أصل التهمة كن أول من يقيّم
إلى الأستاذ زهير
أحيي في شخصك الكريم سؤالك الدائم عن رواد مجالس الوراق المحترمة، وحرصك على نشر مشاركاتهم التي تضيف إلى كنوزه التراثية هوامش عظيمة القدر والأهمية.
أما بخصوص سؤالكم عن أصل تلك التهمة المشؤومة، فهو في تقديري نتيجة خطأ سلكه مؤرخو الأدب العربي الأوائل عندما حرصوا في دراستهم له على المطابقة الحرفية بين الأدب والسياسة، بدل المطابقة بين الأدب وحقيقة صاحبه الذي أنتجه.
وتجلى ذلك أول ما تجلى في الدراسات التاريخية المدرسية الأولى التي طبقت نتائجها على الأدب العربي، وكانت قد انتقلت فيما انتقل إلينا من أوربا من البضائع والسلع الأدبية الاستهلاكية التي روجت لها حركة الاستشراق ، ولذلك فهي مزيج غريب من النظرة العربية والنظرة الغربية. وكانت بداية ذلك في مصر؛
ويمكن أن نتبين الملامح الأولى لقصة ذلك الاتهام عند ثلة من أوائل المؤرخين للأدب العربي وهم: حسن توفيق العدل وأحمد الإسكندري وأحمد حسن الزيات ومحمد حسن نائل المرصفي وبقية تلامذتهم، وذلك من خلال كتبهم التي اعتمدتها وزارات المعارف في مصر ثم العراق ثم بقية الأقطار العربية.
ففي عهد هؤلاء، بداية القرن الماضي، صيغت نظرية تقسيم العصور الأدبية في شكلها الأول والنهائي الذي لم تحِد عنه المناهج التعليمية، في كثير من الأقطار العربية إلى الآن، وفي تلك النظرية إقرار تام بتبعية الأدب للخط السياسي في كل منعرجاته ومنحدراته، كما يبدو جليا من كلام توفيق العدل الذي يقول فيه:( تاريخ أدب اللغة تابع في تقسيمه للتاريخ السياسي والديني في كل آن، لأن الأحوال السياسية أو الدينية تكون في العادة عامة، فإما أن تبعث الأفكار وتحرك الأميال لمزاولة المعارف، وإما أن تكون سببا في وقوف الحركة الفكرية في الأمة بما يلحق السياسة أو الدين من ضعف ..., وعلى هذا رأينا أن نقسم الكلام على تاريخ أدب اللغة العربية إلى خمسة عصور: عصر الجاهلية، عصر ابتداء الإسلام، عصر الدولة الأموية، عصر الدولة العباسية والأندلس، عصر الدول المتتابعة إلى هذا العهد..)
ولهذه النظرية التاريخية المدرسية في دراسة الأدب العربي وتقسيمه، رغم نجاحها وشهرتها وسطوتها، أعطاب وأضرار كثيرة يطول شرحها، وكان غرضنا هنا أن نعين أصل ذلك التقسيم الخماسي الذي أصبح منذ ذلك الوقت ضربة لازب على دارسي الأدب العربي ومؤرخيه.
ثم سهل على تلامذتهم بعد ذلك أن يتصيدوا أحكاما واتهامات وانطباعات من هنا وهناك ثم يلصقونها بكل عصر من تلك العصور الخمسة، وكانت تهمة (الانحطاط) من نصيب العصر الخامس لأنها وافقت عهد الأتراك والعثمانيين الذين ضعفت في عهدهم الصلة بين اللغة العربية والسياسية.
|