوعية البنيوية : 14
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
الفصل الثالث    كن أول من يقيّم
 
الفصل الثالث : نظريات نقدية لدراسة الأدب من الخارج:
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي
المبحث الثاني:  نظريات النقد التاريخي والاجتماعي
المبحث الثالث: : نظريات النقد التكويني
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي    كن أول من يقيّم
 
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي
كان للتطور العلمي الحديث دوره الفعال في توجيه النقد الأدبي نحو المضامين، بحثا عن المنفعة المرتجاة من النص الأدبي، وقد كان من أهم الوجهات النقدية الحديثة التحليل النفسي للأدب وهو قراءة الأدب قراءة تمتد خلف سطحه الظاهري لتغوص عن طريق اللغة والخيال إلى أعماق النفس المبدعة.ويستمد مشروعيته من مشروعية علم النفس ذاته ففي رأى بعض النقاد " أما وقد أقررنا بإسهامات التحليل النفسي فيصبح لزاما علينا القبول بمداخلته في مجال النقد الأدبي ومجال الفن بصورة أوسع"[1]، ومن الطبيعي أن يعتمد عندئذ النقد النفسي في كل نظرياته على علم النفس العام وعلمي النفس الأدبي واللغوي لأنها جميعا تعتمد على تحليل الخيال واللغة." فالتحليل النفسي هو إذن تجربة مسرحها اللغة حصرا"[2]
وعليه يمكن تعريفه بأنه: "مجموعة من القواعد المستنبطة من علم النفس والمنتظمة والمتسقة، بحيث إذا وظفت في تفسير النص الأدبي وتحليله بطريقة سليمة أدت إلى نتائج نقدية سليمة في تفسير الأدب لامن حيث الوظيفة النفسية له فقط ولكن من جهة اللغة والخيال أيضا بحثا عن حقيقة النص الكامنة في اللاشعور عن طريق تأويل عمل الأديب في اللغة والخيال".
ومن الطبيعي والحالة هذه أن نتساءل : بأي شيء يهتم النقد النفسي في الأدب ؟ هل سيهتم بطبيعة الأدب أم سيعنى بوظيفة الأدب؟ وإذا اهتم بالوظيفة فهل سيبحث أثره في المتلقي أم سيبحث الدواعي السيكولوجية للإبداع أم سيهتم بلأسباب النفسية لدى المبدع؟
يقول رنيه ويلك : " قد نعني باصطلاح "سيكولوجية الأدب" الدراسة النفسية للكاتب بوصفه نموذجا وفردا أو دراسة عملية الإبداع، أو دراسة النماذج والقوانين النفسية التي توجد في الأعمال الأدبية أو ـ أخيراـ دراسة آثار الأدب على قرائه( سيكولوجية الجمهور) "[3]
 ولكي تتضح المسألة عندنا بشكل أعمق لنتساءل : أمام رواية ( ملكة العنب) لنجيب الكيلاني، هل ندرس نفسية الأديب الكيلاني من خلال عمله الأدبي، فنعرف العقد النفسية التي تقف خلف الشخصيات كأن ندرس مثلا سر قوله " استسلم كالقط الوديع وأرخى عينيه ... وقال كل شيء من أجلك يهون يابنت الناس الطيبين" وقوله " نظر إلى وجهها وعينيها ولم يستطع المقاومة"[4] وقوله"وعاد إلى طبيعته ضعيفا مقهورا أمام المرأة فتراخت قبضته ثم هوى على..."[5] أم ندرس كيف تتم  العملية الإبداعية في هذه الرواية كما يتجلى من النقد التكويني بالعودة إلى المخطوط للبحث عن التشطيب والحذف والزيادة ...، أم نبحث عن القوانين الجمالية في الرواية لنعرف أسرار النجاح أو الفشل فنبحث الترابط والعقدة والحوار والشخصيات والتشويق، أم ندرس الشخصيات لنعرف الدوافع النفسية التي تحرك ملكة العنب أو غيرها من شخصيات خيالية في الرواية، أم ندرس أثر هذه الرواية في القراء سلبا وإيجابا.
ولما كانت المقاربات النقدية متعددة ومتباينة فإن طبيعة الدراسة تقتضي الوقوف على  أبرز النظريات النقدية النفسية ومنها نظرية فرويد وآدلر ويونج، هذه النظريات التي اعتمدت حديثا حتى في نظريات النص[6]


[1] ـ جماعة من النقاد : مدخل إلى مناهج  النقد الأدبي : 59
[2] ـ نفسه : 64
[3] ـ نظرية الأدب : 83
[4] ـ ملكة العنب : 35،37
[5] ـ نجيب الكيلاني: طلائع الفجر: 85
[6] ـ  مدخل إلى مناهج النقد : 63
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي2    كن أول من يقيّم
 
  نظرية فرويد: ينطلق هذا العالم في تحليله النفسي عامة من قاعدة تفترض أن النفس " تتوزع على ثلاثة أنظمة : اللاوعي وما قبل الوعي  والوعي، ولكن في الدراسة يركز على " الدينامية اللاواعية المرتبطة بالرغبة وبالكبت ويحل رموز اللاوعي في الإنتاجات النفسية"[1]
ألف فرويد كتابه ( تفسير الأحلام)، الذي يعد من أهم الكتب التي حركت النشاط النقدي لتفسير النص الأدبي تفسيرا نفسيا، ذلك لأن فرويد يعد الأدب نوعا من الأحلام، ومن ثم ينطبق عليه ما ينطبق على تحليل المريض من خلال الأحلام.على أنه يرى أن التحليل لابد أن يعتمد بعض المصطلحات النفسية الأساسية[2] ومنها:
1ـ ( التكثيف) ويعني وجود عنصركشخص أو صورة أو كلمة في الحلم يمثل عدة سلاسل متداعية مرتبطة بالمحتوى الكامن.
2ـ (الإزاحة)  عاطفة انفصلت عن التصور الأصلي المبرر لها وانزاحت إلى تصور آخر لا علاقة لها به وهذا ما يجعلها تظهر بصورة غير مفهومة.
3ـ قابلية التصوير: بحيث تتحول الأفكار اللاواعية إلى صور، لأن الحلم إنتاج بصري يفرض نفسه على الحالم كمشهد حالي، فالأفكار الأكثر تجريدية تمر  إذن ببدائل مصورة علما أن فرويد " يجعل من الحلم تفريغا نفسيا لرغبة في حالة الكبت "
4ـ التأويل: وهو توضيح المعنى الكامن لمادة ما، ويستهدف في الغالب الرغبة التي تتوضح في كل إنتاج للاوعي
 " وقد يبدوا قانون الحلم هذا بعيدا عن الخطاب الأدبي ومع ذلك فباستطاعته إعانتنا على فهم بعض التقنيات المسرحية وخصوصيات التركيب السردي وأهمية الوصف الروائي وإنشاء الاستعارة ... وهو بشكل خاص لا يجعل من الكتابة عملا لغويا صرفا شكلانيا بل عملا للخيال بواسطة اللغة وللغة بواسطة الخيال شريطة عدم الخلط بين التصور والنسخ البسيط للواقع"[3]
 ففسر الدكتور إرنست جونس ernest jones ـ<<هاملت>>من وجهة نظر فرويدية واضعا لنفسه أهدافا ثلاثة تحت عنوان <<عقدة أوديب كتفسير لغموض هاملت >>هي:
1ـ تفسير خطوات العملية الفنية( الإبداعية)
2ـ أهداف الفنانين اللاشعورية
3ـ دوافع الشخصيات الوليدة الخيال[4]
ومن الواضح والحال هذه أن يتجه النقد نحو المكبوت في باطن نفس الأديب  متخذا النص الأدبي وسيلة لمعرفة باطن الأديب على أساس أن "الفن تعبير عن مكبوتات"  على أن هذه المكبوتات وإن اختلفت من وجهة نظر إلى أخرى فإنها عند فرويد ، وهو أستاذهم  تتحدد في الأسباب الجنسية لذلك عرف الفن بقوله : " الفن عبارة عن مكبوتات جنسية متسامية "، وعليه فإن مهمة الناقد أن يكتشف هذه المكبوتات من جهة وأن يكتشف القناع المتمثل في التسامي من جهة ثانية.وأن يقف على دوافع الشخصيات الوليدة الخيال من جهة ثالثة لارتباطها بدوافع الفنان.
فالفنان عند فرويد مريض، فهو شخص عصابي، يقي نفسه عن طريق الإبداع من الانهيار النفسي، كما أنه ـ في نفس الوقت ـ يبعدها عن أي شفاء حقيقي لأن الشاعر بذلك إنما يمارس أحلام اليقظة وينشر خيالاته على الناس، بشكل متسام خلقيا، وبهذا التسامي يكسب الأدب شرعيته الاجتماعية[5].
 ويرى فرويد أن كل هذه الخيالات تعود إلى تجارب الطفولة وعقدها، وهكذا يصبح النص الأدبي عبارة عن مخزن من المكبوتات تصلح للتدليل على الحياة اللاشعورية للأديب.ويصبح النقد الأدبي هو الطريقة المستخدمة للوقوف على تلك المكبوتات وصور تجليها في النص، ولكن مع كل هذا فإن فرويد يعترف أن التحليل النفسي لم يحل مشكلة الفن[6].


[1] ـ مدخل إلى  مناهج النقد : 65
[2] ـ نفسه : 67
[3] ـ مدخل إلى مناهج النقد : 68
[4] ـ ويلبر سكوت : تعريفات بمداخل النقد الأدبي م س : 56 ضمن كتاب مقالات في النقد الأدبي لإبراهيم حمادة
[5] ـ رنيه ويلك اتجاهات النقد الأدبي الرئيسيةفي القرن العشرين159
[6] ـ رنيه ويلك : 155
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي3    كن أول من يقيّم
 
2ـ نظرية آدلر : بعد فرويد ظهرت فكرة العالم النفسي آدلرADLERالمسماة <<عقدة النقص>>وهي فكرة سبقه إليها الجاحظ حيث قال:<<لا يتزيد أحد إلى لنقص فيه>>، فمكنت هذه النظرية الجديدة الناقد النفسي من الغوص في النص بحثا عن صور التعويض للنقص، لكن هذا العالم لم يستطع أن يبلغ بنظريته مابلغه فرويد، فقال ستانلي ها يمن بشأنه<<إذا استثنينا اصطلاح<<مركب النقص>> الذي ابتكره آدلر وهو اصطلاح قد عم وطم لم نجد نسبيا لهذا العالم النفسي إلا أثرا أدبيا قليلا، ولكن لابد أن نقر بأنه تكاد كل القصص  التي تتعلق بالأنا أو  دوافع القوة أو التعويض،ابتداء من<<جاتسبي العظيم the great.gatsby >>حتى ما الذي يجعل  سامي يجري   what makes sammu تكاد كلها أن تكون اغترفت لا شعوريا شيئا من سيكولوجية آدلر الفردية[1].
 وممن طبق هذه النظرية في النقد العربي الأستاذ المازني الذي يرى أن بشارا قد أكثر من الحديث عن العمى وعن الموالي فعقدته " أنه كان يشعر بالنقص من ناحيتين: أنه كفيف وأنه من الموالي، فلا يزال من أجل هذا يحاول أن يعوضه"[2]
3ـ نظرية يونج: وبمرور الزمن ازداد التأثير النفسي في الواقع النقدي عندما ظهرت نظرية يونج yung المتعلقة بـ ( اللا وعي الجماعي )، والفرق بين اللاشعور الفردي عند فرويد واللاشعور الجماعي عند يونج هو أن اللاشعور الجماعي أو الجمعي أقوى من اللاشعور الفردي الذي يحتفظ بطفولة الفنان وعقدها المنبثة في داخله، بينما اللاشعور الجمعي يحتفظ بما ورثه الإنسان عن الجنس البشري جميعه، ومن ثم فإن الفن ليس هو العقد الناجمة عن العقد الجنسية كما قال فرويد وإنما هو الأحلام الناشئة عن رواسب نفسية للتجارب الإنسانية البدائية متمثلة في الأساطير وما أسماه " النماذج العليا " الموروثة في الأذهان والمنبثقة في الفن بطريقة تلقائية[3]،  وقد اهتم كأستاذه فرويد بالتحليل النفسي للأدب فكتب مقالا بعنوان : " العلاقة بين التحليل النفسي والفن الشعري " نشره في كتابه : " إسهامات في علم النفس التحليلي " عرف فيه مفهوم  " اللاشعور الجمعي " وتحدث عن فكرة " النماذج العليا " التي هي حسب تعريفه " صور إبتدائية لاشعورية أو رواسب نفسية " ترتبط بتجارب ابتدائية لاشعورية لا تحصى، شارك فيها الأسلاف في عصور بدائية وقد ورثت في أنسجة الدفاع بطريقة ما فهي إذن نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية "[4] .
ويرى يونج أن الفنان حين يعبر بالصور فإنه في الحقيقة ينقل " هذه النماذج العليا الموجودة في كل حلقات سلسلة النقل أو التعبير كالتصورات في اللاوعي عند الشاعر ، وكموضوعات مترددة أو سلاسل من الصور في الشعر وكتصورات في اللاوعي عند القارئ أو عند الجمهور " .
وقد تأثرت الناقدة (مود بود كين) بآراء يونج عن اللاشعور الجمعي، وعن فكرة "النماذج العليا" فنشرت كتابها :" النماذج العليا في الشعر " سنة 1934 وعنوانه الفرعي" دراسات نفسية للخيال " ، كرست فيه جهدها النقدي للبرهنة على أن " هذه النماذج العليا تقع في جذور كل شعر وكل فن آخر ذي ميزة عاطفية خاصة "[5] ولكن بينت إلى جانب ذلك نماذج الشخصية فتحدثت عن الشخصية الانطوائية والانبساطية على أنهما يمثلان الاتجاه الداخلي أو الخارجي للطاقة الغريزية .
نقد المدخل النفسي : لعل أبرز صور الهجوم على النقد النفسي هو ذلك النوع الذي يشيرإلى أن الفن مختلف عن الحلم  من حيث  أن الفنان يسيطر على إنتاجه أما الحلم فلا سيطرة له على حلمة[6]
لقد انتصرت مود بود كين إلى يونج على حساب فرويد مبينة أن فرويد على خلاف يونج كان ينزع إلى أن يعتبر الفن تعبيرا مرضيا " في حين كان يونج يعده أهم بكثير من المريض، بل هو ذو شأن، فهو إنسان جماعي إنه الحاصل المشكل للنفس الإنسانية الحيوية لا شعوريا ،...، وأن الفن في الجملة فعالية مستقلة ذاتيا لا نعرف عن أصلها شيئا، فهو تعبير يعجز العلم ـ على براعته ـ  عن تفسيره .
ولكن هذا الانتصار لا يدوم فقد انتقده ستانلي هايمن بقوله : " ليس ليونج خارج زوريخ إلا أتباع قليلون في الاتجاه الأدبي ، ومن بينهم يوجين وجماعة فترة الانتقال بباريس ثم جماعة من الشعراء الاشتراكين الذين يلتفون حول جيمس أوينهايم " ، وبين أكثر من ذلك أن فكرة يونج تعلي من شأن اللاعقلانية والتصوف وذاكرة العرقية مما جعل يونج جذابا عند النازيين والفاشيين .
بل إن ستانلي هايمن قد انتقد بود كين نفسها في كتابها " النماذج العليا في الشعر " لأن دراستها اعتمدت على فصول تضمنت الحديث عن عقدة أوديب في هاملت ونموذج الجنة والنار عند كولردج ومارتن ودانتي، وتحدث عن نساء يعتبرن نماذج عليا في الشعر، والشيطان والبطل و الله نماذج عليا.
إن نقد ستانلي ها يمن لبودكين كان لابد أن يمر من نقد نظرية يونج في النماذج العليا لتعارضها مع نظرية فايسمان العظيمة ـ على حد تعبيره ـ التي تتحدث عن استمرار البلازما الجرثومية التي من شأنها السماح بالتجدد، لذلك قالت هي نفسها:<<منطوق نظرية يونج يصرح مؤكدا أن هذه النماذج تورث في أنسجة الدماغ، ولكن ليس لدينا هنا أي برهان على هذا التقرير>>[7].
ولئن كانت الملاحظات النفسية عند العرب قديمة نجدها عند الجاحظ في التعويض ، كما نلمسها في قول الجرجاني" إن سلامة الطبع ودماثة الكلام بقدر دماثة الخلقة... وترى الجافي الجلف منهم كز الألفاظ معقد الكلام وعر الخطاب حتى إنك ربما وجدت ألفاظه في صورته ونغمته في جرسه ولهجته"[8] فإن من صور النقد النفسي التطبيقي الحديث ما قام به العقاد بشأن الشاعر أبي نواس المفلس عاطفيا ونفسيا ، فقد درس شعره في ضوء نظريات نفسية ملاحظا أنه كان مصابا بعقدة النرجسية حيث كان مستغرقا في اشتهائه لذاته واتخاذه منها وثنا يعبده مما جعله يمعن في الشذوذ والمجاهرة بالرذيلة، وهو بذلك يشبه الشاعرين الغربيين، بودلير الفرنسي، و "أوسكار وايلد" الإنجليزي المتبرج تبرج المرأة والمدافع عن الخطايا والآثام.ومن أمثلته كذلك كتاب النرجسية في شعر نزار قباني.
 ومن صوره عند الغرب ماقام به " رتشاردز " في كتابه " مبادئ النقد الأدبي إذ بين أن " قيمة قصيدة من القصائد لا ترجع لإثارتها لمشاعرنا النفسية وإنما ترجع إلى تنسيق دوافعنا ونوازعنا المكبوتة المتصارعة في داخلنا وما يحدث لها من تنظيم بحيث يعاد بناؤنا النفسي بناء سليما"[9]
خلاصة القول أن المدخل النفسي للنقد الحديث يعد تجربة منهجية حديثة من حيث الاختصاص لأنها ولدت مع العالم النفساني فرويد في كتابه تفسير الأحلام"المنشور1899 وتلميذه يونج، على ما بينهما من فروق، ولكنها من حيث الوجود كانت لها إرهاصات قديمة تعود إلى أرسطو طاليوس صاحب <<كتاب النفس>> الذي قال بفكرة<< التطهير  الشعري>>أي أن الشعر يستثير عاطفتي الشفقة والخوف على نحو رمزي، وبهذه الفكرة رد على أستاذه أفلاطون الذي عد في<<الحمهورية>>الشاعر ذا أثر سلبي لأنه يغذي العواطف، وإنه لذلك فهو ضار اجتماعيا[10]. ولا شك أن الدين قد حل المشكلة بأن عد الشعر كالكلام يقيم بأثره في المتلقي حسنه مفيد وخبيثه ضار، وربما لذلك كانت بودكين تعتمد في  تفسيرها للظواهر الفنية على اقتباساتها من التوراة وتداعي الأفكار.


[1] ـ ستانلي هايمن : النقد الأدبي ومدارسه /ج1 ص 248
[2] ـ سيد قطب : النقد الأدبي :224
[3] شوقي ضيف : البحث الأدبي :115
[4] ـ ستانلي هايمن : النقد الأدبي م س : ص : 246
[5] ـ ستنانلي هايمن : م س / 2/ 46
[6] ـ ويلبر سكوت تعريفات بمداخل النقد م س  ص: 60
[7] ـ ستانلي : النقد الأدبي ومدارسه  الحديثه:ص :254
[8] ـ الجرجاني : الوساطة :18 وانظر تاريخ النقد الأدبي لإحسان عباس : 328
[9] ـ شوقي ظيف البحث الأدبي : ص 117
[10] ـ النقد الأدبي ومدارسه الحديثة : م س ً 259،251
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي4    كن أول من يقيّم
 
نموذج من النقد التطبيقي  النفسي
الشاعر مالارميه في ضوء التحليل النفسي[1]
 
جوهر المنهج التحليلي يقوم أولا وقبل كل شيء على جمع وقائع حياة المؤلف[2]، ثم استخراج النتائج التي يمكن استخراجها من الوقائع عن سيكولوجية المؤلف ثم بعد ذلك تطبيق هذه النتائج على آثاره واحدا واحدا، ويجب الربط  بين هذه العناصر الثلاثة لكي تكون النتائج سليمة وعلمية.
إن مالارميه كشاعر غامض تناوله كثير من النقاد، ولكن ليس من زاوية متكاملة النظرات بل كل  تناوله من زاوية أحادية فتناوله نقاد من:
أ ـ جهة المعنى الحرفي لآثاره بقصد تبديد الغموض عن طريق التأويل
ب ـ جهة الحياة الشخصية بهدف تقديم عرض واف لحياة الشاعر التي تسهم في توضيح أثره وفهمه.
ج ـ فما الذي بقي للدراسة؟ لقد بقي أن نقوم بدراسة كل العمل الذي يتم عمقا لا سطحا إننا لكي ندرس مالارميه  علينا أن نحدد نقطة من آثاره ثم ننطلق منها؛ وهذه النقطة هي تشابك الصور في شعره:
تشابك الصور في شعر مالارميه:  
لاحظ النقاد أن هناك صورا معينة في قصائد مالارميه ومنها:( صور الملاك الموسيقي، الجناح، الآلات الموسيقية القديمة ، الأصبع المرفوعة، الحضور الأنثوي، الصمت الذي يتكون فيه التناغم الرائع ) .
هذه الصورة تتكرر في قصيدة : ( قديسة ) ، وقصيدة  ( هبة الشاعر ) ولكن ليس بنفس اللفظ .
المنهج المتبع هنا للدراسة هو الذي يستهدف ما تحت المعنى المقروء للأثر عن معنى لا شعوري لاكتشاف هذا المعنى اللاشعوري الذي دفع الشاعر لتكرير صور معينة، ولهذا فنحن مضطرون للوقوف على ظاهرة " ازدواج المعنى " من خلال الأبيات التالية من قصيدة : " مللت من الرائحة المرة "
فضلا عن المرات السبع للمعاهدة الصعبة
للحفر باستمرار حفرة جديدة
في التربة الشحيحة الباردة في مخي
حفار القبور بدون رحمة من أجل العقم
ماذا نقول لهذا الفجر أيتها الأحلام الوردية الزائرة
عندما الخوف من هذه الورود الذابلة
تجمعها المقبرة الشاسعة مع كل الشقوق الفارغة ؟
لاحظ النقاد أن هذه الأبيات من السهل الوقوف فيها على معنيين أحدهما سطحي والآخر عميق يأتي من اللاشعور : فما هو الأمر الساكن في اللاشعور الذي يدفع الشاعر لهذه الصور ؟ هل هو مجرد الرغبة في التعبير المجازي ؟ لماذا تم اختيار هذه الصور بالضبط ؟ وما دلالتها ؟
التحليل النفسي يفرض العودة لماضي الشاعر ، الذي يكشف عن عقدة ناجمة عن موت التي كان يحبها كثيرا ، إذ ماتت في سن مبكرة، لقد عد النقاد النفسانيون ذلك أهم حادث في حياته لقد وجدو في آثاره نصوصا منها : ( منذ  تركتني ماريا لتمضي إلى كوكب آخر(...) أصبحت أوثر الوحدة دائما وأصبحت أحب حبا غريبا خاصا كل ما يتلخص في هذه الكلمة (السقوط )
2ـ وفي رسالة أخرى كرد على رسالة موجهة من صديق قال فيها : " إن هناك كلمة تضيء رسالتك كلها : " إليك ياعزيزي مالارميه صورة أختنا" الأمر بسيط ما دمنا إخوة ومع ذلك ما أعذب هذه الكلمة! نعم ...إنها في قلبي ستصطف إلى جانب ذلك الطيف الشاب المسكين الذي كان أختي خلال ثلاث عشرة عاما ...ستكون أختك المثل الأعلى لي في الحياة، كما أن أختي هي المثل الأعلى لي في الموت"
3ـ وفي نص ثالث يمثل وظيفة الإنشاء الفرنسي التي كتبها مالارميه حين كان تلميذا، واحتفظ بها ـ وللاحتفاظ بها دلالته ـ لقد طلب من التلاميذ أن يختاروا قصة من مخزونهم ثم يكتبون فيها موضوعا إنشائيا فاختار للوظيفة موضوعا مختصرا قصته: "رجل جالس وحيد في بيته قرب الموقد يحلم بابنته الميتة، وفي المقبرة المجاورة تخرج الفتاة من قبرها، وتأتي تزور أباها فتجلس إلى جانبه أمام الموقد وترقص وتغني ثم تختفي في الصباح"
هذه هي النصوص الثلاثة التي اعتمدت آثارا تكشف عن العقدة التي أخذت تؤثر في اللاشعور وتتشكل على شكل صور متشابكة تتجاذب وتتداعى لتحدث تناغما عن طريق التردد في كثير من قصائد الشاعر مالارميه.
 إن هذه النصوص الثلاثة تشترك في موضوع واحد هو:" أخت مالارميه التي افتقدها وهو يتربى عند جده بعد أن فقد أمه قبل ذلك فبقيت أخته ماريا هي الرابطة الحية الوحيدة التي تعوض حنان الأم فإذا فقدها فلا شك أن ذلك سيكون له أثره الأكبر الذي برز في هذه النصوص الثلاثة في المعنى السطحي وسيبرز في الصور الشعرية كتعبير عن المعنى العميق الكامن في اللاشعور.


[1] ـ سامي الدروبي : علم النفس الأدبي: 209 وما بعدهاـ بتصرف
[2] ـ بعض الدراسات النفسية تعتمد السيرة الأدبية وثيقة للآنطلاق في الدراسة النفسية/ انظر : ولبر سكوت: تعريفات بمداخل النقد م س : 59
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات النقد النفسي5    كن أول من يقيّم
 
إذا تأملنا الأبيات السابقة وجدنا الموت يحاصر الشاعر من كل جانب: ( الحفر، التربة الشحيحة، حفار القبور، الأحلام الوردية الزائرة، الخوف من الورود الذابلة التي تجمعها المقبرة الشاسعة)، كل ذلك لـه علاقة بوظيفة الإنشاء وبالرسالتين، إنها صور تعبر عن فكرة الموت، فهي صور جنائزية.
هذه الصور سنجدها في نص آخر تتكرر بألفاظ مشابهة لأنها تدل على نفس العقدة، هذا النص هو:
يجافي الصيني القلب الصافي الرقيق
والذي ترسم النشوة الخالصة نهايته
فوق هذه الفناجين الثلجية إلى القمر المسحور
حيث الزهرة الغريبة تذكي حياتها
إن ألفاظ النص ومنها : (الثلج ، الفجر، الزهرة  ) هي عناصر ثلاثة في وظيفة الإنشاء ، أما الثلج والقمر فهما جزء من الإطار الرمزي ، وأما الزهرة فهي تمثل الفتاة التي تعبر عن موتها الورود البيضاء وتعبر عن انبعاثها الورود الحمراء، ثم إن هذا الترابط بين الورود والموت يتكرر عند ما لارميه، ألا تلاحظ أن الفنان الصيني كان يرسم في شعره نهاية زهر على فنجان ثلجي، إنها تعبر عن نهاية " ماريا" كما تبين الآبيات التالية:
حيث الزهرة الغربية تذكي حياتها
حياة شفافة لزهرة يشعر بها الفتى
في الوقت الذي ارتبطت بها روحه الزرقاء
إن ألفاظ ( الزهرة الغربية، شعور الفتى، الوقت الذي ارتبطت بها روحه)
كل ذلك يبين تعلقه الشديد لاشعوريا بفقيدته ( ماريا )
 خلاصة القول : يمكن ملاحظة ما يلي:
1ـ التحليل النفسي يستخدم آثار الطفولة لكشف محتويات اللاشعور التي بها يفسر النص
2ـ النص الفني يحتوي على معنى سطحي ومعنى عميق مكمنه في معرفة اللاشعور    
3ـ القصيدة ترتبط باللاشعور بألف خيط وهذه الخيوط هي التي تغذيها وتنميها
4ـ إن النقد النفسي يجب أن يغوص في اللاشعور، لكن ليس كطبيب بل كعالم الجمال، يكشف عن سر الجمال في القصيدة، وليس عن المرض النفسي، لأن هذا مهمة الطبيب، وذاك مهمة الناقد الأدبي، والخلط بينهما لايصنع شيئا.
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات النقد التاريخي والاجتماعي    كن أول من يقيّم
 
المبحث الثاني:  نظريات النقد التاريخي والاجتماعي
 
تمتد جذور هذا المنهج التاريخي إلى ابن سلام الجمحي، الذي طبق قواعد هذا المنهج بمهارة فائقة، مكنته من اكتشاف نظرية الانتحال وأسبابها الاجتماعية والتاريخية والسياسية والعقدية والدينية. ولكن الغرب أعطى في العصر الحديث هذا المنهج أهمية بالغة لاسيما في مجال دراسة تاريخ الأدب، وسير الأدباء.وقد انطلق من مفهوم للأدب مفاده "الأدب تعبير عن المجتمع"[1] وآخر يرى أن " الأدب نقد للحياة " وثالث ينص على أن "الأدب يمثل الحياة، والحياة في أوسع مقاييسها حقيقة اجتماعية واقعة... فالشاعر نفسه عضو في مجتمع منغمس في وضع اجتماعي معين... والأعراف الجمالية ..أعراف اجتماعية من نمط معين"[2]، ويستمد النقد التاريخي  شرعيته من أن " أصالة سوسيولوجية الأدب تعود إلى أنها تقيم علاقات بين المجتمع وبين العمل الأدبي وتصفها، فالمجتمع سابق في وجوده على العمل الأدبي لأن الكاتب مشروط به يعكسه ويعبر عنه ويسعى إلى تغييره"[3]
وأمام هذا التعريف للادب  تطرح عدة جوانب على النقد التارخي أن يتولى الإجابة عنها هي سوسيولوجية كل من الكاتب والمكتوب وجمهور الكاتب:
1 ـ سوسيولوجية الكاتب: أي سيرته الذاتية الصغيرة والمحيط الكبير الذي عاش فيه، على أننا يمكن التنبيه على أن " انتماء الكاتب الاجتماعي واتجاهه الإديولوجي لايمكن أن تدرس فقط من كتاباته بل في الأغلب أيضا من الوثائق غير الأدبية المتعلقة بسيرته، فالكاتب مواطن وله رأي في المسائل ذات الأهمية الاجتماعية والسياسية كما أن له دورا في قضايا عصره"[4]، لذلك كانت مدام دستال ترى: أن الأدب يتغير بتغير المجتمعات وحسب تطور الحرية فهو يتماشى وتطور العلم والفكر والقوى الاجتماعية، والأدب دوما نقد ودعوة إلى شيء ما في آن معا"[5]
2ـ سوسيولوجية المكتوب: أو مشكلة المضمون الاجتماعي للمكتوب: لقد عمد النقد الاجتماعي والتارخي منذ القديم إلى تفسير المضمون السياسي والاجتماعي بل وزاد الاهتمام بالتضمينات الاقتصادية لآراء الكتاب ففسر أعمال شكسبير  وغيره حسب صلتها الوثيقة بالمضمون السياسي لعصرها، ونستطيع أن نقف عند كتاب "شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي" للعقاد وكثير من كتابات طه حسين مثل "شوقي وحافظ " و كتابات محمد مندور  مثل: الشعر المصري بعد شوقي، كلها تعالج الأدب من هذه الزاوية، بل إنها تؤكد أن الوجدان الفردي في الأدب قد تقهقر أمام الوجدان الاجتماعي[6].
وقد تطور هذا النقد في الغرب نتيجة توليفة غريبة بين نظريات النص والنظريات الاجتماعية مما أدى إلى دراسة جديدة تهتم  بسوسيولوجية النص من زاوية ملتصقة بالفن وبعضها ينص على " عدم فصل أثر المضمون عن أثر الشكل، وهنا نستخلص نمطين من أنماط القراءة: الأول يهتم بالأبطال والثاني بالظواهر الاجتماعية في الكتاب المقروء"[7]  ففي كتاب " مصنف في النقد السوسيولوجي (1985) نجد بيير زيما p.zimma يؤكد على الاهتمام بسوسيولوجية النص" أي عوضا عن الاهتمام بموضوعات وأفكارالعمل فهو يهتم بمسألة معرفة الكيفية التي تتمفصل فيها القضايا الاجتماعية ومصالح الجماعة على الصعيد الدلالي والتركيبي والسردي"[8] وفي الجزء الثاني من كتابه هذا يتناول رواية (الغريب) لألبير كامو ليركز على " مختلف مستويات النص كبنى لغوية واجتماعية في نفس الوقت وباستعادة بعض المفاهيم السسيولوجية الموجودة عن طريق استخدام أبعادها السسيولوجية، العالم الاجتماعي هو مجموعة من اللغات الجماعية التي تستوعبها النصوص وتقوم بنقلها، وهكذا يطرح (ب. زيما) فرضيتين هما في حقيقة  الأمر بديهيتانـ : القيم الاجتماعية لا توجد أبدا بمعزل عن اللغة، والوحدات المعجمية والدلالية والتركيبية تقوم بتقطيع المصالح الجماعية"[9]


[1] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : 170 / ترجمة رضوان ظاظا
[2] ـ رنيه ويلك واوستن : نظرية الأدب  م س : 97
[3] ـ جان إيف تادييه : النقد الأدبي في القرن العشرين: 225 ترجمة قاسم المقداد
[4] ـ نظرية الأدب  م. س  :100 0
[5] ـ  مدخل إلى مناهج النقد الأدبي في القرن العشرين : م س : 176
[6] ـ  عبد المنعم تليمة وعبد الحكيم راضي:  النقد العربي : : 466 دار الثقافة/ القاهرة1984
[7] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين: م س : 259
[8] ـ  النقد الأدبي في القرن العشرين  م س : 248
[9] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين  مس : 250
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات النقد التاريخي والاجتماعي2    كن أول من يقيّم
 
3ـ سوسيولوجية المتلقي: أو مشكلات الجمهور والتأثير الاجتماعي الفعلي للمكتوب في القارئ[1]،  و نظرا لأهمية هذا العنصر فقد وجدت دراسات إحصائية لنظرية التلقي[2] وألفت كتب خاصة مثل " القصة والجمهور القارئ" لكيودي لفيس، كما أكدت فكرة جمالية التلقي الذي يعالج الاستقبال الجماعي للعمل الأدبي[3] وأشارت إلى أن الجمهور قد يتخذ قراره في الكتاب قبل شراء الكتاب أو استعارته[4]، وبالغ بعضهم فذهب إلى أن " الأدب لم يكن يسعى فحسب إلى الحقيقي وإلى الجمال الأخلاقي بل إلى الحقيقي والجمال النضالي"[5] وقد لوحظ أن دراسة الأساسين الاقتصادي والاجتماعي للكاتب متعلقان تماما بدراسة جمهور الكاتب[6] ذلك لأن الأديب لا يتأثر فقط بالمجتمع بل أيضا يؤثر فيه، فالفن ليس مجرد تصوير للحياة والواقع بل هو صانع له فقد يصوغ الناس حياتهم حسب نماذج لأبطال وبطلات من صنع الخيال[7]، وعلى العموم فإن كتابا مثل " البخيل" لموليير والفضيلة للمنفلوطي وأهل الكهف لتوفيق الحكيم قد لعبت دورا في تشكيل وعي أخلاقي في المجتمع وإن دورها في قارئها واضح، وليس ببعيد أبدا على المسلم أن يكتشف أثر قصة يوسف في التأثير على المجتمع بكشف عورة البيوت الغنية وبيان دورالتقوى عند الشباب في صيانة الأعراض مهما كانت الضغوط الاجتماعية.ولعل من أهم القضايا " قضية اللغة، فلغة الجمهور الواسع هي لغة لا تستند إلى مصادر فنية وتتكون أفكار ومشاعر منمطة بينما تقوم الرواية الجيدة بصدم أحكام القراء المسبقة، لأنها تقوم بطرح العادات العقلية على بساط البحث"[8]
وأخيرا هناك مشكلة عميقة الدلالة في النقد الاجتماعي هي دور القارئ الناقد في التأويل؛ إذ كثيرا  ما يشكو النصيون من " أن مايراد إيصاله للآخرين تتغير دلالته خلال عملية الاتصال وتبعا لثوابت تحدد كلا من المرسل والمتلقي والقناة"[9] بل إن بعضهم يصرح بأنه: " كلما تغيرت الشروط التاريخية والاجتماعية للتلقي يتغير معنى العمل و هذا أدى إلى ضرورة التمييز بين " فعل أثر العمل وبين تلقيه ، فالأثر يتحدد من خلال النص نفسه أما التلقي فيتحدد من خلال المتلقين"[10]،لأن المتلقين يتأثرون  بثلاثة " عوامل اجتماعية تؤثر في الأفراد هي: الثقافة الشاملة لحضارة معينة والثقافة القومية والماضي القومي والتقاليد ووعي الجماعة أو الطبقة الاجتماعية "[11] 


[1] ـ  رنيه ويلك نظرية الأدب   م س 103
[2]  ـ النقد الأدبي في القرن العشرين م س : 225
[3] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 235
[4] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين م س : 254
[5] ـ مجموعة من المؤلفين : مناهج النقد الأدبي : 166م ترجمة رضوان ظاظا
[6] ـ نظرية الأدب : 1
[7] ـ نظرية الأدب : 05
[8] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : 258
[9] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين م س : 259
[10] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين م س : 261
[11] ـ النقد الأدبي  في القرن العشرين : م س : 259ـ 260
[12] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين م س 226
[13] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 231
[14] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 239
[15] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : م س 240ـ 241
[16] ـ النقد الأدبي افي القرن العشرين  : م س 242
[17] ـ النقد الأدبي  في القرن العشرين : م س : 244
[18] ـ: البحث الأدبي: 8
[19] ـ نفسه :87
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
 4  5  6  7  8