تتمة المحاضرة 7 كن أول من يقيّم
عهد الاحتلال البغيض : فلا بد لنا من وقفة قصيرة ، حتى نكون على خبرة ودراية بسبب احتلال فرنسا للجزائر ، وتحليلا للظروف السياسية والاتماعية ، والاقتصادية والأخلاقية في غاية الخطورة ، في فرنسا ، فوضى شاملة ، وانكسار وهزيمة في حرب وكساد وبطالة في المجتمع ، فتجاه ذلك كله، أرادوا أن يرفعوا من معويات جيشهم المخذول ، فكانت الضحية الجزائر المنكوبة ، وجاء اليوم المشؤوم وهو 5 جوليت1830 ، ونزل الجيش ، واحتلت الجزائر في ظروفها المعروفة وبدأ الشر ينتشر في أنحاء القطر ، وكان نصيب المدية منه ، من يوم الاحتلال إلى يوم الاستقلال ، نصيبا لا بأس به ، من الرزايا والضحايا ، والبطولة والاستشهاد ، فالمدية ما بين 1830 الى 1840 تعرضت أربع مرات للاحتلال ، وفي كل مرة يكبدون العدو الخسائر الفادحة ويقاوم رجالها مقاومة عنيفة ، حيث قال الأستاذ سعد الله في كتابه "التاريخ الحديث" ص 82 قال: وفي 27 نوفمبر ، وصل كلوزيل إلى البليدة ، قادما من حملته الفاشلة على مدينة المدية عاصمة التيطري، ونحن نذكر باختصار من محاولات كلوزيل إلى برتوزين مارس 36 بقيادة لوزيل ، و7 أفريل 1836 ، بقيادة دي ميشال إلى المدية لأنهم اكتشفوا أنها في موقع استراتيجس هام ، ورابطة بين الشرق والغرب والجنوب ، وقبل احتلالها الأخير كان الأمير(عبد القادر) قد سبقهم واعتصم بها سنة 1835 لأنه انتبه إلى موقعها وأهميته بالنسبة للمعركة الجديدة بمجرد ما بايعته الامة على القيادة وتنظيم شؤون الدولة حتى احتل مليانة والمدية ، ونصّب أخاه "محي الدين" على مليانة ونصّب على المدية "بن عيسى البركاني" ابن صاحب الضريح المشهور لأنه ادرى بامور المدينة ونظامها الداخلي ، وكان بتصرف في القوات التالية : 1-رجال منظمون 600 رجل 2-فرسان منظمون 200 رجل 3-رجال المدفعية 30 رجلا 4-فرسان غير منظمين 4000 رجل 5-رجال غير منظمين 2000 رجل والمجموع : 6830 رجلا وتقول بعض المصادر أن رئيس لمدفعية هو "محمد آغا" المعروف "بابن كسكسة الكورغلي" ، ولازالت هذا العائلة في المدية لحد الآن . وابتنى الأمير معامل حربية لصنع السلاح وإنتاج البارود والرصاص ، في كل من المدن الثلاث ، أولها المدية ، مليانة، معسكر، وقبل مغادرته المدية في مرة من المرات ، استقبل مبعوث فرنسا ، ليجس النبض ويعرف قوة الأمير ويختبر ميزان الحرارة والاستعداد ، وهكذا كان دأبهم ، حينما تشتد المعارك ، ويشعرون بالهزيمة ، يطلبون الهدنة ، وجن جنون فرنسا كدأبها دائما أن بتغلب ويتفوق عليها هذا الناشئ في ميادين مختلفة ، فجهزت أكبر قوة وكبار الضباط ، أمثال الطاغية "بيجو" ،فجددت الكرة على المدية ودارت معركة عنيفة سنة 1840 عند أسوار المدينة. وهنا سقطت المدية ، في يد المستعمر الغاشم ، وسلط عليها نظام خاص منذ ذلك العهد، وبعد سقوط المدية ، رفع راية الكفاح والجهاد ، مع بقية جنوده الشيخ البَرْكاني ، وانظم إلى جيش الأمير بقواته التي كانت تحت قيادته ، حتى سنة 48 وهكذا بعد 17 عاما من الجهاد والكفاح المرير انتهت المقاومة النظامية وانطوت صفحة من أروع صفحات البطولة ، غير أن المقاومة الشعبية لم تنته، وقد حمل لواءها المناضل الشيخ البركاني وظل يقاوم ويكبد القوات الفرنسية بحرب الكمائن وقطع الطرقات في كثير من الجهات ، وخاصة بين جبال "شُنْوَة" و"مُوزايا" وجبال المدية. وتقول بعض المصادر ، بقي يكافح حتى انظم إلى قوات "المقراني" في جبال جرجرة الشامخة ، والاستعانة بها ،وأما المدية بعد الاحتلال الأخير ، فكان نصيبها من هذا الشر ، مثل بقية المدن الجزائرية وأقبح أنواع الشر ماكان يمس المقدسات والمعقدات ولله در شاعنا العربي حيث قال: يهون علينا أن تصاب جسومنا=وتسلم أعراض لنا وعقول ومن هذه النكاية البشعة تم تحويل مسجد مراد للمذهب النفي إلى كنيسة ، لأنهم شعروا بالعاطفة الدينية متأصلة في الشعب ، ولم تستطع يد العدوان إن تطمس عروبتنا وأصالتنا مهما سلطوا علينا من أنواع المسخ ، ولله در شاعرنا الفذ :الشيخ محمد العيد ، حيث عبر عن هذا الشعور ، ويخاطب القطر الجزائري : هاأنت في وسط الزعازع iiثابت | | بـاق على الإسلام لم iiتتزعزع | بوركت من وطن تسامى فالتقى | | بـالـمنتهى في مستواه iiالأرفع | إفـريـقيا أخت الحجاز iiديانة | | وربـيبة البيت الحرام iiالأمنع | - ولن يضيع حق وراءه طالب- وذلك حينما بنوا الكنيسة التي حولت إلى مسجد النور ،في العهد الجديد طالب جدنا مع جماعة من أعيان المدية إرجاعه إلى الأصل وتأدية الشعائر الدينية ، ورجع فيه تلاوة القرآن ، وصوت المؤذن يدوي في السماء ويملأ الفضاء :الله أكبر ، الله أكبر واستمر الحال من طرف المستعمرين باتخاذ كل الوسائل للقضاء على الشخصية الجزائرية والأمة تقاوم بمختلف الطرق والتنظيمات الاجتماعية والسياسية لنشر الوعي والاستعداد ليوم خوض المعركة الفاصلة ، ودام الحال طيلة 122 سنة عهد التحرير: دقت ساعة الحق وانطلق الشعب يدك ويحطم كل قيد ولو كان من ذهب ، وتجاه هذا التحدي جن جنون فرنسا وجندت كل طاقاتها للقضاء على هذه الثورة العارمة ، المحكمة الحلقات والتنظيم ، وراء حركة منظمة واحد ألا وهي جبهة التحرير الوطني ، وهنا فتح الشعب الجزائري صفحات جديدة ، ليكتب عليها بدمه القاني أروع صفحات سلت في العصر الحديث، والمدية كانت في طليعة من لبى النداء ، والتحق أبناؤها وشبابها بركب حركة التحرير ، واعتصموا بالجبال الحصينة المنيعة وكبّدوا العدوّ خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ، وكانت المدية مركز اتصال بين الغرب والجنوب والعاصمة ، ولعب موقعها الاستراتيجي دورا هاما في معركة التحرير، وقدمت على قلة عدد سكانها بالنسبة لغيرها من المدن الكبرى 1500 شهيدا ، وما من عائلة في المدية إلا واستشهد منها عدد من الأفراد يكثرون ويقلون ، حسب العائلة ، وبعض العائلات استشهد منها 13 من 15 ولذا يجد السائح كل طرقاتها وأنهاجها بأسماء الأبناء والإخوة ، وأقسم الجميع أن لا يتشحوا بالسواد ولا يظهرون الحزن والجزع ، وإذا سمعت عائلة بأن ابنها استشهد تملأ الفضاء بالزغاريد وهنا تيقن الخصم بأن الموت أصبح لا يرهب ، ومن أصبح الموت لا يرهبه فالحياة تصافحه ، والنصر يلاحقه ... ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) الحج وأصبحت المدية داخل أسوار شائكة وستار حديدي ،والحراسة مشددة ، وبالرغم من كل ذلك يدخل الفدائي وينفذ العملية وكثيرا ما يخرج ناجحا منتصرا ، وتجند الشعب بجميع طبقاته والتلاميذ مع صغر سنهم ، التحقوا مع إخوانهم في الكفاح ، ومن ثانوية واحدة ، استشهد منها ما يزيد عن 80 . وبدأت سياسة فرنسا بعد أن حمى وطيس الحرب ، واشتدت المعركة ، فبدأت في سياسة الخداع والمكر وظنت أن الشعب يريد الخبز ويريد العمل ، فخططت برامج للبناء لتصد الشعب عن المبدأ المقدس وطلب العزة والكرامة والحرية والسيادة . فأنفقت أمولا طائلة ، ولكن هيهات !! ولتستمع إلى معجزة القرآن حيث يصور مآلهم وخيبتهم ، حيث يقول عز وجل: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ )) الأنفال استمرت المعركة قاسية ، مدة 7سنين ونصف ، وما أسهل هذه العبارة في اللسان ، وما أثقلها في الواقع المر وما قاسى فيها الشعب من أهوال وتعذيب ، وقتل وتشريد ودم ودموع ، وفي كل شبر لنا قصة ، حتى جاء النصر والفتح المبين واندهش المستعمرون وقلوبهم منكسرة ، ودموعهم منهمرة ، وفي حين أنهم ظنوا أن الشعب استسلم إلى الأبد ، وأصبح مقاطعة فرنسية ؟ وصدق الله العظيم حيث يقول ، وهذه من معجزة القرآن ، يخيل إليك كأنه أنزل الآن : ((حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ 44فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 45)) الأنعام وقوله تعالى : ((كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ 25وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ 26وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ 27كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ 28فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ 29)) الدخان |