البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : تاريخ أدب عصر الدول المتتابعة    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
3 - فبراير - 2010
توطئة:
أدب الدول المتتابعة مصطلح علمي شاع في التعليم الجامعي اسمًا لمساق أدبي يركز على دراسة الفترة التي تقع بين مرحلة ضعف الخلافة العباسية وانهيار الخلافة العثمانية... وله مرادفات كثيرة في كتابات الدارسين، والتزم الباحثون في بحثه مناهج مختلفة المنابع والمشارب...
وقد نال ظلمًا كبيرًا من قبل معظم المستشرقين وأذيالهم، فبنوا بيننا وبينه جدارًا عاذلاً، وأحدثوا عند معظمنا قطيعة معرفية مع تراثه الثر الزاخر المغمور المطمور جلُّه إن لم يكن كله!
وسأحاول في هذا الملف أن أعرض لأبرز معالمه وقضاياه من خلال جملة إشكاليات، لعلها تتمثل في الآتي:
*إشكالية المصطلح.
*إشكالية التحديد التاريخي للعصر.
*إشكالية المنهج الموضوعي في عرض النتاج الأدبي لهذا العصر..
*بيان الحيوات:الساسية والاجتماعية والثاقية لهذا العصر من منظور أدبي.
*تعديد الملامح العامة لشعر العصر ونثره، وبيان ما فيه من ومضات تجديدية...إلخ
أسأل الله أن يعيننا على تفصيل ذلك وتحليله في قادم التعاليق.
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
موجز رؤية المنصفين:    كن أول من يقيّم
 
موجز رؤية المنصفين:
مؤدَّى رأي الباحثين المنصفين لأدب هذا العصر، أنه مهما يكن من أمر الأدب في هذا العهد، فإننا لا نستطيع أن نضرب عنه صفحًا أو نهمله. وذلك للأسباب الآتية:
*أننا بذلك الجحود لأدب العصر نهمل جانبًا من حياتنا، ونقتطع حلقةً من حلقات تطورنا الفكري والفني، بل والاجتماعي أيضًا؛ ذلك أن حياتنا المعاصرة متصلة ـ دون شك ـ بآصرة شديدة بحياتنا في هذا العصر، بل ربما خلَّف في حياتنا المعاصرة ما لم تخلفه العصور العربية الإسلامية السابقة مجتمعة.
وعلى هذا فلا ينبغي لنا حين نعرض لآدابنا المعاصرة ـ فصيحة أو شعبية ـ أن نهمله، بل ينبغي أن نعيه وعيًا صحيحًا، وأن ندرسه درسًا منهجيًّا، نحلل عناصره ونبرز جوهره، ونعرض عن خبَثه، إذا كان ثمَّة جوهر وخبَث في الحياة والأدب .
        فهؤلاء يتجهون في حرصهم على الأدب العربي إبان هذا العصر من قيمة إنسانية خالدة تتمثل في احترام الماضي وتقديره ـ لا تقديسه ـ باعتبار الماضي عنصرًا فعالًا يسهم في تكوين الحاضر، وفي التهيئة للمستقبل؛ فهو حبل غير منقطع يشد حاضرنا، ويعيننا على الاتصال بمستقبلنا؛ فيربطنا ـ هذا الأدب ـ بما سبق وما سلف، مهما كانت درجته أو قيمته: علوًّا أو تسفلًا، تحضرًا أو تخلفًا، تقدمًا أو رجعية، التزامًا أو إسفافًا، فوقيةً أو دونيةً .
   و ينحو آخرون منحًى منهجيًّا في تفسير دعوتهم إلى الاهتمام بدرس الأدب العربي في هذا العصر، إذ لم تكتمل الدراسات في الأدب العربي المتعلقة به، على الرغم من تعدد الباحثين والدارسين في تاريخ الأدب لدى العرب والمستشرقين، بل وكثرتهم!!!
وما زال  هذا العصر المظلوم يشكو من ندرة الدراسات وقلة الأبحاث، بلهَ الجور الذي لحقه في الأحكام النقدية والتقويمية، وحتى بعض هذه الدراسات التي صدرت أخيرًا ليست إلا لمحات خاطفة، أو نظرات عابرة من المهتمين عامة بتاريخ الأدب العربي، لم تعطِ الصورة الحقيقية لهذا العصر من طرف قريب أو بعيد.
        حقًّا لقد وقع الأدب العربي عصرئذٍ ضحية لأحكام سابقة وآراء سالفة، أطلقها المستشرقون وتابعوهم العرب المستغربون، إذ نعتوه بأنه أدب العقم والجمود والانحطاط وأدب الماضي والذكرى، وأدب الجهل والظلام والانحلال والانحدار والانهيار....إلخ
 وهي نعوت ظالمة، قائمة على أحكام مبتسرة وآراء هشة، إذ لم يعتمد أصحابها على مصادر أصلية أساسية من دواوين أو مجاميع أدبية أُلفت عصرئذ، ولم يكونوا متخصصين تخصصًا دقيقًا في البحث في مدونات هذه الفترة ـ المخطوط منها و هو كثير جدًّا، والمطبوع وهو قليل جدًّا!!! ـ ومن ثم كان استقراؤهم ناقصًا، واطلاعهم قاصرًا، و نماذجهم معدودة  مكرورة في كل دراساتهم، وهي نماذج لا تعبر عن الحالة العامة للإبداع الأدبي في هذه الفترة، وإنما تعبر عن تيار واحد فقط من الإبداع، وهو التيار الشعبي العامي، والتيار الفكري الجاف.
*كما أن في دراسة أدب هذا العصر، دراسة مفصلة عميقة، ما يساعد على فقه وسائل مواجهة أسلافنا لهاتين الهجمتين الشرستين الآتيتين من الشرق حيث المغول، والغرب حيث الصليبيون. فقد صور أدب العصرين آلام الأمة وآمالها، وجهادها وكفاحها حتى تخلصت من الهجمتين، بل وسعت رقعة الدولة الإسلامية، وأوصلت كلمة الإسلام في بقاع جديدة بأوروبا، لم تكن تعرف عن العروبة والإسلام شيئًا.
* كما أن هذا العصر شهدا حركة حماية التراث العربي من التدمير الكامل الذي خطط له أعداء الأمة خلال الغارات العسكرية المتتالية، وذلك بالاتجاه نحو تأليف دوائر المعارف الكبرى في العلم الواحد أو العلوم المختلفة، وهذا ما سيُجلَّى في قادم الصفحات بإذن الله تعالى. 
 [راجع في ذلك تاريخ الأدب العربي في العصر المملوكي، للأستاذ الدكتور عمر موسى باشا، بارك الله فيه].
*صبري أبوحسين
9 - فبراير - 2010
منهجي في دراسة أدب العصر    كن أول من يقيّم
 
منهجي في دراسة أدب العصر:
خلاصة رأيي أن الأدب العربي في هذا العصر لم يلق بعدُ حقَّه العلميَّ الأكاديميَّ من البحث والدراسة؛ فهو نتاج يمثل فرصة عظيمة لشباب الباحثين والدارسين للتعمق في أدب عربي بكر لم تمسه نظرة الناظرين إلا لمامًا و شذرًا.
 نتاج تجاهله المؤرخون في بداية نهضتنا الأدبية الحديثة تحت طائلة وهم فارغ، هو أنه أدب ينتمي إلى عصر الركود السياسي،  وكأن الركود الفكري والأدبي والفني مرهون بالركود السياسي وتبَع له، وتلك رؤية قابلة للأخذ والرد، وليست ثابتةً أو مسلمة منطقية معقولة أو مقبولة.   
ولو سلَّمْنا جدلاً بأن الأدب الرسمي قد أصابه شيء من العقم والجمود، فهو ـ شئنا أو أبينا ـ جزء ضخم من تراثنا الفني وتاريخنا الأدبي، يجب أن يخضع للدراسة الأكاديمية أو المنهجية؛ وذلك لسبر غوره والوقوف على ملامحه ومعرفة مؤثراته وتأثيراته، هذا التراث الذي ما زال مخطوطاً قابعًا وضائعًا أو تائهًا في مكتبات شتى بأنحاء العالم.
        والحق أن أدب هذه الفترة لم يكن ضعيفًا أو راكدًا أو خامدًا أو معطلًا، وإنما كان ثابتًا مستقرًّا محافظًا على حاله التي ورثها من أخريات العصر العباسي. وبالتحديد بعد عصر أبي العلاء المعري (ت449هـ) وأمثاله ممَّن كان سببًا في اهتمام خالفيه بالشكل على حساب المضمون اهتمامًا واضحًا، ظهر في زخارفهم و أشكالهم الهندسية اللفظية التي لجأ إليها بعضهم ممَّن حاولوا تقليد المعري بالجمع بين العلم والأدب جمعًا مقصودًا لذاته، لم يعد على الإبداع الأدبي بفائدة كبيرة.
        إنه عصر المحافظة على الموروث العباسي وتقليده، وذلك بدافع الاحتفاظ بالشخصية العربية وما تملك من فكر وإبداع أمام أعدائها المغيرين من التتار الوحشيين أو الصليبيين الحاقدين، وذلك حتى لا تضعف هذه الشخصية أو تضمحلّ أو يصيبها وهن من شأنه أن يؤثر على قوانا أو ينال من روحنا.
 إنه عصر فكري وأدبي جاء ردَّ فعلٍ إيجابي محمود ضد الغزاة المعتدين لم يتغير، وينتقل من دور المحافظة والتقليد إلى دور التجديد والإبداع إلا بزوال هؤلاء الغزاة المعتدين.   وذلك كان عند رحيل الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من المستعمرين ـ بل المستدمرين ـ الغربيين عن بلاد العرب والإسلام في العصر الحديث، حيث كانت النهضة الفكرية والأدبية في القرن العشرين الميلادي.
إن من الواجب علينا ـ كباحثين و دارسين وطلاب علم ـ أن نقرر أن أدب هذه الفترة محتاج إلى جهود جمعية مؤسسية جبارة؛ لأنه لا يزال في الأغلب الأعم مخطوطًا بِكْرًا، لم يُحَقَّق تحقيقًا علميًّا في صورته المقبولة، ولم يُنظَر فيه بنظرة موضوعية تقيسه بمقاييس ملائمة له زمانًا ومكانًا، رؤية وتعبيرًا، ولذلك فهو مجال واسع لدراسات كثيرة متنوعة في كمِّها وكيفها، حتى نصل إلى الرؤية المنطقية الصائبة عن حال الأدب العربي في هذه الفترة. 
        وذلك يكون بدرس الحَيَوَات السياسية والاجتماعية والثقافية دراسة موجزة مكثفة، تركز على مدى تأثير هذه الحيوات في مسيرة الأدباء واتجاهاتهم، ومدى تصوير الأدباء لأهم معالمها.   ثم بدرس معالم الحياة الأدبية في العصرين دراسة مفصلة، ناهلة من المصادر الأصلية من مجاميع الأدب ودواوين الشعراء، مع الحرص على  بيان إيجابيات أدب العصر وسلبياتهم، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات لنخرج بحكم نقدي سليم منطقيًّا. وذلك جهد علمي كبير وُجد في كثير من الرسائل الجامعية التي تخصصت في أدب هذا العصر، ولكنها مالت إلى الرؤية المتخصصة، والنظرة الجزئية في الحكم، مبتعدة عن الحكم الكلي على أدب العصر....
*صبري أبوحسين
9 - فبراير - 2010
تعديد إيجابيات أدب العصر:    كن أول من يقيّم
 
تعديد إيجابيات أدب العصر:
وأرى أن أفضل ردٍّ على متهمي أدب العصر بالجمود والتخلف هو أن نعدد إيجابيات أدبهما وتحليل ما فيهما من جماليات شكلية ومضمونية تضاهي –إن لم تَفُق- ما في العصور السابقة واللاحقة. 
وهذه الإيجابيات تتمثل في الآتي:
*تصوير الأدب للحياة العربية: سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، عصرَئذٍ.
*الاتجاه الشمولي في التأليف، أو ما يسمى مملوكيًّا بالمُوسِعات(دوائر المعارف)، وعثمانيًّا بالشروح والحواشي.
*ازدهار التيار الصوفي في الإبداع الأدبي شعرًا ونثرًا، فكرًا وتأليفًا.
*ازدهار التيار الشعبي في الإبداع، والانتقال من الاتجاه الغنائي الذاتي المتصل غالبًا بالحكام وذوي السلطة إلى الاتجاه الموضوعي العام المعبر عن هموم العامة.
*ازدهار فن المديح النبوي الشريف بنوعيه المصنوع[الذي لم يتكلف البديع في كل بيت من أبيات القصيدة]، والبديعي[ الذي التزم رواده الإتيان بالبديع في كل بيت من أبيات القصيدة]
*فرائد شعرية محلِّقة، مثل بكائيات شمس الدين الكوفي في رثاء بغداد، ورائية سعدى الشيرازي في رثاء بغداد، وقصيدة البردة للبوصيري، وقصيدة ابن نُباتة في غرض الجمع بين التهنئة والتعزية، وقصيدة صفِيِّ الدين الحِلِّي في غرض وصف الربيع، وقصيدته التي عارض فيها بائية للمتنبي، وبديعيته، وغرض الإحماض عند الحلي أيضًا. . . .
*خرائد نثرية رائعة مثل: (مقامة في قواعد بغداد في الدولة العباسية)، لابن الكازروني(ت697هـ)، ورسالة (مفاخرة بين السيف والقلم) لابن نباتة، ورسالة(حلية الفضل والكرم في المفاضلة بين السيف والقلم) لأبوالعباس القَلْقَشنْدي، ومقدمة ابن خُلْدون، ومثل حكم ابن عطاء الله السكندري، ومقامة شرف الدين بن أسد المصري الهزلية الساخرة من النحويين المتشدقين، وفن مقدمات الكتب مثل مقدمة ابن منظور المصري في لسان العرب، وفي أدب الرحلة نجد عددًا كبيرًا من الرحلات التي أبدعها أبناء العصرين لم تبحث أو تعرض العرض الأدبي الصحيح، منها:(الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية) لعبدالغني النابلسي. . . إلخ
*سطوع أعلام بارزة في فنون النثر المختلفة مثل:ابن فضل الله العمري(ت749هـ)، وابن عطاء الله السكندري(ت709هـ)، وخليل بن أيبك الصفدي(ت764هـ)، والقلقْشنْدي(ت821هـ)، والسيوطي(ت911هـ)،والشهاب الخفاجي (ت1069هـ)، ويوسف البديعي(ت1073هـ)، وعبدالقادر البغدادي(ت1093هـ). . . إلخ
*حضور أعلام بارزة في فنون الشعر المختلفة مثل شمس الدين الكوفي(ت675هـ)، وعفيف الدين التلمساني(ت690هـ)،وشرف الدين البوصيري(ت695هـ)،وصفي الدين الحِلِّي(ت750هـ)،وابن نُباتة المصري(ت768هـ) وتقي الدين بن حجة الحموي(ت837هـ)، وبهاء الدين العاملي(ت1031هـ)، وابن النحاس الحلبي(ت1052هـ)،ومحمد أمين المحبي (ت1111هـ)، وعبدالغني النابلسي(ت1143هـ)، وابن معتوق الموسوي(ت1087هـ)، والأمير منجك الجركسي... وآخرين.
وذلك جهد بحثي ودراسي قدمه عدد محدود من الدارسين الجادين في كتاباتهم، نعرض لها في التعاليق الآتية.
*صبري أبوحسين
9 - فبراير - 2010
الحياة السياسية    كن أول من يقيّم
 
الحياة السياسية
لكي ندرس الحياة السياسية لعصر الدول المتتابعة لابد من التعرف على الآتي:
- ضعف الخلافة العباسية.
- الحروب الصليبية واحتلال القدس.
- الغزو التتري وسقوط بغداد.
- التعرف على طبيعة الحكمين المملوكي والعثماني؛ باعتبارهما أبرز حكمين آنئذٍ.
أولاً: ضعف الخلافة العباسية:
قامت الخلافة العباسية عام 132 هـ بعد سقوط الخلافة الأموية... وقد امتدت هذه الخلافة في الزمان حتى عام 656هـ عندما استولى التتار على بغداد. وبلغ عدد الخلفاء 37 خليفة.
 ويُعَدُّ عهد الخليفة "المتوكل" هو بداية عصر جديد هو العهد التركي، وهو عهد ضعف الدولة العباسية وانحلالها إلى دويلات مستقلة متتابعة.. وكان من أهم أسباب ضعف الدولة العباسية اعتماد العباسيين على العناصر الأجنبية في النواحي العسكرية والإدارية في الدولة، وهو ما قوّى شوكتهم ونفوذهم في بلاد الخلافة على حساب العرب الذين ضعفت عصبيتهم، وتدنَّت منزلتهم في الدولة، ولم يَعُد لهم مكان في المناصب العليا فيها، وقد أدى استبداد تلك العناصر بالحكم إلى إثارة حفيظة العرب عليهم، واشتعال نار الحقد والعداوة في نفوسهم؛ وهو ما أجَّج الصراع والعداء بينهم.
وكثرت الفتن والصراعات في المجتمع، وظهر العديد من الفرق والمذاهب التي ساهمت في بثِّ الفرقة والانقسام بين المسلمين وتفتيت وحدة الأمة وتعريضها للخطر؛ فظهر الملاحدة والزنادقة كالخرمية والراوندية، كما ظهرت طوائف المتكلمين كالمعتزلة.
ولطول العصر العباسي فقد قسمه المؤرخون إلى عدة عصور، هي:
 
1- العصر العباسي الأول(الذهبي): ويبدأ من قيام الدولة عام 132هـ وينتهي بتولي المتوكل الخلافة عام 232هـ.
2- العصر العباسي الثاني(التركي): ويبدأ من تولي المتوكل عام 232هـ. وينتهي بسيطرة البويهيين عام 334هـ.
3- العصر العباسي الثالث(البويهي): ويبدأ بسيطرة البويهيين عام 334 هـ وينتهي ببدء نفوذ السلاجقة عام 447 هـ.
4- العصر العباسي الرابع(السلجوقي): ويبدأ بسيطرة السلاجقة عام 447 هـ. وينتهي بسقوط بغداد في يد هولاكو عام 656 هـ.
وقد تابع مؤرخو الأدب المؤرخين في هذا التقسيم، ورأى بعضهم أن يقسم العصر العباسي إلى قسمين فقط هما:
- العصر العباسي الأول (132 هـ ـ 334 هـ).
- العصر العباسي الثاني (334 هـ ـ 656 هـ).
ورأى آخرون غير ذلك!
فواضح أن العصرين(العباسي والدول المتتابعة) ممتزجان، لا يمكن الفصل بينهما بسهولة ويسر، وهذا ما يؤكد الفكرة الشائعة بين مؤرخي الأدب من أن العصور الأدبية المختلفة تحمل بعض الخصائص والمؤثرات من العصور السابقة، ويمتد أثرها إلى العصور اللاحقة، ويصعب تحديدها بالأحداث السياسية.
وما يهمنا في هذا الصدد هو أن نقرر أن عصر الدول المتتابعة يبدأ عند بداية ضعف الخلافة العباسية، ويعد القرن الرابع الهجري خير تحديد لبداية هذا العصر، وليس الخامس أو السابع، وأن وجهة نظر الدكتور شوقي ضيف تعد صائبة إلى حد كبير..
 
*صبري أبوحسين
11 - فبراير - 2010
ضعف الخلافة العباسية في مرآة الشعر:    كن أول من يقيّم
 
ضعف الخلافة العباسية في مرآة الشعر:
اتضح أن تدخل الأتراك والفرس وغيرهم في مجريات الأحداث السياسية ، التي عصفت في آخر المطاف بالدولة العباسية إلى غير رجعة.
يعتبر إقدام القادة الأتراك على قتل الخليفة المتوكل على الله في الخامس عشر من شهر شوال سنة 247هـ, بداية العصر العباسي الثاني, وفيه استبد القادة بالسلطة, وأصبح الخليفة طوع إرادتهم وأسير هواهم...
كما بان أن لقب الخليفة صار اسمًا فقط بلا مسمى أو فعل، منذ منتصف القرن الثالث وبداية القرن الرابع، على حد قول ابن عمار الأندلسي:
مما يقبح عندي ذكر أندلـس    ***   أسـماء معتـضد فيها ومعتمـد
ألقاب مملكة في غير موضعها    ***    كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
فقد بلغت مكانة الخليفة درجة كبيرة من الانحطاط بتدخل الأعاجم من أتراك وغيرهم في شؤون الدولة العباسية، مما جعل أحد الشعراء يصف ذلك متندرًا،من حال الخليفة المستعين(248 - 252هـ ):
خـليفة في قفـص *** بين وصيف وبغا
يقــول ما قالا لـه *** كمـا يقول الببغا
فظاهر أن الخليفة صار محبوسًا مقيدًا، لا عقل له ولا شخصية، يردد ما يؤمر به، وينفذ توجيهات سيادية عليا لا يستطيع نقدها أو الاعتراض عليها أو التغيير فيها، أو حتى مجرد التردد في قولها! وكون قائل هذه النتفة مجهولاً يوحي بمدى بطش هذين التركيين، وبكون النتفة صارت مثلاً شعبيًّا، يستدعى في كل صالون أومنتدى سياسي يتناول تلك القضية بالتحليل! 
لقد أصبح مصير الخلافة في أيدي الأتراك, فمن شاءوا خلعوه ثم قتلوه, ومن شاءوا ألزموه خلع نفسه وسملوه وصادروا أمواله. ودليل ذلك أنه حين خلع الخليفة أحمد المستعين بالله, وهو أول خليفة خلع, لم يلبث أن قُتِل بعد خلعه.
وقد تنبأ الناس بمصير من تتابع بعده من خلفاء بني العباس, وسار في الناس شعر قيل في ذلك اليوم، يقول شاعرهم:
خـــلع الخليفـــة أحـمـدٌ       وسيقـتل التالي لـه أو يخلـع
إيهـا بنـي العباس إن سـبيلكم        فـي قتل أعبـدكم سبيل مهيـع
رقعتــمُ دنيـــاكـمُ فتمـزقـت    بكــم الحيـاة تمـزقًا لا يـرقَـعُ
وقد تحقق ما قيل في خلفاء بني العباس من خلع وسمل وقتل. فقد توالى على الخلافة منذ خلافة المنتصر بالله سنة 248هـ إلى خلافة المستظهر بالله سنة 487هـ, أي خلال 239 سنة, سبعة عشر خليفة, منهم أربعة قتلوا وهم: المستعين بالله والمعتز بالله والمهتدي بالله والمقتدر بالله, ومنهم ثلاثة خلعوا وسملوا وهم: القاهر بالله والمتقي لله والمستكفي بالله, ومنهم اثنان أجبرا على خلع نفسيهما وهم: المطيع والطائع, وهناك خليفتان قيل في بعض الروايات أنهما قتلا بالسم وهما: المعتمد على الله والمعتضد بالله, فيكون مجموع من قتل وخلع ومات بالسم عشر خلفاء...وصدق البحتري في قوله:
فأين الحجاب الصعب حيث تمنعت          بهيـبتـهـا أبـوابـه ومقـاصره
فمـا قاتـلت عنـه المنـون جنوده     ولا دافـعت أمـلاكـه وذخـائـره
وكان خلع الخليفة يوم ابتهاج عند الجند, ففيه يجري نهب دار الخلافة وفيه يطالب الجند الخليفة الجديد برسم (بيعته). وكان يجري على الخليفة المخلوع نفقة قد لا تكفيه, فيضطر إلى التكفف واستعطاف الناس, كما جرى للخليفة القاهر بالله بعد خلعه ومصادرة أمواله وسمله, فكان يخرج إلى جامع المنصور ويتكفف المصلين ويقول: تصدقوا علي فأنا من قد عرفتم!!!
و لم يكن حال الوزراء بأفضل من حال الخلفاء, فكان الوزير يأتمر بأمر المتغلبين, فإذا غضبوا عليه عزلوه وصادروا أمواله, وقد يقتلونه, كما جرى للوزير أحمد بن إسرائيل ولكاتبه عيسى بن نوح. فقد صادرهما القائد التركي صالح بن وصيف وقتلهم ضربا بالسياط. ومثل ذلك بل أشد جرى لكثير من الوزراء.
وكثيرًا ما كان الوزير يُنصب ثم يُعزل, ويتكرر نصبه وعزله عدة مرات لا يفصل بينهما إلا أمد قصير, وغالبًا ما كان ينتهي عزله بمصادرته وقتله, ومع ذلك فإن الكثيرين كانوا يطمعون في تولي الوزارة, ويبذلون المال في سبيل توزيرهم!
ذلك أن الوزارة كانت موردًا للثراء الفاحش عن طريق الرشاوى, من ذلك أن محمد بن عبيد الله بن خاقان وزير المعتضد بالله كان يأخذ الرشوة من كل طالب وظيفة, وربما عين للوظيفة الواحدة عددًا من الموظفين, وقيل: إنه عين في يوم واحد تسعة عشر ناظرًا للكوفة وأخذ من كل واحد رشوة. وإذا كان الوزير حسن السياسة, وكان ذا دهاء وذكاء فإنه يستطيع أن ينال من الخليفة أو الأمير البويهي تفويضًا بتصريف أمور الدولة, وكان أهمها ضمان الخراج وتعيين الولاة والعمال والقضاة والكتاب, فيكون للوزير على من يوليه جبايات يجني منها ربحًا وفيرًا,
ويثرى به ثراءً فاحشًا.
من أجل ذلك كانت الوزارة هدفًا للدسائس من حاسدي الوزير, الطامعين في منصبه, فإذا أفلح الدس على الوزير عزل وصودرت أمواله, وكان ما يصادر يعد بآلاف الآلاف من الدنانير, ومع ذلك فقد يسلم له الكثير مما يكون قد طمره في حفرة, أو أخفاه في مكان بعيد. لذلك كانوا يعتبرون الوزارة مركز ابتلاء ونقمة, ولا تلبث أيامها القصار أن تنتهي ببلاء حتى قيل في ذلك:
إذا أبصرت فـي خلع وزيرًا          فقل: أبشر بقاصمة الظهور
بأيام طـوال فــي بـلاء         وأيام قصار في سـرور
وكثيرًا ما كان يصح الرأي في الوزير المعزول أو تنجح الشفاعة فيه, فيستوزر للمرة الثانية والثالثة, فإذا عاد, كان أول ما يفعله بطشه بخصومه وجمعه عن طريق الجبايات والرشاوي ما فقده بالعزل والمصادرة, وفي ذلك يقول شاعر آخر في الوزير ابن خاقان: محمد بن يحيى (ت312هـ):
وزير لايمل مـن الرقاعة       يولى ثـم يعزل بعـد ساعة
إذا أهـل الرشـا صاروا إليه               فـأحظـى القـوم أوفرهم بضاعة
وهو تصوير حقيقي للحالة السياسية التي بلغتها الدولة العباسية في تلك الفترة من الضعف والتمزق، وصدق المتنبي في قوله:
وإنما الناس بالملوك وما        تنفع عرب ملوكها عجم
لا دين عندهم ولا حسب      ولا عهـود لهم ولا ذمـم
*صبري أبوحسين
16 - فبراير - 2010
تعديل    كن أول من يقيّم
 
أرجو تعديل قولي:"اتضح أن تدخل الأتراك والفرس وغيرهم في مجريات الأحداث السياسية، التي عصفت في آخر المطاف بالدولة العباسية إلى غير رجعة.
إلى:
اتضح أن تدخل الأتراك والفرس وغيرهم في مجريات الأحداث السياسية، هي التي عصفت في آخر المطاف بالخلافة العباسية إلى غير رجعة.

*صبري أبوحسين
16 - فبراير - 2010
ودمتم أجمل الذكرى تروّي محاسنكم لسان المخلصينا    كن أول من يقيّم
 
لن أنظر إلى العصر المملوكي نظرة تعصبٍ إلى العربية وبموجبها أنعته بعصر الانحطاط ، لكني أرى أن ذلك العصر يستحق الطعن الذي وُجه إليه خاصة بعد كل مظاهر التسلط والاستبداد التي ظهرت من الملوك المماليك تجاه الشعب، وبعد ذلك التصوير الشنيع الذي جاء في كتاب د/ بكري شيخ أمين.
 
وعلى كلٍّ أشكرك على هذا الجهد ، أفكر أن لا أذاكر المقرر وأكتفي بما خطته يداك الكريمتان يا أستاذي، لكن ما رأيك في بحث السنة الثالثة؟؟؟
 
جزاك الله خيرًا.
*طماح
17 - فبراير - 2010
أخي طماح:    كن أول من يقيّم
 
أخي طماح:
أشكرك على هذا الثناء الشاعري المعهود عنك.
وأذكرك بأنني لا أزعم أن أدب هذا العصر أدب ازدهار ورقي، بل هو أدب تماسك وثبات، ولا يخلو من ومضات تجديدية في مجال الشكل والمضمون.
أما ما فيه من ضعف وانهيار فراجع إلى اتساع العصر زمانيًّا ومكانيًّا، وكون كثير من نتاجه مخطوطًا حبيس الخزائن والمكتبات، وتكاسل الباحثين العرب في التوجه إليه والاهتمام به...
وكتاب الدكتور بكري شيخ أمين له ما له من الإيجابيات وفيه ما فيه من السلبيات، يكفي أن نشير إلى قائمة مصادره التي تكاد تخلو من دواوين شعرية لكبار شعر هذا العصر الكبير! 
*صبري أبوحسين
21 - فبراير - 2010
تبقى أستاذي الكبير...    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
ماذا قصدتَ بسلبيات كتاب د/ بكري؟
 
كل ثناء مهما تعددت نواحيه أو طالت روابيه أو برقت نواصيه يبقى عاجزًا أمام غرض بسيط الشكل عميق المضمون وهو الإحاطة بفضلك الكبير على إبداعي وتميزي؛ لذا فإني يا أستاذي مهما أنجزتُ ومهما تقدمتُ ومهما اشرأبّت الأعناق إلى أدائي وإلقائي ، ومهما ذاع صيتُ شاعريتي بين ألسنة الأساتذة والطلاب
أبقى طالبك الغِر المحتاج دائمًا إلى نقدك وتشجيعك.
أبقى طالبك الصغير الذي ارتدى ثوب الوفاء لشخصك وجهدك وأبى أن يخلعه حتى الردى.
أبقى طالبك الصغير الذي تمنعه هالة الإخلاص المحيطة به أن يجعل لك بديلا.
أبقى طالبك الصغير الذي أخذ على نفسه عهدًا أن لا يجعلك إلا راضيًا عن أدواره على الساحة الإبداعية.
أبقى طالبك الصغير الذي يهدف دائمًا إلى أن يكون الأفضل بين طلابك. 
أبقى طالبك الصغير الذي يتطلع إلى اليوم الذي يراك فيه حاملا النسخة الأولى من ديوانه الأول.
أبقى طالبك الصغير الذي يعتريه حزن شديد على هذا العام الأخير الذي سيوقف الإبداع والنقد.
 
 
أبقى ... وأبقى ... وأبقى ... ماذا أقول بعد؟ لقد جف يراعي وفاضت النفس بالوجدان، وخالج الحاضر الذكريات الجميلة، فاعذر يراعي العاجز.
وأنشِد مفجوعًا في لجّتي السوداء : "أبقى في أعماق المشاعر أخدودًا تهابه الأفراح". 
فأين ذهب طماح الذؤابة؟؟؟ 
يدي هتفت لكم قلمي ينادي:           حروفي فضَّلت بوحًا أمينا
ودمتم أجمل الذكرى تروي            محاسنكم لسان المخلصينا
 
*طماح
23 - فبراير - 2010
دعوة إلى مناقشة كتاب الدكتور بكري    كن أول من يقيّم
 
درست هذا الكتاب سنين عدة لطلبة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، وكل عام أكتشف فيه أخطاء فكرية ومنهجية وأسلوبية، وأسجلها لكن ليس لدي الوقت لإخراجها في مقال أو بحث!
 ومن ثم أدعو كل باحث في مجال العصر المملوكي والعثماني أن ينظر إلى هذا المرجع بعين النقد، وسيجد فيه سلبيات وبعض إيجابيات 
والله الموفق
*صبري أبوحسين
25 - فبراير - 2010
 1  2  3