البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 صبري أبوحسين 
18 - مايو - 2008
يعد الأستاذ الدكتور: أحمد بن عثمان رحماني علمًا من أعلام البحث الأدبي والنقدي في العصر الحديث، بلا ريب؛ إذ له، في هذا الميدان الفكري، جهود علمية وتعليمية كثيرة مشكورة معروفة غير منكورة. منها على سبيل المثال، لا الحصر:
*أنه قام بتدريس مقررات نقدية أدبية كثيرة ومتنوعة، خلال رحلة تعليمية مديدة حافلة بالمتخرجين والمتخرجات، في مرحلتي الإجازة العالية(الليسانس) والدراسات العليا، مثل مقررات: (نظريات نقدية)، و(تحليل النصوص) (إعجاز القرآن)، و(النقد الأدبي العربي القديم)،( النقد الأدبي الحديث والمعاصر)، (مصادر الأدب واللغة)، (البلاغة)،و(الأدب الإسلامي في صدر الإسلام)، و(التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)، و(كتاب قديم)، و(الأدب الأندلسي)، و(الأدب المقارن ونظرياته)...إلخ
 * أن له بحوثًا علمية محكمة وكتبًا منشورة في ميدان البحث الأدبي النقدي القديم والحديث والمعاصر، منها:
كتاب(النقد الإسلامي المعاصر بين النظرية والتطبيق)، وكتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها)، وكتاب(الرؤيا والتشكيل في الأدب المعاصر)، وكتاب(التفسير الموضوعي نظرية وتطبيقًا)، وكتاب(مصادر التفسير الموضوعي)، وكتاب(نظريات الإعجاز)، وكتاب(النقد التطبيقي الجمالي واللغوي في القرن الرابع الهجري)،...إلخ
إن باحثًا -بهذه الرحلة العلمية والتعليمية المديدة والمتنوعة مكانًا وزمانًا، فكرًا وأجناسًا وأجيالاً – قمينٌ بأ يُقرَأ له ويُحاور، ويُستفاد من تجاربه في تعاملنا الحائر والشائك مع المنجز الفكري العربي ماضيًا وحاليًا ومستقبلاً.
ولعل في عرض كتابه(نظريات نقدية وتطبيقاتها) في موقع الوراق ما يساعد على هذه الاستفادة وذلك الحوار الذي أرجو أن يكون مفيدًا وبناءً للجميع:باحثين وناقدين ومبدعين وناشئة شُداة...
 
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مقدمة الكتاب    كن أول من يقيّم
 

بسم الله الرحمن الرحيم

النقد الأدبي صورة من صور ما قصده أبو حيان التوحيديى بقوله:  "إن الكلام عن الكلام صعب" وتتأتى صعوبته من أنه معقد جدا لدرجة تجعل نظرياته لا تكاد تحصى، وأنواعه في تطور مستمر، وسواء أكان  النقد تعليقا لغويا على النص من حيث هو  بنية من الإشارات اللفظية، أم  كان فن شرح وتفسير للنصوص الأدبية، أم كان فن تحقيق للأعمال الأدبية أم هو علم يفسر النصوص الأدبية من حيث هي فن من القول،  فإن الدارسين يقسمونه إلى نقد نظري يعنى بالبحث في ماهية الأدب ووظائفه وأدواته، ونقد تطبيقي يعنى بمباشرة وتقييم النصوص الأدبية شعرا ونثرا، بما في ذلك دراسة النص التقدي نفسه نظريا كان أو تطبيقيا، لإصلاح حال من أحواله أو تغيير نظرية من نظرياته.
     وعلى هذا يمكن القول بأن الحقل النقدي عامة يشمل: النقد النظري والنقد التطبيقي ونقد النقد، وتحت كل منها نظريات نقدية يعد الاهتمام بها مساهمة فعالة  
في المكونات الحيوية للمنهج العلمي.
إن هذا الكتاب  الذي سميته " نظريات نقدية وتطبيقاتها" وعرضت فيه عدة نظريات نقدية تعقبها تطبيقات تحاول أن تعطي للنظريات بعدا عمليا، قد ركزت تطبيقاته على الشعر قديمه وحديثه باعتبار الشعر أرقى الفنون الأدبية القادرة على استيعاب تلك النظريات النقدية المتعددة.
وإن هذا الكتاب  بحكم سبق النقد الغربي لكل ما يطرحه فإنه يرمي إلى وضع  لبنة تشارك في تقريب النظريات النقدية الحديثة من خلال بعض الطروحات العربية القديمة، فهو إن لم يكن له مثيل في مجال النقد الأدبي ونظرياته، لاسيما في مجال الثقافة العربية والإسلامية، لاحتوائه على معظم النظريات الغربية والإسلامية، وهو الأمر الذي لا يتحقق في كتاب يغترف من النقد الغربي وحده، أو من النقد الإسلامي وحده، فإنه لا يدعي تقديم الجديد، على أن  الباحث قد توخى فيه قدر الإمكان الإلمام بالنظريات الأساسية التي تتضافر وتتنافس في الوقت نفسه لتجد حلا للمعضلات الأدبية التي يطرحها النقد الأدبي كلما حاول أن يواجه النصوص الأدبية من زاوية من الزوايا المتعلقة بالشكل أو بالمضمون، بالباطن أو بالظاهر، بالسطح أو بالعمق، لكون النص هو البنية الأدبية التي تتفاعل معها جميع النظريات.
ولما كان أول مشكل يعترض التساؤلات النقدية هو البحث في طبيعة الأدب وفي وظيفته، فإن هذا الكتاب جعل الفصل الأول من القسم الأول يبحث في نظريات طبيعة الأدب ونظريات وظيفته، وليس من شك في أن البحث في طبيعة الأدب وفي وظيفته قد قام على نظريات متعددة ينطلق بعضها من الشكل وينطلق بعضها من المضمون.
 ولما كانت النظريات متعددة ومتداخلة فإن هذا الكتاب يحاول أن يعرض هذه النظريات بتسلسل منطقي مبسط وموجز ييسر للدارس أمر الخلاف القائم بين هذه النظريات ويفسر أسباب ذلك، ويحاول في الأخير أن يقدم النظرية التوفيقية التي يبدو أنها أكثر ملاءمة للحقيقة الأدبية، وعليه فقد قدمنا نظريتين توفيقيتين إحداهما تتعلق بطبيعة الأدب وثانيهما تتعلق بوظيفته.
ومن الطبيعي والحال هذه أن يخصص مبحث من الفصل الأول لنظريات الأنواع الأدبية، ذلك لأن النوع إنما يتشكل منبثقا من الأصل، وعليه فإن الطبيعة والوظيفة تطرحان نفسيهما بقوة في الأنواع الأدبية من شعر وقصة ومسرحية.
ولما كان الطرح النقدي من الوجهة التطبيقية تعترضه مشكلات يتعلق بعضها  بالسطح ويتغلغل بعضها في العمق، فإن البحث لم يدخر جهدا في أن يعرض نظريات دراسة الأدب من الداخل سطحا ونظريات دراسة الأدب من الداخل عمقا ومضمونا، ومن هنا كان الحديث عن نظرية النقد اللغوي ونظرية المدرسة العضوية ونظرية النص أو الشعرية ونظرية الأسلوبية، كما كان ضروريا أن يتعرض لنظريات النقد الأخلاقي ونظريات مدرسة الإنسانية الجديدة ونظريات النقد الإسلامي ونظريات النقد الموضوعاتي.
على أن نظريات النقد لم تنقسم فقط على مستوى طبيعة الأدب ووظيفته أو على مستوى دراسة الأدب من جهة المضمون ودراسته من جهة الشكل، وإنما قد تنوعت وتعددت أيضا على مستوى دراسته من الخارج حيث يتم الاعتماد على العلوم والمعارف غير الأدبية كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ، وعلى هذا الأساس كان حتميا أن يتعرض الكتاب لنظريات النقد النفسي ونظريات النقد التاريخي، بل ونظريات النقد التكويني التي كانت نشأتها عند العرب مبكرة جدا متمثلة خاصة في تأملات شيقة لابن طباطبا.تلك التأملات التي كانت تستقي أفكارها من لمحات الجاحظ في البيان  كقوله (خذ من نفسك ساعة نشاطك) وقوله" من أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما ...فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف" ولمحات ابن قتيبة في أدب الكاتب والشعر والشعراء كقوله:" الأدب غض والزمان زمان وأهله يتحلون بالفصاحة ويتنافسون في العلم" وقوله "ونحن نستحب ممن قبل عنا وائتم بكتبنا أن يؤدب نفسه قبل أن يؤدب لسانه ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه".
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
مقدمة الكتاب2    كن أول من يقيّم
 
هذا بالنسبة للقسم الأول، أما القسم الثاني من الكتاب فقد خصص للنقد التطبيقي وتحليل النصوص الأدبية بعيدا عن النصوص غير الأدبية ذلك لأن النص كما يقول أندريه جاك ديشين ثلاثة أنواع  أساسية هي:  النص الإيضاحي الذي يهدف إلى زيادة المعرفة البشرية في حقل معين  والنص السردي ( ويشمل المقالة السردية والقصة والحكاية والمسرحية)  والنص الشعري الذي يعد أكثرها تعقدا لما يتطلبه من قيمة صوتية وبلاغية  لا تعدلها في أي نص آخر.
والنص  لما كان أوسع بكثير من الكلمات والجمل والفقرات التي يتكون منها فإن ذلك يستوجب إلى جانب علوم اللغة والبلاغة والعروض التي تعين على استيعاب الشكل  الاهتمام بالعلوم الأخرى التي تعين على استيعاب المضمون كعلم النفس وعلوم الاجتماع والتاريخ،  لهذا لابد من التمييز بين بنية النص اللغوية وبنية النص المعنوية أو بعبارة أخرى " بنية السطح" و "بنية العمق"
لذلك  احتوى الباب الثاني من الكتاب تمهيدا وفصلين ، تناول في التمهيد مفهوم النص وطرق تحليله، باعتبار أن النص هو المحك الذي تختبر فيه صحة النظرية وقوتها إن في دراسة طبيعة الأدب أو في دراسة وظيفته، وتناول في الفصلين المواليين ـ تحليلا وتفسيرا ـ  مقدمة قصيدة للأخطل بعنوان (خبل وسقم) وقصيدة لصلاح عبد الصبور بعنوان ( شنق زهران) حاول أن يقدم من خلالهما طريقة تستثمر نظريات النقد الشكلي ونظريات نقد المضمون، ذلك هو محتوى الكتاب،  وعلى الله قصد السبيل.
 أحمد عثمان رحماني/ دبي في 25/9/2003.      

 

 ملاحظة
تجدون هنا  المصادر التي سقطت في النسخة التي بين أيديكم
 45ـ طه إبراهيم : تاريخ النقد الأدبي عند العرب دار الكتب العالمية بيروت /ط2
46 ـ طه حسين : خصام ونقد .
57 ـ عز الدين إسماعيل : الأدب وفنونه
58ـ علي جواد الطاهر : مقدمة في النقد الأدبي
74 ـ نجيب الكيلاني : مدخل إلى الأدب الإسلامي  كتاب الأمة 1407 هجري
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثاني ـ وظيفة الأدب    كن أول من يقيّم
 

المبحث الثاني ـ وظيفة الأدب

 
رأينا في طبيعة الأدب كيف اختلفت النظريات وتشعبت في تفسير طبيعة الأدب فذهب بعضها إلى أن الأدب هو التراث الحضاري المكتوب وبعضها إلى أنه هو الكتب العظيمة وثالثها إلى أن الأدب هو الأدب التخييلي الابتداعي، ورابعها أن الأدب نقد للحياة وخامسها أن  الأدب صياغة فنية لتجربة بشرية، وعند النظر نجد أن تلك الاختلافات في تفسير طبيعة الأدب مردها إلى اختلاف آخر في تفسير غاية الأدب ووظيفته.فما هي غاية الأدب؟ وما وظيفته في الحياة؟ وهل له وظيفة؟
والحق أن الاختلاف حول وظيفة الأدب كان منذ زمن بعيد، ففي النقد الكلاسيكي كان التركيز على أن الأدب وظيفته الأخلاق، وكان استقصاء أرسطو في كتابه فن الشعر يدور حول ما هو الأدب وكيف يعمل عمله[1]  وأنه ينبغي أن يقوم بتطهير النفس، وفي الشعر العربي كان أحسن بيت  ما كان صادقا ? بمعنى حاملا للقيم النبيلة وموافقا للخلق السليم، يقول حسان ابن ثابت[2]:
وإن أشعر بيت أنـت قائـله      لـبيت يقال إذا أنشدته صـدقا
وإنما الشعر لب المرء يعرضه   على المجالس إن كيسا وإن حمقا
والمدرسة الرومانسية ترى أن الشعر تعبير عن ذات النفس، والواقعية ترى أن الأدب  نقد للواقع والحياة.
ولكن أمام كل هذه التعريفات يمكن أن نخرج بوجهتي نظر متمايزتي الموقف من المسألة هما : المدرسة الفنية التي ترى أن غاية الأدب محصورة فيه لاتتعداه، فالفن للفن لا غير، والمدارس الأخلاقية التي ترى أن الأدب يجب أن يكون خادما لحاجات الإنسانية، وأنه سيتحول ـ إذا تخلى عن وظيفته ـ إلى زخرفة لا ثمن لها.وقد يطلق على الأول الاتجاه المثالي الجمالى ويطلق على الثاني الاتجاه الواقعي يقول غنيمي هلال :" الاتجاه الجمالي والواقعي في صراع دائب ولكنهما غالبا ما يتكاملان لدى كبار النقاد إذا نظرنا إلى ملابسات عصرهم"[3]
ومع أن أساس هذا الاختلاف يرتبط بالإجابة عن ما هية الأدب فإن بعض النقاد يرون أن السؤال عن الوظيفة أهم من التساؤل عن الطبيعة فنحن نجد مثلا  (غراهام هو) يقول :"من المنطقي أن نبدأ بالسؤال عما هو الأدب  وإن كنا نعرف  جيدا ما هو، إنه الإلياذة وهاملت والحرب والسلم وغير ذلك  وهذا الوصف الظاهري صالح بما يكفي لنبدأ به، أما السؤال الذي ينظر إليه بشكل عام على أنه أكثر إلحاحا فهو: لأي شيء وضع الأدب؟ وما مكانته في مجمل التجربة الإنسانية؟ يقول ذلك ثم يجيب:  "فأول ما يهمنا هو ما إذا كان الأدب يهمنا على الإطلاق، وبأية الطرق؟[4]
 
قيمة الوظيفة: لاشك أن الأشياء كلها تكتسب قيمتها من الوظيفة التي تقوم بها، وأن للنتاج المصنوع البنية الملائمة لتنفيذ وظيفته[5]، وأن بعضها يؤدي وظيفته من خلال  جماله  يقول سيد قطب:" إن عنصر الجمال يبدو مقصوداً قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه. ومن كمال هذا الجمال أن وظائف الأشياء تؤدى عن طريق جمالها. هذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح . ووظيفة النحل والفراش بالقياس إلى الزهرة هي القيام بنقل اللقاح ? لتنشأ الثمار. وهكذا تؤدي الزهرة وظيفتها عن طريق جمالها ! . . والجمال في الجنس هو الوسيلة لجذب الجنس الآخر إليه ? لأداء الوظيفة التي يقوم بها الجنسان . وهكذا تتم الوظيفة عن طريق الجمال .
الجمال عنصر مقصود قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه. ومن ثم هذه اللفتات في كتاب الله المنزل إلى الجمال في كتاب الله المعروض"[6]، كما أن"كل موضوع يستعمل كأحسن ما يكون الاستعمال وأعقله حين يستعمل لما وضع له أساسا ويكتسب استعمالا ثانويا حين تضمر وظيفته الرئيسية فقط"[7]
 ونظرا لأهمية الوظيفة فإن مارسيل ريمون  جعل مقدمة كتابه تحدد وظيفة الشعر، وعمد إلى عرض المفهوم والمذهب الفلسفي لكل فنان بل وفكر في أن العامل المشترك بين مجموعة من الفنانين مثل بودلير وفيرلين ورامبو  هو التفكير في المصير ومحاولة إيجاد " حل لقضية المصير"[8]، بل قد نجد من النقاد الجماليين من يعد الوظيفة ملتبسة بالجمال ذاته وعندئذ يصبح " الشعر الذي يجعل الأسئلة دون طائل أو على نحو أدق الشعر الذي يرد عن طريق جماله الغامض على كافة الأسئلة التي قد نتصورها"[9]، وهكذا نجد أن النظريات التي تحدد وظائف الأدب متعددة، فما هي تلك النظريات؟


[1] ـ غراهام هو :  مقالة في النقد : 13
[2] ـ ابن قتيبة : الشعر والشعراء : 22ـ 25
[3] ـ غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث : 291
[4] ـ غراهام هو ـ مقالة في النقد :13
[5] ـ     نظرية   الأدب : 29
[6] ـ في ظلال القرآن : 3585
[7] ـ نظرية الأدب م س  م 29
[8] ـ جان إيف تادييه : لنقد  الأدبي في القرن العشرين : 103
[9] ـ النقد الأدبي في القرن العشرين : 107
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثاني2    كن أول من يقيّم
 
تعدد النظريات التي تفسر وظيفة الأدب:
يمكننا أمام كل ذلك أن نعمد إلى النظريات التي تناولت موضوع الوظيفة الأدبية لنستعرض بعضها كي نقف على آراء المتخصصين في ذلك، خاصة وأن رنيه ويلك يثير تساؤلا  مفاده : هل للأدب وظيفة أم وظائف؟ نستطيع إزاء ذلك أن نستعرض ثلاث نظريات اثنتان متناقضتان والثالثة توفيقية:
أولا ـ النظرية الأولى: ترى أن الأدب ممتع وأن الفن للفن لا لشيء آخر فهو : "تأمل خالص منزه عن المصلحة، وأن القيمة الشعرية منفصلة تماما عن أية قيمة من قيم أدواته"[1] ،وأن الجميل هو الذي يحتوي،  في نفسه وفي خارج نطاق الذات ، على ما يثير في إدراك  المرء فكرة العلاقات، "فالتشبيهات والصور في الأدب لا تختار على أساس جمالها في ذاتها ولكن لما يتطلبه موقعها في جملة العمل الأدبي"[2] يقول ديدرو أحد أقطابها :" فنحن نعجب بالأشياء لجمالها دون أن يدخل في مبدأ الإعجاب فائدتها[3] ويقول كانت  أحد الفلاسفة الذين كونت أفكارهم خلفية لمدرسة الفن للفن وللرمزيين : " أمام الجمال نحس بمتعة تكفينا السؤال عن الغاية" ويقول تيل جوتييه : "يسألون أية غاية يخدم هذا الكتاب؟ إن غايته التي يخدمها أن يكون جميلا"[4]، ولا شك أن المفكرين الذين ذهبوا هذا المذهب كثير  منهم بندتو كروتشيه وإدجار آلان بو،  وبودلير، وتوماس إليوت وإزرباوند  وسبينجارن الأمريكي الذي يقول : " كل عمل أدبي نتاج فكري تسيطر عليه قوانينه الخاصة به ولاشيء سوى الشكل"[5] وآلان تيت  الذي يقول في تعليقه على أشعار ازرباوند " هذه الأشعار ليس لها من معنى ولكنها أشعار ممتازة"[6] والشكلانيون الروس الذين يرون أن " النسق الأدبي مقابل النسق التاريخي يتميز باستقلالية معينة لأنها إرث الأشكال والمعايير الثقافية المتنوعة التي بدأت من البناء السردي إلى مختلف طرق النظر في مسألة العروض وتسمح هذه بالاستقلالية بالتفكير في مسألة الأدبية  la litterarite"[7]، وهذه النظرية ترى أن مهمة النقد هي أن يتأمل العمل الأدبي ويحلله ويحكم عليه كعمل من الفن وكشيء من الجمال في صفته الجمالية، إن الأدب فن، شكل من المهارة مصنوع... والناقد كالفنان يهتم بالتقنية وعملية التصنيع ولكنه يهتم بالبناء والخاصيات الجمالية... كالوحدة والتوازن والتأكيد والإيقاع..."[8] وربما كانت نظرية النص خاتمة النظريات الجمالية التي عرفت الشعر بأنه : "ضرب من ضروب اللغة"[9]،وبأن "الأسلوب هو النص ذاته"[10]،  وعليه فلنطابق بين الأسلوب والنص لنبين العلاقة بين الأسلوب والإنسان، وبمعنى آخر ليس الأسلوب هو الرجل بل الأسلوب هو النص.
  


[1] ـ  غراهام هو : مقالة في النقد : 18      
[2] ـ غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث : 296
[3] ـ غنيمي هلال  : نفسه : 298
[4] ـ غنيمي هلال : القد الأدبي الحديث  300،  304
[5] ـ غنيمي هلال  : م س :318
[6] ـ غنيمي  هلال: م س : 318
[7] ـ مجموعة من النقاد : مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : 214 ترجمة رضوان ظاظا  سلسلة عالم المعرفة 1997
[8] ـ نورمان فورستر : الحكم الجمالي  ... : 142  ضمن كتاب : مقالات في النقد : ترجمة وجمع إبراهيم حمادة  دار المعارف / مصر
[9] ـ مدخل إلى مناهج النقد م س : 221
[10] ـ نفسه
[11] ـ نورمان فورستر : الحكم الجمالي والحكم الأخلاقي في النقد : 142 م س
[12] ـ غنيمي هلال : م س : 319
[13] ـ مقالة في النقد : 18
[14] ـ غنيمي : م س : 321
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثاني3    كن أول من يقيّم
 
نقد النظرية: هذه النظرية تهتم بالشكل الأدبي، ويبدو أنها لا ترى أن للأدب أي وظيفة غير المتعة  الناجمة من جمال الشكل الأدبي، أو ما سمي بالأدبية(litterarite) ? وإذا نظرنا إلى كلمة"lettre " من زاوية تعني (الحرف) فهمنا أن طبيعة النظرية طبيعة شكلية في الأساس، بل هي ترى أن وظيفة الأدب هي المتعة ذاتها.
وفي الحقيقة لا يمكن إنكار دور الأدب في الحياة ونحن نعرف مثلا أن " رواية ( كوخ العم توم) كانت أحد مسببات الحرب بين الولايات الأمريكية، كما أن رواية (عناقيد الغضب ) فيما بعد أحدثت ردود فعل اجتماعية عنيفة، ولعل الفعالية القوية لتأثيرات الأعمال الأدبية كانت من الأمور الحيوية التي انشغل بها أفلاطون الذي نفى من جمهوريته كل الشعراء ما عدا الذين يهزجون بالترانيم للآلهة وبالمدائح للرجال المشهورين"[1] ولذلك وجهت لهذه النظرية  انتقادات كبيرة يقول بابيت : " الجمال كما نعرفه في هذا العالم ? ليس كما يزعم السيد سبينجارن ? مظهرا في الفراغ ولكن له أصوله الاجتماعية والسياسية ? بل والخلقية"[2]
وفي الحقيقة  يبدو أن هذه النظرية  الشكلية لا تهمل الفائدة الخلقية والمنفعة الأدبية بصفة عامة، إنها ترى أنه "من الممكن تماما أن نعتنق  نظرية شكلية، وأن نؤمن أيضا بأن الأدب ينبغي أن يخضع لسيطرة خارجية من الدين والقانون أو الحس الخلقي للجماعة، فالشيء الضروري لنظرية شكلية هو أن تتمسك بأن هذه السيطرة الخلقية سيطرة خارجية ولا تؤثر في القيمة الأدبية"[3].
ومعنى ذلك أن هذه النظرية لا تستبعد المنفعة لكنها لا تراها تمثل شيئا أساسيا في طبيعة الأدب. والحق أننا لو سلمنا بذلك فإن الجميل ليس هو ما يعجب ولكن هو ما يسر.
هذا فضلا عن كون  بعضهم قد صرح أخيرا بما يفهم أنه قد تراجع عن فكرة الفن للفن فهذا  إليوت زعيم الموضوعية واستقلال العمل الأدبي عن صاحبه يقرر : " مهما قيل في استقلال الفن وما اجتهد أهله في الاكتفاء به غاية في ذاته فإنه لابد أن يمس مسائل الخلق والدين والسياسة"[4].
 
ثانياـ النظرية الثانية: ترى أن الأدب نافع ومفيد " والشعر أداة للتهذيب"[5]،بل ترى : "أن الجمال في جوهره ليس إلا التعبير عن الخير الخلقي أو العملي"[6] ومن ثم تركز على العلاقة بين السرور والجمال، فنحن نجد مثلا جورج سانتيانا يقول : "هذه هي الحال في الجمال وفي غيره من لذات الحس، فليس هناك حد فاصل بينهما بل الذي يحدد قولي: ( إن الشيء يسرني) أو ( إن الشيء جميل) هو درجة تحويل إحساسي إلى موضوع، وإذا كنت واعيا بذاتي متوخيا الدقة وروح النقد فإنني قد استعمل إحدى هاتين العبارتين دون الأخرى أما إذا كنت تلقائيا شديد الحساسية فربما يحدث العكس، وكلما كانت اللذة نائية معقدة وثيقة الارتباط بغيرها بدت لنا أكثر موضوعية، وقد يكون الاتحاد بين لذتين مختلفتين مصدرا للجمال الواحد، ففي المقطوعة الغنائية لشكسبير( رقم54) نجد هذه الآلفاظ:
كم يبدو الجمال أكثر جمالا حينما يضفي عليه الصدق زينته ابديعة
إن الوردة تبدو جميلة، إلا أننا نعدها أكثر رونقا لذلك العطر الشذى الذي يحيا فيها
والأزهار السقيمة لها نفس اللون الأصيل الذي للوردة المعطرة
وهي عالقة على الأغصان تحيطها الأشواك مثل الورود
 ومثل الورود تراها تهتز بروح حينما يهب نسيم الصيف فيكشف عن براعمها المقنعة
 ومع ذلك فليس جمالها إلا مظهرا وهي تعيش دون أن يخطب ودها أحد، وتذبل دون أن يجلها أحد، وتموت وحيدة موحشة
أما الوردة العذبة فليست هكذا وإنما تصنع العطور العذبة من موتها العذب"[7]


[1] ـ نورمان فورستر : الحكم الجمالي والحكم الأخلاقي في النقد : 142 م س
[2] ـ غنيمي هلال : م س : 319
[3] ـ مقالة في النقد : 18
[4] ـ غنيمي : م س : 321
[5] ـ نظرية الأدب : 29
[6] ـ جورج سانتيانا:  الإحساس بالجمال: 292
[7] ـ جورج سانتيانا: الإحساس بالجمال: 94ـ 95
[8] ـ ابن رشيق : العمدة : ج 1 ص 76 ، وانظر:  غنيمي  : م س  221
[9] ـ نظرية الأدب  م س : 32
[10] ـ أرسطو طاليس: فن الشعر 18 ترجمة عبد الرحمن بدوي دار الثقافة بيروت وانظر غنيمي : م س  :65
[11]   أرسطو طاليس في فن الشعر ص 16 قال: الملهاة هي محاكاة الأراذل من الناس لا في كل نقيصة ولكن في الجانب الهزلي الذي هو قسم من  القبيح  وانظر غنيمي م س 89
[12] ـ نظرية الأدب : 37
[13] ـ نظرية الأدب : م س : 37
[14] ـ نظرية الأدب  م س : 33
[15] ـ  النقد الأدبي في القرن العشرين م س : 192
[16] ـ غنيي هلال : النقد الأدبي  الحديث :   م س : 331
[17] ـ سيد قطب : النقد الأدبي  أصوله ومناهجه: 106
[18] ـ مقالة في الأدب : 19
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثاني4    كن أول من يقيّم
 
وفي ضوء هذه النظرية  نجد في النقد العربي من يقسم الشعر باعتبار القيم الخلقية فيقول :" فشعر هو خير كله، وذلك ما كان في باب الزهد والمواعظ الحسنة والمثل العائد على من تمثل بالخير وما أشبه ذلك، وشعر هو ظرف كله، وذلك القول في الأوصاف والنعوت والتشبيه وما به من المعاني والآداب، وشعر هو شر كله، وذلك هو الهجاء وما تسرع  به الشاعر إلى أعراض الناس وشعر يتكسب به، وذلك أن يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيها، ويخاطب كل إنسان من حيث هو ويأتي إليه من جهة فهمه"[1]، فهذا النقد  لا يكتفي بالتأكيد على رسالة الأدب ووظيفته بل يشير إلى الآثار الشعرية المختلفة  النافعة منها والضارة كما يشير إلى اللهو والمنفعة، مما يبين أن الوظائف يمكن أن تتعدد وتتنوع في أدوارها.
وهذا ما نجده  عند بعض  النقاد في العصر الحديث وفي إطار نظرية الأنواع الأدبية إذ صاروا ينظرون إلى وظائف الأدب على أنها متعددة، ومتنوعة، ويمكن أن نشير هنا إلى وظائف منها:
1ـ أن الأدب شكل من أشكال المعرفة فهو يمنحنا المعرفة بتلك الخصوصيات التي لا تدخل في نطاق العلم والفلسفة[2] ، كما يمدنا بالنماذج البشرية، ففي روميو وجوليت نجد الممرضة كنموذج، وفي هاملت نتساءل عما إذا كانت نموذجا أم لا، ثم نتساءل :نموذج لأي صورة؟ وقد نتساءل عن زليخة في قصة يوسف؟ وعن قارون في قصة قارون؟
2ـ هناك من يذكر وظيفة أخرى غير المعرفة والنموذج هي التطهير، يقول أرسطو معرفا المأساة " هي محاكاة فعل نبيل تام لها طول معلوم، بلغة مزودة بألوان من التزيين تختلف وفقا لآختلاف الأجزاء وهذه المحاكاة تتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية  ... وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات"[3] ويقول بصدد الملهاة : " هي محاكاة فعل هزلي ناقص يحصل به تطهير المرء بالسرور والضحك من أمثال هذه الانفعالات"[4]  ومعناه أن وظيفة الأدب أن يخلصنا كتابا وقراء من عناء الانفعالات، فالتصريح بالانفعالات يحررنا منها، وقارئ الرواية والناظر إلى المسرحية يشعر بالفرج والخلاص[5]
ولكن هناك تساؤلا هو : هل يخلصنا الفن من انفعالاتنا أو بدلا من ذلك يهيجنا؟ يرى افلاطون أن المأساة تغذي انفعالاتنا، بينما يرى أرسطو أنها تطهرنا،  فهل يفهم من هذا الاختلاف أن بعض الآداب مهيج وبعضه مطهر؟ أم أن علينا أن نميز بين أصناف القراء وطبيعة استجاباتهم؟[6]
في الواقع عند النظر إلى النص النقدي العربي السابق نجد أن بعض النصوص تهيجنا وبعضه يهذبنا وينفعنا، ولكن مع ذلك فإن للقارئ دورا كبيرا في تحديد أثر النص فيه تبعا لمستواه الثقافي واللغوي والديني على الخصوص ! ومن جهة أخرى لا يمكن إهمال دور التأنيس لكي لانغتر بالتعويل على القارئ، فللألفة والعادة دورهما.
ويرتبط بالتطهير وظيفة نفسية هي  أن  من بين القيم في المسرحية أو الرواية يبدو أن هناك قيمة بسيكولوجية، فبإمكان الروائي أن يعلمك عن الطبائع البشرية أكثر من عالم النفس، وأ ن الرواية تقدم أكبر خدمة عندما تكشف عن الحياة الباطنية للشخصيات[7] لا سيما حين نجد فرويد يعتبر العمل الأدبي  "إشباعا خياليا لرغبات لاواعية توقظ وتشبع لدى الآخرين نفس الطموحات فمكافأة الإغراء تكمن في المتعة المرتبطة بالإحساس بجمال الشكل"[8]
3ـ الوظيفة الاجتماعية والحضارية: ولعل أكثر المدارس النقدية اهتماما بغاية الأدب في العصر الحديث هما المدرسة الواقعية والمدرسة الإسلامية؛ فالمدرسة الواقعية "  تلزم الكاتب بالاشتراك في مشكلات المجتمع الحاضر وتهتم بالمضمون وأثره الاجتماعي والحضاري في الأدب وتجعل المتعة الفنية في الأدب وسيلة لغايات إنسانية"[9]،  والمدرسة الإسلامية ترى أن الأدب لابد أن يخدم قيم الحق والخير والجمال في الوقت نفسه، فللأدب رسالة حضارية شاملة قبل كل شيء بما في ذلك الاحتفال بآلام الطبقات البشرية وقيودها لكن هذه المدرسة لا تستخدم الحقد الطبقي لإزالة تلك الآلام[10]، بل ترى أن  الجمال في الباطن أقوى منه في الظاهر وأن جمال الشكل تدركه حتى البهائم، بينما لا يدرك جمال الباطن إلا ذوو الألباب كما يقول ابن قيم الجوزية.


[1] ـ ابن رشيق : العمدة : ج 1 ص 76 ، وانظر:  غنيمي  : م س  221
[2] ـ نظرية الأدب  م س : 32
[3] ـ أرسطو طاليس: فن الشعر 18 ترجمة عبد الرحمن بدوي دار الثقافة بيروت وانظر غنيمي : م س  :65
[4]   أرسطو طاليس في فن الشعر ص 16 قال: الملهاة هي محاكاة الأراذل من الناس لا في كل نقيصة ولكن في الجانب الهزلي الذي هو قسم من  القبيح  وانظر غنيمي م س 89
[5] ـ نظرية الأدب : 37
[6] ـ نظرية الأدب : م س : 37
[7] ـ نظرية الأدب  م س : 33
[8] ـ  النقد الأدبي في القرن العشرين م س : 192
[9] ـ غنيي هلال : النقد الأدبي  الحديث :   م س : 331
[10] ـ سيد قطب : النقد الأدبي  أصوله ومناهجه: 106
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثاني5    كن أول من يقيّم
 
نقد النظريات التي تقول بالوظيفة: هذه النظريات وإن ظلت متشبثة على مدى تاريخ علم الجمال بالقيم الخلقية والنفسية والمعرفية فإنها لا تنفي قيمة الشكل ولا تنتقص من أهميته  لذا قال أصحابها " في الإمكان أن نعتنق نظرية خلقية ونتقبل الاعتبارات الشكلية على أنها عوامل تابعة، فكل ما هو ضروري لنظرية خلقية هو أن تتمسك بأن قيمة العمل الأدبي إنما يحكم عليها حكما نهائيا بمدى مساهمتها في تجربة الإنسان ككل وفي تطويره الخلقي، والتقدم الاجتماعي أو التاريخي، إن النظريات الخلقية قابلة للتطابق مع تفضيل أي نوع من أنواع الأشكال الأدبية"[1]
من كل ذلك يتبين أن للأدب وظائف هامة وحقيقية ولكن ما قيمة طبيعة الحقيقة الخلقية أو النفسية أو الاجتماعية التي يتخذ منها الأدب وظيفته؟
قيمة الحقيقة التي يتخذ منها الأدب وظيفته:
 مع كل ما سبق فهناك مسألة أخرى خطيرة فعلا تلك هي " قيمة الحقيقة التي يعبر عنها الأديب فمن النقاد من يرى أن " العقل الأدبي وهو بكل بساطة عقل هاو وغير مختص يرجع إلى أيام ما قبل العلم، يحاول أن يصمد ويستفيد من التسهيلات اللفظية ليخلق الانطباع بأنه ينطق بالحقائق الهامة فعلا ... الكاتب الخيالي والشاعر خاصة يسيء فهم نفسه إذا ظن أن مهمته الرئيسية هي اكتشاف المعرفة وإيصالها، إن وظيفته الفعلية هي أن يجعلنا ندرك ما نرى ونتخيل ما سبق أن عرفناه سواء بشكل تصوري أو عملي"[2]، إن هذا النقد يتناسب في جزئه الأول مع الحقيقة القرآنية التي وردت بخصوص وظيفة الأدب أعني آية الشعراء  التي نزلت   فكان من نتائج ذلك كله أن بينت أن الشاعر لا يملك أن يعبر عن الحقيقة لأنه يعيش أوهاما إلا إذا التزم، وهكذا  تغيرت نظرة الناس في صدر الإسلام، إلى كل شيء من حولهم بما في   ذلك نظرتهم إلى مفهوم الجمال ليشمل الشكل والمضمون معا، وإلى أهداف الشعر على الخصوص، لاسيما بعد أن سمعوا قول الله عز وجل يحدد وظيفة الشعر ورسالة الشعراء، ويعين لهم طريق الالتزام بقوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من  بعد  ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)"[3].
بعد نزول هذا النص حدث وعي جديد في مفهوم الفن عند المسلمين عامة والشعر خاصة، لقد عرفوا أن الشعر نوعان شعر الغواية وشعر الهداية !! وأن الشعراء يهيمون في كل واد لافتقارهم إلى  ضوابط علمية، حتى وجدنا من الشعراء من يتوقف عن قول الشعر تحرجا وطلبا لبيان الحدود الجديدة للفن الشعري، وبعد تفهم الجزء الثاني من الآية يتبين كيف  ارتبط الوعي بمفاهيم الفن بالوعي العام وصار الشعر مرتبطا بقيم الإيمان والعمل الصالح وذكر الله والانتصار للحق والخير والقيم النبيلة كالعدالة والفضيلة، لقد صار للشعر رسالة جديدة يحاسب عليها، ويقيم في ضوئها، وقد تبين ذلك الوعي بوضوح في رسالتي  التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري "فكل من الرسالتين عرض لمشكلات أدبية بطريقة قصصية وكل منهما اتخذ عالما آخر غير دنيانا ليكون مسرحا للأحداث وكل من المؤلفين عرض بمعاصريه ونقد سابقيه"[4].
ومن الواضح أن  ذلك النص القرآني نظري يطرح لأول مرة في حياة الإنسان العربي مسألة الرسالة الشعرية ومسألة الالتزام بالشعر النافع بدلا من الاهتمام بالشعر اللاهي الذي يتخذونه وسيلة للعب واللهو، وهكذا صنف الشعراء صنفين؛ شعراء وظيفتهم الغواية التي يلتقون فيها مع الشيطان،  وشعراء وظيفتهم تكريس دعوة الحق وتبليغ الحقيقة بوسائلهم الخاصة التي لا تخرجهم من فن الشعر، وإنما تحملهم رسالة أساسية في الحياة تتناسب مع طبيعة الشعر من حيث هو كلمة جميلة  ومسؤولة في الآن نفسه.
وفي الحقيقة إذا كان هناك  نقاد بارعون في بيان المعرفة التي يقدمها الأدب، ويمكن أن نذكر هنا مثلا:آلان تيت  وهو أحد المشغوفين بالدفاع عن الشعر ضد العلم حين يقول : " العلم يمنحنا التجريد أما الشعر فيمنحنا الملموسية وإذا كان العلم معرفة جزئية  فإن الشعر معرفة كاملة، إن التجريد يعتدي على الفن، والفن الجيد ينبثق من اتحاد الذهن مع الشعور أو بالأحرى من التوتر بين التجريد والمحسوسية" فإ ن هناك من وجهة أخرى من يرى أن " الشعر يصوغ الأساطير صياغة متقنة متماسكة تلك الأساطير  التي يعيش بها الناس مع أنها غير حقيقية، ويمكن أن تكون في ضوء العلم مجرد تعبيرات مزيفة"
وهذا ما يمهد للنظرية التوفيقية


[1] ـ مقالة في الأدب : 19
[2] ـ نظرية الأدب م س : 34
[3] ـ سورة الشعراء : 224ـ227
[4] ـ أحمد هيكل : الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة: 381
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثاني6    كن أول من يقيّم
 
ثالثا ? النظرية التوفيقية : هذه النظرية ترى أن الأدب ممتع ومفيد، إذ "لابد لقيمة الحد الثاني ( الموضوع الموحى به) أن يتضمنها الحد الأول ( الكلمة)، فجمال التعبير جزء لا ينفصل عن الموضوع مثله في ذلك مثل جمال المادة والشكل والفرق بين هذين النوعين من الجمال هو أن جمال التعبير لا يضاف إلى الموضوع نتيجة لعملية الإدراك ذاتها وإنما نتيجة لارتباط هذه العملية بعمليات أخرى مصدرها وجود انطباعات سالفة"[1] وهكذ نجد أنه "لا تناقض بين القيمتين، فالأدب ممتع بجماله ومفيد بمحتواه الخلقي والمعرفي " وتصر هذه النظرية لذلك على  أنه : "بصورة تقريبية يمكن إيجاز تاريخ علم الجمال بأنه علاقة جدلية( دياليكتيك) تكِّون أطروحته ونقيضتها قيمتي هوراس في الممتع والمفيد: الشعر عذب ومفيد، وكل صفة من هاتين الصفتين إذا استعملت بمفردها مثلت محورا من سوء فهمنا لوظيفة الشعرـ ومن المحتمل أن يكون من الأسهل الملاءمة بين الممتع والمفيد على أساس الوظيفة أكثر منه على أساس الطبيعة"[2]، وعلى هذا فإنه:" حين يؤدي العمل الأدبي وظيفته تأدية ناجحة فإن نغمتي الفائدة والمتعة لا يجوز أن تتعايشا فقط بل يجب أن تندمجا"[3]، وإذا تم ذلك فإن المنطق العلمي يقتضي القول بأنه: " يصعب جدا أن نتمسك بنظرية شكلية دون أن نستخدم بشكل ظمني أو صريح اعتبارات خلقية تؤيدها"[4]، وأي محاولة متطرفة تحاول أن تطور النظريات الأدبية في إطار أحادي النظرة يفصل بين القيمتين يكون قد عرض نظرية الأدب والنقد للاهتزاز بحيث: " إذا طورت النظريات الشكلية بمعزل عن الاعتبارات الأخرى فإنها ترد الأدب إلى شيء غير ذي معنى، وإذا طورت النظريات الخلقية بمعزل عن الاعتبارات الأخرى فإنها لا تعود نظريات أدبية بل تضحي إسهامات لحفظ صحة المجتمع، ولذلك فمن الخطأ أن نفعل ما يفعل غالبا وهو أن نعتبر النظريات الخلقية والشكلية على طرفي نقيض"[5]
ويمكن أن نستنتج من كل ذلك أن من يبحث في طبيعة الأدب وبنيته الفنية ويريد أن يؤكد على أن طبيعته لغوية أساسا فهي بنية جمالية، لا يملك إلا أن يراجع نفسه ليقول في النهاية إن هذا الجمال يعبر ولا بد عن شيء ويهدف إلى شيء، ومن ثم ينتهي إلى المناهج النقدية التي تعنى بغير البناء اللغوي من المضامين الحضارية والنفسية والعقدية، تماما كما أن دارس النص من جهة ما يتضمنه من أهداف خلقية ومعرفية لا يملك إلا أن يفكر في البنية الجمالية من حيث هي حامل مضمون النص كاملا بما في ذلك ما به يؤثر فضلا عما به يقنع ويهذب، وعليه فإن "من يتقصى عما وضع له الأدب يسعى إلى إتمام استقصائه بالتحرك صوب الداخل باتجاه المركز ? ليسأل : ما هو الأدب ? ومن يتقصى عن ما هو الأدب يسعى إلى إتمام استقصائه بالتحرك صوب الخارج باتجاه شمول التجربة الإنسانية _ ليسأل: لأي شيء وضع الأدب ?  وتلك هي علاقة دياليكتيكية ولا بد أن تكون النتيجة تركيبا نقديا يمكن بواسطته أن نناقش في المحاورة نفسها وبعبارات متطابقة كلا من جوهر الأدب ووظيفته"[6]


[1] ـجورج سانتيانا : الإحساس بالجمال:  ترجمة محمد مصطفى بدوي269/ مكتبة الأسرة/ الهيئة المصرية العامة للكتاب / مصر
[2] ـ نظرية الأدب م س : 30
[3] ـ رنيه ويلك : نظرية الأدب م س : 31
[4]  غراهام هو  مقالة في النقد : 19
[5] ـ غراهام هو  مقالة : م س : 20
[6] ـ مقالة في النقد  م س : 20ـ 21
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث7    كن أول من يقيّم
 
ونستنتج من ذلك أن الأدب في النقد العالمي ارتبط بغايات معينة تنوعت بتنوع نظريات النقد، وأن هذه الغايات والوظائف منها النفسي والفني والأخلاقي التربوي ومنها المادي المنفعي الاجتماعي[1]، ولكن يمكن القول أن ما كان يبدو تعارضا بين الشكل والمضمون إنما هو وهم، والحق أنهما متكاملان في تكوين النص الأدبي ويؤيد ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم" لشعر كعب ابن مالك أشد على قريش من رشق السهام"[2] وقوله:"قل وروح القدس معك"، ويقول: " إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا "[3]، علق على النص ابن رشيق فقال :" قرن البيان بالسحر فصاحة منه صلى الله عليه وسام ، وجعل من الشعر حكمة، لأن السحريخيل للإنسان ما لم يكن للطافته، وحيلة صاحبه، وكذلك البيان يتصور فيه الحق بصورة الباطل والباطل بصورة الحق لرقة معناه ولطف موقعه، وأبلغ البيان عند العلماء الشعر بلا مدافعة "[4]، فالحكمة تعني الغاية الأخلاقية والسحر يعني الغاية الفنية، "[5]والقصيدة تبدأ بالإمتاع وتنتهي بالمعرفة أوالحكمة، وهذا يعني  أن الأدب يمزج حبه للجمال بحبه للحقية " ويوجد هذان الحدان معا في الذهن ويتألف التعبير من اتحادهما"[6]


[1] ـ عبد الفتاح عثمان : نظرية الشعر   في النقد العربي القديم :288
[2] ـ أبو حاتم الرازي :  الزينة : 102
[3] ـ الزينة م س  : 201
[4] ـ العمدة     : 1/27
[5] ـ عبد الفتاح عثمان : نظرية الشعر  م س : 293
[6] ـ جور ج سانتيانا :  الإحساس بالجمال: 267
*صبري أبوحسين
18 - مايو - 2008
المبحث الثالث : نظرية الأنواع الأدبية    كن أول من يقيّم
 
المبحث الثالث : نظرية الأنواع الأدبية
 
لقد أشرنا في غير هذا الموضع إلى أن "العمل الأدبي هو التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية"[1] وقد استنتجنا من ذلك أن أي عمل أدبي يتكون من مجموعة من العناصر ألأساسية هي العاطفة والخيال والفكرة والأسلوب،ولكن تلك العناصر تحدد صفة  الأدب ولا تحدد نوعه، وإنما هناك عناصر تتعين بها ألوان أدبية، فتتميز عن غيرها، مثل الموسيقى الخارجية التي تميز الشعر عن النثر، فضلا عن كون العناصر السابقة لا توظفها تلك الفنون بنفس النسبة إذ نجد أن" إثارة الشعور والإحساس مقدمة في الشعر على إثارة الفكر على النقيض من المسرحية والقصة اللتين يكون إثارة الفكر فيهما مقدما على إثارة الشعور"[2] لذلك قيل: "ليس النوع الأدبي مجرد اسم؛ لأن العرف الجمالي الذي يشارك فيه العمل يصوغ شخصية هذا العمل"[3] وعليه يتعين أنه " يجب تصور الأنواع على أنها زمر من الأعمال الأدبية تقوم نظرا على كل من شكلها الخارجي ـ وزن أو بنيةـ وشكلها الداخلي أيضا كالاتجاه، والجرس والهدف والموضوع والجمهور"[4]
بل إن الشعر ذاته يتميز لاعتبارات معينة إلى ثلاثة أنواع:
ـ نوع يطلق عليه الشعر المنثور أو الشعر الدلالي لأنه يستثمر من اللغة طاقتها المعجمية مغفلا الجانب الصوتي الموسيقي
ـ ونوع لا يستثمر من لغة الشعر سوى الجانب الصوتي فحسب دون بقية الإمكانات التعبيرية الدلالية فينتهي إلى نوع من النظم
ـ والنوع ثالث يشبع كلتا الحاجتين في لغة الشعر أي الجانب الصوتي والدلالي معا وهذا هو الشعر الفعلي [5]


[1] ـ سيد قطب : النقد الأدبي أصوله ومناهجه: 7
[2] ـ غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث : 376
[3] ـ نظرية الأدب م س : ص 237
[4] ـ نظرية الأدب م س ص 243
[5] ـ صلاح فضل : نظرية البنائية في النقد الأدبي : 367
[6] ـ رنيه ويلك وأز=وستن : نظرية الأدب : 241
[7] ـ نظرية الأدب  م س : ص : 246
[8] ـ نظرية الأدب م س : 238
[9] ـ غراهام هو مقالة في النقد : 136
[10] ـ غنيمي هلال :النقد الأدبي الحديث : 367
[11] ـ ابن وهب : البرهان في وجوه البيان: 56....
[12] ـ الشايب: النقد الأدبي: 297
[13] ـ الجاحظ : الحيوان:3/132
[14]  ـ الشايب النقد الأدبي : 297
[15] ـ نقد الشعر :ص 3 / طبعة ليدن 1956
[16]  الشايب: نفسه: 297
*صبري أبوحسين
19 - مايو - 2008
 1  2  3  4