البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : عالم الكتب

 موضوع النقاش : مع كتاب "إحياء العروض" للعلامة عز الدين التنوخي     قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 سليمان 
9 - مارس - 2008
قبل ستين عاما ونيف ، ظهر كتاب "إحياء العروض" للعلامة عز الدين التنوخي ، ولم يكن في ساحة البحث العروضي، إذ ذاك، إلا الكتاب الذين يجترون عمل الخليل ولا يكادون يضيفون إليه شيئا ذا بال. ومع ذلك فقد انتبه التنوخي، رحمه الله،بعد أن انتهى من كتابه إلى وجود كتاب عظيم الشأن في هذا العلم للشيخ عبد الفتاح بدوي هو كتاب "العروض والقوافي" قائلا إن فيه "وثبات جريئة على المصطلح العروضي القديم، وافقناه في بعض نظراته وخالفناه في بعض وثباته، ولم نظفر بكتابه المبدع الممتع إلا بعد أن شرعنا في طبع كتابنا، فعززنا نظراتنا بأبحاثه ...".
ومع أننا لا نعلم بالضبط شيئا عن تاريخ طباعة كتاب "موسيقى الشعر" للدكتور إبراهيم أنيس، الذي يرجح أن يكون سبق تاريخ طباعة الإحياء، فإننا لم نجد أحدا من مؤلفيهما أشار إلى كتاب الآخر، وكذلك لم نجد أحدا منهما أشار إلى أن للزهاوي المتوفى عام  1936م  نظرية في العروض حاول من خلالها تبسيط أوزان الشعر من غير المرور بالدوائر مستخدما في ذلك تفعيلتين اثنتين فقط هما (فاعلن وفعولن)، وقد وردت هذه النظرية في مقال عنوانه: "تولد الشعر والغناء"، ولا أذكر الآن المجلة التي نشر بها مقال الزهاوي.
بعد أن يعدد التنوخي في مستهل كتابه عيوب كتب العروض التي سبقته، ومنها : مواجهة الطالب الذي لم يسمع شيئا من لغة العروض بأبحاث العلل والزحافات، واستقباله بنكبة التسمية الشعرية لهذه الزحافات والعلل التي وضع لها في آخر الكتاب جداول أحاطت بها قائلا : ولو أنهم أطلقوا "الزحاف" على جميع التغيرات التي تلحق الأسباب والأوتاد معا ... لاستغنوا بذلك عن الزحافات العلية والعلل الزحافية. ومنها التعليلات العروضية ، وشغل عقل المبتدئ بدوائر البحور، وبدء كتب العروض بالبحور التي يصعب تقطيعها كالطويل والمديد والوافر، وسوء اختيار الأشعار المتخذة للتمرس والتدريب ( وهو يقصد شواهد الخليل ) ، بعد ذلك يقول:  
 " ولعل هذه المجموعة العروضية أول رسالة بدئ فيها بتعلم الأبحر الخفيفة الأوزان والمؤتلفة الأجزاء ليسهل تقطيعها، فكان لذلك بحر الطويل مما يعرض الطالب لتقطيع أجزائه المختلفة بعد عدة بحور، ولعلها أيضا أول كتاب لم يبدأ فيه بتعليم العلل والزحافات لكيلا يبنى فيها معلوم على مجهول، ولأيسر على الطالب أن يتعلم في دراسة كل بحر ما يعرض له من علة وزحاف، وذلك لرؤيته في كل بحر ما يطرأ على مقياسه الأصلي من اختلاف أو نقص عارض".     
وهكذا يشرع التنوخي في عرضه للبحور بدءا بالمتدارك فالمتقارب فالهزج فالوافر فالرجز فالكامل فالسريع فالبسيط فالطويل فالرمل فالمديد فالخفيف فالمجتث فالمضارع فالمقتضب وأخيرا المنسرح .
فهو كما ترى بدأ بالمتدارك والمتقارب لأن تفعيلتيهما أصغر التفاعيل وأبسطها. يقول التنوخي : "إن بحر المتدارك هو أبسط البحور، ووحدته القياسية (فاعلن) هي أبسط التفاعيل، ولذلك بدأنا به لأنه أسهل البحور وأساسها، وإن لم يعبأ به الخليل، فإن استطعنا أن نرد إلى (فاعلن) تفاعيل البحور كلها ، وأن نبين بالتحليل طريقة التحويل، وأمكننا أن نرجع بعض البحور إلى بعض ونقلل من ضروبها الكثيرة ، وأن نستغني بذلك عن تعليل التغيرات الطارئة على التفاعيل، وعن تسميتها المعلة المضلة، إن استطعنا ذلك رأينا أنا قد وفقنا في عملنا إلى ما قصدنا إليه من تيسير هذا العلم ، وما هو بالقليل".
وسوف نواصل عرض هذا الكتاب القيم فيما يتيسر لنا من القول فيه إن شاء الله.       
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
التشابه لا الاندماج    كن أول من يقيّم
 
كلما قرأتُ قولاً لعروضي (قديم أو حديث)، يحاول فيه أن يدمج بحراً في بحر -ادّعاء التيسير- أبتدرُ بالترحّم على عبقري هذه الأمة: الخليل بن أحمد الفراهيدي، رحمه الله تعالى. فلقد كان في تمييزه أوزان الشعر العربي إلى ما هي عليه بالفعل فذّاً لا يُجارَى.
فالتأصيل الحق يجب أن يقوم على واقع الشعر، لا على الأهواء والأمزجة.
وواقع الشعر العربي يؤكّد بلا شك تمايز الرجز عن الكامل عن السريع. وأخطأ من ظنّ أنه بعمله هذا يُبسّط لنا علم العروض، بل هو تعقيدٌ يصعبُ معه التمييز بين صور هذه البحور المختلفة.
وكان الجوهري -رحمه الله- قد وقع بمثل هذا التعقيد، عندما جعل السريع من البسيط، والمنسرح والمقتضب من الرجز، والمجتث من الخفيف... حيث اضطر في شرحه أن يُمايز بينها على الرغم من جمعها تحت باب واحد.
ولذلك فلا بدّ لكل محاولات الدمج بين الأوزان المتقاربة أن تذهب أدراج الرياح، ولن تجد لها أذناً صاغيةً من شاعر يمتلك حسّاً شاعرياً حقيقياً.
 
جزاك الله خيراً يا أبا إيهاب
نحن في انتظار مزيدك، ولا تبخل علينا بمداخلاتك وتعليقاتك حول ما تعرضه.
*عمر خلوف
19 - مارس - 2008
الرمل والمديد والخفيف    كن أول من يقيّم
 
أضاف التنوخي لعروضي الرمل عروضا ثالثة سماها عروض الزجاج وهي :
طاف يبغي نجوة *** من هلاك فهلك
فاعلاتن فاعلن *** فاعلاتن فاعلن
وذكر أن بعضهم يرده إلى المديد، إلا أنه نفسه ظل يأخذ برأي الزجاج لما "فيه من اليسر وعدم الاضطرار إلى الحذف".
وقد أضاف إلى أعاريض الخفيف المعروفة عروضا رابعة سماها (الخفيف العتاهي) نسبة إلى صاحبها أبي العتاهية، وهي :
عتب ما للخيال *** خبريني ومالي
فاعلاتن فعولن *** فاعلاتن فعولن
و(فعولن) هذه عنده هي ( متفعل) المشعثة المخبونة، ولذلك رأيناه يعترض على قول العروضيين : "إن الخبن يدخل جميع أجزاء الخفيف إلا المشعث (مفعولن)، فإنه إذا دخله الخبن صار (فعولن) قبح وزنه ومجه الطبع" ويقول: "ونحن نراه لموسيقيته ولا سيما في العتاهي معسولا مقبولا".
وهو يرى أن هناك قرابة واضحة بين الخفيف والرمل ، وبالأخص في الثفعيلة الوسطى منهما، كما هو ملاحظ فيما يلي:
فهي في المديد : فاعلاتن = فاعلن + تن
وهي في الخفيف: مستفعلن = تن + فاعلن
أرأيت إلى مدى هذه القرابة !
*سليمان
21 - مارس - 2008
المجتث    كن أول من يقيّم
 
وفي نظراته في بحر المجتث يقع على شاهد لمشطور البسيط ، كقول الشاعر:
دار عفاها القدم *** بين البلى والعدم
فيرى أن المجتث كله يمكن إرجاعه إلى البسيط من هذه (المشطورة الصحيحة) بعد ترفيلها بزيادة (تن) إلى (فاعلن) فتصبح (فاعلاتن) ، ومقياس المجتث:
مستفعلن فاعلاتن
وهو يرى أن هذا أدنى إلى فهم الطالب، وتيسير العروض من إرجاعه إلى الخفيف ـ كما يرى ابن واصل ـ  بالتقديم والتأخير، وهو غير طبيعي وأقرب منه أن يقال: إن المجتث مجزوء الخفيف ، ولكنه جزء قبلي ... والجوهري يرى في المجتث ضربا من الخفيف .
وبعد أن خالف ابن واصل والجوهري اتجه إلى مخالفة الشيخ عبد الفتاح بدوي وقد  وصفه بالعروضي الجريء الذي يرجع جميع البحور إلى الشقيقين: المتقارب والمتدارك، كما في هذا الشاهد المعروف في بحر المجتث:
القد كالغصن لينا *** والوجه مثل الهلال
فعلن فعولن فعولن *** فعلن فعولن فعولن
حيث يراه من مجزوء المتقارب دخله القطع في الجزأين الأولين من شطريه.
*سليمان
21 - مارس - 2008
المضارع    كن أول من يقيّم
 
وحين يصل التنوخي إلى المضارع يجد فيه قربا شديدا من المجتث مما يسهل إلحاقه بالبسيط كما فعل بالمجتث.  فالمضارع عنده يضارع المجتث عند خبنه على النحو التالي : مفاعلن فاعلاتن ( في المضارع) = متفعلن فاعلاتن ( في المجتث)
وهو إذ رد المجتث إلى البسيط سهل عليه أن يرد المضارع كذلك إلى البسيط.
وأشار التنوخي أيضا إلى عمل الشيخ عبد الفتاح بدوي في رد المضارع إلى المتقارب، مثله مثل المجتث، كما في الشاهد التالي:
دعاني إلى سعادا *** دواعي هوى سعادا
فعولن فعو فعولن *** فعولن فعو فعولن
*سليمان
21 - مارس - 2008
المنسرح    كن أول من يقيّم
 
وأخيرا يصل التنوخي إلى آخر البحور في نظامه العروضي، ذلك هو المنسرح الذي  يتخذ عنده التقطيع التالي:
مستفعلاتن مستفعلن فاعلن *** مستفعلاتن مستفعلن فاعلن
وهو لم يكن قد اطلع على منهاج البلغاء للقرطاجني لنقول إنه تأثر بتقطيعه لهذا البحر على هذا النحو الذي وجدناه فيه يبتكر تفعيلة تساعية، وإنما كان جل اهتمامه أن يحاول إقناعنا بضرورة قبول ترفيل مستفعلن الأولى في كلا شطري السريع ليتسنى له أن ينسب الولد المنسرح إلى أبيه السريع، وكان الشيخ عبد الفتاح بدوي يحاول أن ينسب المنسرح إلى الرجز فيخالفه التنوخي لتشبثه بفكرة أن الرجز هو جد المنسرح وليس والده، لأن والد المنسرح عنده هو السريع الذي هو بدوره ابن الرجز. وهكذا يمكن لنا القول بحق إن التنوخي يعد رائد علم الاجتماع العروضي بلا جدال.
وقد أقر التنوخي البدوي على أحقية الرجز في الاحتفاظ بأبوة الصغيرين، منهوكي  المنسرح: مفعولن ومفعولان، وأطلق على الأول لقب (منهوك الرجز المقطوع) وعلى الآخر لقب ( المقطوع المذيل من منهوك الرجز) وهكذا أبقى على شيء من ذرية المنسرح في حضانة الجد الحنون.
ولا يسعنا في ختام عرض هذا الكتاب إلا القول بأن التنوخي ، رحمه الله ، ظل يحرص طوال تأليفه له على تذليل كل صعوبة فيه ، وتقريب هذا العلم إلى أذهان طلبته لطول ما عاناه من تدريس هذا العلم في الشام والعراق كما ذكر. وهو لم يخرج عن الفكر الخليلي في شرحه لمادة هذا الكتاب، بل إنه توسع في شرح جميع مصطلحاته العروضية التي يحاول الكثير من الباحثين اليوم التخلص منها، محاولا تيسير عسيرها، غير أنه في الوقت ذاته ظل محتفظا  بآرائه الخاصة التي أبقى عليها في ختام عرض كل باب من أبواب العروض تحت مسمى : النظرات.
وعلى هذه النظرات انصب اهتمامنا في استعراض الكتاب ، وكانت فرصة ثمينة لنا أن نتعرف من خلال هذه النظرات على استداركات الشيخ عبد الفتاح بدوي الذي لم يتسن لنا الوصول إلى كتابه بعد.
ولم نشأ أن نذكر شيئا عن حياة العلامة عز الدين التنوخي وجهوده الطيبة في علوم اللغة العربية تأليفا وتحقيقا وإدارة لمحفل جامع هو مجمع اللغة العربية بدمشق، فقد كفانا القول في هذا الجانب أخونا الأستاذ زهير ظاظا ، وهو ما تجده متاحا على هذا الموقع. وللأخ زهير، حفظه الله ، فضل تيسير حصولي على نسخة من هذا الكتاب.
وكنت ذكرت في خطاب الشكر الذي أرسلته إلى دار الكتب الوطنية ممثلة بمديرها سعادة الأستاذ جمعة عبد الله القيسي، أني آمل أن يثير عرضي لهذا الكتاب مزيدا من النقاش على هذا الموقع ، وهو ما بدت بوادره بمداخلات أخي الدكتور عمر خلوف ، ولا زلت آمل في إثارة الكثير من هذا النقاش من قبل بقية المهتمين بعلوم اللغة العربية وآفاق تيسيرها.
*سليمان
23 - مارس - 2008
 1  2