البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 صبري أبوحسين 
18 - مايو - 2008
يعد الأستاذ الدكتور: أحمد بن عثمان رحماني علمًا من أعلام البحث الأدبي والنقدي في العصر الحديث، بلا ريب؛ إذ له، في هذا الميدان الفكري، جهود علمية وتعليمية كثيرة مشكورة معروفة غير منكورة. منها على سبيل المثال، لا الحصر:
*أنه قام بتدريس مقررات نقدية أدبية كثيرة ومتنوعة، خلال رحلة تعليمية مديدة حافلة بالمتخرجين والمتخرجات، في مرحلتي الإجازة العالية(الليسانس) والدراسات العليا، مثل مقررات: (نظريات نقدية)، و(تحليل النصوص) (إعجاز القرآن)، و(النقد الأدبي العربي القديم)،( النقد الأدبي الحديث والمعاصر)، (مصادر الأدب واللغة)، (البلاغة)،و(الأدب الإسلامي في صدر الإسلام)، و(التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)، و(كتاب قديم)، و(الأدب الأندلسي)، و(الأدب المقارن ونظرياته)...إلخ
 * أن له بحوثًا علمية محكمة وكتبًا منشورة في ميدان البحث الأدبي النقدي القديم والحديث والمعاصر، منها:
كتاب(النقد الإسلامي المعاصر بين النظرية والتطبيق)، وكتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها)، وكتاب(الرؤيا والتشكيل في الأدب المعاصر)، وكتاب(التفسير الموضوعي نظرية وتطبيقًا)، وكتاب(مصادر التفسير الموضوعي)، وكتاب(نظريات الإعجاز)، وكتاب(النقد التطبيقي الجمالي واللغوي في القرن الرابع الهجري)،...إلخ
إن باحثًا -بهذه الرحلة العلمية والتعليمية المديدة والمتنوعة مكانًا وزمانًا، فكرًا وأجناسًا وأجيالاً – قمينٌ بأ يُقرَأ له ويُحاور، ويُستفاد من تجاربه في تعاملنا الحائر والشائك مع المنجز الفكري العربي ماضيًا وحاليًا ومستقبلاً.
ولعل في عرض كتابه(نظريات نقدية وتطبيقاتها) في موقع الوراق ما يساعد على هذه الاستفادة وذلك الحوار الذي أرجو أن يكون مفيدًا وبناءً للجميع:باحثين وناقدين ومبدعين وناشئة شُداة...
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
المبحث الأول: نظريات...4    كن أول من يقيّم
 
أ ـ  الوظيفة الشعرية : تعني الوظيفة الشعرية " التشديد على المرسَلَة message لذاتها " .وتسأل كما سأل الجاحظ وعبد القاهرالجرجاني قديما: ما هو العنصر الذي لا غنى عن وجوده في كل عمل أدبي ? للإجابة عن هذا السؤال يذكر جاكوبسون بمبدأ المحورين الذي عرضه سوسور : محور التزامنات axe des simultaneites  أو محور الانتقاء selection ? ومحور التعاقبات Successivites أو محور التركيب Combinaison ويطلق عليها اسمي المحور الاستبدالي axe paradigmatique . والمحور النظمي axe .syntagmatique فالعلاقات التركيبية هي معطيات الجملة القابلة للملاحظة ? أما العلاقات الإستبدالية فتقع على محور الانتقاء باعتبارها أفعالا بالقوة virtualites[1] .
" لنفترض أن لفظ " طفل " هو موضوع مرسلة ما message : يقوم المتكلم بعملية اختيار ( انتقاء ) من بين سلسلة من الأسماء الموجودة ? والمتشابهة تقريبا ? مثل طفل ? صبي ? ولد،  غلام... ثم يقوم ? لشرح هذا الموضوع ? باختيار أفعال متقاربة دلاليا مثل ينام يغفو، يستريح ? ينعس . فتتركب الكلمتان في السلسة الكلامية " .
ويتم الانتقاء بناء على قاعدة التكافؤ equivalence  والتماثل   similarite  والتباين dissimilarite    والترادفsynonymie والتضاد antonymie  ? بينما يستند التركيب إلى التجاور contiguite. غير أن " الوظيفة الشعرية تسقط projette مبدأ التكافؤ لمحور الانتقاء على محور التركيب " . فيصبح التكافؤ إذن " إجراء مكونا للمتتالية sequence "  كما يتبين من الشكل التالي:
 

                           محور الانتقاء    = مبدأ التكافؤ

ـ  علاقاته : استبدالية                                  المعجم المعتمد في المرسلة أدناه:       ـ  طبيعته : تزامنية
      قاتل =أمات= أهلك                                                                        
                                                                     حمامة = ورقاء     
أساسه  : المعجم والذاكرة اللغوية                        غدوة= صباح = فجر بكرة   ـ مبدأه:التكافؤ
فرع =غصن= فنن                                                      
        هيج = أبكى= شوق= ذكر
       غنى= طرب = فرح
مرسلة: ...ألا قاتل الله الحمامةغدوة      على الفرع ماذاهيجت حين غنت
     تغنت غناء أعجميا فهيجت  جواي الذي كانت ضلوعي أجنت 
محور النظم :          
( الدال +المدلول)

(فونيم + معنى)

المحور التنظيمي:
ـ  علاقاته : تركيبية
ـ  طبيعته : تعاقبية
ـ أساسه  : النحو+ الوزن والقافية
     ـ مبدأه  :  التجاور
قراءة  الرسم البياني ( الشكل):
لابد من الاعتراف أولا أن نظرية الشعرية تصب في نظريات تبحث في طبيعة التشكيل الأدبي ، بمعنى أنها تسأل عن الطريقة التي يكتسب بها الأدب أدبيته، بل  شعريته، وحسب نظرية جاكبسون فإن المرسلة التي بين أيدينا وموضوعها وصف حال رجل هيجته حمامة، ومن الطبيعي والحال هذه أن يعبر عن ذلك بلغة طالما أن الشعر ضرب من اللغة ولكنها لغة مبنية وفق نظام محدد هو الذي أكسبها الشعرية، وحسب رأيه ـ وقد يشاركه في ذلك الجاحظ ـ  يعود سر الشعرية إلى  اعتماد محورين في تأليف هذه المرسلة، محور الانتقاء ويقوم بتزويد الشعر بلألفاظ المناسبة للهدف الذي  يتناسب مع مقتضيات  يقتضيها  محمر التنظيم الذي يعتني بالتراكيب  ويقوم عل التعاقب بين الألفاظ وفق متطلبات موسيقية تستنتج من طبيعة الدال والمدلول في أنهما يزودان عملية البناء الشعري بالطاقة الصوتية والمعنوية في الوقت نفسه، ولما كان الشعر بطبيعته الموسيقية يتطلب تنظيما معينا ليحدث الإيقاع المطلوب الذي يحدث الأثر المرجو فإن  ذلك يفرض على مستوى محور الانتقاء ضرورة اختيار لفظ من مجموع الألفاظ التي تمد بها المعاجم ( الذاكرة) الشاعر وتسعفه كلما احتاج إلى لفظ يوفق بين ضرورتين  متلازمتين ؛ الإيقاع والمعنى، وعلى هذا الأساس تصبح حاجة الشاعر إلى مبدأ التكافؤ  ماسة جدا لكي تمده بمترادفات ومتباينات و متضادات ومتماثلات  كثيرة تمكنه من الاختيار والانتقاء للألفاظ التي يضعها على محور  الانتقاء لينزلها على  محور التنظيم  الذي يوظفها بدوره فيضعها في التركيب  معتمدا على فكرة التعاقبات وعلى مبدأ  التجاور الذي يتكفل النحو ـ كما صرح بذلك الجرجاني ـ بوضعها في المكان المناسب لها، بحيث لا تتعارض مع مقتضيات علمي العروض والقافية، وذلك معنى قول جاكبسون : " الصوت ينتمي إلى محور التعاقبات وحده "  لأن الدال ذو طبيعة صوتية سمعية فيها يتجلى  الإيقاع بزمانه، والصوت بصفاته من مهموس وجهوري و أنفوي وشفوي، وما إلى ذلك من صفات يتقنها في الواقع علماء التجويد بشكل منقطع النظير بفعل الممارسة التي من شأنها ـ  كما قال ابن سلام ـ  أن تعدي على العلم بالشيء.
سبيل الإيقاع :فأول ركيزة في الشعر تتمثل في تجاوز التصويت  أو إحداث الصوت إلى الإيقاع، آو إحداث الإيقاع . ويتم ذلك أولا بالترديد بمعنى إعادة الصوت أو مجموعة الأصوات أو القالب الصوتي المتسع بعد مسافات  متقايسة  بالتساوي  أو بالتناسب عادة لإسناد قيمة جمالية إلى الصوت  عمدا إلى التكرار المجرد, ويكون ذلك بالتنويع  في الدوال لمدلولات قد تكون هي غير متجددة ولكن لا بأس  فالشعر اكثر  ما يصنع مما يتولد ويتردد لا مما يختلف ويتجدد، والعنصر المردد في منطق الشعر أقوى من العنصر المفرد. ويتم ذلك أيضا بحسن التنويع بمعنى مراعاة التناسق بين الأصوات في النص ووقوع موادها في مواطن لها  أهمية عروضية كأن تكون مقاطع أو مطالع ومقولبة طبق تفعيلات بحر العروض المعتمد التي تطفوا في هذه الحالة على سطح البحر، أو متشكلة في قوالب أخرى غير قوالب تفعيلات البحر فتكون داخله تقطيعا ثانيا إذا كان النص موزونا على بحر عروضي معروف أو تكون إيقاعا قائم الذات في النصوص غير الموزونة[2]


[1] ـ مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : م س ص : 221ـ 222
[2] ـ محمد الهادي الطرابلسي: مصغدر الخطاب الشعري المعاصر:        59خـ 591 ضمن كتاب : دورة أبو القاسم الشابي : : أبحاث الندوة ووقائعها:  مؤسسة جائزة عبد العزيز السعود البابطين للإبداع الشعري 1996/ الكويت
*صبري أبوحسين
19 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات...5    كن أول من يقيّم
 
إننا عندما نقوم بتقطيع المرسلة نجدها  تنتظم  وفق البحر :
ألا قاتل الله الحمامة غد وة   على الفرع ماذا هيـجت حين غـنـت
// ْ  /  ْ //  ْ / ْ / ْ  // ْ /  / /  ْ /  / ْ
 فعولن  مفاعيـلـن  فعول  مفاعلن               
 / /                            ْ /  ْ  / / ْ / ْ / ْ  // ْ  / ْ  / / ْ  / / ْ
                 فعو لـن  مفاعيـلن  فعولن  مفـا  علن
 تغنت غناء  أعجميا فهيجت   جواي الذي كانت ضلوعي أجنت 
 
// ْ  / ْ  // ْ / ْ  / ْ // ْ  / ْ  // ْ / / ْ
فعولن    مفاعيلن   فعولن    مفـاعلن                                                     // ْ  /  ْ  // ْ / ْ / ْ  // ْ  / ْ  // ْ  / / ْ
                  فعـولن  مفاعـيلن  فعـولن  مفا علـن.
وحين يقول جاكوبسون إن الوظيفة الشعرية تسقط مبدأ التكافؤ لمحور الانتقاء على محور التركيب ـ فهو لا يعني  أن المحور هو الذي يتم إسقاطه ـ فهذا الأمر لامعنى له ـ بل إن مبدأ التكافؤ ـ الذي يتحكم بالانتقاء ـ يتحكم عندئذ بمحور التركيب ويمنحه تلك التعددية في المعنى التي يتسم بها النص حين تسود الوظيفة الشعرية فيه .
 
ويرتبط بالوظيفة الشعرية عاملان هما عامل الدال وعامل الدليل أو المدلول وكلاهما يرتبط بالمادة الصوتية وعلاقتها بالمعنى، فالدال وإن احتوى على الفونيم وهو أصغر وحدة صوتية في السلالة الكلامية، فإن هذا يجعل الصوت ينتمي إلى محور التعاقبات : وحده" الدال ذو طبيعة سمعية فهو يتجلى في الزمن وحده، وهو إما مهموس /جهور/ أنفي/ شفوي" ولكن هذا لايعني أنه لم يكن أساسا على محور التزامنات ثم نزل لمحور التعاقبات عند التوظيف الشعري
 
ب ـ التحديدات المشددة : وينطبق على حالة إنشاء النص وحالة قراءته ونقده، ففي  الحال الأولى حيث تشكل جميع النصوص التي تسبقه جملة من الضغوط عليهما معا، لتوجه القراءة، وتنطلق من أن  الأسلوب هو النص ذاته لا الإنسان
ويتوقف على أربعة أحوال :
ج ـ  التحديد المشدد بواسطة التداعي( التكرار نموذج لغرض التأكيد)ذلك لأن " خاصيةالتكرار تتميز بوظيفتين رئيستين هما: التوازي الموسيقي، والضغط نحو فكرة معينة لإبرازها أكثر من غيرها[1] ولعل أبرز صوره ما أشار إليه الهادي الطرابلسي بقوله:" التوقيع والتطويع ويمثل الركيزة الثانية ولعلها الأهم في توظيف الأصوات في النص الشعري أما التوقيع فيكون بتجاوز أحداث الإيقاع  بالأصوات وحدها إلى تحقيقه بالأصوات والحركات والألوان ...أيضا ،وأما التطويع فمرجعه إلى  تحقيق التفاعل بين المبنى والمعنى بتطويع الأصوات وأساليب التعبير عن الحركة  واللون ... للمعاني ، وتطويع المعاني لها وذلك بالتبرير بمعنى أن يكون الصوت واجب الوجود في المكان الذي يجيء فيه فلا يجوز حذفه إلا مع إحداث خلل في النظام الصوتي والطاقة الشعرية ، كما يكون بالتحسيس والتخييل بمعنى أن تستعمل الأصوات وما يتبعها من حركة ولون ... للتأكد من بلوغ الرسالة إلى الذهن  عن طريق السمع أيضا, حتى لا يكون المعنى حاضرا في الذهن مجردا فحسب ،بل حاضرا في النفس مجسدا أيضا . بذلك تكون النقلة من اعتباطية علاقة الدال بالمدلول إلى تبرير هذه العلاقة ومن دلالة المعاني إلى دلالة المباني . فالأصوات - وهي أهم أدوات البناء وأبرز لبنات الأداء- تهيئ التعبير وتكيف الشعور والتفكير فلا يكون الشعر معها تقييدا ولا تحريرا وإنما يكون وزنا وإيقاعا وتوقيعا وتطويعا . فليس الشعر إحلال معنى في وزن بقدر ماهو إعطاء وزن المعنى بمعنيي كلمة وزن"[2]


[1] ـ عدنان حسين بن قاسم : الاتجاه الأسلوبي البنيوي في نقد الشعر ص 102 مؤسسة علوم القرآن / الشارقة وعجمان ط 1 / 1992
[2] ـ محمد الهادي الطرابلسي: مصغدر الخطاب الشعري المعاصر:        59خـ 591 ضمن كتاب : دورة أبو القاسم الشابي : : أبحاث الندوة ووقائعها:  مؤسسة جائزة عبد العزيز السعود البابطين للإبداع الشعري 1996/ الكويت
*صبري أبوحسين
19 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات...6    كن أول من يقيّم
 
د ـ  التحديد المشدد بواسطة المجاز
ه ـ التحديد المشدد بواسطة الدال( النائم في الوادي = الميت في الوادي)
وـ . التحديد المشدد بواسطة التناص (أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها الميادي  في تناص مع حمامة أبي فراس الحمداني:
أيضحك مأسور وتبكي طليقة    ويسكت محزون ويندب سال  )
زـ التحديد المشدد للمجاز  بواسطة الحرف lettre ( ظاهرة الجناس نموذج )
 
2 ـ نظرية الأسلوبية:
هي فرع من فروع اللسانيات التي تطبق على الأدب. تشبه إلى حد كبير نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني ( ـ 471)،من حيث البحث في العلاقات التي تربط بين مكونات الجملة وسر جمالها[1] ومن المؤكد أن أولى الدراسات الأسلوبية أي دراسة شارل بالي CH. BAILLY  ( 1905) ، لا تعالج  الأدب مباشرة لأنها عبارة عن  وصف  لوسائل التعبير التي يقدمها اللسان LANGUE  وليست دراسة استخدام المؤلف لهذه الوسائل. لأن اللسان ، بحسب بايي ، يتضمن قيما أسلوبية[2]. وقد عرفت الأسلوبية بأنها : " بحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا"[3]
 
وقد قامت الأسلوبية التقليدية، منذ زمن طويل، على الحسابات الإحصائية التي تبرز ابتعاد الكاتب عن معيار معين أو عن اللغة اليومية والعلمية  على اعتبار أن كل اختلاف من شأنه أن يصبح " أسلوبا " لكن مثل هذا المنهج ينطوي على عيوب، لذا ينبغي استكماله بمنهج آخر[4] مما أدى إلى تنوع الأسلوبيات
 
تنوع الأسلوبيات :    تنوعت الأسلوبية تبعا لوجهات نظر النقاد كما الحال دائما في النظريات النقدية إلى أسلوبية تعبيرية وأسلوبية سياقية وأسلوبية الانزياح والأسلوبية الإحصائية ، ولذا يرى  الناقد " تادييه" أنه "كي يتسنى لنا تقديم عرض مجمل للأسلوبية لابد وأن نفهم بأنها متنوعة وانه يوجد عدة أسلوبيات . وكما بين هنريش بليت H.PLETT  في ( نظرية الأدب ، الذي قدم له كيبدي قارغا K.VARGA ) فإن الأسلوبيات تنقسم تبعا للشكل الذي تنظر فيه إلى الأسلوب، فإذا كان الأسلوب تعبيرا عن شخصية المؤلف فإننا ندعوها بالأسلوبية التعبيرية، أما تلك التي تهتم بالتلقي reception وتبرز أهمية العناصر بالنسبة لسياقها فتسمى بالأسلوبية السياقية  CONTEXTUEELLE ( ريفاتير) ، أما إذا نظر إلى الأسلوب على أنه مكونة COMBINATOIRE نوعيه للسان ، فنسميها بأسلوبية الإنزياح ECART أو الأسلوبية الإحصائية أو السياقية، وتفرض أسلوبية الانزياح اختلاف النص الأدبي عن المعيار النحوي والمعجمي وهنا نتحدث عما يدعى بالإجازات ( الجوازات ؟) الشعرية LICENCES POETIQUES وعن مفردات شعرية ووجوه (بلاغية)FIGURES، وحينما تكثر الصور  فإننا نعتبرها إنزياحا . والأسلوبية الإحصائية التي نجدها في أعمال بيير غيرو GUIRAUD وكونراد بيروC.BUREAU وايتيين برونييه E.BRUNET حول معجم الكتاب وطول جملهم أو حول تكرار موضوعاتهم ، هذه الأسلوبية ينتظرها مستقبل كبير بفضل تطور المعلوماتية"[5]
على أن هذا التعدد قد شتت عملية البحث في جماليات النص الأدبي مما جعل بعض النقاد يرون أن الدراسة المثلى قد تكون مبنية من تكامل  هذه الأسلوبيات، يقول تادييه: "ولكي يتسنى لنا وصف الأسلوب بشكل واف، تبعا للقضايا التي يطرحها، ربما ينبغي التوليف بين هذه الأسلوبيات المختلفة : السياقية والكمية والانزياحية والتعبيرية ومعطيات الحاسوب ، ...وانطباع القارئ[6].


[1] ـ عدنان حسين قاسم : الاتجاه الأسلوبي البنيوي  في نقد الشعر العربي : ص 90/ مؤسسة علوم القرآن عجمان / ط 1 / 1992
[2] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : 248
[3] ـ عبد السلام المسدي : الأسلوب والأسلوبية : 33/ وانظر  الإتجاه الأسلوبي : ص99 / م س
[4] ـ النقد الأدبي في  القرن العشرين : 248
[5] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين: 288
[6] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين:289
*صبري أبوحسين
19 - مايو - 2008
المبحث الأول: نظريات...7    كن أول من يقيّم
 
ومهما كانت أسباب هذا التنوع فإن الأسلوبية تريد دائما أن تجيب عن أسئلة جمالية  مثل :
كيف عبر النص عن دلالته الجزئية والكلية؟
ما الأسباب والعوامل الأساسية المسؤولة عن اختلاف الأساليب[1]؟
      
نقد المنهج الشكلي : مهما كانت أهمية المنهج الشكلي على اختلاف نظرياته فقد وجه له نقد لاذع، يقول نورمان فورستر: " إنني أشعر بحرية أكثر في الهجوم على الهرطقة التي يميل إليها نقادنا الجماليون، تلك الهرطقة الجمالية التي أسهم فيها على سبيل المثال إدجار آلان بو والهرطقة الجمالية كالهرطقة التعليمية كلتاهما شيء رديء فكل منهما تجاهد في جعل الحقيقة الجزئية تقوم مقام الحقيقة الكلية، وكل منهما تميل إلى جذبنا بعيدا عن الأدب؛ أولاهما إلى مشكلات الأخلاق وأخراهما إلى مشكلات الجمال" ثم يضيف : " إن الناحية الجمالية أو الفلسفية للأدب ليست مشروعة فحسب ? وإنما تعتبر الهدف الذي لا مفر منه بالنسبة للناقد الأدبي، وأعتقد أن أرسطو كان على حق في التفكير في الأدب الخيالي لا كفن يسبب السرور أو المتعة فحسب وإنما كمحاكاة معقولة للحياة أي الفعل الإنساني والطبيعة الإنسانية"[2]


[1] ـ الاتجاه الأسلوبي :101 م س
[2] ـ نورمان فورستر : الحكم الجمالي والحكم الأخلاقي في النقد :    ضمن كتاب : مقالات في النقد لإبراهيم حمادة 141ـ 155
*صبري أبوحسين
19 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...    كن أول من يقيّم
 
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب من الداخل عمقا( المضمون)
 
 (ويشمل النقد الوظيفي بما في ذلك نظرية النقد الأخلاقي  ومدرسة الإنسانية الجديدة، والنقد الإسلامي الجديد والنقد الموضوعاتي ...)
 
توطئة
 
لقد قلنا إن النظريات النقدية تنقسم إلى قسمين كبيرين ، ومذهبين واسعين، نظريات تنطلق من مبدأ طبيعة الأدب ونظريات تنطلق من مبدأ الوظيفة الأدبية ، ولاشك أن النظريات التي تنطلق من طبيعة الأدب ستنصب على ما به يكتسب الأدب أدبيته ، كما أن التي تنطلق من الوظيفة الأدبية، ستركز على الأثر الذي يحدثه الأديب في قرائه، دون أن تنسى أن القدرة على التأثير ترجع أساسا إلى صفات في طبيعة الأدب مما يجعل العلاقة بين دور الطبيعة والوظيفة متكاملين، بحيث "من يتقصى عما وضع له الأدب يسعى إلى إتمام استقصائه بالتحرك صوب الداخل باتجاه المركز ? ليسأل : ما هو الأدب ? ومن يتقصى عن ما هو الأدب يسعى إلى إتمام استقصائه بالتحرك صوب الخارج باتجاه شمول التجربة الإنسانية _ ليسأل: لأي شيء وضع الأدب ?  وتلك هي علاقة دياليكتيكية ولا بد أن تكون النتيجة تركيبا نقديا يمكن بواسطته أن نناقش في المحاورة نفسها وبعبارات متطابقة كلا من جوهر الأدب ووظيفته"[1] ومثل هذا النص نجد نصا آخر لفورستر يؤكد التلاحم بين النقد الاخلاقي والنقد الجمالي : "وإذا كانت هناك حاسة مطلقة في تاريخ النقد ابتداء من اليونان القديمة وحتى القرن الحالي فإنها تتمثل في نوعين من القيمة هما القيمة الجمالية والقيمة الأخلاقية وهما ممتزجتان امتزاجا لا يمكن الفصل بينهما"[2]
 
 
لاشك أن النقد الأخلاقي أكثر ارتباطا بالزمان والمكان ، فهو فعلا ابن بيئته، ولهذا بالضبط سنجد النقد الأخلاقي يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر تبعا لعقيدة سائدة أو فلسفة مهيمنة أو سياسة متبعة التزاما أو مفروضة إلزاما، وعليه فإننا نجد في ذلك كامل المبررات للحديث عن نقد إسلامي في العالم الإسلامي وكما لا نستبعد أن يكون النقد الماركسي نقدا مشروعا في مجتمع هيمنت عليه في زمن معين فلسفة محدودة الأفق، فإننا لا نجد أي مانع من الحديث عن النقد الإسلامي الذي تمتد نظرياته في عمق النقد العربي القديم، والنقد العربي القديم كله كان نقدا إسلاميا في جوهره، من أول مؤلف فيه عند ابن سلام الجمحي الذي لم يخف اهتمامه بوظيفة الشعر فقال : "لو كان الشعر مثل ما وضع...ما كانت إليه حاجة، ولا فيه دليل علم"[3] وقال : "وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لاخير فيه ولا حجة في عربيته، ولا أدب يستفاد ولا معنى يستخرج"[4] فقوله لا أدب يستفاد  معناه لا قيمة خلقية تتحقق منه، إلى غاية منهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني، ونحن سنشرع مبدئيا في الحديث عن النقد الأخلاقي عامة ثم نعرج على مدارسه وعلى رأسها طبعا وبكل اعتزاز نظرية النقد الإسلامي، هذا النقد الذي يكرس نظرية في الأدب والنقد تنطلق من نص ثابت عن الله سبحانه وتعالى، وهو أعلم يقينا بما به يصلح حال الحياة بما في ذلك فنها المعبر عن مشاعر الإنسان إزاء كل ما يحيط به.


[1] ـ غراهام هو: مقالة في النقد: ص 20 ـ 21
[2] ـ نورمان فورستر : الحكم الجمالي  والحكم الأخلاقي في النقد: 142/ ضمن مقالات في النقد الأأدبي: لإبراهيم حمادة
[3] ـ ابن سلام الجمحي : طبقات فحول الشعراء:4
[4] ـ نفسه :1
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...1    كن أول من يقيّم
 
1ـ نظرية منهج النقد  الأخلاقي عامة:
   لقد تميز الأدب خلال تطوره الطويل بالنفوذ المتزايد إلى عالم الناس الداخلي وإلى علاقاتهم بالعالم المحيط بهم، والعلاقات فيما بينهم، هذا هو الأدب اليوناني القديم كما يتجلى في إلياذة هوميروس، وقصيدة العرب في الجاهلية، وغير ذلك من الآداب، وهذا ما يسمح لأي ناقد بالقول: إن الموضوع الأساسي في تاريخ أي أدب هو الإنسان. فلقد كان الإنسان هو الموضوع الذي يشغل المساحة الكبرى في كل الإنتاج الأدبي، لأن كل ما يصوره الأدب من طبيعة وحيوانات وأشياء لا يكتسب معنى فكريا وفنيا إلا إذا نسب إلى حياة الناس وطبائعهم ومشاعرهم وإحساساتهم، ولكن الإنسان من حيث هو صانع تاريخ وحضارة فإن الأخلاق ستظل الأساس  في كل سلوكه. 
ونظرا إلى أن الأدب يتخذ من الإنسان موضوعه الرئيسي فإن النقد كان منذ نشأته يهتم بغاية الأدب و الأخلاق التي يدعو إليها . يقول والبرسكوت "من بين أنماط النقد التي تمارس اليوم ،يعد النقد الأخلاقي ـ بلا شك ـأطولها تاريخا ، فقد كان (أفلاطون) في جمهوريته المثالية مهتما بالتأثير الخلقي الذي يمكن أن يحدثه الشاعر ، كما أولى (هوراس) نفعية الشعر وجماله شأنا كبيرا، وكذلك أبدى نقاد عصر النهضة ـ القرن السادس عشر ـ اهتماما مشابها بعمل (فيليب سدني) وفي القرن الثامن عشر لم يتردد الدكتور (جونسون) الزعيم الكبير لمبدأ: الإدراك المشترك المدعم بالقدرة العقلية ـ في الحكم على المضمون الأخلاقي للمؤلفين الذين ناقشهم في كتابه " سير الشعواء " كما ناقش (ماثيو أرنولد) أهمية الجدية البعيدة المدى في الفن، كل هؤلاء يمثلون الألسنة الرسمية الهامة التي تؤمن إيمانا راسخا بأهمية الأدب لا بالطريقة التي يقال بها فحسب، ولكن بمضمون ما الذي يقوله أيضا"[1].
 ومنه ينتج أن النقد الأخلاقي هو الاتجاه النقدي الذي يعنى بالأثر الذي يتركه الأدب في المجتمع ، وفي نفسيات الأفراد وسلوكاتهم ووعيهم بصفة عامة، وأن " النظريات الخلقية هي تلك التي ترى أن الأدب جزء مساهم في فعالية فئة اجتماعية ثم تقيمه وتشرحه بالرجوع إلى تلك الفئة غير أن الفئة الاجتماعية جزء من كلية اجتماعية وعلى النظرية الخلقية إن وسعت تحليلها توسيعا كافيا أن تقيم الأدب وتشرحه بالرجوع إلى تلك الكلية الاجتماعية"[2] وعليه فالنقد الأخلاقي : هو مجموعة القواعد الأخلاقية الخاصة التي إذا استخدمها الناقد في دراسة النص الأدبي مكنته من الوقوف على الأثر الذي يحدثه النص في المتلقي باعتباره قدوة ونموذجا.
 وعلى هذا الأساس فإن النظرية الخلقية كانت " تنص على أن قانون الكمال الأدبي هو ذاته قانون الكمال للحياة ، فالأدب يرتب خير ترتيب بموجب المبادىء ذاتها التي تتحكم في بقية التجربة الإنسانية، غير أن كل فعالية إنسانية حالة خاصة، والأدب ليس أقل من غيره في هذا المقام، فكتابة عمل أدبي فعالية من نوع خاص، وقراءة عمل أدبي تجربة من نوع خاص، ولذلك فالمطلوب من النظرية الخلقية أن تبين كيف تنسجم الحالة الخاصة مع الهيكل العام، وكيف يتصل الأدب بمجمل الخبرة البشرية؟ ؟، وأبسط الأجوبة عن هذا التساؤل ـ هي أن الأدب قدوة فهو يزودنا بأمثلة من الفضائل يجب أن نضارعها، وأمثلة من الرذائل يجب أن نجانبها"[3]،ونستنتج من هذا الكلام المهم جدا أن الأدب رؤية للحياة معبر عنها فنيا فهي بذلك رؤية تقوم على اختيار عناصر من الحياة أكثر لفتا للانتباه لتكون نموذجا للمتلقي ولكن هذا النموذج إما أن يكون سلبيا وإما أن يكون إيجابيا لذلك تحتم طرح سؤال آخر مفاده: كيف تنسجم الرؤية الروائية أو الشعرية مع مبادئ الحياة؟  وعلى سبيل المثال كيف يمكن أن تنسجم رؤية نجيب الكيلاني التي يقدمها من خلال رواية ( ملكة العنب) مع الحياة في أعلى مستوياتها التي تمثل الفضيلة فيها  بمنتهى ما يطمح إليه البشر؟ هل استطاع أن ينجح في تكوين عالم فني يحاكي فيه عالم الواقع بفضيلته ورذيلته بحيث يخرج القارئ بانطباع طيب على ما تطرحه الرواية من نماذج بشرية لأساليب الحياة؟ ويمكن كذلك أن يفهم الأمر بالنسبة لمسرحية (أهل الكهف) لتوفيق الحكيم، ومثال ذلك شخصية يوسف عليه السلام في قصة يوسف في القرآن الكريم، أو في التوراة، وشخصية زليخة امرأة العزيز، وشخصيات إخوة يوسف.


[1] ـ ولبرسكوت : تعريفات بمداخل النقد الأدبي الخمسة ، ضمن كتاب مقالات في النقد لإبراهيم حمادة ص : 53
[2] ـغراهام هو: مقالة في النقد الأدبي : 41
[3] ـ مقالة في النقد الأدبي :34
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...2    كن أول من يقيّم
 
مقاييس الحقائق في النقد الأخلاقي :
يرى (غراهام هو) أن النظرية الخلقية في النقد تحدد للدراسة الأدبية ثلاثة مبادئ ومقاييس أساسية يعتمدها للحكم على النص الأدبي وهي :1ـ مبدأ القدوة والنموذج السلوكي  2ـ مبدأ التحذيرات  3ـ مبدأ الفطرة والطبيعة[1]
1 ـ مبدأ القدوة والنموذج السلوكي : تأكد هذه النظرية أن " الأدب قدوة " ومعنى ذلك أن الأدب يصوغ للمجتمع الأفكار والمبادئ والقيم الخلقية لكي يتخذها نموذجا يقتدى في الحياة الاجتماعية " فالأدب من شأنه أن يزودنا بأمثلة عن الفضائل يجب أن نضارعها وأمثلة عن الرذائل يجب أن نجانبها "
ويستدل على ذلك بأن الأدب دائما يحمل في كل الأزمان أنماطا للشخصيات السلوكية ويمثل لذلك بجو فريد و المغرور في " القدس المحررة " فهو يرى أنه شخصية مفصلة تفصيلا خاصا لهذا الهدف. ونرى كذلك أن قصة يوسف وإن كانت واقعية فإنها تمثل خير نموذج للقدوة الصالحة.وكذلك شخصية كل من براعم ومحمد حسب الله في رؤية ملكة العنب للكيلاني 
ولكن هل يستطيع الأديب أن ينجح دائما في تقديم النماذج الصالحة للقدوة ؟ يجيب (غراهام هو):إذا طلبنا من الأديب ذلك فإن ثلاثة أرباع الأدب يجب أن تزول.على أن أرسطو يرى أن الاقتداء والاحتذاء أو الاعتبار والحذر  آلية من أقدم آليات الأدب وأكثرها أصالة فيقول : " لما كان المحاكون إنما يحاكون أفعالا أصحابها بالضرورة إما أخيار أو أشرار لأن الاختلاف يكاد ينحصر في هاتين الطبقتين إذ تختلف أخلاق الناس جميعا بالرذيلة والفضيلة فإن الشعراء يحاكون إما من هم أفضل منا أو مساوون لنا شأنهم شأن الرسامين"[2]، ويربط أرسطو مسألة النموذج والقدوة بطبيعة المبدع" لقد انقسم الشعر وفقا لطباع الشعراء فذوو النفوس النبيلة حاكو الفعال النبيلة وأعمال الفضلاء، وذوو النفوس الخسيسة حاكوا أفعال الأدنياء فأنشدوا الأهاجي بينما أنشأ الآخرون الأناشيد والمدائح" [3]ويبين طريق الكتابة الملتزمة في رسم معالم القدوة فيقول : " يجب ألا يظهر في الحكاية الأخيار منتقلين من السعادة إلى الشقاوة فهذا مشهد لا يثير الخوف ولا الرحمة بل يثير الاشمئزاز، ولا الأشرار منتقلين من الشقاوة إلى السعادة فهذا أبعد الأمور عن طبيعة المأساة لأنه لا يحقق أي شرط من الشروط المطلوبة فلا يوقظ الشعور الإنساني ولا الرحمة ولا الخوف ولا اللئيم العنصر يهوي من السعادة إلى الشقاوة فمثل هذا قد يثير عاطفة الإنسانية ولكنه لايثير الرحمة ولا الخوف أبدا... بقي أذن البطل الذي في منزلة بين هاتين المنزلتين وهذه حال من ليس بالذروة من الفضل والعدل ولكنه يتردى في هوة الشقاء لا للؤم فيه وخساسة بل لخطأ ارتكبه"[4]  
 
ب ـ مبدأ التحذيرات ( العبرة):يرى أنصار هذه النظرية، منهم جونسون وتولستوي أن القدوة التي يرسمها الأديب من خلال شخصياته القصصية أو المسرحية أو الملحمية لاتنفك عن التحذيرات،لأن القدوات والتحذيرات توجد في الأدب كما توجد في الحياة وأنهما ممتزجان إلى حد أنه لا فكاك لأحدهما عن الآخر لأن الأدب كالحياة. غير أن التفكير في الأدب بهذه الصورة يضره كما يرى (غراهام هو)، والصواب في رأيه:<<أن الأدب يزودناـ فقط ـ بالمادة الخام للحكم الخلقي، وهو فرد من الناس،...وذلك لأن الأديب يستعين فوق تجربته الشخصية بتجارب يقرأها في التاريخ وعلم الإنسان والفلسفة، ثم ـ بفضل الخيال ـ يقدمها نماذج بشرية تصلح لأن تكون نماذج للمجتمع تحذره من أخطار الحياة أو تمده بقدرة ومثل أعلى للتقليد. ومثال ذلك شخصية زليخة وشخصية الإخوة  في قصة يوسف، وشخصية ( الراعي كشكل) في قصة ( ملكة العنب) إذ كل " أجزاء جسمه تنبض بالألم فقد عاش معظمة سنوات عمره حليفا للكيف" .


[1] ـ غراهام هو : مقالة في النقد : 34ـ 37
[2] ـ أرسطو فن الشعر : 7ـ 8 ـ ترجمة عبد الرحمن بدوي : دار الثقافة : بيروت لبنان
[3] ـ أرسطو : م س : 13
[4] ـ أرسطو : م س : 35
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...3    كن أول من يقيّم
 
جـ ـ مبدأ الفطرة :يرى النقاد الأخلاقيون أن الفطرة والطبيعة هي الضابط القياسي الذي يرجع إليه الأدب وهي المبدأ الثالث وأكثر المبادئ شمولا للنقد الأخلاقي ، وقد صاغ جونسون هذا المبدأ قائلا :
" ليس في وسع أي شيء أن يلذ للكثيرين وأن يلذهم مدة طويلة سوى التمثيل الحق للطبيعة البشرية " وليس من شك في أن هذا المبدأ يتناسب تماما مع قول النقاد : المطلوب من النظرية الخلقية أن تبين كيف ينسجم الفن مع الحياة، وكيف يتصل بخبرة البشرية:
1ـ كيف تنسجم الحالة الخاصة أي الرؤية الفنية مع الهيكل العام الذي تحكمه قوانين كمال  الحياة، ففي قصة ( ملكة العنب ) مثلا نجد الصراع بين براعم ومحمد حسب الله ينتهي إلى الزواج لانتمائهما إلى نفس المبادئ رغم طبيعة الصراع الذي ينتظر منه العداوة والبغضاء وغير ذلك من العناصر المفرقة
2ـ كيف يتصل الأدب بمجمل الخبرة البشرية؟ وهنا نتبين أن الأديب نجيب الكيلاني في رواية  ملكة العنب يتخذ من حدث واقعي جدا ( يتمثل في خطبة مسجدية ) يؤدي إلى تطور الأحداث في الرواية ليخرج من المسجد إلى الشارع ثم إلى تدخل الدولة وإسجان الإمام، وتتبلور الفكرة لتشكل وعيا اجتماعيا يجعل الإمام بطلا وتنظم إليه ( الملكةبراعم) بمواقف حسنت صورتها في رأي المجتمع لتصير ملكة شعبية فعلا ، فالرواية بأكملها في كل سلوكاتها عبارة عن ( عالم مصغر للخبرة البشرية) يتناسب مع الفطرة في كل سلوكات شخصياته وهي تتحرك بتحرك الأحداث وتصنع التاريخ" ذلك لأن الأدب يرتب خير ترتيب بموجب مبادئ الحياة"
ولكن هل يمكن أن نعزو للطبيعة والفطرة كل شيء مثل التحيز الطبقي وإجحاف الزمان؟  وكيف نفسر الصراع الدائم في السلوك البشري ؟ كل ذلك أسئلة ينبغي أن يضعها الأديب عند لحظة الإبداع والناقد عند لحظة النقد  كل بحسب معتقده ورؤيته للحياة التي يريد أن يجعلها أسوة وقدوة أو مثلا للعبرة
تعليق :هذه النظرية قد أهملت عنصرا هاما في تزويد الإنسان بالنمط الخلقي والقيم التي تبني الفضيلة وتحارب الرذيلة وهي مبدأ الرعاية الربانية بالوحي، الذي ينقل للإنسانية تجارب بشرية عن طريق القصص كما هو الحال في قصة إبليس  وآدم وقصة يوسف عليه السلام وزليخة مما يفتح المجال للنقد الديني ومنه النقد الإسلامي، كما أن المنهج الخلقي معياري لذا يهمل الواقع الاجتماعي مما يفتح المجال للمنهج الاجتماعي، ويهمل التحليل النفسي للمبدع في علاقته بالعمل الأدبي مما يفتح المجال للمنهج النفسي، ويقلل من اهتمامه بشكل النص وبنيته الجمالية مما يفتح المجال للنقد الفني الجمالي واللغوي والبنيوي والأسلوبي كما سنرى.
 
2ـ نظرية مدرسة الإنسانية الجديدة: نشأت هذه المدرسة(  neo homanist) في القرن العشرين بأمريكا، وتنطلق هذه المدرسة من مفهوم للأدب يرى أن " الأدب نقد للحياة"[1]، ومن المفيد لدارس  نظرية هذه المدرسة أن يقف على أهم خطوطها العريضة  ومنها :
ـ دراسة تقنية الأدب عندهم هي دراسة للوسائل ( الطعم ) الذي يقدمه الأدب ليحقق به الهدف والغاية الأدبية على النحو الذي يؤثر في الإنسان  بالأدب وهو يحتل مكانه في ساحة الأفكار والمواقف الإنسانية.
ـ مادام الإنسان هو موضوع الأدب وهو مبدعه فإن النقد يقوم بتحليل الإنسان وفق متطلبات أساسية وعلى رأسها أنه يتميز عن الحيوان بكونه عاقلا وبامتلاكه لمعايير أخلاقية وقيم إنسانية على الرغم من أنه نزاع بطبيعتة إلى ميول حيوانية أو إلى الفردانية والأنانية  ] زين للناس حب الشهوات[   ولكنه مسؤول عن ميوله لكونه عاقلا  مما يستوجب أن يعمل على تهذيب طبيعته الإنسانية[2]
ـ مفهوم الحرية لا يعني التحرر من ظروف البيئة فحسب وإنما يعني كذلك الإذعان إلى " قانون داخلي " إلى صوت الضمير.
ـ المصطلحات الأساسية للمدرسة هي : الترتيب والتقيد والنظام.
ـ تنتقد هذه المدرسة  غيرها من جهتين:
أـ  النظرة الحيوانية المتضعة إلى الإنسان
ب ـ الاتجاه الرومنسي ورعايته الزائدة للأنا
 
ـ  تستمد هذه النظرية قواعدها  من الدين،  فحس نقادها  الأخلاقي  القوي ينبع  من الأرثوذوكسية، ويربطون هذه الحساسية  الأخلاقية بحساسية جمالية، وقد رأى بعض النقاد أنها قد تحولت بعد ميلادها إلى ( إنسانية دينية) ثم إلى ( الإنسانية المسيحية) تمثلت رآها المختلفة في حسم " ضرورة التحالف بين الدين والأخلاق"   وضرورة الاعتراف بقداسة القوى الغيبية في سبيل المعايير الأخلاقية التي يواجه بها الفن، وتوصلوا أخيرا إلى  دمج مبررات المعتقد الديني مع المعايير الأخلاقية المزكاة[3].


[1] ـ ويلبر سكوت : تعريفات بمداخل النقد الأدبي الخمسة 53 ضمن كتاب : مقالات في النقد الأدبي  لإبراهيم حمادة / دار المعارف مصر
[2] ـ ويلبر سكوت  م س 53
[3] ـ ويلبر سكوت م س : 57
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...4    كن أول من يقيّم
 
الخلاصة: هذه النظرية تنطلق من أن الأدب نقد للحياة موضوعه الإنسان مما يستوجب تحليل الإنسان وفق متطلبات أساسية هي كونه عاقلا ومسؤولا وأخلاقيا و صاحب ميول وتستمد هذه النظرية قواعدها  من الدين، وتقوم على قواعد هي الترتيب والتقيد والنظام و  وتحلل الجماليات الأدبية باعتبارها وسائل التشويق لتحقيق الغاية الخلقية وتهذيب الإنسان، وقد كانت هذه الدراسات كثيرة في الغرب حتى قال أحدهم : "ربما كانت الدراسات حول مثل هذه المشكلات في الآداب الأخرى أكثر وفرة فالتفسيرات التي وضعت عن لاهوت دانتي لا تعد ولا تحصى"[1] وفي روسيا عومل دوستويفسكي وتولستوي على الغالب وبكل بساطة معاملة الفلاسفة والمجتهدين في الدين بلأ إن بوشكين قد تم تكييفه لنستنتج منها حكمة مراوغة ، وفي أيام الحركة الرمزية ظهرت في روسيا مدرسة كاملة من النقاد الميتافيزيقين الذين يفسرون الأدب بحدود مواقفهم الفلسفية"[2]وبناء على ذلك فقد تساءل بعض النقاد : " هل يغدوا الشعر أفضل إذا كان فلسفيا بصورة أكبر؟ وهل يمكن أن يحكم على الشعر بحسب قيمة الفلسفة التي يتضمنها أو بحسب درجة التبصر التي يظهرها في الفلسفة التي يتبناها؟ أم هل يمكن أن يقاس بمعيار الأصالة الفلسفية أو بدرجة تعديله للفكر التقليدية؟"[3]، وفي فرنسا ظهرت كتابات مثل " تاريخ المشاعر الدينية الفرنسية في القرن السابع عشر"[4]
وقد طرح رنيه ويلك سؤالا هاما بخصوص الأدب والأفكار والفلسفة يتعلق " بمسألة كيفية دخول الأفكار في الأدب"، ثم يجيب : " من الواضح أنها ليست مسألة وجود أفكار في عمل أدبي  ما دامت هذه الأفكار   تظل مجرد مادة خام مجرد معلومات ولا تثور المسألة إلا إذا تغلغلت هذه الأفكار عمليا في نسيج العمل الفني عندما تصبح رموزا أو حتى نوعا من الأساطير"[5] وأيضا " حين لا يقتصر دور الأشخاص والمشاهد على التمثيل فقط بل إنها تجسد الأفكار تجسيدا عمليا وعندما يحدث أن تتم المماهات بين الفلسفة والفن فتمسي الصورة مفهوما والمفهوم صورة"[6] وينهي ويلك تقييمه قائلا: " إن شعر الأفكار مثل سائر الشعر لا يجوز أن يحكم بقيمة مادته بل بدرجة تماسكه وقوته الفنية"[7] 


[1] ـ رنيه ويلك واو ستن: نظرية الأدب : 118
[2] ـ رنيه وأوستن : م س : 119
[3] ـ رنيه ويلك وأوستن م س : 119
[4] ـ رنيه ويلك  وأوستن : نظرية الأدب : 121
[5] ـ رنيه ويلك ... م  س  : 128
[6] ـ رنيه ... نم س : 1
[7] ـ رنيه ويلك ...  م  س  : 129
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...5    كن أول من يقيّم
 
3ـ نظرية النقد الإسلامي:
 
توطئة: عندما يذكر النقد مرتبطا بالدين فإنه بالأكيد يدخل ضمن  النقد الإيديولوجي، بمعنى النقد الذي يعنى بعلم الأفكار، " ومن المؤكد أن بالإمكان معالجة الأدب كوثيقة في تاريخ الفلسفة والأفكار؛ لأن تاريخ الأدب يوازي ويعكس تاريخ الفكر"[1].
وهكذا يصبح النقد الإسلامي ليس نقدا أخلاقيا فقط بل هو نقد عقدي وأخلاقي وفني في الوقت نفسه،  ومن الطبيعي أن تكون له خصوصياته المميزة، التي نادى بها كبار النقاد والمبدعين المهتمين بقضايا هذه النظرية قديما مثل : الآمدي إذ قال : " قال صاحب أبي تمام فقد عرفناكم أن أبا تمام أتى في شعره بمعان فلسفية وألفاظ عربية فإذا سمع بعض شعره الأعرابي لم يفهمه وإذا فسر له فهمه واستحسنه"[2]، وقال أيضا: " قال صاحب أبي تمام : إنما أعرض عن شعر أبي تمام من لم يفهمه لدقة معانيه وقصور علمه عنه وفهمته العلماء وأهل النفاذ في علم الشعر وإذا عرفت هذه الطبقة فضله لم يضره طعن من طعن بعدها عليه"[3] و حديثا منهم : أبو الحسن الندوي مؤسس رابطة الأدب الإسلامي، وسيد قطب، في كتابه النقد الأدبي أصوله ومناهجه، ولاسيما الفصل المتضمن لمقال له بعنوان : "منهج الأدب الإسلامي"[4] ومحمد قطب في منهج الفن الإسلامي، ونجيب الكيلاني في كتابي الإسلامية والمذاهب الأدبية و مدخل إلى الأدب الإسلامي، وعماد الدين خليل في "النقد الإسلامي المعاصر" وغيره ،هذا إلى الإبداعات الروائية والشعرية الكثيرة، مثل : ليالي تركستان، عمالقة الشمال، عذراء جاكرتا عمر يظهر في القدس، رحلة إلى الله، ملكة العنب، وكلها لنجيب الكيلاني، وقل مثل ذلك في الشعر، فما هي خصوصيات النقد الإسلامي ونظرية الأدب فيه ?
    العلاقة بين الوظيفة والطبيعة في نظرية الجمال الإسلامية:   لقد سبق الحديث أن سيد قطب قال: "إن عنصر الجمال يبدو مقصوداً قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه. ومن كمال هذا الجمال أن وظائف الأشياء تؤدى عن طريق جمالها. هذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح . ووظيفة النحل والفراش بالقياس إلى الزهرة هي القيام بنقل اللقاح ? لتنشأ الثمار. وهكذا تؤدي الزهرة وظيفتها عن طريق جمالها ! .. والجمال في الجنس هو الوسيلة لجذب الجنس الآخر إليه ? لأداء الوظيفة التي يقوم بها الجنسان. وهكذا تتم الوظيفة عن طريق الجمال .الجمال عنصر مقصود قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه"[5]، وهذا الكلام مهم جدا لأنه بالمصطلح الأدبي يعني أن وظيفة الأدب تتحقق عن طريق طبيعته، فهما مترابطان تماما.
وفي ضوء  تلك النظرة لمفهوم الجمال يتحرك النقد الإسلامي ونظرياته في الأدب والفن عامة. ويمكن أن نلخص نظرية النقد الإسلامي فيما يلي:
 
1ـ مفهوم الأدب الإسلامي : الأدب عامة عند قطب مرتبط بدلالته اللغوية عند العرب ،" فالأدب كسائر الفنون تعبير موح عن قيم حية ينفعل بها ضمير الفنان، هذه القيم قد تختلف من نفس إلى نفس ومن بيئة إلى بيئة ومن عصر إلى عصر ولكنها في كل حال تنبثق من تصور معين للحياة والارتباطات فيها بين الإنسان والكون وبين بعض الإنسان وبعض"[6] ويذهب المذهب نفسه محمد قطب فيعرف الأدب الإسلامي بأنه " هو الفن الذي يهيئ اللقاء بين الجمال والحق فالجمال حقيقة في هذا الكون والحق هو ذروة الجمال ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود"[7].فالأدب تصور فني محدد للحياة فهو إذن نقد للحياة، ومن الطبيعي لهذا التعبير عن قيم الحياة أن يملك مرجعية  هي التي تحدد رؤية الأديب ومن ثم ترسم الخطوط التي يتتبعها الناقد لتحليل النص وتفسيره لكن وفق تصوره هو للحياة من جهة ووفق مفهوم الجمال حين يتجسد في نص أدبي ما.
        وعلى هذا فإن قطب سيقيم الأدب عامة في ضوء نظرية تكاملية، أي نظرية الوظيفة حين تتحرك في صناعة الأدب بواسطة نظرية الطبيعة، لذلك ما فتئ يشير إلى العلاقة بين الدين والأدب، فهو يرى أن" الإسلام تصور معين للحياة تنبثق منه قيم خاصة لها، فمن الطبيعي إذن أن يكون التعبير عن هذه القيم أو عن وقعها في نفس الفنان ذا لون خاص"[8] وفي ضوء ذلك عرف سيد قطب الأدب الإسلامي بقوله: " وحسب الشعر أو الفن أن ينبع من تصور إسلامي للحياة في أي جانب من جوانبها ، ليكون شعرا أو فنا يرضاه الإسلام"[9] فالادب الإسلامي فن ينبثق عن التصور الإسلامي لكل جوانب الكون والحياة .
ونظرية الشعر في نقد سيد قطب تتحرك في فهمه العام للجمال حين تتعانق طبيعة الأدب مع وظيفته ويدعم أحدهما الآخر ليحدث الكمال، لذا تراه يقول : " وإن عنصر الجمال لمقصود قصدا في هذا الوجود. فإتقان الصنعة يجعل كمال الوظيفة في كل شيء  يصل إلى حد الجمال. وكمال التكوين يتجلى في صورة جميلة "[10]وحين يلح على الترابط بين الطبيعة والوظيفة فإن كلامه يصل حتما إلى التزام طبيعة الأدب بمقتضيات الوظيفة، فيصير شكل العمل الأدبي مصنوعا وفق متطلبات الوظيفة فيتكاملان ولا يتناقضان


[1] ـ رنيه ويلك وأوستن : نظرية الأدب : 116
[2] ـ الآمدي : الموازنة : 1/ 15
[3] ـ الأمدي  الموازنة : 1/ 8 
[4] ـ  النقد الأدبي أصوله ومناهجه: /103
[5] ـ في ظلال القرآن :3585
[6] ـ القد الأدبي أصوله ومناهجه : 103
[7] ـ محمد قطب : منهج الفن الإسلامي ص  6: دار الشروق
[8] ـ نفسه : 103
[9] ـ في ظلال القرآن :4/2622
[10] ـ نفسه : 2809
*صبري أبوحسين
20 - مايو - 2008
 2  3  4  5  6