البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد إلى الفناء    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 عبود 
4 - أبريل - 2010
مقدمة المؤلف
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي )
صدق الله العظيم
بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأتوب إليه، إله الأولين والآخرين، أرسل الرسل وأنزل الكتب وأقام الحجة على الخلق أجمعين، الحمد لله رب العالمين الأول قبل كل شيئ والآخر بعد كل شيئ والدائم بلا زوال، له الكبرياء والعظمة والبهاء والعزة والسلطان والقدرة، يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير، أحمده وأشكره وأستهديه لما يقربني منه ويرضيه مخلصا له التوحيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا بن عبد الله عبده النجيب ورسوله الأمين، اصطفاه لرسالته وابتعثه بوحيه داعيا خلقه إلى عبادته، فصدع بأمره وجاهد في سبيله ونصح لأمته، فقد قال الله تعالى في كتابه ( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا وقد قص الله على نبيه (ص) خبر ما مضى من خلق المخلوقات وذكر الأمم الماضين وكيف فعل بأوليائه وماذا أحل بأعدائه وبين ذلك رسول الله (ص) لأمته بيانا شافيا.
لقد كان العلماء السابقين قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم فكانوا لا يلتفتون إلى أهل الدنيا ولا إلى ما في أيديهم، وكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبة في علمهم فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في الدنيا، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم، وإني لأستحي من الله عز وجل أن أعبده رجاء ثواب الجنة فقط فأكون كالأجير السوء إن أعطى عمل وإن لم يعط لم يعمل، وإني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار فقط فأكون كالعبد السوء إن رهب عمل وإن ترك لم يعمل، وإني ليستخرج مني حب الله ما لا يستخرج مني غيره.
قال سليمان وهو صاحب الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده: والله لتسبيحة واحدة يقبلها الله عز وجل منك أو من مؤمن خير مما أوتى آل داود من الملك، لأن ما أوتى آل داود من ملك الدنيا يفنى والتسبيحة تبقى وما يبقى خير مما يفنى.
فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي      ولا موت من قد مات يوما بمخلدي
إن أخاً لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله وأخبرك بعيب فيك، أحب أليك وخير لك من اخ كلما لقيك مدحك أو وضع في كفك دينارا وكما قال الشاعر أبو جعفر الكاتب أحمد بن يوسف بن صبيح:
قد يرزق المرء من غير حيلة صدرت     ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
ما مسـني من غنى يوما ولا عــدم    إلا وقـولي عليه الحمــــــد لله
 
عبدالرحمن ملا عثمان
20/11/1999م
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( عَلَّـمَ الْإِنْسَـانَ مَا لَمْ يَعْلَـمْ )
صدق الله العظيم
 
أكتب هذه المقدمة بعد أن قطعت تسع سنين من يوم أن قررت الكتابة في هذا المجال، وبعد أن قرأت واطلعت على عدد لا بأس به من الكتب والدراسات التي قام بها الكثير من السابقين، ولا أزال في هذه المغامرة التي لا أدري متى ستنتهي، وسأمضي في الكتابة على قدر استطاعتي وعلى قدر الامتداد الزمني الذي يسير بي إلى الوقت المكتوب لي به من حياتي وكما قال الشاعر أبو جعفر الكاتب أحمد بن يوسف بن صبيح:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه        فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل لا، تسـترح وترح بها         لئلا يقول الناس إنك كــاذب
إنه ضرب من الجنون في عزمي لكتابة قصة الخلق والإلمام بجميع النواحي الثقافية والاقتصادية من الزراعة والصناعة والتجارة والمالية والسياسية والقانونية والحربية والأخلاقية والاجتماعية وآداب السلوك والدينية والتربوية والعلمية والطبية والفلسفية والأدبية والفنية والحكم والموسيقى... كاملاً منذ البدء، إنه لمن الحمق أن تتحدث في كل ضروب المعرفة ولكنها محاولة جريئة لا تخلو من الغرور، فأنا أمشى إلى الخلف بينما الناس في تقدم، فنجد التخصص في العلوم التطبيقية كالهندسة والطب مثلاً تتعدد سنة بعد سنة حتى أصبح طبيب اليوم مثلاً لا يفقه من الطب العام إلا جزءاً يسيرا، وكذلك الهندسات والإقتصاد... والعلوم الأخرى، بينما أنا فأريد للإنسان أن يكون كما كان سابقا ملمّاً بعلوم متعددة في وقت واحد، كالطب والهندسة والفلسفة والتاريخ والفلك والدين... فعلى القارئ أن يعرف المبادئ والقواعد الأساسية على الأقل للطب والهندسة والقانون والاقتصاد والأدب والفن...، وهو موجه لكل عالم ديني من أئمة المسلمين وأحبار اليهود وقساوسة المسيحية ورؤساء المعابد البوذية...، كما أنه لكل الناس من فلاح وعامل ومهندس وطبيب وعالم فلك أو رياضيات أو تاجر أو عتّال أو عسكري أو مدني...، وعلى الجميع أن يفهم الجميع من أبسط البسطاء إلى أعقد المعقدين أو الفلاسفة، ولقد قررت أن أمضي قدماً في إعادة كتابة التاريخ بعد اطلاعي على الكثير من الكتب التي سردت في هذا المجال معلومات قيّمة ولكنها لا ترتقي إلى الكمال، وأنا أعلم أنه لن تسعفني السنين للوصول إلى الكمال الذي أصبو إليه وإنْ الكمال إلا لله وحده فقد أبي الله أن يصح إلا كتابه، ولكن هذا جهد المقل وبذل الاستطاعة وما يكلف الإنسان إلا ما تصل قدرته إليه وفوق كل ذي علم عليم، والله يستر عيوبنا بكرمه ولا يكدر علينا ما منحنا من مشرع عظاته المنير الصافي إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
لقد وجدت أن معظم الكتب التاريخية غير العربية تبدأ من اليونان والكثير من الكتب العربية تبدأ من المنطقة العربية تاركين الشرق الأقصى وأمريكا وأفريقيا دون ذكر، ولكي نكون منصفين في هذه الإعادة لكتابة التاريخ الكامل سوف نستقصي ما أمكننا شرقا وغربا وشمالاً وجنوباً.
ما تطعمت لذة العيش حتى        صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس عندي شيء ألذ من الــــعلم فما أبتغي سـواه أنيسا
ومن حق الفيلسوف في مقابل هذا أن يترك حراً يسعى وراء الحقيقة، ولكن عليه مع ذلك أن يحصر مناقشاته في دائرة المتعلمين ومداركهم وألا يعمد إلى الدعوة لآرائه بين العامة.
 
عبدالرحمن ملا عثمان
1 / 6 / 2002م
 
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
صدق الله العظيم
 
أيها الناس أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة ابراهيم وخير السنن سنة محمد (ص) واشرف الحديث ذكر الله وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الامور عوازمها وشر الامور محدثاتها وأحسن الهدي هدي الانبياء واشرف الموت موت الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى وخير الاعمال ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب، وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل والخمر جماع الاثم والنساء حبائل الشيطان، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة اذرع والأمر الى الآخرة، وملاك العمل خواتمه وشر الروايا روايا الكذب وأكل لحم المؤمن من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يصبر يضعف الله له ومن يعص الله يعذبه الله.
إن الفهم الصحيح للحياة يقتضي الوقوف على الحياد في كل الأمور والتحرر من العبودية بشكل كامل كالمشاهد لفلم سينمائي ليس له أن يغيّر في أحداثه من شيء، فنجد أن حضارات شتى سادت ثم بادت في أمكنة كثيرة من العالم، كانت في حقبة من الزمان مسيطرة على العالم ونجدها الآن من العالم الثالث أو الخامس بالنسبة لبلدان أصبحت الأولى في العالم، فنجد على سبيل المثال طريق الحرير الذي يمتد من الهند الى أوروبا ماراً بالمنطقة العربية كانت المدن مزدهرة على امتداده فأصبحت اليوم في ذاكرة النسيان، وعواصم لإمبراطوريات كانت تسيطر على العالم شرقا وغربا وازدهرت يوماً بالسلطان والعمران آلت الى الإنحطاط أو حتى إلى الزوال، ونجد اليوم أن مدنا ودولاً لم تكن معروفة في جزء كبير من المعمورة ازدهرت وأصبحت مسيطرة على العالم في حين أن امبراطوريات ومدنا لها تاريخ طويل من الإزدهار لم تعد موجودة، وقد تكون قبائل البدو على درجة نادرة من الفتوة والذكاء وقد تبدي من ألوان الخُلق أسماها كالشجاعة والكرم، لكن ذكاءها بغير الحد الأدنى من الثقافة التي لا بد منها ستنفقه في مخاطر الصيد ومقتضيات التجارة بحيث لا يبقى لها منه شيء للمدنية، وفي دائرة الزراعة الضيقة من الطمأنينة ترى الإنسان يبني لنفسه الدُّور والمعابد والمدارس ويخترع الآلات التي تعينه على الإنتاج ويستأنس الكلب والحمار، ثم يسيطر على نفسه آخر الأمر فيتعلم كيف يعمل في نظام ويحتفظ بحياته أمداً أطول ويزداد قدرة على نقل تراث الإنسانية من علم وأخلاق نقلاً أميناً.
إن الثقافة تجمع في المدينة ما ينتجه الريف من ثراء ومن نوابـغ العقول، وفي المدينة يتلاقى التجار حيث يتبادلون السلع والأفكار فتتلاقح العقول وتُستثار فيه قوته على الخَلق والإبداع، فتراهم يتوفرون على إنتاج العلم والفلسفة والأدب والفن فتبدأ المدنية في كوخ الفلاح ولكنها لا تزدهر إلا في المدن، وليس هو الجنس العظيم الذي يصنع المدنية بل المدنية العظيمة هي التي تخلق الشعب، لأن الظروف الجغرافية والاقتصادية تخلق ثقافته والثقافة تخلق النمط الذي يصاغ عليه، ولا بد من قانون خلقي يربط بينهم عن طريق الدين أو الأسرة أو المدرسة أو غيرها حتى تكون هناك في لعبة الحياة قاعدة يرعاها اللاعبون ويعترف بها حتى الخارجون عليها، ولا بد من تربية لكي تنتقل الثقافة على مر الأجيال فنورث الناشئة تراث القبيلة وروحها، نورثهم نفعها ومعارفها وأخلاقها وتقاليدها وعلومها وفنونها سواء كان ذلك التوريث عن طريق التقليد أو التعليم أو التلقين، وسواء في ذلك أن يكون المربي هو الأب أو الأم أو الإمام أو المعلم أو القسيس، لأن هذا التراث إن هو إلا الأداة الأساسية التي تحول هؤلاء من مرحلة الحيوان إلى طور الإنسان، ولو انعدمت هذه العوامل بل ربما لو انعدم واحد منها لجاز للمدنية أن يتقوض أساسها، كزوال الخصوبة من الأرض أو فساد الزراعة بسبب طغيان الحواضر على الريف، بحيث ينتهي الأمر إلى اعتماد الناس في أقواتهم على ما يرد إليهم متقطعاً من بلاد أخرى، أو استنفاد الموارد الطبيعية في الوقود أو المواد الخام أو تغيُّر في طرق التجارة تغيراً يُبعد أمة من الأمم عن الطريق الرئيسية لتجارة العالم، إذ المدنية ليست شيئاً مجبولاً في فطرة الإنسان ولا هي شيء يستعصي على الفناء، إنما هي شيء لا بد أن يكتسبه كل جيل من الأجيال اكتساباً جديداً، فإذا ما حدث اضطراب خطير في عواملها الاقتصادية أو في طرائق انتقالها من جيل إلى جيل فقد يكون عاملاً على فنائها، وإن الإنسان ليختلف عن الحيوان في شيء واحد وهو التربية وهي الوسيلة التي تنتقل بها المدنية من جيل إلى جيل، والمدنيات المختلفة هي بمثابة الأجيال للنفس الإنسانية، فكما ترتبط الأجيال المتعاقبة بعضها ببعض بفضل قيام الأسرة بتربية أبنائها ثم بفضل الكتابة التي تنقل تراث الآباء للأبناء، فكذلك الطباعة والتجارة والصناعة والزراعة وغيرهما من ألوف الوسائل التي تربط الصلات بين الناس، قد تعمل على ربط الأواصر بين المدنيات وبذلك تصون للثقافات المقبلة كل ما له قيمة من عناصر مدنيتنا، فلنجمع تراثنا قبل أن يلحق بنا الموت ولنُسلمه إلى أبنائنا.
 
عبدالرحمن ملا عثمان
25/1/2005
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
4    كن أول من يقيّم
 
قال الله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، وقوله تعالى (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فإن كان كل شيء هالك غير وجهه وكان الليل والنهار ظلمة أو نورا خلقهما لمصالح خلقه فلا شك أنهما فانيان هالكان، وكما قال (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ويعني بذلك أنها عميت فذهب ضوءها وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يحتاج إلى الإكثار فيه ويقر به جميع أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس، مقرون بأن الله عز وجل محييهم بعد فنائهم وباعثهم بعد هلاكهم إلا قوم من عبدة الأوثان فإنهم يقرون بالفناء وينكرون البعث.
معلوم أن أي مخلوق لا بد له من خالق والمحدث لا بد له من مؤلف، والمجتمع من شيئين أو أكثر أو من تفريق شئ له مفرق أو جامع، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شيء وهو على كل شيء قدير، فهو بارىء الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات وأنه محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله وأن في قوله تعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، لأبلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها وحدوث كل ما جانسها وأن لها خالقا لا يشبهها، وذلك أن كل ما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل، فإن ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم غير ممتنع عليه شيء من ذلك، ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد تصريفه فلم يوجده من هو مثله ولا هو أوجد نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده ولا يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهو الله الواحد القهار فإن قيل اثنين أنكرنا ذلك لتمام الخلق فلو كان المدبر اثنين لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف، فإن كانا متفقين فمعناهما واحد وإنما جعل الواحد اثنين وإن كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام والتدبير، لأن المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام وفي قول الله عز وجل (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ، إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، أبلغ حجة وأوجز بيان وأدل دليل على بطلان ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان فيهما إله غير الله لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف كما قال ربنا جل وعلا (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَفتبين إذا أن القديم بارىء الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء وهو الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان ولا ليل ولا نهار ولا ظلمة ولا نور إلا نور وجهه الكريم، ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شيء سواه محدث مدبر مصنوع انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر.
عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إنكم تُسألون بعدي عن كل شيء، حتى يقول القائل هذا الله خلق كل شيء فمن ذا خلقه، إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله خالق كل شيء والله كان قبل كل شيء والله كائن بعد كل شيء، فإذا كان معلوما أن خالق الأشياء وبارئها كان ولا شيء غيره، وأنه أحدث الأشياء فدبرها وأنه قد خلق صنوفا من خلقه قبل خلق الأزمنة والأوقات وقبل خلق الشمس والقمر اللذين يجريهما في أفلاكهما، وبهما عرفت الأوقات والساعات وأرخت التأريخات وفصل بين الليل والنهار، فلنقل فيم ذلك الخلق الذي خلق قبل ذلك وما كان أوله؟.
عبود
23 - مايو - 2010
5    كن أول من يقيّم
 
قال عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله يقول: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، وعن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله قال: إن أول شيء خلق الله القلم وأمره أن يكتب كل شيء، وعن عطاء قال سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حضره الموت قال: دعاني فقال: أي بني، اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله ولن تبلغ العلم حتى تؤمن به وحده والقدر خيره وشره، إني سمعت رسول الله يقول: إن أول ما خلق الله عز وجل، خلق القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب، قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وبما هو كائن إلى الأبد، وقد اختلف أهل السلف في ذلك فقال بعضهم بنحو الذي روي عن رسول الله فيه ومنهم ابن عباس.
وقال آخرون: بل أول شيء خلق الله عز وجل من خلقه: النور والظلمة، ومنهم ابن اسحاق حيث قال: كان أول ما خلق الله عز وجل النور والظلمة، ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا ويقول الله عز وجل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِفكان كما وصف نفسه عز وجل، إذ ليس إلا الماء عليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام، فكان أول ما خلق الله النور والظلمة، أما قول ابن عباس إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئا، فكان أول ما خلق الله القلم، فهو خبر منه أن الله خلق القلم بعد خلقه عرشه، وقول ابن عباس أثبت لروايته ذلك عن رسول الله (ص) وهو أعلم قائل، وذلك من غير استثناء منه شيئا من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله إن أول شيء خلقه الله القلم كل شيء من غير استثنائه من ذلك عرشا ولا ماء ولا شيئا غير ذلك.
ماذا بعد القلم
إن الله جل جلاله خلق بعد القلم وبعد أن أمره فكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة، خلق سحابا رقيقا وهو الغمام الذي ذكره جل وعلا في محكم كتابه فقال (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، وذلك قبل ان يخلق عرشه، وبذلك ورد الخبر عن أبي رزين العقيلي قال قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه فقال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء، وعن عمران بن الحصين وكان من أصحاب رسول الله (ص) قال: أتى قوم رسول الله فدخلوا عليه فجعل يبشرهم ويقولون: أعطنا، حتى ساء ذلك رسول الله ثم خرجوا من عنده، وجاء قوم آخرون فدخلوا عليه فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله ونتفقه في الدين ونسأله عن بدء هذا الأمر فقال (ص): فأقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا، قالوا: قبلنا، فقال رسول الله (ص): كان الله لا شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر قبل كل شيء ثم خلق سبع سموات، ثم اختلف في الذي خلق تعالى بعد العماء فقال بعضهم خلق بعد ذلك عرشه وقال ابن عباس: إن الله عز وجل خلق العرش أول ما خلق فاستوى عليه، وقال آخرون: خلق الله عز وجل الماء قبل العرش ثم خلق عرشه فوضعه على الماء، وقال وهب بن منبه: إن العرش كان قبل أن يخلق السموات والأرض على الماء، فلما أراد أن يخلق السموات والأرض قبض من صفاة الماء قبضة ثم فتح القبضة فارتفعت دخانا، ثم قضاهن سبع سموات في يومين ودحا الأرض في يومين وفرغ من الخلق في اليوم السابع.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش، لصحة الخبر الذي ذكر عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله (ص)، فأخبر أن الله خلق عرشه على الماء، ومحال إذ كان خلقه على الماء أن يكون خلقه عليه والذي خلقه عليه غير موجود إما قبله أو معه، فإذا كان كذلك فالعرش لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون خلق بعد خلق الله الماء، وإما أن يكون خلق هو والماء معا، فأما أن يكون خلقه قبل خلق الماء فذلك غير جائز صحته، وقد قيل إنه كان بين خلقه القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام، فلما أراد جل جلاله خلق السموات والأرض خلق فيما ذكر أياما ستة فسمى كل يوم منهن باسم غير الذي سمى به الآخر، قال الضحاك بن مزاحم عن زيد بن الأرقم: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ليس منها يوم إلا له اسم: أبجد - هوز - حطي - كلمن - سعفص قرشت، وقال آخرون ومنهم ابن عباس قال: إن الله خلق يوما واحدا سماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الإثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس.
عبود
23 - مايو - 2010
6    كن أول من يقيّم
 
عن ابن عباس أن نبي الله (ص) قال: إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور لله فيه في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة، يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء، وقال ابن عباس: اللوح المحفوظ لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه معقود بالعرش وهو في حِجْر ملك إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة، ، وقال أنس بن مالك وغيره من السلف: اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل، وقال مقاتل: هو عن يمين العرش.
عن ابن عباس قال: وضع البيت العتيق على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحت البيت، وعن عبدالله بن سلام قال: إن الله تعالى خلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل، فتلك الساعة التي تقوم فيها القيامة.
أن مدة ما بين أول خلق خلقه الله تعالى إلى قيام الساعة وفناء جميع العالم أربعة عشر ألف عام من أعوام الدنيا، وذلك أربعة عشر يوما من أيام الآخرة، سبعة أيام من ذلك وهي سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا مدة ما بين أول ابتداء الله جل وتقدس في خلق أول خلقه إلى فراغه من خلق آخرهم وهو آدم أبو البشر صلوات الله عليه، وسبعة أيام أخر وهي سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا من ذلك مدة ما بين فراغه جل ثناؤه من خلق آخر خلقه وهو آدم إلى فناء آخرهم وقيام الساعة، وعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير القديم البارىء الذي له الخلق والأمر الذي كان قبل كل شيء، فلا شيء كان قبله والكائن بعد كل شيء فلا شيء يبقى غير وجهه الكريم فإن قال قائل: وما دليلك على أن الأيام الستة التي خلق الله فيهن خلقه كان قدر كل يوم منهن ألف عام من أعوام الدنيا دون أن يكون ذلك كأيام أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم، وإنما قال الله عز وجل في كتابه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فنقول أن الله تعالى قال (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَفاليوم عند الله ألف سنة ولكن سماه يوما فهو الخالق وسماه كما شاء.
عبود
23 - مايو - 2010
 1  2  3