البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : المدية ، في مرآة التاريخ    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 لمياء 
27 - ديسمبر - 2007
 
احترت في أي المجالس أحط الرحال، فالمدية كانت التاريخ والجغرافيا لا جزئا منهما، وتجاوزت كونها الملهمة فهي الشاعر والأديب ، ومهما طال بي الوصف فإني لن أوفيها حقها مهما حاولت ، فلا يسعني الآن إلا أن أقول : أهلا بكم في مدينتكم !!
وقد فكرت طويلا في مقدمة مناسبة فلم أفلح ، وحاولت أن أبدأ بوصف بسيط فلم تطاوعني الكلمات، فإن كان علي تقديم لمحة بسيطة عنها كتمهيد ، فاسمحوا لي أن أنقل تعريفا موجزا لها من موسوعة وكيبيديا :
 
يقدر عمر المدية بألف عام أو يزيد، فالمدية عاصمة بايلك التيطري يعود تاريخها إلى عهد قديم أي حوالي 350هـ، بحيث قال أحد المؤرخين (المدية عتيقة قديمة،وأن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من أشير…فقد تداولت عليها عدة حضارات وسكنتها الكثير من الشعوب، والمدية اليوم من بين ولايات الجزائر تتوفر على منتوج ثقافي، سياحي،وتاريخي وهي تقاطع مدينة تلمسان في عدة تقاليد لتشابه أنماط المعيشة لدى سكانها وطريقة عمرانهم، وأسلوب حياتهم، و من الشخصيات التى ولدت و ترعرعت بالمدينة الشيخ ابن شنب وفضيل اسكندر، كما أنها كانت عاصمة الولاية الرابعة في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي.
 
وتقع ولاية المدية في الأطلس التلي، وتتربع على مساحة قدرها 8700 كلم2 وعلى ارتفاع 920 م من سطح البحر وتبعد عن العاصمة(الجزائر) 88 كلم2 شمالا.
إداريا: تضم الولاية 64 بلدية و 19 دائرة ،تحدها من الشمال ولاية البليدة و من الجنوب ولاية الجلفة و من الشرق ولايتي المسيلة و البويرة و غربا ولايتي ولاية عين الدفلى و تسمسيلت .
 
تعتبر الولاية بفضل موقعها الجغرافي همزة وصل بين الساحل والهضاب العليا ،بحيث تمتاز بشتاء بارد. و صيف حار ،و تسمى بوابة الأمطار بحيث تصل نسبة الأمطار فيها من 400 إلى 500 ملم سنويا. وهي تعرف بتساقط الثلوج .
وهي ذات طابع فلاحي رعوي إذ تقدر الأراضي الفلاحية بمساحة 341.000 هكتار ومساحة غابية تقدر ب161.885 هكتار، تتوفر على إمكانيات حقيقية للنشاطات الاقتصادية المتعددة وخاصة السياحية منها .
 
هذا وللحديث بقية  ...وإلى حين اللقاء ، تقبلوا مني سلامي        
 
 
 2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تتمة المحاضرة 1 ...    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
موقف مع التاريخ :
إن التاريخ هو منطق للزمن ، ينتقل من الآباء إلى الأبناء ، ليكون منطلقا للأجيال ورافدا للرعيل الوافد ، ليعرف من أين وإلى أين؟ ...
وللمدية زمن لا يستهان به ، فهي وليدة ألف عام أو يزيد ، وهذا الزمن يصعب على الباحث أن يسلسل منطقه ، فهو زمن لدنيا بادت ، ثم عاشت ، إلا أن حقائق التاريخ إذا اهملها الزمن وقتا فلا بد أن تنشرها الأيام المتولدة من غابر الأزمان، فهذه البلدة التي تربعت على عرش الطبيعة لتتحدى الطبيعة ،وتخلق من أحفادها من يسخرون الطبيعة ، وقد كان أن هذه البلدة التي بلغت من العمر ألف عام ، قد يقول منطق الأجناس أنها هرمت وشاخت ، ولكنها وارفة الظل شابة الطبيعة ، وكلما امتدت الأيام بها زادتها جمالا على جمالها .
 
إن هذه البلدة التي صادقت التاريخ فكانت تاريخا، ونسجت من طبيعتها وحدة متجانسة في الأشكال والطباع أبت الضيم وحطمت الأغلال ورفضت الذل والهوان، يتجلى ذلك في مقاومتها المستمرة طوال أيام ممتدة ، لكل معتد أثيم ، وإذا كانت الأيام لم تنصفها والكتب التاريخية أهملتها إلا في مصادر قليلة متفرقة، وبصفة وجيزة فقد فرضت نفسها على التاريخ ، وكانت تل من وقت لآخر في مواقف شريفة، ومعارك عنيفة تخوضها وتنتصر، ولعل التاريخ أجمل الكلام عنها لتركتها الطويلة ، المثقلة بالحوادث والأحداث التي تتغلب على عقل المؤرخ وقلم الكاتب .
 
إن هذه البلدة التي كانت منطق إعجاب التاريخ فعزاها إلى عصر الرومان تحت حكم ((سبتم سفار)) 210 بعد الميلاد ، وكانت تسمى ((مدياس)) كلمة لاتينية ، أو كلمة ((أمدياس)) وهذا مع اختلاف الروايات في ذلك العهد ،أو من كلمة عربية ((لمدية))، وتقول روايات أخرى أنها سميت باسم ملكة رومانية تدعة لمبدية أو لمدية ولعل ما يؤكد هذه النظرية ما هو موجود في كتاب لمؤلف فرنسي "أندري جوليان" في كتابه "تاريخ إفريقيا الشمالية" .
وينسب للطبيب "مارشان" فيذكر المدية في مواضع مختلفة ، ويذكرها كذلك في نفس المصدر على لسان طبيب آخر "مفير" سنة 1359 ، حيث يقول : يوجد نفق للماء في مسافة ألفي متر تحت المدينة ، وهو موجود لحد الآن يقال له "الماجن" ، قال : والذي يثبت هذا هو مادة البناء التي كانت تستعمل خاصة في عهد الرومان وهو خلط الحجر الرقيق بالجبس ، وقال أيضا : حينما كانوا يحفرون الأساس للمستشفى العسكري ، عثروا على رفات بالية وتحف وزهرية مصورة عليها صورة امرأة وفخار ونقود من البرونز وفانوس ، لونها رمادي ....الخ
وما نستنتجه من خلال هذه البحوث أن البلدة قديمة موجودة منذ عهد الرومان ، ولعل الصورة في الزهرية هي رمز الملكة التي تسمى البلدة باسمها أو تنسب إليها ، وإذا كانت ملكة الرومان قد خلعت اسمها تاجا على هذه البلدة ، فهذا ولاء العارف بجمالها الطبيعي الجذاب ، ونطوي التاريخ من عهد الرومان الطويل وغيرهم من النوميديين ، ولعل الاسم تحرف عبر عصور التاريخ من المدية إلى نومدية ، أو قبيلة أو بطن من بطونها المتعاقبة ، كما حملت اسما بربريا من بطون صنهاجة ، تسمى "لمدية" وإليها ينسب، من ينتسب إليها "لَمْدي" أو "لَمْدَاني" .
 
اختلاف المؤرخين في تسميتها والانتساب إليها:
وهذا ابن خلدون يصرح في كتابه "العبر" (المجلد السابع صفحة 192) : ((نهض عثمان بن يغمراسن إلى المدية وبها أولاد عزيز من بني توجين ، وقام بدعوته فيها قبائل من صنهاجة ، يعرفون بـلَمْدِيَّة وهي تنسب إليهم ))، والذي يدعم أصل ما نكتب أو نقول أن ابن خلدون يصرح في موضع آخر :(( أن المدية بطن من بطون صنهاجة المسمى بأهله ، ونطق بعضهم بـلَمْدُونة والنسبة إليهم لَمْداني أو لَمْدي)) كما قلنا من قبل ...ومما يقال أن أهل المدية كانوا يصنعون فيها المدى وهي السكاكين ، فنسبت إلى الصنعة التي تصنع فيها ،.... ونطق الكلمة باللغة الفرنسية ((مِدِيا Médéa )) يوحي بأن النسبة أخذت من الصنعة !!!؟
 
مولد المدية:
أراد بعض المؤرخين أن يجعل مولد المدية في عهد حماد بن زيري سنة 350هـ ، ولكن صدق التاريخ يعطي ان المدية كانت ضاربة في القدم ، وأن تاريخها بألف عام يعتبر منطلقا لتاريخ حديث تناولته الأقلام كثيرا ، ونطقت به الألسنة ، وذلك يعتبر تدعيما لمجد هذا البلد وتقوية لأصالتها كما قال "ابن عبيد البكري" حيث قال :(( المدية بلد جليل قديم)) ودعم هذا رأي الوزاني الفاسي حيث قال :(( ان الأفارقة القدماء هم الذين خططوا المدية بما يعرف بنو "مْديّة" )) ويقف مع هذه الآراء المؤرخ "مرمور" عندما قال : (( إن المدية عتيقة قديمة وإن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من "أَشِير" ))
*و"أشير" هي مدينة بالجنوب الشرقي من البرواقية ، قرب ثلاثاء الدوائر ، أنشأها زيري بن مناد رئيس صنهاجة وأميرها سنة 324هـ ، وجعلها مركزا حربيا لمحاربة قبائل زناتة الخارجة عن طاعة العبيدين ، وجلب لها الصناع والعمال من "مسيلة" و "طبنة " فأحكموا وضعها وأشادوا بناءها ، فكثر عمراها وشيدت فيها القصور والمنازل والحمامات وقصدها التجار والعلماء  والأدباء من كل مكان، وكانت بها سوق تباع فيه كل لطيفة وظريفة ، وضرب بها "العبديون" عملتهم ، وكانت حرما آمنا حتى سنة 440 هـ حيث خربها " يوسف بن حماد الصنهاجي" حينما أنشئت العاصمة الجديدة "لَمْدية" ،وكانت أشير في سهل قرب الجبل الأخضر هدفا للعدوان وعارية من التحصينات الطبيعية مما جعلها بمعزل عن الأمن وعرضة للطامعين ، ولذلك فكر الأقدمون أن يلوذوا بتحصين طبيعي فكان هذا المكان هو المدية ، وفي ذلك العهد انطلق بنوا زيري من صنهاجة ومن اعوان الفاطميين على الخارجين ، وتطاولت دولتهم في القرن الرابع الهجري ، من تيارت غربا إلى الزاب شرقا ، ونظر الفاطميون إليهم بإعجاب فأنزلوهم أحسن المنازل ، لأنهم أقدر الناس على محاربة بدو زناتة .
ولما تسلم زيري بن مناد سنة 349هـ ، 960م حكم تيارت من الفاطميين ، أذن لابنه "بولوكين" بتأسيس ثلاث مدن : المدية 355هـ ، مليانة 360هـ والجزائر 362هـ ، وفي هذا الصدد يذكرنا ابن خلدون في حديثه عن المدية بما نصه : ((وكان المختط لها بوبوكين بن زيري )) كتاب العبر ، ج 7 ، وذكر البكري في كتابه : المسالك والممالك (( قام بتخطيطها )) وذكر مصدر آخر كلمة  التشييد ، وانطلاقا من هذه النصوص نفهم بأن المدية كانت أنقاضا وخرابا بعد بنائها من عهد الرومان ، وذلك لطول العصور التي مرت عليها ، إذن فالتأسيس والتخطيط والتشييد يكون من العدم أو شبه العدم ، وإما اختيار الموضع الاستراتيجي الهام ، هو الذي تنبه له هذا العبقري في ذلك الزمان الغابر.
وكان لنا به فضل الاحتفال بمرور ألف سنة على تأسيس هذه البلدة الطيبة ، وكان اللقاء بالفاطميين على هذه الأرض يجعل منا ربطا بين المشرق والمغرب ، حيث أن الفاطميين كان لهم تأثير كبير أثناء وجوهم في هذه الديار ، فكان التأثير والتأثر بينهما واضحا في كثير من الأوجه ، وبعد انتقالهم إلى المشرق وفتحهم لمصر وتأسيسهم للأزهر الشريف لعنايتهم بالعلم وحفاظهم على الإسلام ، وإذا كانت المدية قد حضيت بالفاطميين قبلا ممثلا في مدينة أشير فإنهم قد اخذوا عنهم هذه الظاهرة ن وقد تربوا على حبهم للعلم ، واحترام العلماء وتقديس المبادئ الإسلامية ، فكلما تطاول بها الزمن زادتها الأيام تمسكا بالدين ، فينبغي أن ننمي هذه المملكة ونرعاها  لنعيد مجد الإسلام ، فالقرآن فيها محفوظ والدين في أهلها ملحوظ.
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 2...    كن أول من يقيّم
 
التقارب التاريخي بين تلمسان والمدية :
لقد كانت الحضارة والتقارب بين تلمسان والمدية عبر عصور التاريخ متداولا بينهما ، وكثيرا ما كانت الأحداث تجمع بينهما وتقربهما إلى بعضهما ، فهذا ابن خلدون يذكرهما في كتاب العبر إذ يقول عن ابن يحيى بن زيان، مؤسس دولة الزيانيين بتلمسان مع مغراوة وبنو توجين وهم زناتة منتقلون ، دفعهم تيار الهلاليين نحو المغرب وأصبحوافي القرن السابع الهجري والثالث عشر الميلادي ما بين الونشريس والسرسو والمدية .
وفي عهد خلافة الموحدين سنة 646هـ/1248م ، حيث عمت الثورة هذه الجهات فدخل بنو عبد الواد ، وأغاروا على نواحي تلمسان، كما تغلب بنو توجين على منطقة الصحراء والمدية، إلى جبال الونشريس، وبادر ملوك تلمسان بالإستيلاء على المدية لموقعها الاستراتيجي الهام، إذ هي تقع في طريق الجنوب وطريق الشرق الجزائري، وقد تم الاستقلال لبني عبد الواد على عامة أوطان بني توجين، وكان موقفهم مع هؤلاء يتداول ما بين السلم والحرب، وهكذا نجد المدية دائما بين مد وجزر وحرب وسلم، فهي مهد الثورات وملجأ كل ثائر أو لاجئ.
 
نقل الحضارة إلى المدية:
إذا كانت تلمسان قد حضيت بالحضارة والفتح أولا ونالت شهرتها بسبب اعتناء الحكام والأمراء المتعاقبين عليها ، فإن المدية قد نالت نصيبا من هذا الاعتناء، وذلك عندما استولى عليها محمد بن عبد القوي على المدية وضواحيها وأنزل بها أولاد عزيز بن يعقوب وجعلها لهم موطنا وأعلن ولايتها المستقلة فقد جاء في خبر أبي سعيد عثمان 681 إلى 703هـ مع مغراوة وبني توجين ما يلي:
((لما عقد عثمان يغمراسن السلم مع يعقوب بن عبد الحق المريني ولى وجهه إلى الأعمال الشرقية من بلد مغراوة الزناتيين، وأصبحت بنو توجين كلها تابعة له ثم تابع السير إلى المدية سنة 688هـ فقام بدعوته فيها قبائل يعرفون بالمدية)) كما ذكرنا في صدر الحديث.
وقد أشار ابن خلدون أن اللمدانيين غدروا بأولاد عزيز ومكنوا الزيانيين من البلد، فقام رجل يدعى "عطية من توغرين" ومال إلى السلطان المريني المحارب لبني زيان، ثم تابع يوسف بن عبد الحق ورغب في ملك الونشريس، ثم عاد إلى بني توجين وحاربهم وانتهى إلى المدية ففتحها، وعادت لمدينة إلى طاعة السلطان عثمان فتقبلها منهم، وبدأ بتخطيط قصبتها القديمة ، عن ابن خلدون بالتصرف.
 
محاولة المرينيين مرة أخرى:
يتبين لنا من مراجع التاريخ وأحداثه أن المدية كانت مسرحا بين الوافدين ، يتلقفها فريق ثم يأخذها آخر ، فترات تقصر وتطول حسب استعداد الوافد وتفاعل أهل البلاد معه، فحينما نجد أن الزيانيين قد ملكوا ثم حوربوا من قبل بني مرين نجد محاولة أخرى لبني مرين لاسترجاع ولاية لتيطري ، فعندما رجع السلطان المريني "أبو الحسن" من تونس ونزل بالجزائر ، عزم أن يحارب بني زيان بمساعدة الثعالبة، ونصر بن عمر بن عثمان وسويد وزناتة، وانظم أبو ثابت الزياني لمغراوة، وفشلت كل المحاولات أمام الزيانيين ، فحينما دب الضعف في دولة تلمسان وأصبح ملوكها لا يستطيعون دفع مهاجمة الأعراب ، أعلنت المدية الاستقلال التام عنها.
كما أن المدية عرفت نوعا من الاستقلال قبل ذلك عندما كانت تحت قيادة إمارة الثعالبة وكانت تشتمل على مقاطعة التيطري ومتيجة سنة 548هـ/1152م
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 3...    كن أول من يقيّم
 
شخصيات تاريخية شرفت منطقة المدية:
 
في عهد الدولة الموحدية نبغ في هذه الناحية شخصية لها وزنها وقيمتها في الحقل الثقافي، والعلمي، وكان لها شأن عظيم بين كبار العلماء وهو أبو محمد عبد الله الأشيري نسبة إلى بلدة أشير بالجنوب الشرقي من مدينة البراوقية (التابعة لولاية المدية) في سفح جبل التيطري والتي كانت عاصمة قبل تأسيس المدية.
كان رحمه الله أمام أهل عصره في الفقه والحديث والأدب ، انتقل إلى الشام وسكن حلب الشهباء ففاق بها جميع علمائها كما قال ياقوت : كان إمام أهل الحديث والفقه والأدب بحلب خاصة وبالشام عامة، يتسابق إليه الناس إلى الأخذ عنه والتشرف بالانتساب إليه، ويتفاخر الوزراء والملوك بمجالسته والاسترشاد بعلمه وآرائه.
استدعاء الوزير "أبو الظفر عون الدين يحيى بن هبيرة" وزير المقتفي والمستنجد إلى بغداد وطلبه من الملك العادل"نور الدين محمود بن زنكي " لإقراء الحديث وتدريس علومه بدار السلام، (بغداد) فسيره الملك إليه محفوفا بالإجلال والإكرام، فأقرأ هناك كتاب(الإفصاح عن شرح معاني الصحاح) بمحضر الوزير مؤلف الكتاب نفسه ، وهو شرح يحتوي على تسعة عشر كتابا شرح بها الوزير أحاديث الصحيحين.
وقد جرت للشيخ مع الوزير منافرة فتقاطعا ثم ندم الوزير على موقفه هذا اتجاه الشيخ فاعتذر إليه وأغدق عليه بره وإحسانه، ثم سار الشيخ من بغداد إلى مكة ثم عاد إلى الشام فمات رحمه الله ببقاع بعلبك سنة 561هـ/1165م.
 
وهناك انطفأ السراج الوهاج وخبأ ذلك النجم الذي طلع من المغرب العربي وخاصة من بلدة أشير ليأخذ عنه المشرق العربي سراجه ونجمه ونوره ولا غرابة في ذلك فليس للعلم والمعرفة حدود بين المشرق والمغرب.
 
وهناك شخصية أخرى كان لها مجالها في ميدان العلم والثقافة ، وكان لها وزنها في بلاد الأندلس حيث مثلت عاصمة المدية أشير في تلك الربوع ، وهذه الشخصية هي الراوية الإمام الحافظ موسى بن الحجاج بن أبي بكر الأشيري ، وقد ولد في أشير ، وسكن مدينة تدلس (دلّس) من اعمال الجزائر ، ومنها خرج في طلب العلم إلى الأندلس فدخل إشبيلية سنة 535هـ/1140م ، فلقي بها الإمام ابن عربي وأبا الحسن شريح بن محمد وأبا بكر بن ابي طاهر ، ودخل قرطبة ، فأخذ بها عن أبي عبد الله بن أصبغ، وأبي مروان بن مسيرة ...وسمع مشكل بن قتيبة عن أبي عبد الله بن وضاح بالمرية سنة 537هـ /1142م وأخذ عن أبي محمد عبد الحق بن عطية ولازم ابن أبي الخصال وأبا محمد النفزي المرسي وأبا الحاج بن يمشد العكيسي وأبا الوليد بن الدباغ وأبا الحجاج بن يسعون ، وبعد أن استكمل معلوماته هناك عاد إلى وطنه ، فنزل مدينة الجزائر وأصبح إماما واعظا وخطيبا ، ونشر بها علمه الغزير وأحدث دويا في وقته ، ثم انتقل من العاصمة إلى مدينة دلّس حيث الراحة والسكون ظن حتى وافاه الأجل في صفر سنة 589 هـ/1193م .
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 4    كن أول من يقيّم
 
زائر في المدية:
 وهنا نقف قليلا لنستريح من وعثاء السفر ، وطول السير في دروب التاريخ، ويقال أن أهل المدية يكرمون الضيف ويقدرون اهل العلم و...وهذه الميزة لا زالت فيهم حتى الآن .
ولندع المجال لسائح ورحالة مشهور وهو "الحسن بن محمد الوزاني الفاسي" والمعروف عند الغربيين بالأسد الإفريقي فوصف المدية أحسن الوصف ، حيث قال :
((فالمدية مبنية في سهل جميل، خصب تسقيه أنهار كثيرة ، وأهلها أغنياء، يسكنون دورا جميلة، وقد استقبلوني بحفاوة وإكرام كأني أمير المدينة ))
ومن هذه الإشارة لمؤرخ مشهور ومعروف لدى الغربيين يتبين ما يلي:
1-الموقع الجغرافي الممتاز
2-انتعاش الحياة الإقتصادية.
3-رقي العمارة على ممر العصور وحتى للزمن الحاضر ، وكان أصحاب المدية من البنائين يختصون ويشتهرون بفن البناء، وخاصة في الناحيتين الروحية والاجتماعية.
أما الروحية فبناء المساجد ، والاجتماعية كبناء الحمامات ، وكفى بمسجد النور مفخرة وجلالا وجمالا
4-إكرام الضيف والحفاوة به ، مما جعل الضيف صاحب الدار وصاحب الدار هو الضيف، وهذا هو منتهى الكرم.
 
*هنا أحب أن أنشر بعض الصور لمسجد النور :
صور قديمة:
 
وأخرى حديثة :
 
 
وهذه كانت أيام الشتاء ، وقد أهدانيها مدير متوسطتي حينها -حفظه الله-
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 5    كن أول من يقيّم
 
المدية تقدر العلم ، وتحترم العلماء:
إن الروح الدينية التي ورثتها هذه البلدة منذ الفتح الإسلامي المبين ، جعلهم يحترمون كل ذي قيمة علمية، وخصوصا إذا كان تلبس لباس الإسلام ، وتدين بالكتاب والسنة، وقد صرح بذلك الرحالة المشهور الحسن بن محمد الوزاني الفاسي ، فقال : ((وإذا زارهم أجنبي ذو علم ومعرفة فإنهم يعظمونه ويبجلونه ويبقونه عندهم ليفصل في قضاياهم ، ويعملون برأيه ، ويصوبون رأيه )) ومن هذه الملاحظة الوجيزة ، فإن احترامهم للأجنبي ليس احتراما لذات الأجنبي ، ولكن احتراما للعلم في ذلته وللصواب في نطقه وللحق في عدله، لذلك نجدهم يولونه منصب القضاء وإن كان ضيفا ، والحق ليس ضيفا في أرض الله ، فقد خلق الله السماوات والأرض بالحق ، فهذا التعظيم للحق في ذاته وهذا المنطق المشاهد على مسرح الحياة حتى يومنا هذا وإلى ساعتنا هذه .
 
المدية في كتابة عالم ألماني "ه. ومال سان "، ترجمة د.أبو العيد دودو ، تحت عنوان ((أضواء على مدينة المدية))
حيث وصفها بقوله :
((تقع المدية ، وهي مدينة جبلية ، على بعد 45 كلم من البليدة ، ويبلغ ارتفاعها 3300 قدم ، أي 920 م ، وكانت في السابق عاصمة التيطري، ولها نفس المكانة والأهمية السياسية التي كانت لمدينة وهران وقسنطينة .
أما الطريق الذي يؤدي إليها من البليدة ، فهو من المناظر الخلابة التي يقدمها الريف الجزائري لعشاق المناظر الطبيعية الساحرة.))
 
*وهنا أيضا أحببت أن أغتنم الفرصة لأنشر صورا كنت التقطتها منذ أيام في طريقنا إلى العاصمة ، وقد انطلقنا مع شروق الشمس ولم نعد إلا والغروب :(والصور ملتقطة في نفس الطريق التي تحدث عنها المؤرخ)
 
 
 
 
 
 
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
بعض الصور    كن أول من يقيّم
 
 
 
 
أما هذه الصور فقد وجدتها على النت ، وهي لنفس الطريق :
 
 
 
 
 
 
 
----------------------------------------------------------------------------
شكرا جزيلا لك أستاذتي الحبيبة ، سأكون إن شاء الله في حسن ظنكم ، وأهديك هذه الباقة من الصور متمنية أن تزورينا في المدية قريبا
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 6    كن أول من يقيّم
 
المدية ، المدينة المقدسة في نظر الأجانب ، مع مقارنتها لبلدة مقدسة في إيطاليا
حيث يقول:
((والمدية تعتبر عند المسلمين مدينة مقدسة ويمكن أن نطلق عليها من هذه الناحية "لوريتو" الإسلام ،فهي تشبه البيت المقدس ، في ذلك الحج الإيطالي الشهير))
 
المدية بلاد الأساطير، والعجائب والمعجزات:
حيث يقول نفس المصدر: ((أن المدية وهي الأخرى قد حملتها الملائكة كما تقول الأسطورة من البلاد القديمة عبر الفضاء، ووضعتها على سفح الأطلس.))
 
المدية في شعر الوالي الصالح "سيدي أحمد بن يوسف" دفين مليانة، تأكيدا لهذا المعنى من القصيدة في الشعر الملحون ما مفاده :
أيتها المدية
يا من حملتك الملائكة
لو كنت امرأة
لما تزوجت سواك
حين يحل الشر بأبوابك
تطردينه قبل أن يحل المساء
                             المدية في مرآة الجزائر
                             محمد بن عثمان خوجة سنة 1833
حيث وصفها بقوله:
وسكان المدية، حلفاء شجاعة، ورهناء العناد، وليس لديهم ميول للصناعة ، وحالة طقسهم معتدلة صيفا وباردة كل يوم تقريبا في فصل الشتاء، ومناخ بلدهم صحي جدا.
فهذه نظرة عن مناخ وعادات وتقاليد المدية.
 
المدية في عهد الاتراك:
لدخول الأتراك إلى القطر الجزائري نظريتان،
-فالبعض يقول: أنهم مستغلون ، جاؤوا ليتمتعوا بخيرات الجزائر.
-والبعض يول: أنهم حماة الإسلام من غزو الإسبان المتكالب على الشطوط الجزائرية.
وبعد الدخول نموا القطر الجزائري إلى أربع ولايات :
1 دار السلطان وتشمل عمالة الجزائر اليوم
2 بايلك الشرق وعاصمته قسنطينة
3 بايلك الغرب وعاصمته مازونة ثم معسكر ثم وهران
4 بايلك الجنوب وعاصمته المدية
وكان تأسيس بايلك التيطري سنة 158م في عهد الباي حسن ، ونصب "رجب" بايا عليها ، وكانت الحدود لولاية تيطري هي الحدود الحالية لولاية التيطري.
 
وما كانت تقدمه المدية في عهد الأتراك بواسطة زكاة الغم لبيت المال ، ويوزع شيء على أرباب الدولة ، وكذا في عيد الأضحى، أما في عاشوراء فلا يبعث ، لأن عمالته أغلبها صحراء ، والسكان العرب أصحاب غنم ولا حرث لهم والذي يقبضه من الرعية شيء قليل يكفيه هو ومحلته ، أما عشور بلدة المدية فيجعله ((عَوْلة)) كُسْكسي ،مْحَمْصَة، بُرْغُل ، وله وكيل عولة يقدمها إلى دار الإمارة ، في كل شهر ، وهذا ما يسمى الآن عند الدول والحكومات بالتموين الإحتياطي .
أما الضريبة التي يدفعها باي التيطري تقدر بـ 76000 في كل ثلاث سنوات.
ومن أشهر البايات الذي اشتهر وكان صالحا ورعا ، وهو "عثمان الكردي" ، وهو والد " محمد باي الكبير " باي وهران ،وعدد البايات في العهد التركي يقدر ب 18 بايا ، ما بين 1516 إلى 1775.
أما القوة العسكري التي كان يملكها باي التيطري فكانت تتمثل:
1-في خمسين صبايحي ،و15 مكاحلي ، يتركب منهم حرسه الخاص.
2-نواب المدية ((التي تتركب من خمسة صفارة )) مائة وعشرين جنديا .
3-قوة احتياطية ، من مائتين زبنطوط ، أو كسيرجية في البرواقية.
4-حامية سور الغزلان ، التي تتركب من 30 جنديا ، و60 احتياطي ، وكانت القوات مقسمة إلى أع قيادات.
*قيادة التل الصحراوية.
*قيادة التل القبلية.
*قيادة سور الغزلان.
*قيادة الجنوب وتشتمل على القبائل الرحل ، وأتباع أولاد مختار .
 
أما الناحية الثقافية والإجتماعية ، فقد أجمع الؤرخون أنه كان عصرا مزدهرا بالثقافة والتعليم ، فقد كان يقدر عدد المكاتب القرآنية في القطر الجزائري بثلاثة آلاف كتّاب قرآني أو مْسِيد في اللهجة الجزائرية ، وكان عدد المتعلمين ، وقلة الأميين أكثر من فرنسا ، وهذا بشهادة بعضهم ، أما بالنسبة للمدية ، فقد أسسوا أربعة مساجد ، مسجد مراد للمذهب الحنفي ، والجامع الأحمر وبقيت صومعته لحد الآن في ساحة بولوكين ، التي دشن تسميتها الأخ الوزير أثناء الاحتفال بالعيد الألفي للمدية ، والذكرى العاشرة للإستقلال .
مسجد في الثكنة العسكرية، ومسجد سيدي سليمان وتهدم وبقيت الزاوية لقراءة القرآن لحد الآن ، وترميم وتجديد المسجد الملكي في عهد مصطفى باي ، وهذه الوثيقة المسجلة في رخامة المسجد مع ذكر الباني والتاريخ ، والرجاء من الله المثوبة ، وهي هذه بنصها التركي :
""ططري بكم مصطفى بك حقه ايدباستثنا أثر قويدي بو مسجدي قبلدي بنا ((ق.ت.ك)) هزاز خير موفق أيلسون باري خدا آنكيجون ((أنتشو)) هكذا ينطق بكلمة ((آنكيجون)) سافر أولدي جنت ايجره بربنا 1227-1237 .""
وهذه ترجمة ما هو مكتوب على الرخامة :
((امتثالا لأوامر الحق ، بنى مصطفى بك باي تيطري هذا المسجد وتركه أثرا ، وفقه الله العلي لآلاف الخير وأكرمه ببناء في الجنان ))
وهو الذي بنى الدار الجميلة بقرب هذا المسجد والتي سكن بها الأمير فيما بعد ، وبنى حوشا خارج المدينة للصيف ، ولا زال يعرف حتى الآن يحوش الباي وبنى قبة على ضريح الولي الصالح :الشيخ البَرْكاني ، ولازالت لحد الىن عائلات تحمل اسم الباي ((حسن باي ، محمد باي ، عباس التركي ، وبن تركية ...الخ ))
وكانت مكتبة عامة للمطالعة في نهج الإخوة بن غربية ، وكان القيم عليها :الحاج بن رقية ، هكذا قال أحد أنجاله ، وكانت المدية في عهد الأتراك محاطة بالأسوار ولها خمسة أبواب وهي على التوالي : باب الجزائر ، باب القرظ ، باب الأقواس ، باب سِيدي الصحراوي و باب البَرْكاني ، وطال العهد التركي مدة ثلاث قرون وزيادة ولا بد لهذا العهد الطويل من حسنات وسيئات ، غير أن الاستعمار وأعوانه يودون أن يظهر العهد التركي بالعجز والتأخر والاضطراب والفوضى ، حتى يظهر العهد الاستعماري على أحسن ما يرام في زعمهم .
ولذا قال ردا عليهم أمير شعرائنا في تقريظ كتاب "عثمان باشا" في العهد التركي في الجزائر للأستاذ : توفيق المدني ، فقال :
نـصـبـر ما استكبر iiأعداؤنا في الأرض والعقبى لمن يصبر
فـمـجـدنا  أعظم من iiمجدهم والله مـن أكـبـرهـم أكـبر
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
المئذنة الحمراء والثكنة العسكرية    كن أول من يقيّم
 
 
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
 2  3  4