البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : مفهوم الأدب المقارن ومدارسه    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
10 - فبراير - 2008
للأدب المقارن مفاهيم كثيرة، وروَّاد، ومدارس.  
أما عن المفاهيم فيرى فان تيجم أن "غاية الأدب المقارن هي أساسًا دراسة الآداب المختلفة في علاقتها مع بعضها البعض"، بينما تعرف"أناساينيا ريفنياس"الأدب المقارن بأنه "علم حديث، يهتم بالبحث في المشكلات المتعلقة بالتأثيرات المتبادلة بين الآداب المختلفة.
 كما يرى "رينيه ويليك" أن الأدب المقارن هو الدراسة الأدبية المستقلة عن الحدود اللغوية العنصرية، ومن ثم يقرر ضرورة أن يدرس الأدب المقارن كله من منظور عالمي، ومن خلال الوعي بوحدة كل التجارب الأدبية والعمليات الخلاقة والسياسية.
 ويرى الدكتور عبدالحكيم حسان أن الأدب المقارن هو: دراسة علائق الوقائع التي وجدت بين منتجات أعاظم المؤلفين في كل دولة، والمنابع التي انتهلوا منها أو استوحوها أو تأثروا بها وهو يعنى أيضا بتلك التغييرات العجيبة أو التشويهات الأسيفة التي يحدثها الأفراد أو الشعوب في منتجات الأجانب خضوعا لظروف مختلفة وعوامل متباينة كالجهل والأوهام والأخيلة الخصبة، والقصص المتداولة، والمأثورات الموروثة.
...إلى آخر هذه التعاريف التي تكثر كثرة تحتاج إلى تعليق نقدي مفصل. أقدمه من خلال جهد طلابي بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي في قادم التعاليق، إن شاء الله تعالى.
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مشكلات وآفاق    كن أول من يقيّم
 

                             واقع الأدب المقارن

 
لابدّ لنا من أن نطرح على الأدب المقارن العربي سؤالاً محرجاً، ألا وهو: ماذا قدّم هذا العلم حتى الآن للنقد الأدبي والدراسات الأدبية في الوطن العربي؟ ويؤسفنا أن يكون جوابنا عن هذا السؤال إنه لم يقدّم الشيء الكثير، ولم يتمكّن من أن يؤدي أكثر من جانب يسير من رسالته المهمة والخطيرة. فهو لم يتمكن من النهوض بالنقد الأدبي العربي وتوجيهه بالصورة التي يطمح إليها أهل الاختصاص من توجيه الأدب العربي الحديث "وجهة رشيدة"، وهذا ما طمح إليه الدكتور محمد غنيمي هلال. وجلّ ماقدّمه الأدب المقارن للنقد والأدب العربيين حتى الآن هو إلقاء الضوء على بعض جوانب علاقة هذا الأدب ببعض الآداب الأجنبية، ولا سيما الآداب الأوروبية والأدب الفارسي. ورغم كلّ مازعمه الدكتور هلال حول خطورة الأدب المقارن وأهميته، ظلّ هذا العلم في الوطن العربي ظاهرة هامشية، وذلك لأسباب كثيرة، نذكر منها:
1- تأخر ظهور الأفكار المقارنية في النقد الأدبي العربي، وخلوّ النقد العربي القديم من تلك الأفكار بصورة شبه تامّة. فمن المعروف أنّ عقد الموازنات بين الأدب العربي والآداب الأجنبية لم يظهر إلاّ في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي على يد رواد عصر النهضة، ثم على يد نقاد أدبيين من أمثال روحي الخالدي وقسطاكي الحمصي .
2- تبعيّة الأدب المقارن العربي الشديدة للمدرسة الفرنسية، وانسياقه وراء دراسة العلاقات الأدبية ومسائل التأثير والتأثر، التي استنفدت حتى الآن الجزء الأعظم من الجهود التطبيقية التي بذلها المقارنون العرب.
3- لا يدرّس الأدب المقارن في الجامعات العربية إلاّ على نطاق ضيّق، وذلك كمادّة مقررة ضمن دراسة اللغة العربية وآدابها، واللغتين الإنكليزية والفرنسية وآدابهما. ففي الجامعات السورية على سبيل المثال تدرّس مادة الأدب المقارن في السنة الدراسية الرابعة ولفصل دراسيّ واحد، حيث خُصّصت لها خمس ساعات أسبوعية، أربع منها للمحاضرة النظرية وساعة لحلقة البحث. ويدرّس مقرر الأدب المقارن، كغيره من المقررات الدراسية، بالأسلوب المدرسيّ المعروف، القائم على وجود منهاج وكتاب مقرّر ونمط معيّن من الامتحان، وهو أسلوب جعل دراسة الآداب في جامعاتنا دراسة ضئيلة المردود، تشجّع الطالب على الحفظ والاستظهار، بدلاً من أن تحفزه على ممارسة البحث العلمي بالاعتماد على النفس، وعلى التعامل الخلاق مع الأدب.أضف إلى ذلك ندرة الأساتذة المتخصصين فعلاً في الأدب المقارن، وإيكال تدريس هذه المادّة إلى أساتذة غير متخصصين. ومما ساهم في ضمور الأدب المقارن العربي عدم وجود دراسات عليا فيه، وعدم توافر معاهد أو أقسام خاصّة به في الجامعات العربية، على نمط ما هو شائع في جامعات الأقطار المتقدّمة...
4-    ضعف التواصل العلمي مع الأدب المقارن في العالم، والتأخر في استيعاب ما يستجدّ في العالم من اتجاهات نظرية وأبحاث تطبيقية، سواء من خلال الترجمة، أم من خلال عرض الإصدارات المهمة وتلخيصها. وجلّ ماتمّ تعريبه حتى الآن هو بعض مؤلفات الفرنسيين فان تيغم وغويار وبرونيل وباجو، والأمريكيين ريماك وويلليك وليفين، والبريطاني براور  . وإذا استثنينا المدرسة المقارنية الفرنسية، التي لعبت بالنسبة للأدب المقارن العربي دور القابلة، فإنّ العرب لم يستوعبوا بصورة كافية أيّاً من المدارس المقارنية الحديثة، بما في ذلك ما يعرف بالمدرسة الأمريكية. وقد كان التقصير في تمثيل البحوث المقارنة في أقطار أوروبا الشرقية "المدرسة السلافية" وألمانيا شبه تام(38) . إنه تقصير لا يُغتفر ألاّ تستوعب الأوساط المقارنية العربية بصورة مناسبة مقارناً حظي بإجلال الأوساط المقارنية في العالم بأسره، ألا وهو المقارن الروسي الكبير فيكتور جيرمونسكي  . كما يتجلّى ضعف التفاعل بين المقارنين العرب والمقارنية العالمية في غياب عربي شبه تامّ عن المؤتمرات والندوات المقارنية الأجنبية، قطرية كانت أم إقليمية أم دولية، وفي مقدّمتها مؤتمرات الرابطة الدولية للأدب المقارن (AILC)  التي قلّ أن يشارك فيها المقارنون العرب ويسجلوا حضوراً علمياً ملحوظاً للأدب المقارن العربي.
5- ضعف التواصل العلمي بين المقارنين العرب أنفسهم، وذلك لعدم وجود مجلة عربية متخصصة في الأدب المقارن، وندرة الندوات العلمية التي تقيمها الجامعات العربية في هذا المجال، وتعثر مسيرة الرابطة العربية للأدب المقارن، وعدم قيام جمعيات قطرية للأدب المقارن في معظم الأقطار العربية.
الدكتور : عبده عبود
الأدب المقارن : مشكلات وآفاق.
*د يحيى
11 - فبراير - 2008
مفهوم الأدب المقارن    كن أول من يقيّم
 
مفهوم الأدب المقارن
للأدب المقارن مصطلح حديث، يعبر عن علم من علوم الآداب الحديثة. وقد كثرت تعاريفه وتنوعت رؤى الباحثين والدارسين في مفهومه؛ ومن ثَمَّ تتضح ضرورة تجلية مفهومه.
المصطلح لغةً:
 وهذا المصطلح - كما تراه- مكون من كلمتين هما: الأدب والمقارن.
لفظة "الأدب" في اللغة:
 أما لفظة الأدب فقد تطور مفهومها بتطور الحياة العربية في الجاهلية حتى أيامنا هذه عبر العصور الأدبية المتعاقبة؛ فقد كانت كلمة (أدب) في الجاهليةتدل على مفهوم حسي هو الدعوة إلى الطعام، من ذلك قول طرفة بن العبد البكري:
 نحن في المشتاة ندعو الجفلى         لا ترى الآدِبَ فينا يَنْتقرْ
 ثم انتقلت الكلمة إلى معنى جديد في العصر الإسلامي في عهد رسول الله -صلى الله علية وسلم- وهو التهذيب والتربية أي الدعوة إلى مكارم الأخلاق، حيث جاء في الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- قوله: " أدبني ربي فأحسن تأديبي ".-
أما في عصر بني أمية فقد وُجدت طائفة من المعلمين سُمُّوا بالمؤدبين، كانوا يعلمون أبناء الخلفاء، وبذا اكتسبت كلمة (أدب) معنى تعليميًّاً.
ثم تطورت الكلمة  في العصر العباسي إلى معنى التعليم، والتثقيف، حيث الأخذ من علم وفن بطَرف.
 ثم انتهى المطاف بلفظة الأدب في منتصف العصر العباسي إلى عصرنا الحاضر أن صارت ذات مفهوم متخصص، هو ( الإبداع اللغوي الفني الجميل المؤثر، المعبر عن المشاعر والأفكار، سواءً كان شعرًًا أو نثرًا.
لفظة "المقارن" في اللغة:
جاء في المعاجم:" قَرَنَ الشيء بالشيء، وقَرَنَ الشيء إلى الشيء، وقَرَنَ بين الشيئين قرنًا، وقِرانًا: أي جَمَعَ. أقرن فلانٌ : أي جمع بين شيئين أو عملين.
قارنه مقارنةً ، وقِراناً: أي صاحبه واقترن به . وقارن بين القوم: أي سوَّى بينهم . وبين الزوجين قِراناً: أي جمع بينهما . والشيء بالشيء : أي وازنه به(محدثة).
فظاهر أن مادة (قرن) تدور حول معنى الجمع والمصاحبة.
 لماذا وصف الأدب المقارن بالمقارن وليس الموازن؟
ذكر الدكتور صبري أبوحسين إجابة عن هذا السؤال قائلاً:
أظن أن رادة الدرس الأدبي المقارن وسموه بهذا الوصف للسببين الآتيين:
1- حتى نميز بين المفاضلات التي تعقد بين أديبين في لغة واحدة وينتميان إلى جنس بشري واحد مثل أبو تمام والبحتري، وهذا يسمى بـ (الموازنة)، وبين المفاضلات التي تحدث بين أديبين عالميين في لغتين مختلفتين، وينتميان إلى جنسين بشريين مختلفين مثل شكسبير وشوقي، وهذا يسمى بـ (المقارن).
 2- لفظ الموازنة لغويًّا فيه معنى التقييم والترجيح، وأما لفظ المقارنه ففيه -فقط- معنى الجمع والوصل. وهذا هو المراد، كما سيتضح في بيان المصطلح علميًًّا.
 الأدب المقارن اصطلاحاً:
 للأدب المقارن مجموعة من التعاريف. فمن تعريفات الغربيين له تعريف (كروتشيه) الأدب المقارن بأنه " اسم جديد لنوع من الخبرة هي موضع التبجيل على مر العصور".
ويعد هذا التعريف مبهمًا خصوصًا في لفظتي (الخبرة ومر العصور)، وناقص لأنه لم يشر إلى عنصر التأثير والتأثر، وهو مادح للأدب المقارن. وذلك في قوله: (التبجيل)، كما يدل على أن صاحبه كلاسيكي أي مبجل للقديم.
و قال الناقد الفرنسي (فيلمان)عن الأدب المقارن: " إنه السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول". ويعد هذا التعريف قاصرًا؛ لأنه يُضيّق مفهوم الأدب المقارن وينال منه.
 هذا، وقد ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال تعريفًا للأدب المقارن نصه: " دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها" .
ويمكن القول عن هذا التعريف بأنه تعريف جيد، لكن ينقصه التصريح بعنصر التأثير والتأثر.
 ويقصد بالأدب القومي في هذا التعريف-كما شرح لنا الدكتور صبري أبوحسين: " أدب قوم بعينهم كُتب بلغة رسمية متداولة بين مجموعة من البشر".ويضاده الأدب الشعبي، الذي هو " أدب مجموعة من العامة، كتب بلهجتهم الخاصة التي لا يفهمها غيرهم".
  وذكر الدكتور محمد غنيمي هلال تعريفًا آخر للأدب المقارن نصه: " العلم الذي يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، في حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر". وهذا التعريف سليم منطقيًّا وواضح تعبيريًّا يفهمه كل قارئ له.وهو الراجح.
التعليق على المصطلح:
ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال أن تسمية هذا العلم بالأدب المقارن تسمية ناقصة، كان الأولى أن يُسمَّى (التاريخ المقارن للأدب) أو (تاريخ الأدب المقارن)، لأن هذا العلم يعتمد على المنهج التاريخي في بحوثه، ولكن شاعت هذه التسمية لإيجازها وسهولتها.
 صياغة الطالبين:محمد السيد حسين شُبّر
                 سيف بن خلفان بن مصبح
            شرح ومراجعةد/صبري أبوحسين
 
*صبري أبوحسين
13 - فبراير - 2008
دور اللغات في الأدب المقارن    كن أول من يقيّم
 
دور اللغات  في الأدب المقارن
 
     حدثنا أستاذنا الفاضل في مادة الأدب المقارن عن نشأة علم الأدب المقارن، وبدا لي الموضوع جديدًا وشيقًا؛ إذ إنني طالما سمعت بهذا الاسم – الأدب المقارن – يتردد كثيرًا خلال المراحل السابقة من دراستي، ولكنني لم  أفهم ما يراد به. أما بعد الدرس الأكاديمي الذي أخذناه في هذه المادة تولد في أعماقي سؤال آخر بدا لي غاية الأهمية: مادام الأدب المقارن يدرس علاقات التأثير والتأثر بين الآداب في مختلف الأمم، وما دام الأدباء والمفكرون العرب والمسلمون كانوا همزة وصل بين مختلف الأمم سواء من المشرق إلى الغرب أو العكس، وكان لهم السبق في نقل العلوم والآداب بين الأمم، فلماذا إذنْ لم يفطن العرب إلى هذا العلم، بل لماذا لم يزدهر هذا العلم وبالأصح لم يظهر بصورته المتكاملة إلا في القرن العشرين؟!
      ولكي أجد إجابة لهذا السؤال كان لابد لي أن أعود إلى العوامل المشتركة بين الأمم والعوامل المفرِّقة التي تساعد على إعدام التواصل الحضاري بينها، فوجدت أن العوامل المشتركة المعروفة لا تتعدى أصابع اليد بل تكاد تتلخص في الصفات الإنسانية والقُدُرات البشرية التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات، هي ما تجمع بين الأمم في المجمل، في حين أن ما يفرقنا كثير. ومنه: الثقافة، والعادات، والتقاليد، والدين، والدم، وغيرها.
       ولكن هذه الأمور كلها قد يكون لها دور في نوعية الجنس البشري وشكله ونكهته التي تميزه عن آداب الأمم الأخرى ؛ ولكنها بالتأكيد لا تمثل عائقًا حقيقيًّا أمام تأثير الأدب وتأثره بآداب الأمم الأخرى. إذن لا بد من وجود عامل آخر حال دون نشأة هذا العلم في السابق.
 كل هذه الأفكار كانت تدور في ذهني، بينما كان الأستاذ يشرح الدرس حتى بلغ إلى ( دور اللغة في الأدب المقارن ) عندها بدأت أُنْصت باهتمام أكبر، وبدأ السؤال الكبير يضمحل ويصغر، وتلاشت كل الأسئلة التي كانت تدور في ذهني، ولم يبق منها سوى سؤال واحد، ظل متشبثًا في ذهني لا يفارقه، بل إنه قفز إلى عقلي فجاء دون إنذار:
 هل من الممكن أن يكون هذا العائق الذي أخَّر نشأة هذا العلم وتطوره كل هذا الوقت هو...( اللغة)...؟!
 
    يوجد رأيان حول هذا الأمر، كما أوضح لنا أستاذنا الفاضل، من خلال شرحه كلام الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه(الأدب المقارن):
 
الرأي الأول: هو أنه من المستحيل دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن لغته؛ وذلك لأن اللغات حدود حصينة تمنع من تبادل التأثير والتأثر. وهذا الرأي ضعيف واهٍ، بل إنه كان السبب الرئيس في تأخر نشوء علم الأدب المقارن.
 
والرأي الثاني: -وهو الأرجح- ومفاده أن اللغات ليست حاجزًا يمنع تبادل التأثير والتأثير بين الأدباء، وليست عقبة كأداءَ أمام الباحث في الأدب المقارن، وذلك للأسباب الآتية:
 
1-     وجود نصوص من الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات الـتأثير والتأثر، مثل قصص(ألف ليلة وليلة) وقصة(روميو وجولييت) وتتجاوز هذه الحدود المزعومة المصطنعة.
 
2-     إن الممارس لترجمة الأعمال الأدبية العالمية لا يجد صعوبة في الترجمة لما يجده من تناظر في الأفكار والتعبيرات في معظم اللغات.
3-     وجود مجموعة من كبار الأدباء الذين نالوا حظًّا كبيرًا وشهرة واسعة عالمية، وفرضوا أسماءهم على كل مثقفي العالم ولم تحل اللغات دون شهرتهم.
 
4-    أن الأدب المقارن لا يُعنَى بدراسة الأدب الفردي المتخصص بل يُعنَى بدراسة الأشكال والأفكار الأدبية والقوالب العامة للفنون والأدب.
  
     ومن هنا يمكننا أن نلخص دور اللغات في الأدب المقارن بأن الباحث فيه ينظر إلى لغة الأديب، وليس إلى جنسه أو زمنه. وأن إتقان اللغات يعين الباحث في الأدب المقارن على تبين الصلات بين آداب الكون، وما فيها من تأثير وتأثر، وأصالة وإبداع، وخصوصيات وعموميات. 
إعداد الطالب/عادل بن ثاني الخميسي
 مراجعة الدكتور/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
21 - فبراير - 2008
أسئلة في الأدب المقارن:    كن أول من يقيّم
 
حقائق حول الأدب المقارن:
 
بدأت لفظة  بدلالة حسية في العصر الجاهلي، وهي الدعوة إلي الطعام ، ثم انتقلت إلى المعني الخلقي في عصر صدر الإسلام. ثم تطورت إلي المعني التعليمي في العصر الأموي ، ثم انتقلت إلى كونها مرادفة إلى مصطلح الثقافة في العصر العباسي (وهو الأخذ من كل علم بطرف) إلى أن استقرت إلى المفهوم الاصطلاحي الآن وهو: ( الكلام الجميل المعبر عن المشاعر و الأفكار سواء كان شعرًا أو نثرًا ). وهذا المفهوم هو المقصود في تركيب(الأدب المقارن).
والأدب في هذا العلم أنواع ثلاثة:
الأدب الشعبي، الأدب القومي، والأدب العالمي.
الأدب الشعبي: أدب كُتب بلهجة قوم ليعبر عن مشاعرهم وآمالهم وآلامهم.
الأدب القومي: أدب كتب بلغة فصيحة متداولة بين مجموعة من البشر تربطهم
صلات عدة .
الأدب العالمي: مصطلح دعا إليه الأديب الألماني جوتة, وهو أن يكون الإبداع الأدبي كونيًّا في شكله ومضمونه في مقابل تلك الآداب المحلية المحدودة.
س:اذكر تعريف كروتشيه للأدب المقارن؟ وما رأيك في هذا التعريف ؟
عرف كروتشيه الأدب المقارن بأنه: ( اسم جديد لنوع من الخبرة هي موضع التبجيل على مر العصور ) .  وهو تعريف غير سليم منطقيًّا؛ أولاً لأنه لم يحدد أن الأدب المقارن خاص بآداب مختلفة وبلغات مختلفة، ولم يذكر التأثير والتأثر، وثانيًا لأنه تعريف غير مُفهم لا يوصل المعني الاصطلاحي للأدب المقارن. و فيه غموض في لفظتي (الخبرة – على مر العصور ) .
أجمل ما فيه أنه مدح الأدب المقارن بلفظة التبجيل.
 كأن كروتشيه كلاسيكي يحب المحاكاة للأدب المقارن .
 وقد ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال عدة تعاريف للأدب المقارن، هي:
الأدب المقارن هو: دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها.ص10
مما يؤخذ على هذا التعريف أنه لم يذكر عنصر التأثير والتأثر بين الآداب المختلفة.
 
تعريف الناقد الفرنسي فيلمان : بأنه السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول.
وهو تعريف فيه حدة يوحي بأن قائله رومانسي، رافض لأداة للمحاكاة. وكلمة كل الدول بها غموض.وقصره على دراسة السرقات فيه تحجيم أو تضييق لمفهوم الأدب المقارن.
 
الأدب المقارن: يرسم سير الآداب في علاقاتها بعضها ببعض، ويشرح خطة ذلك السير ويساعد على إذكاء الحيوية بينها ويهدي إلى تفاهم الشعوب وتقاربها في ثرائها الفكري. وهو تعريف طويل ممل يركز على الأهميات المختلفة للأدب المقارن .
الأدب المقارن تاريخي: العلم الذي يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة، في حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر.ص13
وهذا هو التعريف السديد الواضح.
لماذا لقب هذا العلم بالمقارن لا الموازن ؟
بالتدبر للفظي المقارن والموازن في المعاجم العربية يتضح لنا أن :
الموازنة لغويًّا تعني المقابلة بين شيئين للمفاضلة والترجيح بينهما
والمقارنة لغويًّا تعني الجمع بين الشيئين والوصل بينهما فقط.
 
وبالتالي فضل الباحثون استخدام لفظ المقارن للسببين الآتيين:
*حتى يميزوا بين دراسة الآداب المتشابه في اللغة الواحدة، مثل دراسة والمفاضلة بين شعري أبي تمام والبحتري فهذه تسمي موازنة، وبين دراسة الآداب المتشابهة في لغات عدة ،مثل دراسة شكسبير وشوقي فهذه تسمى مقارنة .
*أن لفظة الموازنة فيها معني المفاضلة والترجيح. وهي غير مقصودة في الأدب المقارن، بل المقصود في الأدب المقارن العالمية المتشابهة وبيان مافيها من تأثير وتأثر.
 
لماذا ندرس الأدب المقارن ؟
ندرس الأدب المقارن للفوائد الآتية :
*للتعرف إلى فرع الحديث من فروع الدراسات الإنسانية الأدبية.
*إطلاع المثقف على الآداب الأجنبية وموازنتها بالأدب القومي.
*بيان أوجه الصلات والعلاقات الفكرية والإنسانية بين البشر، مهما اختلفت لغاتهم أو أجناسهم أماكن وجودهم.
*الوقوف على مكانة الأدب العربي بين الآداب العالمية شرقا وغربا .
*دراسة التيارات الأدبية العالمية مثل الكلاسيكية، والرومانسية، والواقغية.. وغيرها.
*التعمق في الكشف عن طبيعة التجديد واتجاهاته في الأدب القومي والآداب العالمية .
*لاغني عن الأدب المقارن في النقد الأدبي الحديث فقواعد النقد الحديث ثمرات لبحوث الأدب المقارن العميقة حتى يسمى النقد الحديث النقد المقارن.
 
 
هل اللغة حاجز يمنع الأدباء من تبادل التأثير والتأثر فيما بينهم أو لا ؟ ص10
هناك رأيان:
 *رأي واهٍ يظن أن من العسير بل من المستحيل دراسة الأدب القومي في علاقته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن لغته بسبب أن اللغة حاجز يمنع من تبادل التأثير والتأثر وعقبة كأداء أمام الباحث في علم الأدب المقارن.
*رأي راجح يقول ليست اللغات حاجز يمنع تبادل التأثير والتأثر بين الأدباء  للأسباب الآتية :
-وجود نصوص أدبية من مختلف الأمم فيها تبادل تأثير وتأثر.
-أن الممارس لترجمة الآداب يجد سهولة في الترجمة لأن الأفكار والتعبيرات كثيرة ما تتناظر في مختلف اللغات.
-أن الآداب الحديثة استطاعت أن تقلل الآداب القديمة ولم تقف اللغة حائلا دون التقليد.
-وجود أدباء نجوم فرضوا أنفسهم على الثقافات العالمية المختلفة ونالوا حظا وشهرة عجيبة مثل (طاغور – محمد إقبال – نجيب محفوظ - شكسبير...).
-أن الأدب المقارن لايهتم بالنتاج الفردي المتخصص بل يهتم بالأفكار الأدبية -وبالقوالب العامة ، ولذلك فأن اللغة لا تمثل حاجز أو عقبة كأداء .
 
 
إعداد الطالب/مرهون بن علي مرهون السلماني
الفرقة الرابعة
كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
مراجعة د/صبري أبوحسين
 
 
 
 
 
 
 
 
*صبري أبوحسين
26 - فبراير - 2008
نشأة الأدب المقارن وتطوره    كن أول من يقيّم
 
نشأة الأدب المقارن وتطوره
 
  ظهر الأدب المقارن في صورة بدائية حين نهض الأدب اللاتيني على أثر اتصاله بالأدب اليوناني القديم، وتبلورت بذورها الأولى في عصر النهضة الأوربية، فتمثلت في نظرية جديدة أطلق عليها الكُتّاب : نظرية المحاكاة .
والمقصود بالنشأة تلك التي حدثت  للأدب المقارن في أوربا، حيث اكتمل مفهومه ـ وتشعبت أنواع البحث فيه، وصارت له أهمية بين علوم الآداب . أما عندنا- نحن العربَ- فذلك له مقال آخر.
ويمكننا أن نتتبع الأدب المقارن عبر العصور التي مرت بها أوربا، على النحو التالي: 
 
1ــ الدراسات الأدبية المقارنة في العصر القديم :
 
أقدم ظاهرة في تأثير أدب في أدب آخر، ما أثر به الأدب اليوناني في الأدب الروماني : ففي عام 146م ق.م  انهزمت اليونان أمام الرومان، ولكن اليونان أثرت في روما فجعلتها تابعةً لها ثقافيًّا وأدبيًّا، فروما مدينةٌ (معترفة) لليونان في فلسفتها وفنها ونزعتها الإنسانية.
والثمرة التي أثمرتها تلك التبعية لدى النقاد اللاتينيين "نظرية المحاكاة" في عصر النهضة الأوربية.
وقد اختلف النقد الأوربي القديم في مفهوم المحاكاة:
 فهناك تعريف للمحاكاة عند "أرسطو" حين أراد أن يبين الصلة بين الفن بعامة وبين الطبيعة؛ معنى المحاكاة عنده هو(تقليد الأدباء للطبيعة).
 أما المحاكاة عند اللاتينيين فهي: (الدعوة إلى السير على نهج الأدب اليوناني القديم ؛ رغبةً في نهضة الأدب اللاتيني )
يقول "هوراس" في كتابه (نقد الشعر): " اتبعوا أمثلة الإغريق، واعكفوا على دارستها ليلاً ،واعكفوا على دراستها نهارا" . وهذا اعتراف منه بأن محاكاة اليونانيين في أدبهم مثمرة .
ثم جاء من بعدهم "كانتيليان" وهو ناقدٌ روماني، شرح نظرية المحاكاة، فقد سن لهذه المحاكاة قواعد عــامــة :
الأول : أن المحاكاة للكُتّاب والشعراء مبدأٌ من مبادئ الفن لا غنًى عنه، وهو يقصد محاكاة اللاتينيين اليونانَ.
الثاني : أن المحاكاة ليست سهلة، بل تتطلب مواهب خاصة في الكاتب الذي يُحاكي.
الثالث : أنّ المحاكاة يجبُ ألا تكون للكلمات والعبارات، بقدر ما هي لجوهر الأدب ومنهجه وموضوعه.
الرابع : أنّ على من يُحاكي اليونانيين أن يختار نماذجه التي يتيسر له مُحاكاتها، وأن تتوافر له قوة الحكم ليميز الجيد من الرديء .
الخامس : يُقرر " كانتيليان" أنّ المحاكاة في ذاتها غير كافية، ويجب ألا تعوق الشاعر، وألا تحول دون أصالته.
وفي ظل نظرية المحاكاة، تم للأدب الروماني الازدهار، وتم وجود صورة بدائية ساذجة للدراسات الأدبية المقارنة .
2ــ الدراسات الأدبية المقارنة في العصور الوسطى :
 
خضعت الآداب الأوربية في هذه العصور لعوامل مشتركة، وكان لهذا الاشتراك في اتجاه الأدب مظهران عامان: أولهما :
ديني : حيث كان رجال الدين فيه هم المسيطرون، فكان منهم القراء والكتّاب معًا .
وتغلغلت الروح المسيحية في ذلك الإنتاج الأدبي، فكانت اللاتينية هي لغة العلم والأدب كما كانت لغة الكنيسة.
وثانيهما : أنه كان للفروسية التي وحدت بين كثير من الآداب الأوربية في تلك العصور .
ولكن في هذه العصور الوسطى لم يوجد فيها مجال للدراسات الأدبية المقارنة، بسبب هيمنة الكنيسة على الأدباء في تلك الفترة، ورفضها لكل ما هو يوناني لأنه وثني خرافي!!!
 
3ــ الدراسات الأدبية المقارنة في عصر النهضة :
 
اتجهت الآداب الأوربية وجهت الآداب القديمة من يونانية ولاتينية، وكان للعرب فضل توجيههم إلى ذلك، بما قاموا به من ترجمات لتراث الفلاسفة اليونان وبخاصة "أرسطو".
 وكانت الدعوة إلى الرجوع لآداب اليونان والرومان ومحاكاتها بمثابة ثورة فكرية في ذلك العصر ؛ لأنها كانت تتضمن الخروج على آداب العصور الوسطى ذات الطابع المسيحي .
وعاد رجال الأدب ـ في عصر النهضة ـ إلى شرح نظرية المحاكاة، محـاكاة الأقدمين من يونانيين ولاتينيين، وكان هذا الشرح أوضح ما يكون لدى "جماعة الثريا ".
 وجماعة الثريا:  جماعة أدبية تكونت من شعراء فرنسيين بارزين في عهد الملك هنري الثاني، وقد كان أهم أعضائها : دورا، ودي بلي، وبلتييــر، وكان هدفهم من نظرية المحاكاة ؛ باعتبارها وسيلة ناجحة لإغناء اللغة الفرنسية نظريًّا وتطبيقيًّا، وكانت خلاصة رؤيتهم لنظرية المحاكاة أنهم اهتموا بالكشف عن كنوز الآداب القديمة (اليونانية، والرومانية، والإيطالية) لمحاكاتها، وأنها لابد أن تؤثر في أدب الفرنسيين.
 وكذلك كانت من خلاصة رؤيتهم أن المحاكاة الإيجابية تكون لأدب مخالف لأدبهم في اللغة، لأن في المحاكاة لأدب من اللغة نفسها جمودًا وتكرارًا للجهود. كما أن المحاكاة الرشيدة هي التي لا تمحو أصالة الكاتب بل لابد عليه أن يتجاوز النموذج المُحاكَى .
ويعد ( دورا ) ـ وهو شاعر وناقد من جماعة الثريا ـ سلك في تلقين تلاميذه معنى نظرية المحاكاة مسلكًا عمليًّا مثمرًا مُثيرًا؛ إذ أخذ يقرأ لهم النص الروماني ويقارنه بالنص اليوناني الذي يشبهه ويحاكيه! ..
 وتعدُّ دراسات (دورا) أقدم دراسة أدبية مقارنة بين أدب اليونان والرومان ـ وهو من الداعين إلى أن اللغة يمكن أن تتطور عن طريق محاكاتها للغاتٍ أقدم وأعرق.
ويرى ناقد آخر من جماعة الثريا ( دي بلي ) في دفاعه عن اللغة الفرنسية، بأن الفرنسية لكي تتطور لابد من أن تحاكي اللغات القديمة الرومانية واليونانية والإيطالية، ويرى أنه لابد للشعراء من الرجوع إلى نصوص الآداب القديمة بأنفسهم وهضمها .
ويرى أن الترجمة وحدها لا تكفي في الأدب ؛ إذ أنّ كل ترجمة خيانةٌ للأصل، وجحود بما له قيمة، فهو بذلك يرفضها، ويصر على أنه يجب على الأديب أن يطلع على أدب الآخرين بلغتهم، ولا يعتمد على الترجمة .
ويرى (بلتييــر) ـ من جماعة الثريا ـ أن الترجمة الأمينة وفيةٌ لأصلها بما تنقل من كلمات وعبارات، وأن الترجمة الدقيقة خير من ابتكار أعوزه التوفيقُ .
ويرى أن المحاكاة ليست تقليدا محضًا وإنما هي السير على هدى نماذج بشرية بمثابة قدوة للكاتب.
وجاء من بعدهم " الشراح الإيطاليون" في شرح نظرية المحاكاة، وهي في نظرهم أن يراعي الأديب ثلاثة مبادئ :
الأول : أن يختار النماذج التي تُحاكَى، ويميز صحيحها من زائفها .
الثاني : أن يحاكي الأديب ما يتفق وعصره .
الثالث : أن لا يحاكي الكُتاب من نفس لغتهم .
ونتوصل من ذلك إلى التعريف النهائي لمصطلح المحاكاة وهو : " التأثير الهاضم الأصيل، لا التقليد الخاضع الذليل " .
أي أنه يجب على الأديب المحاكاة للعمل الأدبي من أوله إلى آخره، وأن يعلن عن شخصيته وإبداعه، وإلا تكن محاكاته سفيهةً .
 
4ــ الدراسات الأدبية المقارنة في العصر الكلاسيكي :
 
اتجه الأدب الكلاسيكي ـ بتأثير نظرية المحاكاة ـ إلى التقنين في الأدب، أي إلى النقد الفني العلمي ـ فكانت مهمة الناقد أن يضع قواعد لمختلف الأجناس الأدبية، وأن يدعو الكتاب للسير عليها، وأن يحكم على قيمة إنتاجهم عن طريق هذه القواعد؛ فمن يلتزم بها يكون في القمة مؤمنًا بالكلاسيكية، ومن يخرج عليها يهبط أدبه ويكون كافرًا بالكلاسيكية.
 
ولكن بسبب الميل إلى التقنين في الأدب، وجعل قواعد النقد عائدةً إلى القدم ـ فقد خلا العصر الكلاسيكي (ق:17 و18) من أيه دراسات أدبية مقارنة مثمرة رغم وجود عوامل تساعد الدارس المقارن من اتصال الآداب الأوربية، وكثرة الرحلات.
5ــ الدراسات الأدبية المقارنة في العصر الحديث:
كان القرن التاسع عشر في أوربا فيه تقدم ملحوظ في الناحية الاجتماعية، وفي البحوث العلمية، فكثرت الأسفار، وتعددت التراجم للآثار الأدبية، وعكف العلماء والكتاب على درس مختلف الظواهر الاجتماعية والأدبية . ونشأ عن ذلك اتجاهان عامان في نشأة الأدب المقارن همـا :
أ ـ الحركة الرومانتيكية (الرومانسية)  .
ب ـ النهضة العلمية .
ظهرت بحوثٌ كثيرة في  أخريات القرن التاسع عشر والقرن العشرين. منها ما نشره العالم السويسري " مارك مونييه"  في دراسته لتاريخ النهضة من (دانته) إلى (لوثر) ومن (لوثر) إلى (شكسبير) .
ويؤخذ على هذه البحوث أنه لابد من التعرض لمظاهر علاقاتها وتأثيرها وتأثرها بالآداب الأخرى على نحوٍ منهجي .
وقد اكتمل معنى الأدب المقارن على يد الباحث الفرنسي "جوزيف تكست" في آخر القرن التاسع عشر، وقد وجه ذلك خير توجيه على يد أستاذه "برونتيير" في مدرسة المعلمين العليا بباريس، وتمتاز دراسة "تكست" بالأفق الواسع والنظرة الشاملة في بيان تطور الأفكار .
  ثم ذاعت فكرة الأدب المقارن ورُوج لها في أوربا، وظهرت بحوث كثيرة تندرج تحت مفهومه وتتناول قضاياه، وآخر من يحمل لواء هذا العلم الأستاذ " ديدييه " وهو مدير معهد الأدب المقارن للآداب الأوربية الحديثة في السربون.... وللحديث بقايا
                                                
 عمل الطالبين: الزبير السد راني
                عبدا لله الفارسي
إشراف الدكتور : صبري أبو حسين
    السنة والشعبة : 4/5
   التاريخ : 25/2/2008م
*صبري أبوحسين
27 - فبراير - 2008
رحلة الأدب المقارن في أوربا    كن أول من يقيّم
 
نشأة الأدب المقارن وتطوره
 
ونقصد بذلك: نشأة الأدب المقارن في أوروبا؛إذ اكتمل مفهومه وتشعبت أنواع البحث وميادينه فيه، وصارت له أهمية بين عموم الأدب لا تقل عن أهمية النقد الحديث بل أصبحت نتائج عماد الأدب والنقد الحديث معًا.
فالأدب المقارن منذ نشوئه لم يأتِ دفعةً واحدة، أوتطور في سرعة متناهية، وإنما أتى على مراحل تبعًا للعصور و الأزمنة. ويمكن أن نجملها في الآتي:
المرحلة الأولى: الصورة البدائية للأدب المقارن:
نلاحظ على هذه المرحلة كيف أن الأدب اليوناني أثر في الأدب الروماني الذي ليس له من أصالة تذكر، وذلك عندما انهزمت اليونان أمام الرومان، ومع ذلك أثرت اليونان  في روما ثقافيًّا وأدبيًّا.
وكانت نظرية المحاكاة ثمرة الدراسات الأدبية في  العصر القديم؛ فالناقد اليوناني أرسطو نادى الأدباء بمحاكاة  الطبيعة، وذهب هوراس الروماني إلى أن الأديب الحق هو من  يحاكي الأدباء اليونانيين.
 ثم أتى بعد ذلك "كانتليان"، وخطى في ذلك خطوات واسعة وجعل للمحاكاة قواعد، هي :
1-                     أن محاكاة الكتاب والشعراء مبدأ من مبادئ الفن لا يُستَغنى عنه .
2-                     أن المحاكاة ليست سهلة وإنما تتطلب مواهب خاصة في الكاتب .
3-                     أن المحاكاة تكون في جوهر موضوع الأدب ومنهجه، وليست في شكله الخارجي .
4-                     اختيار النماذج التي تُحاكَى، ومحاكاة الجيد منها .
5-                     أن تتوافر في المُحاكي صفة النقد ليميز الجيد من الرديء.
6-                     أن المحاكاة غير كافية فلا بد للمحاكي من إبداع يُذكر له؛ ليعلن عن أصالته، وإلا صار سارقًا.
وكانت ثمرة هذه النظرية ازدهار الأدب الروماني وظهور دراسات مقارنة ساذجة .
 
المرحلة الثانية : الدراسات المقارنة في العصر الوسيط :
في هذه المرحلة اصطبغ الأدب بصبغة دينية جامدة، وذلك عن طريق تأثير المسيحية، كذلك شاعت النزعة الفروسية، عن طريق التعرف الأوربي على الأدب العربي، و كان من شأن هذه الصبغة أن تمهد لوجود درس أدبي مقارن، لكن لم تكن هناك أي دراسة أدبية مقارنة.
 
المرحلة الثالثة: الدراسات المقارنة في عصر النهضة ( ق 15 و ق 16 م )
 
في هذه المرحلة نلاحظ أن الآداب الأوروبية اتجهت وجهة الآداب القديمة من يونانية ولاتينية، وكان الفضل في ذلك يعود للعرب فقد استطاعوا أن يوجهوا الأنظار إلى قيمة النصوص اليونانية، وذلك عندما نفر الأوروبيون من الطابع المسيحي الجامد المتحجِّر في العصور الوسطى .
وعاد  الأدباء في هذا العصر إلى نظرية المحاكاة: محاكاة الأقدمين من اليونان، والرومان والإيطاليين .
وقد تمثلت الدراسات المقارنة في جماعة أدبية تسمى الثريا، وهي جماعة من الشعراء الفرنسيين في عهد هنري الثاني . ومن أبرز أعلامها الناشطين في ميدان الدرس الأدبي المقارن:
دورا صاحب أقدم دراسة أدبية تطبيقية مقارنة. وقد توصل إلى أن اللغة الفقيرة يمكن أن تتطور عن طريق محاكاتها للغة سابقة عريقة، ودلل على ذلك بتطور اللاتينية عندما حاكت اليونانية، والإيطالية عندما حاكت اليونانية واللاتينية.
 
وأتى بعد دورا الناقد دي بلي ودعا إلى أن اللغة الفرنسية لابد لها من محاكاة اللغات السابقة ( اليونانية و اللاتينية و الإيطالية ) حتى تتطور.
وكما دعا إلى أنه ينبغي للشعراء الرجوع بأنفسهم إلى النصوص القديمة وهضمها، فالترجمة للأدب لا تكفي وحدها، ولا تعين على محاكاة فاعلة، فعنده أن كل ترجمة تعد خيانة للأصل.
 
وفي القرنين 16 و 17 كان اكتمال نظرية أرسطو في محاكاة الطبيعة  على يد الشراح الإيطاليين؛ فقد وضعوا لها مبادئ، منها:
1- اختيار نماذج جيدة صحيحة وغير زائفة، ويتطلب ذلك حنكة عقلية وقراءة فنية
2- محاكاة النموذج الذي يتفق والعصر المعايش كما كان يكتب الأقدمون لعصرهم .
3- أن تكون المحاكاة في مختلف اللغات .
ورغم هذا لم تكن هناك دارسات أدبية مقارنة.
 
المرحلة الرابعة: الدراسات المقارنة في العصر الكلاسيكي ( ق 17 و 18 )
اهتم النقاد في هذا العصر بالتقنين للأدب أي استنباط قواعد كعقائد تطبق في الأدب ويُحكم بها عليه. من يخرج عليها يكون كافرًا أدبيًّا.
ورغم وجود اتصال بين الآداب الأوروبية وتعدد لرحلاتهم وكثرة الترجمات إلا أنه لم توجد دراسة مقارنة، وكانت الدراسات الموجودة تاريخية جافة.
المرحلة الخامسة: الدراسات المقارنة في العصر الحديث:
شهد هذا العصر ظهور اتجاهين، هما :
 الحركة الرومانسية والنهضة العلمية، فقد أثَّرا في الأدب المقارن، وساعدا على تطوره ونموه؛ إذ ذاغت بسببهما فكرة الأدب المقارن ورُوِّج لها في أوروبا، وظهرت في ذلك بحوث كثيرة، اكتملت منهجيًّا على يد البحَّاثة الفرنسي "جوزيف تكست" الذي يعد أبا الأدب المقارن الحديث، وتبعه في ذلك أساتذه كثيرو منهم "ديدييه" الذي يحمل الآن لواء الأدب المقارن في جامعة السربون .
وفي النهاية نقول:
أبحرنا في محيط الأدب المقارن فكاد يعوق سفينتنا المضيق، فلاح في الأفق نور ساطع فسايرت سفينتنا خطاه حتى وصلنا درب النجاة ...
 هكذا كانت قصة الأدب المقارن وهكذا استمرت ... ولمًَّا تنتهي بعدُ
باستقرار مفهوم الأدب المقارن وكانت له نظرياته وأسسه العامة
 
صاغ هذا العمل كلا من:
1-                     يحيى بن عبدالله البوصافي
2-                     محمد بن هلال السيابي
كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
مراجعة الدكتور : صبري أبو حسين .
*صبري أبوحسين
4 - مارس - 2008
عودة مبسطة إلى جذور عصر النهضة    كن أول من يقيّم
 
 التحية والتقدير لهذه الجهود التي يبذلها طلاب وطالبات كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة دبي ولأستاذهم القدير الدكتور صبري ، الذين أثروا هذا الملف ببحوثهم المفيدة والممتعة . أخص بالذكر اليوم صاحبَيْ التعليق الأخير يحيى البوصافي ومحمد السيابي ( وأحمد الله على سلامتهما ) وإليهما أهدي هذا التعليق :
 
لا شك في أن عصر النهضة الأوروبية الذي ابتدأ في القرنين الخامس والسادس عشر هو عصر التجديد والانتقال من حال إلى حال ، في الأدب والفن والعلم والسياسة والاقتصاد : هي ثورة في كل المجالات غيرت بنية المجتمع ووضعية الإنسان فيه . ولا شك بأن هنالك مجموعة من العوامل التي تراكمت وأدت إلى إحداث هذا التغيير ، أهمها العامل الديموغرافي ، وحركة ونشاط المدن الإيطالية الكبرى التي بدأت فيها تلك النهضة وأواصر العلاقات المتينة التي كانت تجمعها بالعالم الإسلامي ، واكتشاف الأوروبيون للبوصلة والأسطرلاب عبر احتكاكهم بالعرب مما مكنهم من الإبحار نحو آفاق جديدة يسعون وراء الذهب والتجارة الرابحة ، ولكن أيضاً سقوط القسطنطينية بيد المسلمين مما دفع بعدد كبير من العلماء الروم المطرودين من بيزنطة للنزوح إلى أوروبا  وتدفق عدد كبير من المخطوطات اليونانية إليها ، كل هذا ترافق مع اكتشاف المطبعة فلم تعد الكتابة والكتب محصورة بدائرة الكهنوت ورجال الدين بل انتشرت القراءة الفردية للكتاب المقدس والمخطوطات اليونانية القديمة مما لم يكن شائعاً حتى ذلك الحين .
 
نشأت بفضل كل تلك العوامل نهضة ثقافية هائلة عزز نموها وجود الطبقة الجديدة من التجار المتنورين ( البورجوازيين ) الذين أصبح لديهم كتب يقرؤونها ، ولأن هؤلاء بدأوا يشعرون بأن عصرهم يتناقض جذرياً مع الفترة التي سبقتهم ، فصاروا يبحثون في النصوص القديمة ( اليونانية ) عما كانوا بحاجة إليه . وحصل ذلك التمرد الكبير الذي أدى إلى قطيعة فيما بعد على سلطة الكنيسة ورجال الدين تولدت عنه رؤية جديدة للإنسان والفن والأدب . كان جمهور هذه الطبقة الجديدة هو جمهور الثقافة والأدب ، فكانوا يسافرون ويتبادلون المعارف ويترجمون النصوص القديمة : صاروا يرفضون فنون القرون الوسطى التي كانوا يسمونها بالعصر " القوطي " بشيء من الاحتقار ، ويرفضون إضفاء القداسة على تماثيل ومشخصات القديسين ، ويحبون كتابات " القدماء " ( اليونان ) الوثنيين الذين كانوا يبهرونهم ويثيرون إعجابهم ..
من أوائل رواد هذه الحملة الهولندي أيراسم Erasme ( 1469 - 1536 ) الذي كان ابناً غير شرعي لكاهن وابنة طبيب ، وكانت لديه ثقافة واسعة ، ولقد أسس مدرسة لتعليم اللغات الثلاث : اللاتينية والعبرية واليونانية ، ومع أنه كان قسيساً وبقي مخلصاً للكنيسة الكاثوليكية ، إلا أنه كان يسخر من الطقوس وممارسات رجال عصره وكان انتقادياً بشكل كبير . ونشأت حركة تحرر واسعة من الشعراء والكتاب الجدد وكان رواد حركات الإصلاح في تلك الفترة قد لاحظوا بأن النصوص المترجمة من العربية قد اكتست الطابع الإسلامي وبأن العرب والمسلمين قد ترجموا هذه النصوص وشرحوها بما يتفق مع هواهم ومعتقداتهم الدينية  ....
 
 
 
 
*ضياء
5 - مارس - 2008
أستاذة ضياء    كن أول من يقيّم
 
شكرًا على متابعتك الدؤوب لأنشطة طالباتي وطلابي، وأطلب من شخصك المثقف أن يزيدنا تعريفًا محددًا بعصور التاريخ الأوربي؛ فإنني أراه مضطربًا في الكتب، لا سيما كتاب د/محمد غنيمي هلال عن الأدب المقارن. مع خالص تقديري. أبو يمناء
*صبري أبوحسين
6 - مارس - 2008
عن طيب خاطر    كن أول من يقيّم
 
 
أسعدتني ثقتك وحسن ظنك بي دكتور صبري ( أبا يمناء ) ، وانا أشكرك وأشكر طلابك الكرام ، ولا أخفيك أنني كنت أخطط لتناول الموضوع من زاوية أخرى : كنت أريد الانتهاء أولاً من تأثير فلسفة كنت في العصر الحديث ، فأنا لم أنته منها بعد ، لأفتح بعدها ملفاً خاصاً ، أو مساحة خاصة في ملف الوطن والزمن المتحول لأدب القرنين الثامن والتاسع عشر في فرنسا ، لأنهما يمثلان العصر الذهبي للأدب في أوروبا حيث تجلت في تلك الفترة تراكمات مفاهيم وتحولات عصر النهضة لكي تتفتح في عصر الأنوار عن مدارس أدبية غاية في الجمال والابتكار . إنما لا بأس اليوم من تناول موضوع : كيف نشأت الإنسية ( L'Humanisme ) في أوروبا ؟ وما هو مفهومها بالتحديد ؟ بطريقة مختصرة طبعاً . هذا الكلام موجود في كل مكان وبكثرة ، ولكننا في كل مرة نعيد فيها صياغتنا له بصورة جديدة ، نقترب أكثر من جوهر الموضوع ، ونقترب من روح ذلك العصر التي أصبحت جزءاً من تاريخنا نحن أيضاً ، شئنا أم أبينا ، فهل يمكننا فصل عصر النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين عن النهضة الأوروبية وعصر الأنوار ؟
 
إنما اسمحوا لي أن أمهد للموضع بهذه المقالة الثرية للمرحوم الدكتور شوقي ضيف فهي خير ما نبدأ به .
 
 
*ضياء
6 - مارس - 2008
قبل النهضة الأوروبية (1)    كن أول من يقيّم
 
ألقيت هذه المحاضرة في الجلسة الثانية لمؤتمر المجمع اللغوي العربي بالقاهرة في دورته الثامنة والستين مساء يوم الاثنين 11 من المحرم سنة 1423هـ الموافق 25 مارس (آذار) سنة 2002م
 
تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
 

 
     ورثت الثقافة العربية في القرون الإسلامية الأولى الثقافات العالمية الهندية والفارسية واليونانية، وابتدأ ميراثها للثقافة الهندية الرياضية في زمن مبكر؛ إذ أخذت عنها أرقام العدد، وأضافت إليها الصفر وكان لذلك أثره البعيد في نظام العدد العالمي إذ عُرفت فيه العشرات والمئات والآلاف ، ونقل الغرب النظام العربي للعدد عن الأندلس؛ إذ نزل بها جربرت الذي تقلد البابوية باسم سيلفستر الثاني في القرن العاشر الميلادي وعرف نظام الأرقام العربية الإسبانية ونقله إلى الغرب وأدخله في مدارسه. ونقل الغرب النظام العربي للعدد، وشاع في كل بلدانه، ودفعهم إلى إنشاء بنوكهم وأسواقهم المالية، ولولا العرب وما أخذه الغرب من أرقامهم ما كانت بنوك ولا أسواق مالية في العالم إلى اليوم.
     وقدم وفد هندي في خلافة المنصور العباسي في منتصف القرن الثاني الهجري وفيه رجل ماهر في معرفة حركات الكواكب وحسابها وسائر أعمالها على مذهب كتاب هندي لهم يسمى جزؤه الأخير "سيدهانت" فأمر المنصور بنقل الكتاب إلى اللغة العربية، ليتخذه العرب أصلاً في حساب حركات الكواكب  وظل العرب يعملون به إلى أيام المأمون؛ إذ نُقل إليهم كتاب بطليموس في الحساب والجداول الفلكية المسمى المجسطي فعملوا به. وأمر المنصور بنقل كتب أرسطو إلى العربية ونقل كتاب الأصول لإقليدس وهو في الأشكال الهندسية أمهاتها ومركباتها.
      ومنذ هذا التاريخ أكبَّ العرب على ترجمة الثقافة اليونانية وجميع ما تحمله من علوم وفلسفة.وأسس المأمون دار الحكمة ووظف بها طائفة كبيرة من المترجمين وخاصة لكتب الثقافة اليونانية وجُلبت كتب كثيرة من بلاد الروم وعمورية وأنقرة. 
     وتبلغ هذه الموجة الحادة للترجمة أقصى غاياتها في عهد المأمون وعرف أن في جزيرة قبرص مكتبة تحتفظ بنفائس الكتب الفلسفية والعلمية اليونانية. فالتمس من حاكم قبرص أن يرسلها إليه، فأرسلها، وعهد المأمون إلى طائفة كبيرة من المترجمين فنقلوها إليه .. واستأذن ملك بيزنطة في أن يرسل إليه وفدًا من كبار المترجمين ليحملوا إلى بغداد روائع الكتب اليونانية، وأجابه إلى ذلك. وأقام  المأمون مرصدًا كبيرًا لعلم الفلك وزيجاته، فازدهر هذا العلم الهندي لعهده، وكان من القائمين عليه محمد بن موسى الخوارزمي واضع علم الجبر الذي يفتتح به في بغداد عصرًا جديدًا في الرياضيات، وعُني علماء العرب حينئذٍ بعلم الكيمياء واستعانوا فيه بالترجمة عن اليونانية، وظلوا يزدادون فيه علمًا حتى نبغ فيه جابر ابن حيان ، فخلف فيه كثيرًا من النظريات في الإكسير وخواصه، وهو المؤسس الأول لعلم الكيمياء عند العرب. وكان يوحنا بن ماسويه يعكف على تشريح القردة. ويعد المؤسس للأبحاث الطبية عند العرب، وكانوا قد أكبوا على ترجمة ما لأبقراط وجالينوس من بحوث طبية ونقلوها إلى العربية.
   ونمضي بعد المأمون فنجد الخلفاء يغدقون على المترجمين من اليونانية إغداقًا كبيرًا ويكفي أن نذكر ما أغدقه المتوكل على حنين بن إسحق كبير المترجمين من اليونانية حتى سنة 264 للهجرة، وقد أهداه ثلاث دور وحمل إليها كل ما تحتاجه من الأثاث والفرش وأقطعه بعض الإقطاعات، وجعل له راتبًا شهريًّا خمسة عشر ألف درهم.
     ووراء الخلفاء أثرياء كانوا يعدون أنفسهم حماة للترجمة والمترجمين وينفقون عليهم أموالاً طائلة مثل ثلاثة أخوة من بني شاكر، وكان اثنان منهم يشغفان بالهندسة وكتبها ويشغف الثالث بعلم الحيل (الميكانيكا).
      وكوَّن حنين بن إسحق مدرسة كبيرة للترجمة كان من تلاميذها ابنه اسحق وابن أخته حبيش وغيرهما.
     ويذكر لحنين أنه ترجم من اليونانية نحو مئة كتاب ورسالة، وكان يعنى أشد العناية بالكتب الطبية اليونانية لجالينوس وغيره ، وكان مثله ابنه، بينما كان ابن أخته حبيش يعنى بترجمة الكتب الفلسفية لأرسطو وغيره. وجعل المتوكل لحنين طائفة من شباب المترجمين يكتبون بين يديه، ويمرنهم على إتقان الترجمة الدقيقة، ومنهم أصطفن بن باسيل اليوناني الأصل مترجم كتاب ديسقوريدس في النبات والصيدلة لزمن المتوكل.
     وتكاثر المترجمون في القرن الثالث الهجري = التاسع الميلادي عن اليونانية كثرة مفرطة، وأكبوا على المأثورات الإغريقية العلمية والفلسفية ينقلونها إلى العربية  وكادوا لا يبقون كتابًا لليونان بدون ترجمة أو بدون شرح أو تلخيص حتى ليظن أن جميع كتب اليونان المهمة ترجمت إلى العربية في القرنين الثاني والثالث للهجرة.
     ومن يرجع إلى كتاب  طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة تهوله الكثرة الغامرة مما ترجم من عشرات الكتب والرسائل اليونانية.
     ولما أوشكوا على الانتهاء من نقل التراث اليوناني العلمي والفلسفي أخذوا يراجعون نقل أسلافهم له ، وما وجدوه يستحق المراجعة وإعادة النقل أعادوه ، وهذا هو السر في أننا نجد بعض الكتب يذكر لها أكثر من مترجم ، حتى عند بعض المترجمين الكبار لدى الأسلاف مثل ثابت بن قرة المتوفى سنة 288 للهجرة، فقد نقح ترجمة كتاب أرسطو في النبات من عمل إسحاق بن حنين ، ونقَّح نقله لكتاب أصول إقليدس في الأشكال الهندسية، ويقول ألدومييلى صاحب كتاب العلم عند العرب : "إن هذا التنقيح  يصلح الأصل اليوناني في غير موضع". ونلتقي بعده مباشرة بخاتمة هذا العصر من المترجمين: متَّى بن يونس، وكان من أصل يوناني ونقَّح جميع الكتب المنسوبة إلى أرسطو في المنطق وغيره.
    وبذلك ينتهي عصر نقل التراث اليوناني العلمي والفلسفي المزدهر إلى الثقافة العربية،بحيث أصبح جزءًا لا يتجزأ منها، وبحيث يتم العرب ما كان لـه مـن ازدهار في ديارها إذ كان قد أخذ منذ القرن الثالث الميلادي في الانهيار والتدهور ولم يعد شيء منه معروفاً إلا في ركن منعزل في أوربا ببيزنطة وفي مصر بالإسكندرية، وكان يعاني فيهما مما أصابه من التدهور الشديد،أما في أوربا فقد كانت الثقافة اليونانية مجهولة جهلاً تامًّا،فلم يكن يعرفها الإيطاليون والفرنسيون والإنجليز والألمان ولا أحد من أوربا الغربية والشرقية مما وراء بيزنطة يعرفها، إنما يعرفون فقط ما يستمعون إليه من التعاليم الدينية المسيحية على لسان الرهبان والأساقفة، وما قد يقرؤونه عندهم من كتب الإيمان المسيحي وحياة القديسين، وليس لهم أي صلة بالثقافة اليونانية وعلومها وفلسفتها التي بلغت غاية الازدهار عند أرسطو، بينما كان العرب ينقلون إلى ثقافتهم في القرنين الثامن والتاسع للميلاد الثقافة اليونانية، بكل أصولها وفلسفتها وعلومها، وهو أول فضل للعرب على الغرب المسيحي واحتفاظهم له بالثقافة اليونانية وأضافوا إلى هذا الفضل فضلاً ثانيًا بما زودوا الفلسفة اليونانية والعلم اليوناني به من زاد وَفْرٍ في النمو والتطور مما يعد معجزة للعرب بجانب المعجزة اليونانية، وانتفع الغرب عن طريق المعجزتين، فبنى عليهما ثقافته وحضارته الحديثة.
    ونقف أولاً عند الفلسفة ، فقد احتفظ لها أصحابها باسمها اليوناني، وهو الفلسفة، وأضافوا إليه صفة عربية تميزه، هي الإسلامية، لأنها تمزج بين الفلسفة والإسلام.
   وأول فلاسفة العرب الكندي يعقوب بن إسحاق وهو عربي أصيل من قبيلة كندة ، وعاش في القرن الثالث حتى أواخر العقد السادس. وله كتب ورسائل تعد بالعشرات، وتبلغ في كتاب الفهرست لابن النديم نحو مئتين وأربعين ، وتتناول الإلهيات والعلوم الرياضية والهندسية والفلكية والجغرافية والطبيعية والمنطق. وهو أول فيلسوف إسلامي وفق بين الفلسفة والإسلام وله في إثبات النبوة كتاب. وكان يرى أن العالم محدث مخالفًا بذلك أرسطو القائل إنه قديم ، وأهم نظرية فلسفية له نظريته في أن العقل مصدر المعارف وتقسيمه إلى عقل فاعل هو الله جل جلاله، وعقــل بالقوة في داخل الإنسان، وعقل بالملكة هو عقل الإنسان بعد حصول المعلومات فيه، وعقل مبين يؤدي للغير معقولاته.
   ويقول ألدومييلي إن دى كريمونا الإيطالي كبير المترجمين في إسبانيا بالقرن الثاني عشر ترجم للكندي كثيرًا من كتبه ، وإن لها تأثيرًا عميقًا في الشعوب اللاتينية الأوربية.
   ونلتقي بعد الكندي بفيلسوف إسلامي كبير هو الفارابي المولود في فاراب من بلاد الترك وراء خراسان ويقال إنه فارسي، وتلقى في نشأته علوم الأوائل. وشغف بها في بغداد، وأكبَّ على كتبها واستوعبها، وأخذ يحاضر فيها عن فهم دقيق وبصيرة، وعُنى بشرح كتب أرسطو في علم المنطق وغيره وقارن بين الفلسفة والإسلام وذهب إلى أن كل موجود إما واجب الوجود وإما ممكن، والله وحده هو واجب الوجود وما عداه ممكن الوجود ، ولا جنس له ولا تركيب فيه ولا يمكن حدّه إذ لا يتحيز في مكان. ونوَّه بالعقل طويلاً، وقال إن الله فيض عنه منذ الأزل مثاله وهو العقل الأول الذي يفيض عنه الفلك. ولروعة أعماله سماه معاصروه المعلم الثاني بعد أرسطو. ومن كتبه البديعة فصوص الحكم، ولخص في أوراق منه فلسفته واتخذه ماكس هورتن موضوع دراسة ضخمة، وعني بوضع موسوعة للعلوم في عصره سماها "إحصاء العلوم"  ترجمها إلى اللاتينية ديتريشي ودي كريمونا الذى ترجم له رسالته في المدينة الفاضلة وفيها يحاول وضع نظام دولة مثالية. وللدكتور إبراهيم مدكور عنه دراسة قيمة، وكانت وفاته سنة 339 للهجرة.                      
      وجاء بعده الفيلسوف الإسلامي العظيم ابن سينا المولود بالقرب من بخارى سنة370 هـ / 980 م والمتوفى بهمذان سنة 428 هـ.
     أكبَّ في فواتح حياته على إيساغوجي  وإقليدس في الهندسة والمجسطي في الفلك ، واستغلقت عليه الإلهيات حتى قرأ فيها كتابًا للفارابي فاتضحت له. وتمتزج الفلسفة عنده بالروح الإسلامية، ولقب بالشيخ الرئيس. وينحو في فلسفته نحو الفارابي. ويتفق معه في الإلهيات وتفاريع علم المنطق، وكان يرى مثله أن المادة لا تصدر عن الله ، لأنه منزه عن كل مادة وجسم. وكان يرى أن الله لا يصدر عنه إلا عقل واحد، وعن هذا العقل يصدر عقل يدير الفلك. وخطا بفلسفته الإسلامية خطوة نحو التصوف.
     وأهم كتب ابن سينا الفلسفية كتاب"الشفاء"وهو دائرة معارف كبرى في المنطق والطبيعيات والميتافيزيقا أو الإلهيات، ويذكر ألدومييلي ترجمة له. وترجمت أقسام منه إلى اللاتينية في العصور الوسطى. وبالمثل عنوا بترجمة كتاب "النجاة" ودراسته،وهو تلخيص كامل لكتابه"الشفاء"، وأيضا بكتابه الإشارات والتنبيهات وترجم إلى الفرنسية سنة 1892م. ومما شغل به الغربيون من كتبه كتابه في الرمد باسم "علاج العين". ولم يكن ابن سينا فيلسوفًا إسلاميًّا فقط، بل كان أيضًا طبيبًا عظيمًا، ومعجمه فيه الذي سماه "القانون" شاعت طبعاته في المدن الغربية شيوعًا كبيرًا حتى ليقال إنه طبع بالغرب في القرن الخامس عشر ست عشرة طبعة، وطبع في القرن السادس عشر عشرين طبعة. وأول مترجميه دي كريمونا في القرن الثاني عشر، وتشغل ترجمته ومؤلفاته وترجماتها عند ألدومييلي ثلاث عشرة صفحة.
       ونضم إلى الفلاسفة الإسلاميين الثلاثة السابقين فيلسوف الأندلس في إسبانيا "ابن رشد" أهم فلاسفتها ، وقد وضع شروحًا مطولة ومتوسطة وموجزة لكثير من مؤلفات أرسطو. وكل شروحه ترجمت إلى اللاتينية، وترجم إليها أيضًا كتابه "تهافت التهافت" الذي يرد فيه على كتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة" مدافعًا بحرارة عن الفلسفة وأرسطو، كما ترجم كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، ويريد بالحكمة الفلسفة، ومن قوله  فيه:"الحكمة أي الفلسفة صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة، وهما مصطحبتان بالطبع ومتحابتان بالجوهر والغريزة. والفلسفة تخاطب الخاصة والدين يخاطب العامة". وحاول أن يوفق بين أرسطـو وعلمـاء الإسلام بالقول بقدم العالم وحدوثه، فقال إن قدمه بالقوة وحدوثه بالفعل وهو قديم محدث معًا. ومنذ نقل دي كريمونا الإيطالى وميشيل سكوت الإنجليزي ( 1235 م ) وهرمان الألماني ( 1272م ) أعماله أخذت تدرس في الجامعات الأوربية بإسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وانتشرت أفكاره الرشدية على الرغم من مقاومة رهبان الدومينيكان. ولفلسفته وتعاليمه أنصار كثيرون وكان لأفكاره أثر كبير في قيام حركة التحرير والإصلاح الديني في النهضة الأوربية، وهو يعد بحق خاتمة الفلاسفة الإسلاميين العظام.
   ( تابع )
*ضياء
6 - مارس - 2008
 1  2  3