البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : طه حسين 0 عميد الأدب العربى 0وكتابه (فى الشعر الجاهلى )0    قيّم
التقييم :
( من قبل 26 أعضاء )

رأي الوراق :

 عبدالرؤوف النويهى 
5 - مايو - 2007
عشقتُ أدب الدكتور/ طه حسين ،وسعيتُ فى قراءة كل إبداعاته المتنوعة  ، قد نختلف ونتفق فى مدى تأثيره فى مسيرة الأدب العربى ،ولن أنسى_فى لقاء معه _ ما قاله الدكتور / محمد النويهى (أن الدكتور / طه حسين هو أبرز من وعى الشعر العربى فى مختلف عصوره ، وهو الذى مهَد الطريق لمن يجىء بعده ، وفضله على الأجيال لا يُنسى )0
 
 وكثيرا ما أجهدت نفسى ، وطال بى الجهد للعثور على أعماله الأولى ، والتى أثارت الجدل والجدال والنقاش المدوىَ آنذاك ، ومن أعماله المثيرة للجدل حتى الآن ،دراسته الرائدة (فى الشعر الجاهلى )والتى هوجم بسببها وقُدَم  للمحاكمة والتحقيق معه وتم حفظ التحقيق ،بدراسة شافية عميقة ،كتبها رئيس نيابة مصر وقتئذ  _محمد نور 0
 
ومنذ سنوات ،تجرأت  مجلة القاهرة  برئاسة الدكتور غالى شكرى ،والتى توقفت  ، فى نشر كتاب (فى الشعر الجاهلى ) فى طبعته الأولى ، قبل أن يُرغم الدكتور / طه حسين ، على الحذف والتعديل لبعض  طروحاته النقدية وتغيير اسم الكتاب إلى  (فى الأدب الجاهلى )0
 
وسأحاول تقديم هذا الكتاب فى طبعته الأولى سنة 1926م
 
  ربما يُثير  _من جديد _نقاشاً جاداً ،وحواراً راقياً ، وفكراً ناضجاً 0
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فى الشعر الجاهلى 000للدكتور /طه حسين (30)    كن أول من يقيّم
 
                                           (5)
 
                             طَرَفة بن العبد - المُتَلَمِّس

وشاعران آخران من ربيعة نقف عندهما وقفة قصيرة هما طرفة ابن العبد والمتلمِّس . وإنما نجمعهما لأن القصص جمعهما من قبل .

فقد زعموا أن المتلمِّس كان خال طرفة . ولم يقف جمع القصص بينهما عند هذا الحدّ بل قد جمعهما في الشيء القليل الذي نعرفه عنهما ؛ ذلك أن لطرفة والمتلمِّس أسطورة لهج بها الناس منذ القرن الأوّل للهجرة . وهم يختلفون في روايتها إختلافاً كثيراً ولكنا نتخير من هذه الروايات أيسرها وأقربها إلى الإنسان :

زعموا أن هذين الشاعرين هجوا عمرو بن هند حتى أحنقاه عليهما ، ثم وفدوا عليه فتلقاهما لقاء حسنا وكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين وأوهمهما أنه كتب لهما بالجوائز والصِّلات ؛ فخرجا يقصدان إلى هذا العامل . ولكن المتلمِّس شك في كتابه فأقرأه غلاما من أهل الحِيرة فإذا فيه أمر بقتل المتلمِّس ، فألقى كتابه في النهر ، وألحّ على طرفة في أن يفعل فعله فأبى ؛ وأفترق الشاعران : مضى أحدهما إلى الشام فنجا ، ومضى الآخر إلى البحرين فلقى الموت . وكان طرفة حديث السنّ لم يتجاوز العشرين في رأي بعض الرواة ولم يتجاوز السادسة والعشرين في رأي بعضهم الآخر . وقد كثرت الأحاديث حول هذه القصة وأضيفت إليها أشياء أعرضنا عن ذكرها لظهور انتحال فيها وغضب عمرو بن هند على المتلمِّس حين هرب إلى الشام وأفلت من الموت فأقسم لا يطعم حَبَّ العراق . واتصل هجاء المتلمِّس له .

والرواة المحققون يعدون هذين الشاعرين من المقلين . بل لم يرو ابن سلاّم للملتمس شيئاً ولم يسم له قصيدة . فأما طرفة فقد قال ابن سلاّم عنه في موضع إنه هو وعَبيد من أقدم الفحول ولم يبق لهما إلا قصائد بقدر عشر . وأستقلّ ابن سلاّم هذه القصائد على الشاعرين وقال إنه قد حمل عليهما حمل كثير . وقد رأيت أنه حين أراد أن يضع عبيدا في طبقته لم يعرف له إلا بيتا واحدا . فأما طرفة فقد عرف له المطولة وروى مطلعها هكذا :

لَـخـوْلـةَ أطلالُ ببرقة iiثهمِد وقفتُ بها أبكي وأبكي إلى الغدِ

وعرف له الرائية المشهورة :

* أصحوت اليوم أم شاقتك هر *

وعرف له قصائد لم يدل عليها . وقال إنه أشعر الناس بواحدة . يريد المعلقة . وبين يدينا ديوان لطرفة يشتمل هاتين القصيدتين وقصيدة أخرى مشهورة ، وهي :

سـائلوا عنا الذي iiيعرفنا بِخَزَازَى يوم تَحلاق اللمم
ثم مقطوعات أخرى ليست بذات غَناء . وأنت إذا قرأت شعر طرفة رأيت فيه ما ترى في أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين ولا سيما المضربين منهم من متانة اللفظ وغرابته أحيانا ، حتى لتقرأ الأبيات المتصلة فلا تفهم منها شيئاً دون أن تستعين بالمعاجم . ولكنك مضطر إلى أن تلاحظ أن هذا الشعر أشبه بشعر المضريين منه بشعر الرّبعيين ؛ فنحن لم نجمع شعراء ربيعة عفوا ، وإنما جمعناهم فيما تحدّثنا به إليك في هذا الكتاب إلى الآن لأن بينهم شيئاً يتفقون فيه جميعاً ، هو هذه السهولة التي تبلغ الإسفاف أحياناً ؛ لا نستثني منهم في ذلك إلا قصيدة الحارث حلّزة . فكيف شذ طرفة عن شعراء ربيعة جميعاً فقوى متنه واشتدّ أسره وآثر من الإغراب ما لم يؤثر أصحابه ودنا شعره من شعر المضريين ?

وأنظر في هذه الأبيات التي يصف بها الناقة
:

وإنى لأُمضي الهمَّ عند إحتضاره بـعوجاء  مِرْقالٍ تروح iiوتغتدي
أمـونٍ كـألواح الأران iiنصْأتُها عـلـى لاحب كأنه ظهر iiبُرْجُد
جَـمَـالـيةٍ  وَجْناء ترِدي كأنها سَـفـنّـجةُ  تَبْرِي لأزعَر iiأربَد
تُـبـاري عِتاقاً ناجياتٍ iiوأتبعت وظـيـفاً وظيفا فوق مَوْرٍ iiمعبَّد
تربعت القُفَّين في الشّوْل iiترتعي حـدائـقَ  مَـوْليّ الأسِرة iiأغيد
تَرِيع  إلى صوت المُهيب iiوتتقي بذي  خُصَلٍ روعاتِ أكلفّ iiمُلْبِد
كـأنّ  جـناحَيّ مَضْرَحيّ iiتكنَّفا حـفافيه  شكّا في العسيب iiبِسْرَد
*عبدالرؤوف النويهى
7 - مايو - 2007
فى الشعر الجاهلى 000للدكتور /طه حسين (31)    كن أول من يقيّم
 
وهو يمضي على هذا النحو في وصف ناقته فيضطرنا إلى أن نفكر فيما قلناه من أن أكثر هذه الأوصاف أقرب إلى أن يكون من صنعة العلماء باللغة منه إلى أي شيء آخر . ولكن دع وصفه للناقة واقـــرأ :


ولـسـت بـحـلاّل التَِلاع iiمخافةً ولـكـن مـتى يسترفِدِ القومُ iiأرفد
فـإن تـبـغـنـي في حَلْقة تلقني وإن  تلتمسني في الحوانيت iiتصطد
مـتـى  تأتني أصبحك كأساً iiرويّةً وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد
وإن  يـلـتقِ الحي الجميعُ iiتُلاقني إلـى ذروة البيت الشريف iiالمصمَّد
نـدامـاي  بـيضُ كالنجوم iiوقَينةُ تـروح إلـيـنـا بين بُرْدٍ ومجسَدِ
رحـيبُ  قِطابُ الجيب منها iiرفيقةُ بـجَـسّ  الـندامى بضّةُ iiالمتجرّد
إذا نـحـن قلنا أسمعينا أنبرت iiلنا عـلـى رِسْـلها مطروقة لم iiتشدّد
إذا رجّعتْ في صوتها خلتَ صوتها تـجـاوُبَ أظـآرَ على رُبَع iiرَدِي
فسترى في هذه الأبيات لينا ولكن في غير ضعف ، وشدّة ولكن في غير عنف . وسترى كلاماً لا هو بالغريب الذي لا يفهم ، ولا هو بالسُّوقي المبتذل ، ولا هو بالألفاظ قد رصفت رصفا دون أن تدل على شيء . وأمض في قراءة القصيدة قستظهر لك شخصية قوية ومذهب في الحياة واضح جلي : مذهب اللهو واللذة يعمِد إليهما من لا يؤمن بشيء بعد الموت ولا يطمع من الحياة إلا فيما تتيح له من نعيم بريء من الإثم والعار على ما كان يفهمها عليه هؤلاء الناس :

وما  زال تَشْرابي الخمورَ iiولذّتي وبـيعي وإنفاقي طريفي iiومُتْلَدِي
إلـى أن تـحامتني العشيرةُ iiكلها وأُفـردت إفـرادَ الـبعير iiالمعَّبد
رأيـت بـني غَبراءَ لايُنكرونني ولا  أهـلُ هذاك الطِّرافِ iiالممدّد
ألا أيهذا الزاجري أحضر iiالوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مُخلّدي
فـإن كنتَ لا تستطيع دفع iiمنيتي فـدعني  أبادرها بما ملكت iiيدي
ولولا  ثلاثٌ هن من عيشة iiالفتى وجـدّك  لم أحفِلْ متى قام عُوّدي
فـمـنهن سبقي العاذلاتِ iiبشربة كُـمَيْتٍ  متى ما تُعْلَ بالماء iiتزبد
وكَـرِّى إذا نادى المضافُ iiمحنَّبا كِـسـيِـد  الغضا نبّهته iiالمتورَّد
وتـقـصـير يوم الدَّجْن iiمعجِبُ بـبـهـكَنةٍ  تحت الخِباء iiالمعمَّد
في هذا الشعر شخصية بارزة قوية لا يستطيع من يلمحها أن يزعم أنها متكلفة أو منتحلة أو مستعارة . وهذه الشخصية ظاهرة البداوة واضحة الإلحاد بنية الحزن واليأس والميل إلى الإباحة في قصد واعتدال . هذه الشخصية تمثل رجلاً فكر وألتمس الخير والهدى فلم يصل إلى شيء ، وهو صادق في يأسه ، صادق في حزنه ، صادق في ميله إلى هذه اللذات التي يؤثرها . ولست أدري أهذا الشعر قد قاله طرفة أم قاله رجل آخر ? وليس يعنيني أن يكون طرفة قائل هذ الشعر . بل ليس يعنيني أن أعرف اسم صاحب هذا الشعر ؛ وإنما الذي يعنيني هو أن هذا الشعر صحيح لا تكلف فيه ولا إنتحال ، وأن هذا الشعر لا يشبه ما قدّمناه في وصف الناقة ولا يمكن أن يتصل به ، وأن هذا الشعر من الشعر النادر الذي نعثر به من حين إلى حين في تضاعيف هذا الكلام الكثير الذي يضاف إلى الجاهليين ، فنحس حين نقرؤه أنا نقرأ شعرا حقاً فيه قوة وحياة وروح .

وإذاً فأنا أرجح أن في هذه القصيدة شعراً صنعه علماء اللغة هو هذا الوصف الذي قدّمنا بعضه ، وشعرا صدر عن شاعر حقا هو هذه الأبيات وما يشبهها . ولسنا نأمن أن يكون في هذه الأبيات نفسها ما دُسّ على الشاعر دسا وأنتحل عليه إنتحالاً .

فأما صاحب القصيدة فيقول الرواة إنه طرفة . ولست أدري أهو طرفة أم غيره? بل لست أدري أجاهليّ هو أم إسلاميّ ? وكل ما أعرفه هو أنه شاعر بدوي ملحد شاكّ .

ولست أحب أن أقف عند القصيدتين الأُخريين ؛ فإن شخصية الشاعر تستخفي فيهما إستخفاء وتعود معهما إلى هذا الشعر الذي وقفت عنده غير مرة والذي يمثل مجد القبيلة وفخرها القديم . وأكبر الظن أن هاتين القصيدتين كقصيدة الحارث بن حِلِّزة وضعتا في الإسلام تخليداً لمآثر بكر بن وائل .

*عبدالرؤوف النويهى
7 - مايو - 2007
فى الشعر الجاهلى 00للدكتور /طه حسين (32)    كن أول من يقيّم
 
فلندع طرفة ولنصل إلى المتلمِّس . وأمر المتلمِّس أيسر من أمر طرفة . فشعره يعود بنا إلى شعر ربيعة الذي قدّمنا الإشارة إليه وإلى ما فيه من رقة وإسفاف وإبتذال . ومن غريب أمره أن التكلف فيه ظاهر ، ولاسيما في القافية ، فيكفى أن تقرأ سينيته التي أوّلها :

يـا آل بَكرٍ ألا لله أمّكُمُ iiطال الثَّواء وثوب العجزِ ملبوس .
لتحس تكلف القافية . على أن هذه القصيدة مضطربة الرواية فقد يوضع آخرها في أوّلها ، وقد يروى مطلعها :

كم دونَ مَيّةَ من مستعمَلٍ قَذّفٍ ومن  فلاة بها تستودع iiالعِيُسُ
وللمتلمِّس قصيدة أخرى ليست أجود ولا أمتن من هذه القصيدة ، ولعلها أدنى منها إلى الرداءة ، وهي التي مطلعها :


ألـم  تـر أن الـمـرء رهن iiمنية صريعٌ لعَافي الطيرِ أو سوف يُرْمَس
فـلا  تـقـبـلنْ ضمياً مخافةَ iiميتةٍ ومُـوتَـنْ  بـها حراٍّ وجلُدك iiأملس
ويقول فيها :

ومـا الـناس إلا ما رأوا iiوتحدّثو وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا
وربما كانت ميمية المتلمس أجود ما يضاف إليه من الشعر ، وهي التي أوّلها :

يعيِّرنى أمي رجال ولا أرى أخـا  كـرمٍ إلا بأن يتكّرما
وأكبر الظن أن كل ما يضاف إلى المتلمِّس من شعر - أو أكثره على أقل تقدير - مصنوع ، الغرض من صنعته تفسير طائفة من الأمثال وطائفة من الأخبار حفظت في نفوس الشعب عن ملوك الحيرة وسيرتهم : في هؤلاء الأخلاط من العرب وغير العرب الذين كانوا يسكنون السواد . ولا أستبعد أن يكون شخص المتلمِّس نفسه قد إخترع إختراعاً تفسيراً لهذا المثل الذي كان يضرب بصحيفة المتلمِّس والذي لم يكن الناس يعرفون من أمره شيئاً ، ففسره القصاص وأستمدوا تفسيره من هذه الأساطير الشعبية التي أشرنا إليها غير مرة .

وهناك شعراء آخرون من ربيعة كنا نستطيع أن نقف عندهم ونلم بشعرهم إلماماً وننتهي فيهم إلى مثل انتهينا إليه في أمر هؤلاء الشعراء الذين درسناهم في هذا البحث القصير . ولكنا نكتفي بما قدّمنا ؛ فقد ضربنا المثل . ويخيل إلينا أنا قد وضحنا وبينا وأزلنا الحجاب عن كل ما نريد أن نقوله في موقفنا بإزاء الشعر الجاهلي .

ونحن لم نقصد في هذا الكتاب إلى أن ندرس الشعراء ولا إلى أن نحلل شعرهم وإنما قصدنا إلى أن نبسط رأينا في طريقة درس هذا الشعر الجاهلي وهؤلاء الشعراء الجاهليين . وقد بلغنا من ذلك ما كنا نريد . فأما تتبع الشعراء شاعرا شاعرا ودرس شعرهم قصيدة قصيدة ومقطوعة مقطوعة فقد نفرغ لبعضه في غير هذا الكتاب . ومهما نفعل فلن نستطيع أن ننهض به وحدنا في عام أو أعوام ، بل لابدّ من أن ينهض به معنا الذين يحبون الحق فيسعون إليه ويطلبونه .

على أنا نريد أن نختم هذا السفر بملاحظتين :

(الأولى) أن هذا الدرس الذي قدّمناه ينتهي بنا إلى نتيجة إلا تكن تاريخية صحيحة فهى فرض يحسن أن يقف عنده الباحثون ويجتهدوا في تحقيقة ، وهي أن أقدم الشعراء فيما كانت تزعم العرب وفيما كان يزعم الرواة إنما هو يمنيون أو ربعيون . وسواء أكانوا من أولئك أو من هؤلاء فما يروى من أخبارهم يدل على أن قبائلهم كانت تعيش في نجد والعراق والجزيرة أي في هذه البلاد التي تتصل بالفرس إتصالاً ظاهرا والتي كان يهاجر إليها العرب . من عدنان وقحطان على السواء .

إذاً فنحن نرجح أن هذه الحركات التي دفعت أهل اليمن من ناحية وأهل الحجاز من ناحية أخرى إلى العراق والجزيرة ونجد ، في عصور مختلفة ولكنها لا تكاد تتجاوز القرن الرابع للمسيح ، قد أحدثت نهضة عقلية وأدبية ، لما كان من اختلاط هذين الجنسين العربيين فيما بينهما ومن اتصالهم بالفرس .

ومن هذه النهضة نشأ الشعر أو قل إذا كنت تريد التحقيق ظهر الشعر وقوي وأصبح فناً أدبياً . وقد ذهب هذا الشعر ولم يبق لنا منه شيء إلا الذكرى ، ولكن لم يكد يأتي القرن السادس للمسيح حتى تجاوزت هذه النهضة أقطار العراق والجزيرة ونجد وتغلغلت في أعماق البلاد العربية نحو الحجاز فمست أهله . ومن هنا ظهر الشعر في مضر ومن إليهم من أهل البلاد العربية الشمالية . فالشعر كما ترى يمني قوي حين إتصلت القحطانية بربيعة. ولكنا لن نعرفه ولم نصل إليه إلا حين تغلغل في البلاد العربية وأخذته مضر عن ربيعة . ومن هنا نستطيع أن نقول إنا تعمدنا الوقوف ببحثنا عند هذا الحدّ الذي انتهينا إليه ؛ فلنا في شعر مضر رأى غير رأينا في شعر اليمن وربيعة ، لأننا نستطيع أن نؤرّخه ونحدّد أوليته تقريباً ، ولأننا نستطيع أن تقبل بعض قديمه دون أن تحول بيننا وبين ذلك عبقة لغوية عنيفة .

وإذاً فنحن نستطيع أن نستأنف هذا البحث في سفر آخر . وسترى أن الشعراء الجاهليين من مضر أدركوا الإسلام كلهم أو أكثرهم فليس غريباً أن يصح من شعرهم شيء كثير .

(الثانية) أن الذين يقرءون هذا الكتاب قد يفرغون من قراءته وفي نفوسهم شيء من الأثر المؤلم لهذا الشك الأدبي الذي نردّده في كل مكان من الكتاب . وقد يشعرون ، مخطئين أو مصيبين ، بأننا نتعمد الهدم تعمدا ونقصد إليه في غير رفق ولا لين . وقد يتخوفون عواقب هذا الهدم على الأدب العربي عامة وعلى القرآن الذي يتصل به هذا الأدب خاصة .

فلهؤلاء نقول أن هذا الشك لا ضرر منه ولا بأس به ، لا لأن الشك مصدر اليقين ليس غير ، بل لأنه قد آن للأدب العربي وعلومه أن تقوم على أساس متين . وخير للأدب العربي أن يزال منه في غير رفق ولا لين ما لا يستطيع الحياة ولا يصلح لها من أن يبقى مثقلا ًبهذه الأثقال التي تضر أكثرها مما تنفع ، وتعوق عن الحركة أكثر مما يمكن منها .

ولسنا نخشى على القرآن من هذا النوع من الشك والهدم بأسا ؛ فنحن نخالف أشدّ الخلاف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة إلى الشعر الجاهلي لتصح عربيته وتثبت ألفاظه . نخالفهم في ذلك أشدّ الخلاف لأن أحدا لم ينكر عربية النبي فيما نعرف ، ولأن أحدا لم ينكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه تتلى عليهم آياته . وإذا لم ينكر أحد أن النبي عربىّ وإذا لم ينكر أحد أن العرب فهموا القرآن حين سمعوه ، فأي خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الجاهلي أو هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين? وليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع في أن المسلمين قد احتاطوا أشدّ الإحتياط في رواية القرآن وكتابته ودرسه وتفسيره حتى أصبح أصدق نص عربي قديم يمكن الإعتماد عليه في تدوين اللغة العربية وفهمها . وهم لم يحفلوا برواية الشعر ولم يحتاطوا فيها ، بل انصرفوا عنها في بعض الأوقات طائعين أو كارهين ، ولم يراجعوها إلا بعد فترة من الدهر وبعد أن عبث النسيان والزمان بما كان قد حفظ من شعر العرب في غير كتابة ولا تدوين . فأيهما أشد إكبار للقرآن وإجلالاً له وتقديساً لنصوصه وإيماناً بعربيته القاطعة على تلك العربية المشكوك فيها ، أم ذلك الذي يستدل على عربية القرآن بشعر كان يرويه وينتحله في غير احتياط ولا تحفظ قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق ومنهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث ?

أما نحن فمطمئنون إلى مذهبنا مقتنعون بأن الشعر الجاهلي أو كثرة هذا الشعر الجاهلي لا تمثل شيئاً ولا تدل على شيء إلا ما قدّمنا من العبث والكذب والانتحال ، وأن الوجه - إذا لم يكن بد من الاستدلال بنص على نص - إنما هو الاستدلال بنصوص القرآن على عربية هذا الشعر لا بهذا الشعر على عربية القرآن .

18 مارس سنـــــة 1926
                                        انتهى الكتاب



*عبدالرؤوف النويهى
7 - مايو - 2007
على هامش الشعر الجاهلى 0    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم
 
لم تكن الثورة التى أحدثها كتاب (فى الشعر الجاهلى )للدكتور /طه حسين ،جديدة على العالم العربى الإسلامى أو فى شرق الأرض ومغاربها ، فحراس الفضيلة  بالمرصاد لمن يخرج عن القطيع ، وتكال له الإتهامات جُزافا  وتُنصب له المشانق وتُعد المحارق ، فتاريخُنا لايكاد يبتعد كثيراً أو قليلاً عما يدور فى العالم أجمع ، فلم نكن بمنجاة عن التأثر والتأثير ، فسقراط  شرب السم مفضلا إياه على العدول عن آرائه ومنهج تفكيره ، وقال قولته المشهورة (اشرب السم ولايقولون أن سقراط خالف  قانون روما ) ومات من سقووه السم واندثروا، وبقى سقراط على مدى العصور  حياً بفكره وعقله ، اختلفنا أو اتفقنا معه ، فهو  تُراث انسانى عريق 0
 
لا أختلف عن الآخرين بل أنا منهم لحماً ودماً وثقافةً ووجوداً ، أشقى بشقوتهم ، وأسعد بسعادتهم ، وأعلو بعلوهم ، واسقط بسقوطهم ، أبحث عن نفسى ووجودى وبدايتى ونهايتى ، وحاضرى ومستقبلى 00
مشغول البال ومهموم العقل ومكدود الفكر 0
من أنا ?
ومن أكون ?
ولماذا الحاضر يبدو مظلما شديد الإظلام ?
كيف الخروج من المتاهة ??
 
 تشعبت بنا السبلُ ،وضاقت عقولُنا عن سماع الآخر أياً كان ، وسالت من أفواهنا زخم الكلام ،وشراسة الأقوال، وحِدة التعابير، وكيْل الإتهامات  بلا رادعٍ من حق أو وازعٍ من ضمير ، كأننا نبحثُ عن أنفسنا  فى غرفةٍ مظلمةٍ ، وقد فقدنا البصروالبصيرة ،كأننا  فى حندس نتصادم ، كما يقول شيخُنا وإمامُنا وشاعرُنا العظيم ،الإنسانى الخالد _ المعرى _ 0
 
لم أكن بمنأى عن اللخبطة التى نعيشها جميعاً فى عالمنا العربى الكبير ، والتنقيب عن ثغرة للخروج  والتماس النورواستشراف الأمل وتجسيد النهضة 0
لم أحد عن النهوض وبقوة نحو الدفاع عن ماضىَ وإشراقة الأمل تنبعث منه ، قد أُخطىء وقد أُصيب ،لكن يكفينى شرف المحاولة  ويكفينى أننى أسعى لاستجلائها 0
 
قرأتُ تاريخى ،وعشتُ حاضرى ،وأتطلعُ لمستقبلٍ زاهرٍ ،وجدتُ الجمال والحب والعشق،وجدت الحرية الضائعة المهدورة  المُطاردة تبحثُ عن ملاذ آمن ،  وكنت مثلها ضائعاً ،فعشقتها  وتغنيتُ بها ،ورضيت بى عاشقاً، مكسور الجناح ،فقير الفكر ، خاوى المال ،عاطل الوسامة، كثيرالأسئلة ،معطوب العقل ،مثير الضجيج0
 
قلتُ لنفسى :ابتعدى عن العبودية المختارة ،وتحررى من ركام السنوات الحزينة السوداء ،وتعوَدى على قبول الهجوم القاسى  بلا تذمرٍ ولاضيقٍ،_ فكُلنا باحثُ عن الحقيقة _،لكنها أحيانا تنفرُ منى ،وتهربُ من بين أصابعى ،ثم تؤوب مرةً ثانيةً إلى رُشدها، لأنها لا تهوى الوعظ  والنصائح 0
 
على هامش الشعر الجاهلى ،أُثرثر مُحدثاً ضوضاءا وشغباً ،وسوف أستكمل ما بدأتُ  ،فى تقديم تقرير النيابة العامة فى حفظ التحقيق  ،فى عهد مضى ، لم يضق بالرأى الآخر ،ولم يُتهم بالردة ،ولم يٌطارد ،ولم يٌرغم على الهجرة فى أقاصى البلاد 0
هل كانوا أكثر استنارة ??
هل كانوا  أقل غيرة وحمية على الإسلام ??
هذا ما سوف نتعرض له من خلال المقارنة الفكرية والقانونية  بين زمنين ،بالأدلة والقرائن والأسانيد0
إنها رحلة صعبة ،صعبة ،عساىَ أُكلّل بالتوفيق0
إنها دراسة ضخمة ،استغرقت منى الوقت والجُهد والمال ،راضياً ومتقبلاً أى نقدٍ مهما كان ،وبرحابة صدرٍ واتساع أُفق ،فالشكرُ مقدماً لمن يُدلى بدلوه مدحا ً أو ذماً، ويكفينى  أن ما سطرتُه ،نال منه ،بعض الاهتمام 0
سوف أمضى قُدماً فى سبيلى ،وما توفيقى إلا بالله 0
 
*عبدالرؤوف النويهى
7 - مايو - 2007
حول كتاب طه حسين" في الشعر الجاهلي"    كن أول من يقيّم
 
السيد عبد الرؤوف النويهي المحترم ،
لو كان نقد طه حسين في كتابه " في الشعر الجاهلي " قد توقف عند الشعر لهان الأمر ، ولقال الناس إنها نظرية في نقد الشعر ربما أفلح صاحبها فيها أو أفلح في بعضها ، أو لم يفلح على الإطلاق . غير أن تعرضه للقرءان الكريم والكتب السماوية الأخرى في قوله : " للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ." يجعلنا نقف عند هذا القول ونتساءل : هل كان طه حسين يوجه قوله هذا إلى غير المؤمنين بالله وكتبه ورسله من علماء الآثار التاريخية الذين لم يثبت عندهم وجود إبراهيم وإسماعيل تاريخيا أم إنه يخاطب به أمثالنا ممن نؤمن بأن كتاب الله ليس من عند محمد النبي المرسل من الله رحمة للعالمين بل إنه من لدنه تعالى ?!. وإن كان طه حسين يوجه كلامه للصنف الأول فعليه ، إن كان مؤمنا مسلما أن يجادل أولئك الملحدين ليخدم كتاب الله تعالى ، ولكنه عمد إلى ما عمد من القول مدللا على انه هو لم يتبت لديه تاريخيا وجود ابراهيم وإسماعيل . على أية حال فهذا شأنه ، وحسابه ، في ديننا ، على خالقه ، ولكن كان عليه أن يكتب كتابه ، ساعتها ، بلسان غير لسان العرب المسلمين، مع أنه لوكان مؤمنا حقا لسعى للذب عن القرءان الكريم .أما إن كان قد توجه بكتابه إلى قبلة المؤمنين فكيف يكون ذلك منه مقبولا! . منذ مدة طويلة قالوا بأن طه حسين قد بدل فكره الذي ورد في كتابه ، وأنه ارتجع عما اقترف ، ونحن نرجو أن يكون ذلك صحيحا ، وأن يتقبل الله تعالى ذلك الرجل ، ويتقبلنا معه بالحسنى ، إنه عز وجل رؤوف رحيم .
*ياسين الشيخ سليمان
9 - مايو - 2007
قرار النيابة فى كتاب الشعر الجاهلى 0000(1)    كن أول من يقيّم
 
قَرارُ النيابة
فى
(كتاب الشعر الجاهلى )
****************************
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مطبعة الشباب
شارع عبدالعزيز خلف جامع العظام
 
***************************************************
الطبعة الأولى
1927
 
*عبدالرؤوف النويهى
10 - مايو - 2007
قرار النيابة فى كتاب الشعر الجاهلى (2)    كن أول من يقيّم
 
نحن   محمد نور رئيس نيابة مصر
 
من حيث أنه بتاريخ 30مايو سنة 1926 تقدم بلاغ من الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالى بالأزهر لسعادة النائب العمومى يتهم فيه الدكتور طه حسين الأستاذ بالجامعة المصرية بأنه ألف كتاباًاسماه (فى الشعر الجاهلى )ونشره عى الجمهور وفى هذا الكتاب طعن صريح فى القرآن العظيم 0
حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوى الكريم إلى آخر ما ذكره فى بلاغه 0
وبتاريخ 5يونيه 1926 أرسل فضيلة شيخ الأوهر لسعادة النائب العمومى  خطابا يبلغ له به تقريرا رفعه علماء الجامع الأزهر عن كتاب ألفه طه حسين المدرس بالجامعة المصرية  اسماه (فى الشعر الجاهلى )كذب فيه القرآن صراحة وطعن فيه على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى نسبه الشريف واهاج بذلك ثائرة المتدينين وأتى فيه بما يخل بالنظم العامة ويدعو الناس للفوضى وطلب اتخاذ الوسائل القانةنية الفعالة الناجعة ضد هذا الطعن على دين الدولة الرسمى وتقديمه للمحاكمة  وقد أرفق بهذا البلاغ صورة من تقرير أصحاب الفضيلة العلماء الذى أشار إليه فى كتابه وبتاريخ 14سبتمبر 1926تقدم إلينا بلغ آخر من حضرة عبد الحميد البنان أفندى عضو مجلس النواب ذكر فيه أن الأستاذ طه حسين المدرس بلجامعة المصرية نشر ووزع وعرض للبيع فى المحافل والمحلات العمومية  كتابا اسماه (فى الشعر الجاهلى ) طعن وتعدى فيه علىالدين الإسلامى وهودين الدولة بعبارات صريحة واردة فى كتابه سيبينه فى التحقيقات 0
وحيث أنه نظرا لتغيب الدكتور طه حسين خارج القطر المصرى  فقد أرجأنا التحقيق إلى ما بعد عودته فلما عاد بتاريخ 19أكتوبر 1926 فأخذنا أقوال المبلغين جملة بالكيفية المذكورة بمحضر التحقيق ثم استجوبنا المؤلف  وبعد ذلك أخذنا فى دراسة الموضوع بقدر ما سمحت لنا الحالة 0
وحيث قد اتضح من أقوال المبلغين أنهم ينسبون للمؤلف أنه طعن على الدين الإسلامى  فى مواضع أربعة من كتابه :
 
الأول –أن المؤلف قد أهان الدين الإسلامى بتكذيب القرآن فى إخباره عن إبراهيم واسماعيل حيث ذكر فى ص26من كتابه "للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها .ونحن  مضطرون إلى أن نرى فى هذه القصة نوعا من الحيلة  فى اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى  إلى آخر ماجاء فى هذا الصدد"
 
       
الثانى – ما تعرض له المؤلف فى شأن القراآت السبع المجمع عليها  والثابتة لدى المسلمين جميعا وأنه فى كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله  إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه مع أن معاشر المسلمين يعتقدون أن كل هذه القراآت مروية عن الله  تعالى على لسان النبى صلى الله عليه وسلم 0
*عبدالرؤوف النويهى
10 - مايو - 2007
قرار النيابة فى كتاب الشعر الجاهلى (3)    كن أول من يقيّم
 
الثالث-ينسبون للمؤلف أنه طعن فى كتابه على النبى صلى الله عليه وسلم  طعنا فاحشا من حيث نسبه فقال فى ص27من كتابه "ونوع آخر من تأثير الدين فى انتحال الشعر واضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم النبى من ناحية أسرته ونسبه فى قريش فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبى يجب أن يكون صفوف بنى هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بنى عبد مناف وأن يكون بنوعبد مناف صفوة بنى قصى  وأن تكون قصى صفوة قريش وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان  وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنانية كلها " وقالوا إن تعدى المؤلف بالتعريض بنسب التبى صلى الله عليه وسلم  والتحقيرمن قدره تعد على الدين وجرم عظيم يسىء المسلمين والإسلام  فهو قد إجترأ على أمر إذ لم يسبقه إليه كافر ولامشرك 0
 
الرابع- أن الأستاذالمؤلف أنكر إن للإسلام أوليه فى بلاد العرب وأنه دين إبراهيم إذ يقول فى ص 80"أما المسلمون فقد أرادوا أن يتثبتوا أن للإسلام أولية فى بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبى  وأن خلاصة الدين الإسلامى وصفوت هى خلاصة الدين الحق الذى أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل-إلى أن قال فى ص81وشاعت فى العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده  فكرة أن الإسلام يجد دين إبراهيم  ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم  هذاقد كان دين العرب فى عصر من العصور  ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون  وانصرفت إلى عبادة الأوثان إلى آخر ماذكره فى هذا الموضوع 0
 
 ومن حيث أن العبارات التى يقول المبلغون أن فيها طعنا على الدين الإسلامى  إنما جاءت فى كتاب فى سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذى ألف من أجله فلأجل الفصل فى هذه الشكوى  لايجوز انتزاع تلك العبارات من موضعها  والنظر إليها منفصلة  وإنما الواجب توصلا إلى تقديرها تقديرا صحيحا بحثها حيث هى فى موضعها من الكتاب ومناقشتها فى السياق الذى وردت فيه وبذلك يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسؤليته تقديرا صحيحاً0
*عبدالرؤوف النويهى
10 - مايو - 2007
على هامش الشعر الجاهلى (2)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
لم أكن ومنذ حداثة سنىّ عمرى ، إلا محاولاً المعرفة ،حريصاً عليها ،باحثاً عنها،وما أكثر المشكلات التى اعترضت طريقى وجرحت عقلى  وأصابتنى بالغضب ،ولكن وويلى من كلمة( لكن) التى كالمرصاد تناوشنى وتُربكنى ،فكلما أقنعتُ نفسى بسلامة الوصول إلى أرض المطار والاستقرار والطمأنينة ،تُقلع بى الطائرة مرةً ثانيةً  ،وتُحلق فى فضاءات جديدة ،وماأصدق كلام ضياء الوراق  عندما قالت (النويهى يحاول دائما تعكير ماء اليقين )0
والحقُ أنها لصادقة كل الصدق ،ولمست فىّ عصباً ملتهباً،فعلاً أنا أخوض غُمار معاركى الشرسة مع نفسى والآخرين ، علّنى  أصل بسلام لأرض المطار 0
 
أحاول أن أرسم لنفسى منهجاً قويماً وأسلك درباً وحيداً ،تغمرنى فيه السعادة والهناء وراحة البال وهدوء النفس وسكون العقل، لكن هذه ،تُزلزنى  وتدفعنى دفعاً للبحث من جديد 0
 
أحاول أن أُفتش فى ثنايا ذاكرتى وخبايا روحى عن السكينة والدعة والرتوب،ربما كان دراساتى فى القانون  وفروعه التى لاتُعد ولاتُحصى فى مشارق الأرض ومغاربها ، سبباً أكيداً فى التفكير وبدون أى قيدٍعلى العقل،وطرح كل الإفتراضات دون الركون لإفتراض واحدٍ0
 
ومن هنا ،كانت مواضيعى المتنوعة المطروحة بجامعة الوراق ،فلسفة ،شعر ،سينما ،مسرح ،قصة ،تُرات عربى  ،تراجم ،قصة ،فكر دينى ،الحرية ،الملاحم العربية والعالمية ،وأخيراً نون النسوة ،وطه حسين والشعر الجاهلى  ، بصراحة ،سعادتى فى قراءة المميز والجديد والخارج عن المألوف والسائد ،ومن ثم طلبى المُلح  ليحيى رفاعى  أن يكتب ،مُتحملاً شراسته وهجومه وغمزه وطول لسانه ،فالساعى نحو أكل العسل لابد من تحمله إبر النحل 0
 
هذه ثرثرة لن أعتذر عنها ،لأنها حديثُ النفس للنفسِ، يجب الفضفضة بها ،فكل من فى( الوراق )،عن الحقيقة باحثُ ، تسرى عبر نفسى  وسوساتهم وسعيهم للوصول لأرض المطار ،فكأننا روح واحدة فى جسومٍ متعددة ،تبحثُ عن خلاصها ،وهدوئها ،ويقينها ،قد تتحارب وبقسوة ،إنما سعيها للنصر فى معركة اليقين ،هو دافعها ومحرضها وهدفها الأول والأخير 0
 
سيدى الفاضل /ياسين 000عُذراً لهذه الثرثرة المملة، وأهلاً ومرحباً0000
ككلنا بشرُ ،وماتراه سيئاً يراه الآخرُ حسناً،وصدق الإمامٌ الشافعى (رأىّ صوابُ يحتملُ الخطأ ،ورأىُ غيرى خطاُ يحتملُ الصواب )0
 
لن أُدافع عن طه حُسين ، ويبدو أن عدوى الدفاع تتملكنى ، فمهنة المحاماة  والدفاع فى الأقضية  ،صار هاجسأً  لامفرمنه ولا مندوحة عنه ، أنا مثله أُخطأ وأُصيب ،فمن  منا يمتلك الحقيقة ??????
 
ومهما قيل عن طه حُسين ،فهو واقعُ وتاريخُ واجتهادُ ، يجب التعامل معه  على هذا الأساس ،فالكمالُ لله وحده ، والله لايحب الجهر بالسوء من القول ،والأمرُ الإلهىُ بالدعوة إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ،مبدأُ الأخذُ به ،واجبُ وفرضُ، لايجوز الخروج عليه مهما كانت الأسباب والدواعى0
 
 اليوم 0000نشرتُ جُزءاً هاماً  من قرار النيابة  حول كتاب الشعر الجاهلى ، وفيه استعرض رئيس النيابة /محمد نور،  أسباب التحقيق والتهم الموجهة  لطه حسين ، وسأبدأ عاجلاً فى نشر رده على الاتهامات وسنجد أن ما نُثيره اليوم من أسئلة حول كتاب الشعر الجاهلى  ،موجود والرد عليه قد أخذ زمنأً طويلاً،وهذا يدفعنى إلى القول ،أننا لم نتجاوز مشكلات القرن الماضى ،وكأننا ندور فى حلقات ،هذا ما يُقلقنى  وأتذمر منه ، لعلىّ أبنتُ سريرة نفسى ، فالعُذرُ لى ، إن حِدتُ عن الجادة ،وأدلهمت بى الظنون ،وتشعبت  أمامى  السبلُ،وليهدينى الله وإياكم سواء السبيل  ، إنه نعم المولى  ونعم النصير 0  
*عبدالرؤوف النويهى
10 - مايو - 2007
قرار النيابة فى كتاب الشعر الجاهلى (4)    كن أول من يقيّم
 
                     
                           عن الأمر الأول
 
من حيث إنه ما يلفت النظر ويستحق البحث فى كتاب (فى الشعر الجاهلى ) من حيث علاقته بموضوع هذه الشكوى ، إنما هو ما تناوله المؤلف بالبحث  فى الفصل الرابع تحت عنوان (الشعر الجاهلى ) واللغة من ص24إلى ص30
 
ومن حيث إن المؤلف بعد أن تكلم فى الفصل الثالث من كتابه على أن الشعر المقال بأنه جاهلى  لايمثل الحياة  الدينية  والعقلية للعرب الجاهليين وأراد أن يقدم أبلغ ما لديه من الأدلة على عدم التسليم بصحة الكثرة المطلقة من الشعر بعيد كل البعد عن أن يمثل اللغة العربية فى العصر الذى يزعم الرواة أنه قيل فيه 0
 
وحيث إن المؤلف أراد أن يدلل على صحة هذه النظرية فرأى بحق من الواجب عليه أن يبدأ بتعرف اللغة الجاهلية  فقال : ولنجتهد في تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هي ، أو ماذا كانت في العصر الذي يزعم الرواة أن شعرهم الجاهلي هذا قد قيل فيه . أما الرأي الذي اتفق عليه الرواة أو كادوا يتفقون عليه فهو أن العرب ينقسمون إلى قسمين : قحطانية منازلهم الأولى في اليمن ، وعدنانية منازلهم الأولى في الحجاز .وهم متفقون على أن القحطانية عرب منذ خلقهم الله فطروا على العربية فهم العاربة ، وعلى أن العدنانية قد اكتسبوا العربية اكتسابا ، كانوا يتكلمون لغة أخرى هي العبرانية أو الكلدانية ، ثم تعلموا لغة العرب العاربة فمحت لغتهم الأولى من صدورهم وثبتت فيها هذه اللغة الثانية المستعارة . وهم متفقون على أن هذه العدنانية المستعربة إنما يتصل نسبهم باسماعيل بن ابراهيم . وهم يروون حديثا يتخذونه أساسا لكل هذه النظرية ، خلاصته أن أول من تكلم بالعربية ونسى لغة أبيه اسماعيل بن ابراهيم .
         وبعد أن فرغ من تقرير ما اتفق عليه الرواة فى هذه النقطة قال:
إن الرواة يتفقون أيضا على شيىء آخر ،وهو أن خلافاً قوياً بين لغة حمير وبين لغة عدنان مستندا إلى ماروى عن أبى العلاء  من أنه كان يقول :ما لسان حمير بلساننا ولالغتهم بلغتنا ، على أن البحث الحديث قد أثبت خلافا جوهريا بين اللغة التى كان يصطنعها الناس فى جنوب البلاد العربية  واللغة التى كانوا يصطنعونها فى شمال هذه البلاد وأشار إلى وجود نقوش ونصوص تثبت هذا الخلاف فى اللفظ وفى قواعد النحو  والتصريف  بعد ذلك حاول المؤلف حل هذه المسألة بسؤال إنكارى 
 فقال :إذا أبناءاسماعيل قد تعلموا اللغة العربية من العرب العارية فكيف بعد ما بين اللغتين  لغة العرب العرب العارية ولغة العرب المستعربة ،
 ثم قال إنه واضح جدا لمن له المام بالبحث  التاريخى عامة  ويدرس الأقاصيص والأساطير خاصة أن هذه النظرية متكلفة مصطنعة فى عصور متأخرة دعت إليها حاجة دينيةأو اقتصادية أو سياسية 0
ثم قال بعد ذك : للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها .
 
 
وظاهر من إيراد هذه العبارة أن يعطى دليله شيئا من القوة بطريقةالتشكك فى وجود إبراهيم واسماعيل التاريخى وهو يرمى بهذا القول إنه مادام اسماعيل وهو الأصل فى نظرية العرب العاربة والعرب المستعربة مشكوكا في وجوده التاريخى  فمن باب أولى ما ترتب على وجوده مما يرويه الرواة 0 أراد المؤلف أن يوهم لرأيه أساسا 0
فقال : ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى
ثم أخذ يبسط الأسباب التى يظن أنها تبرر هذه الحيلة  إلى ان قال :
أمر هذه القصة إذن واضح . فهي حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب ديني ، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضا ، وإذن فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل بها عند ما يريد أن يعترف أصل اللغة العريبة الفصحى . وإذن فنستطيع أن نقول أن الصلة بين اللغة العربية الفصحى التي كانت تتكلمها العدنانية واللغة التي أنت تتكلمها القحطانية في اليمن إنما هي كالصلة بين اللغة العربية وأي لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة ، وإن قصة العاربة والمستعربة وتعلم اسماعيل العربية من جرهم ، كل ذلك حديث أساطير لا خطر له ولا غناء فيه .
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - مايو - 2007
 2  3  4  5  6