قيمة دراسة الأدب المقارن كن أول من يقيّم
قيمة دراسة الأدب المقارن
يجب على من يدرس الآداب الحديثة أن يقف وقفة خاصة مطولة عند الأدب المقارن؛ ذلك أنه أدب زاخر زاهٍ بين علوم الآداب الأخرى، برز فيه شعراء وأدباء كبار مجيدون، واتضحت عن طريقه مذاهب أدبية مختلفة، واتسع نطاق النثر الفني باستكمال أدواته، وتعدد مجالاته ، وازدهر النقد الحديث، فهو علم يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير وتأثر.
فليس في مقدور أي مثقف أن ينكر ما لهذا الأدب من أهمية في تغذية شخصيتنا القومية، وتنمية نواحي الأصالة في استعداداتنا، وتوجيهها توجيهًا رشيدًا، وتوضيح مدى امتداد جهودنا الفنية والفكرية من التراث الأدبي العالمي، إلى جانب ذلك تظل للأدب المقارن رسالة إنسانية أخرى، هي الكشف عن أصالة الروح القومية في صلتها بالروح الإنسانية العامة في ماضيها وحاضرها، فلا نستطيع تقويم الأدب القومي حق التقويم، ولا توجيهه خير توجيه إلا بالنظر إليه في نسبته إلى التراث الأدب الإنساني جملةً؛ كي يُتاح له أن يقوم بوظيفة الإنسانية في ثنايا قوالبه الفنية.
وقف شاعر الهند: رابندرانات ناجور عام 1908م، في إحدى الجامعات يتحدث عن الرسالة الإنسانية للأدب المقارن حيث قال:" الأدب ليس مجرد مجموعة أعمال أدبية صاغتها أيدي الكتاب المختلفين، بل علينا أن نجاهد؛ كي ننظر في عمل كل مؤلف بوصفه كلاًّ، وننظر في هذا الكل بوصفه- جزءًا من خلق الإنسان العالمي- وننظر إلى هذا الروح العالمي في مظاهره من خلال الأدب العالمي".
وكذلك يفيد الكتاب والنقاد من نتائج بحوثه ومصطلحاته الفنية دون أن يكونوا من المتخصصين فيه، فالدراسات المقارنة من نوع الدراسات الإنسانية التي من شأنها أن تزدهر في عصور النهضات.
ويمكّننا من دراسة التيارات الأدبية العالمية كـ( الكلاسيكية، والرومانسية، والواقعية، والسريالية...) ، فمحورها دائمًا الأدب القومي في صلته بالآداب العالمية وامتداده بالتأثير بها والغنى بسببها. وأيضًا التعمق في الكشف عن طبيعة التجديد واتجاهاته في الأدب القومي والآداب العالمية. ثم إن الأدب المقارن أساس لا غنى عنه في النقد الحديث، فقواعد النقد الحديث ثمرات لبحوثه العميقة.
هذه كلمة انجر القلم إليها، أردت فيها أن أستحث الأدباء والكتّاب والباحثين، وأثير هممهم، علهم يقبلون على هذا المنجم البكر فيستخرجوا كنوزه، ويعرضوا على الناس جواهره.
جابر بن سالم بن خميس المصلحي
الفرقة الرابعة من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
مراجعة د/صبري أبوحسين
|