البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : من يقتل الغذامي تقربا لله?    قيّم
التقييم :
( من قبل 5 أعضاء )
 زهير 
29 - نوفمبر - 2006
بقلم: صالح إبراهيم الطريقي.
لا يمكن فهم ما حدث بالندوة الثقافية التي أقيمت بكلية اليمامة بالرياض ، حين شرع الدكتور عبدالله الغذامي يتحدث عن أزمة الثقافة العربية ، فراح أفراد التيار الإسلامي يقاطعونه ويشوشون عليه ، رغم أن الغذامي كان يتحدث عن واقع معاش في العراق ، فصرخ أحد من يسمون أنفسهم شباب الصحوة "إن هذا النوع من العلاقات الزوجية محرم وغير جائز شرعا" ، ورغم توضيح الغذامي بأنه يصف ما حدث في العراق وليس هو أمام تبيان ما حدث شرعيا ، لم يصمت شباب الصحوة وتابعوا ما جاؤوا من أجله ، وهو منع الغذامي من الحديث حتى لا يغوي البشر .
قلت :لا يمكن فهم ما حدث في الندوة ما لم يعد المرء إلى الثمانينات الميلادي ليسترجع تلك الفترة والتي سميت "حرب الكاسيت" .
في ذاك الوقت كان المجتمع الثقافي قد دخل في صراع بين القديم والجديد ، كان عبدالله الغذامي وبعض العائدين من الغرب بعد حصولهم على شهادات عليا يرون أن الصراع بين العرب والغرب هو صراع معرفي ، وأنه لا بد من إعادة صياغة العقل العربي ، هذا العقل الأسطوري الذي خلط الدين بالعادات والتقاليد فصنع عقيدة تدفع للخوف والتخلف ، وأنه على العالم العربي جلب الأدوات المعرفية والتي أهمها أدوات النقد التي خلصت الغرب من سلطة المؤسسة الدينية .
فانبرى لهم الأصوليون يحاربون ليس التوجه الجديد بل وعرافيه ، وخرجت أشرطة الكاسيت بأصوات "بعض المشايخ" ، تعلن عن كفر هؤلاء الحداثيين والذي كان أحد عرابيهم الغذامي ، والذي لقب في أشرطة الكاسيت بـ "الحاخام الأكبر للبنيوية" ، وكانت تلك الأشرطة التي توزع مجانا ، تحذر المجتمع من هؤلاء الكفرة الذين يريدون تغريب المجتمع ونزعه من عقيدته وثقافته وجذوره ، في أحد الكاسيتات ختم أحد المشايخ محاضرته قائلا : "لا تجعلوا أنفسكم جسورا تطؤها أقدام الحداثيين ، ولا تسكتوا عن الحق خشية الناس ، والله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين" .
منذ ذاك الوقت وهناك دائما شباب جاهزون للذهاب إلى محاضرات الغذامي لمنعه من الكلام ، من يصنع هؤلاء المتطرفين ?
أذكر في أوائل التسعينات كنت في مكتبة الملك فهد العامة بالرياض بعد العصر ، وكنت أبحث عن كتاب لأستعيره ، لكنه كان من الممنوعات التي لا يمكن إعطاؤه إلا بورقة من الجهات المسئولة ، بعد أن وضح لي الموظف هذا ، دخل شباب أعمارهم تترواح بين 13 و 14 عاما ، وكان معهم ما يمكن تسميته الموجه أو أميرهم ، أشفقت على هؤلاء الشباب وهم يجوبون المكتبة ، ثم يأتي كل شاب منهم إلى المسئول عنه وبيده كتاب ، ليستشيره "هذا الكتاب يصلح أقرأه" ، فيتأمل الأمير الكتاب ثم يسمح له بقراءته أو ينصحه بأن يتجنبه وأن يقرأ كتابا آخر يحدده له .
هؤلاء الشباب الذين تعلموا على يد أميرهم وعلى أشرطة الكاسيت ، بالتأكيد هم من كانوا جاهزين كل مرة لمواجهة الغذامي هذا الحداثي الذي يريد تغريب الأمة ، فيذهبون لكل محاضرة له يتصادمون معه ، حتى لا يغوي أحدا أو يسحرا أحد بكلامه .
الخطورة ليست في هذا التشويش ، بل في أن يتقرب أحد هؤلاء الشباب الذين غسلت عقولهم إلى الله فيقتل الغذامي ، هذا الحداثي الذي يؤمن بالله ويصلي ويصوم .
*نقلا عن جريدة "شمس" السعودية
 2  3  4  5 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
نموذج لاتساق دولة الإسلام بالعالم تشريعيا    كن أول من يقيّم
 
ملخص ما سبق
تجديد الخطاب الديني هو "الاسم التمويهي" لتحريف رسالة الإسلام إلى العالمين , وكان هذا التجديد هو موضوع الكلام . ذكرنا أن فكرة التجديد تعود إلى نظرة خاطئة للرسالة أو للوحي , مضمون هذه النظرة هي أن الشريعة وسيلة تكيف للمجتمع مع متغيراته , وذلك بالمعنى البراجماتي لكلمة تكيف , أي بالمعنى النفعي المباشر , وأسفرت هذه النظرة عن نظرة أخرى , هي أنه : بما أن الوحي وسيلة تكيف لمجتمع , وبما أن المجتمع متغير , فتناول الوحي لا بد أن يتغير بحيث يلائم عمليات التحديث والتطوير المستمرة في المجتمع , هذا هو ملخص الأساس الذي تستند إليه أفكار التحريف أو التجديد. 
رفضنا نحن فكرة تجديد الخطاب الديني , وكان رفضنا هذا يعود لرفضنا للأساس النظري الذي يستند إليه هذا التجديد والمتعلق بطبيعة الوحي , أما رفضنا لوجود "الشرذمة" القائمة على فكرة التجديد (=التحريف) , ورفضنا لوجودهم على قيد الحياة , أو على الأقل رفضنا لوجودهم في البلاد العربية , أو على الأقل جدا رفضنا لاحتفاظهم بمكانتهم الاجتماعية لو حدث أن مكثوا في دولة عربية مؤقتا (على سبيل الترانزيت) , وإصرارنا على نزع مهابتهم في عيون جمهور المسلمين , هذا الرفض المطلق والإصرار الذي لا رجعة فيه إنما يعود إلى موقفنا من الوحي كحراس له بتكليف إلهي وبمعونة إلهية , والله خير حافظ لكتابه , كما يعود إلى موقفنا من جمهور المسلمين باعتبارنا ساهرين على مهمة العودة به إلى حياة أكثر إشراقا , حياة يسودها النعيم في الأرض ويحفها رضى الله في السماء , حتى لو أصابنا من هذا الجمهور شيئا من سوء الظن , فإنما هي "نيران صديقة" تُنسيها الأيام , هذا عن دوافع الرفض .
أما عن المستندات النظرية للرفض فكانت في الجانب الأول "هدمي" أي تتعلق بنقض فكرة "الوحي كوسيلة تكيف" , أما الجانب البنائي من المستندات فكان يتعلق بتذكير المسلمين بالوحي "كوسيلة" لضبط المجتمع وليس للتكيف معه , ومن الناحية الفكرية الخالصة , فهذا الضبط إنما هو ضرورة , لأنه إذا كان الضبط الخارجي للفرد ضرورة لخلق حالة اتساق بينه وبين المجتمع , فإن الضبط الخارجي للدولة وأفرادها ضرورة لخلق حالة اتساق بينها وبين العالم , والاتساق بالعالم ضرورة بالنسبة للإنسان لأسباب تتعلق بأصل مفهوم الربوبية , وهو مفهوم نفعي أساسا .
الجانب الأول من النقض , وهو الجانب الهدمي المتعلق بنقض فكرة الوحي كوسيلة تكيف , فهذه الفكرة ترتكز على فكرة أخرى هي أن الشريعة بالمعنى التقليدي إنما يناسب , من الناحية النفعية , المجتمع الإسلامي القديم , أما نقضنا لتلك الفكرة البلهاء فكان في التنبيه على أنها تتضمن مغالطة تسمى بمغالطة "المصادرة على المطلوب" , لأن تناسب الشريعة مع المجتمع الإسلامي القديم هو شيء متفق عليه ولا يعني أي شيء سوى الاستسلام الكامل لجيل الصحابة للوحي , أما البرهنة على فكرة "الوحي كوسيلة تكيف" فلا بد أن تتم عبر البرهنة على تناسب الوحي مع المجتمع المكِّي قبل الإسلام وليس مع المجتمع الإسلامي , لأن الوحي لابد , حسب رأي المجددين , أن ينزل وهو مناسب لهم من البداية , لكن البرهنة على تناسب الوحي مع المجتمع المكِّي مستحيلة لأنها تصطدم بعدة عقبات وظواهر: الظاهرة الأولى : أنه لو كان الوحي متعلق بشكل مباشر بطبيعة المجتمع من الناحية النفعية المباشرة لبادر المجتمع المكِّي إلى إفراز وخلق الوحي وكافة نظم الممارسة المتعلقة بالإسلام قبل مجيء النبوة والوحي والرسالة , في حين أن التفاوت كان شاسعا بين المجتمع المكِّي وبين المجتمع الإسلامي لدرجة أن الدعوة ظلت سرية في حركتها عدة أعوام وظلت في مرحلة الاستضعاف ثلاثة عشر عاما حتى استقرت الأمور في المدينة . الظاهرة الثانية : هي أنه لو كان الوحي مناسب بشكل طبيعي مع المجتمع الإسلامي القديم لكانت إمكانية التعارض بين الوحي وبين الاختيار الإنساني مستحيلة , في حين أن القرآن يؤكد للمجتمع الإسلامي القديم في عدة مواضع من القرآن على ضرورة التسليم بالوحي عند تعارضه مع الاختيار .
أما عن التناسب المنطقي بين الوحي وبين الإنسان , كونه نزل بلغة بشرية وكونه يؤول إلى السعادة في الدنيا قبل الآخرة فهذا لا يدل إطلاقا على أننا يجب أن نتناول الوحي بالطريقة التي نراها , بل لا يدل هذا التناسب إلا على العناية الإلهية بالإنسان , وأحرى بالإنسان عند هذا أن يطمئن لا أن يعتريه القلق من الوحي فيعمد إلى السيطرة عليه بشتى الحيل.
أما الجانب البنائي لنظرتنا إلى الوحي فكانت ترتكز على عنصر آخر يختلف عن الفرد والمجتمع من ناحية ويختلف عن الإنسان والله من ناحية أخرى , هذا العنصر هو العالم التي يتعين على الدولة والمجتمع والفرد أن يكونوا في حالة اتساق معه , فبعد أن نفينا أن الوحي وسيلة تكيف , أو وسيلة لتنظيم المنفعة المباشرة , أثبتنا أن الوحي هو وسيلة لخلق حالة انسجام بين الإنسان والعالم , وحالة الانسجام تلك هي حالة السجود لله , وهي الحالة التي تسود الوجود كله (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل:49)  , (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء:44) (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11) وكل ما على الإنسان هو أن يكون تعبيرا عن سجود الإرادة الحرة , تماما كما سجد العالم لكن بإرادته الحرة , لكن فكرة علاقة الشريعة بالعالم يبدو أنها فكرة غريبة إلى حد ما , لأن الشائع أنها فقط في علاقة تماس مع الإنسان , وذلك قياسا على سائر القوانين البشرية , من أجل ذلك لزم التوضيح بنموذج , ومن أجل ذلك كان هذا النموذج .
نموذج لفكرة اتساق دولة الإسلام بالعالم
هناك أمر تشريعي معروف في دولة الإسلام , وهو النهي عن خوض حرب هجومية في الأشهر الحرم , معنى ذلك أن التشريع لا يراعى فيه الإنسان (بالمعنى الضيق للمنفعة) , بل يراعى فيه طبيعة فترة زمنية تتكرر كل عام , طبيعة هذه الفترة , والتي تراعيها الشريعة , هي أنها محرمة . فكرة التجديد مؤسسة على الشريعة كوسيلة لتنظيم المنفعة (بالمعنى الضيق الذي لا يتميز فيه الإنسان عن الحيوان ) , لنحاول إذا أن نعثر على الجانب النفعي (بالمعنى السياسي الضيق) لهذا الحكم , لن نجد , لنبحث مرة أخرى , لن نجد مرة أخرى , بل على العكس , سنجد أن أمور الحرب والسلام هي آخر الأمور التي توضع لها القواعد لو فكرنا بشكل سياسي نفعي براجماتي , لأن هذه الأمور دون غيرها تمس وجود الدولة مسا مباشرا , ولا عجب من أن نجد الدولة عموما تتحلل من أي قيود تلتزم بها مع الشعب إذا تعلق أمر هذه القيود  بسياسة الحرب , وهذا يؤكد أن الشريعة تتجاوز الإنسان ومنفعته (بالمعنى المباشر) , وأنها تتعلق بعلاقة هذا الإنسان بالعالم (الأشهر الحرم) , وأن الشريعة لا تتنكر لمبدأ النفعية لكن عن طريق غير مباشر هو طريق تمثل الإرادة الإلهية , تلك الإرادة التي تتجه نحو التوحيد بين الإنسان والعالم في حالة السجود الكامل لله .
السذاجة متوفرة لحد بعيد عند "المجددين"  , ستجد من يقول : هذا المثال الذي تسوقه للبرهنة على تميز الشريعة عن طبيعة المجتمع وظروفه التاريخية إنما هو ضدك وليس لك , فتحريم القتال في الأشهر الحرم كان سمة للمجتمع العربي قبل الإسلام , وإنما نزلت الشريعة مطابقة له , ومن ثم فالشريعة مطابقة للمجتمع , وليست مستقلة عن سياقه التاريخي . والسذاجة هنا كامنة في النظر إلى هذا الاتفاق العربي الخاص بتحريم القتال في الأشهر الحرم على أنه عادة عربية وليست تشريعا إسلاميا مأخوذا عن إبراهيم عليه السلام , الذي هو أبو إسماعيل الذي هو أبو العرب , إذا فالتطابق بين التشريع في هذه المسألة وبين عادة المجتمع ليست تبعية من الشريعة للمجتمع بل هي عودة للشريعة إلى نفسها , فما جاء به نبي الله محمد قد تطابق مع ما وُرِث عن نبي الله إبراهيم , ولم يخلق المجتمع رسالة نبي الله محمد ولا إرث نبي الله إبراهيم .
لن تنفُد جُعبة السذاجة , ولن نعدم من يقول : إن الأشهر الحرم لها طبيعة نفعية مباشرة للمجتمع العربي , ففيها تزدهر كافة النشاطات السلمية من تجارة وخلافه , وحيث أن هذا التشريع له طبيعة نفعية للمجتمع فمن الممكن استنتاج الطبيعة العامة للشريعة وهي أنها وسيلة انتفاع مرتبطة بالسياق التاريخي . ومكمن السذاجة هنا أيضا هو فقدان القدرة على التمييز بين استفادة المجتمع من تشريع مستقل عنه استفادة مباشرة , وبين صياغة التشريع بحيث يفيد المجتمع , وهذا الخلط يشبه أن نرى قطعة من الحلوى وقد التف حولها النمل فنقول لقد وضعت الحلوى وسط النمل , مع أن الصواب هو أن نقول : لقد التف النمل حول الحلوى , فكما أن الحلوى سابقة على التفاف النمل وليس تابعة له , فالتشريع سابق على الاستفادة منه وليس تابع له , وليس أدل على استقلال مبدأ تحريم القتال في الأشهر الحرم عن مبدأ المنفعة المباشرة من أن هذا التحريم لم يكن على الدوام له طبيعة نفعية , بل كانت هناك محاولات للعبث بالتقويم نفسه ليناسب الظروف السياسية لقريش , تمثلت هذه المحاولات في إضافة أيام وحذفها حسب المنفعة , وهي أيام النسيئة , والقرآن تصدى لهذه المحاولات ومنعها منعا باتا , في إشارة إلى استقلال الأشهر الحرم عن ظروف المجتمع ومنافعه الوقتية النسبية.
ستجد من يقول أيضا : تحريم القتال ليس وصفا للعالم بل هو تكليف للإنسان , ومعنى ذلك أن هذا التحريم إنساني ونسبي وذاتي , وليس كوني أو مطلق أو موضوعي , أي خاص بالإنسان فقط وليس تنسيق بين الإنسان والعالم , والحقيقة غير ذلك , فالقرآن يتحدث عن حرمة الأشهر الحرم كانت قبل خلق الإنسان : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ , وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:36) , أي أنها حقيقة مفارقة للإنسان ومتحققة قبل مجيئه . ومعنى ذلك أن الشريعة إنما جاءت للتنسيق بين الإنسان وشيء مفارق لإدراكه هو العالم في كليته وكيفيته وشموله.
*يحيي رفاعي سرور
23 - ديسمبر - 2006
حول >الأنا< و>النحن<:    كن أول من يقيّم
 
 ...................
الأنا، رغم أنانية الأنا، أي اعتباره وحدة متفردة ومتوحدة إلا أنه بذاته مركب. إنه مجموعة: طاقات وملكات وأعضاء وأفكار وأحاسيس وتفاعلات وقدرات وتجارب: إنه مجموعة مركبة
فيدي لا معنى لها إلا داخل مجموعة هي جسمي الذي هو جزء من أناي، فيد لوحدها لا تعوض الأنا، لا تعوض شعوري بالجوع والألم أو الخوف... لا تعوض مجموع تجاربي الحسية أو النفسية.
إن أي عضو وأي عنصر هو جزء من تركيبة، هذه التركيبة لا مثيل لها بالكامل ولا تتكرر. ومجمل القول إن أنا واحد هو تركيبة لانهائية تقريبا من العناصر الممكنة. ولذلك أناي تنطوي تحتها كلمات مثل جسدي وشخصيتي وكل مكوناتي السلبية والإيجابية.
وعندما أقابل أنا آخر تتركب الأمور بشكل آخر، فهناك تشابه بين >أنايين وتشارك في عدة مسائل (لغة، دين، إنسانية، مهنة...) وهناك فروق واختلافات (وزن، شعر، لباس طول...).
وعلاقة الأنا بالآخر تعقد الأمور ويتركب كل أنا في شكل جديد ويبدأ التفكير عن المشترك بين البشر.
تطرح مسألة معرفة الذات لنفسها أو >انعلامها< أو >انعرافها<، إلا أن حياتنا الاجتماعية تغلب الأنا المشترك نظرا لنمطيات وقواعد تثبت نوعا من الأنا الداخلي، الأنا العميق، أو الأقرب الى الأنا إن شئنا، ذلك المكون من مجموعات لا حصر من الانطباعات والأحاسيس الخاصة، فإن اللغة لا تستطيع التعبير عنه كما يجب.
التشبث بالأنا الأناني أو الذات المتفردة، لا يعني اعتبار أناي هي منتهى الحقيقة، إنها على هامش الحقيقة المطلقة، إلا أنها ليست مضادة للحقيقة على كل حال. إنها تبحث عن نفسها، وواقعيتها تكمن في بحثها هذا، إلا أنه ليس غاية الغايات. وكل ما أتمناه لهذه الذات هو ألا تفقد هذا الوعي، أي ألا تفقد ذاتيتها الأولى كحقيقة لا مفر منها. هذه الحقيقة البسيطة المتمثلة في الجواب الذي يقدمه أي واحد منا بعد طرقه أحد الأبواب ويسمع:
ـ من هناك.
ونجيب:
ـ أنا
شعوري البسيط هذا هو أول أناي.
وهذا الشعور يدخلني عالم الوعي، عالم الفكر، عالم الممكن، عالم أنا جديد هو الأنا المفكر.
الأنا المفكر ليس هو أنا الجسد، إذ أحتفظ بفكري في حال العطب والمرض، وليس هو الأنا الاجتماعي لوحده لأن هذا الاخير يحد من فضاءات فكري المتحرر والخاص ويحصرها في المشترك المبني على القوانين والمعايير...
وليس هو الأنا التاريخي المحتاج الى الوثائق والاحداث والذي لا يعترف إلا بالمشاهير (حتى في مجال البشاعة والجنون والتقتيل...).
أنا المفكر يرفض إقصاءه من التفكير كمتوحد، لا يهمه الدخول أو الخروج من أو الى التاريخ، لأن جانبا من الأنا المفكر لم يؤرخ له.
الأنا المفكر يحاول التوفيق بين طرفين: من جهة القوى الهائلة والقاهرة التي تمثل الانتماءات والثوابت والقواعد، ومن جهة أخرى تلك القوة الداخلية المتمردة والمناهضة للتعميم والتنميط.
الأنا المفكر يقبل التفكير في كل شيء لكنه لا يقبل فرض أي شيء على التفكير. الأنا المفكر يفكر أيضا في >النحن< والمشترك ولا يريد الموت في وحدته، يؤمن بالاختلاف وبالأنا الآخر ويفكر في أنواع الاشتراك الممكن. يقبل القانون والاخلاق لكنه يريد أن يكون أنا قانونيا وأنا أخلاقيا.
ذلك أن النحن قد تكون في كثير من الاحيان ضد الأنا، كما أنها في الاحيان لا تفكر، بل تسير على خطى >نحن< الماضي، نحن ميتة.
قد تكون >النحن< مؤدلجة بشكل ينفي الذوات المغايرة (الحروب، الإبادة...) أو أنها تنفي إمكانية التوحد والتفرد (القبلية، القومية، الإثنية...) وهذا ما تقاومه الأنا المفكرة. نقطة اللقاء المفيدة والخطيرة بين كل أنا وأنا، وكل أنا ونحن، هي اللغة. الأنا المفكرة واعية أن أول الحوار الممكن يبدأ من اللغة، وأنا أول الاختلاف وسوء التفاهم منها أيضا، إلا أنه لا مفر من اللغة.
هل يمكن أن أفكر دون >نحن<، دون الآخر الذي يحددنا بمقابلته لنا?
هل يمكننا أن نفكر دون خطاب، دون وجود المتلقي، دون موضوع أو قوالب، دون ترتيب أو مواصفات، أي بدون هدف?..
 
  *تمورو عبد الصمد.....
 "الهوية المركبة: نحو حوار ممكن بين الأنا والنحن والآخر"
*abdelhafid
26 - ديسمبر - 2006
الفلسفة كتكريس للانفصال ..    كن أول من يقيّم
 
ضد الراهن :
الفلسفة كتكريس للانفصال

عبد السلام بنعبد العالي*



ترددت كثيرا قبل اقتراح هذا العنوان الأساس الذي يبدو أنه يضع ما سنتناوله جهة السلب و النفي، إن لم نقل جهة الرفض والعنف. و لعل العنوان الصغير الموضوع تحته كاف لاستبعاد كل هذه الإيحاءات السلبية. فنحن سنتحدث هنا عن الفلسفة كممارسة للانفصال، أو لنقل إننا سنحاول امتداح مفهوم الانفصال. ومن يمتدح الانفصال يهجو الاتصال بطبيعة الحال.أي يهجو سيكولوجيا الاجترار و التكرار، و اجتماعيا الرتابة و الروتين، و ايديلوجيا الدوكسا و بادئ الرأي، و زمانيا التقليد و الماضي الجاثم، و أنطلوجيا التطابق و الوحدة.
على هذا النحو تغدو الفلسفة سعيا وراء إحداث الفجوات في ما يبدو متصلا، و خلق الفراغ في ما يبدو ممتلئا، و زرع الشك في ما يبدو بدهيا، و بعث روح التحديث في ما يعمل تقليدا، و توليد البارادوكس في ما يعمل دوكسا.
الفلسفة اذاً مقاومة تعمل في جبهات متعددة، أي تعمل ضد كل ما من شأنه أن يكرس الامتلاء و التطابق و التقليد.
لن نسهل علينا المهمة ونقول إنها بذلك تعمل ضد الايديولوجيا، باعتبار أن الآلية الإيديولوجية أساسا تقوم على كل هذا. فهي إعادة إنتاج لعلائق الإنتاج، و هي الاسمنت الموحّد للمجتمع، المغلف لتناقضا ته، المقنّع للاختلافات فيه، الباثّ لنوع من الرأي الذي يكبّل التفكير و يخنق كل روح انتقادي. و حتى إن أبى البعض إلا أن يتشبث بهذا الطرح للمسألة و يردنا إلى إشكالية الفلسفة و الايديولوجيا ، فلنلتمس منه التوقف من جديد عند مفهوم الايديولوجيا ذاته لأنه يظهر أنه غدا يعمل في عالمنا بغير الطريقة التي كان يعمل بها فيما سبق.
لا شك أن القارئ يخمن أنني أشير هنا إلى الربط الذي يضعه دوبور في مجتمع الفرجة بين الفرجة و الايديولوجيا، عندما ينتهي إلى القول ب "أن الفرجة هي الايديولوجيا بلا منازع ". ليس في امكاننا أن نفهم هذا الربط، بطبيعة الحال، إن نحن اقتصرنا على المعاني التي أوجزناها قبل قليل عن الآلية الإيديولوجية . ذلك أن هاته الآلية لم تعد اليوم تتمثل لا في قلب الواقع، و لا في تشويهه، و لربما ليس أساسا حتى في تغليف تناقضاته، و إنما أصبحت تتمثل في خلقه. لا نقول إنها تخلق الواقع، وإنما تخلق شيئا من الواقع، تخلق ما يعمل كواقع.Elle crée du réel
عندما نقول إن الفرجة هي الايديولوجيا بلا منازع، فإننا نشير اذاً إلى أنها فن جعل الواقع مفعول ما يصوّر به و ما يقال عنه. إن المنطق المتحكم هنا منطق غريب يمزج بين الحلم و الواقع، و يخلق الواقع الذي يتنبأ به فينبئ عنه. الإيديولوجية هي ما يجعل الأشياء حقيقة بمجرد التأكيد الدائم على أنها كذلك. و الفرجة انفراج و فوهة و ابتعاد. مجتمع الفرجة هو مجتمع يعاش فيه الشيء مبتعدا عن ذاته، مفوضا بديله و صورة عنه. إنها لب لاواقعية المجتمع الواقعي "، لب سريالية الواقع ". هو اذاً واقع يفتقد شيئا من الواقعية، واقع يتلبس الوهم، و يتحول إلى سنيما.
لا عجب اذاً أن تغدو الشاشة اليوم صورة عن الواقع، إن لم تكن هي الواقع ذاته في مباشرته و حيويته و حياته IN LIVE، مع ما يتمخض عن ذلك من تحول لمفهوم الحدث نفسه حيث تصبح الأحداث الجسام وقائع متنوعة تتكرر و تجترّ، مع ما يترتب عنها من تهوين للأهوال، مما يجعل الفرد عاجزا أمامها عن أن يحس الاحساسات التي كان ينبغي أن يحسها، و لا أن يستشعر المشاعر التي كان يلزم أن يستشعرها، ولا أن يرد ردود الأفعال التي كان يتوقع أن يرد بها. فكأن الفرد يفقد حسّ الواقعية، بل حسّ التمييز بين ما ينبغي أن يفعل و ما لا ينبغي، ما يمكن أن يقبل، وما لا يمكن، ما ينبغي أن يقال و ما لا ينبغي، ما يلزم أن يستنكر، و ما لا يلزم، ما يبعث الألم وما لا يبعث، ما يلهب المشاعر, و ما لا...
إن الإعلام لم يعد اليوم يخبرنا عن الواقع، بل أصبح يصهرنا فيه إن صح التعبير. أصبح يحشرنا في الراهن و يغرقنا فيه. أصبح يخبرنا إلى حد التخمة. فعوضا عن أن يجعلنا ندرك الأحداث في بعدها التاريخي و دلالاتها العميقة، صرنا نضيع في جزئياتها، بل إن الأحداث هي التي أصبحت تضيع و تتحلل و تتفتت. لقد غدا الإعلام أداة لتفتيت الواقع، أداة لإذابة الأحداث و تحليلها الكيماوي و تحويلها إلى مركباتها: تحويل الحروب إلى معارك متفرقة، و تحويل المواقف إلى ردود أفعال متقلبة، و الأفكار إلى انطباعات مترددة، والانقلابات إلى سلسلة من الفتن، و الاحتلال إلى محاولات إصلاح، بل تحويل الخبر ذاته إلى سلسلة من العجالات يكذب اللاحق منها السابق.
قد يؤخذ علينا هذا الانزلاق من الحديث عن دور الفلسفة اليوم، إلى الحديث عن مجتمع الفرجة، إلى الايديولوجيا إلى الإعلام. إلا أننا نرد بالسؤال: هل يمكننا اليوم أن نتحدث في الفلسفة و عنها، من غير الحديث عن كل هاته الأمور? ألا تعمل الايديولوجيا اليوم على غير النحو الذي عملت به لحد الآن ? ثم، ألا يشكل الإعلام ، الإعلام بما هو حرب، و الحرب بما هي إعلام Infowar كما كتب فيريليو، ألا يشكل الإعلام غذاءنا اليومي إلى حد أن بامكاننا أن نتكلم اليوم عن توتاليتارية الإعلام ، شريطة أن نعتبر أن التوتاليتارية هي أيضا تعمل في عالمنا على غير النحو الذي عملت به ربما لحدّ الآن. فليس وراءها اليوم نازيّ متشنج، و لا شيوعيّ متعصّب، وإنما وراءها الإعلام بما يولده من أفراد فقدوا القدرة على إدراك حقيقة التجربة الواقعية، أفراد لم يعد في امكانهم أن يستشعروا حقيقة العالم الواقعي، و لا معنى ما يتم فيه، وغدوا عاجزين عن تحديد صحة الخطابات و معناها، و أصبحوا مستعدين لأن يتقبلوا أيّ خطاب حول العالم، إنهم فقدوا القدرة على التّفرقة و التمييز، فقدوا حسّ الانفصال، حسّ الاختلاف، و صاروا يوحّدون و يسوّون بين كل الأمور، يسوون بين الكل، أصبحوا كليانيين.
الفلسفة اذاً، بما هي مواجهة لكل نزعة كليانية هي مواجهة للإعلام، إنها سعي لتجاوز الإعلام كتقنية، و محاولة لاسترجاع تلك القدرة على التمييز، محاولة لإحياء حس الاختلاف و زرع روح الانفصال. إن الفلسفة لا يمكن أن تنسج إلا على أرضية يطبعها الانفصال، أو على الأصح إنها هي التي تقيم ذلك الانفصال.لا يعني ذلك أنها ستبنى على زمان متفتت يتكون من آنات متناثرة. و حتى إن كان و لا بد أن نحافظ هنا على مفهوم الآن فلا ينبغي أن نحدده التحديد الهندسي من حيث هو نقطة التقاء خطين، و إنما أن نعيّنه تعيينا فيزيائيا من حيث هو عملية التقاء سلكي تيار كهربائي. الآن شرارة و انفجار. انه لحظة تصدّع. و اللحظة " ليست هي أصغر جزء من الحاضر، بل إنها تفتّح الحاضر أو تصدّعه". إن الحاضر كلحظة يحدث فجوة في الحال الراهن. اللحظي " هو ما يقوم ضد الراهن، انه قرار التاريخ النقدي الذي ينزل على ثقل الماضي و على ثقل الحاضر" على حد تعبير نيتشه.
من هنا تغدو الفلسفة مقاومة للماضي الجاثم، مقاومة للتقليد لبعث تراث حيّ.إنها انفصال عن الرؤى التي تسعى أن تكلس التراث عندما تسجنه داخل قوالب جاهزة و تحنّطه بفعل تأويلات نهائية منغلقة على ذاتها. هذا ما أجمله البعض في مفهوم القطيعة، و من غير أن نعود من جديد لإحياء الجدال الذي تم حول هاته المسألة، لنكتف هنا بالتساؤل هل تتم القطيعة بشكل كلي، أم أنها حركة لا متناهية تتم في مستوى كل قضية ، بل كل مفهوم? و هنا لا بأس أن ننبه إلى مسألة أساسية و هي أن الطرح التجزيئي لا يعني إحياء لقضايا التراث. ذلك أن قضايا التراث ليست هي قضايانا. و لكن التراث ذاته قضية من قضايانا.إن الأمر لا يتعلق بالحوار مع القدماء، و إنما مع المحدثين بيننا الذين يجرون و يجترون التقليد. فما دام بيننا من يوظف التراث دون أن ينفصل عنه، فنحن مضطرون إلى انتقاد موقفه و فضح أولياته. ذلك أن المعاصرة تعني أن يعيش الإنسان عصره. و العصر، على حد تعبير هايدغر، هو علاقة متفجرة للماضي بالمستقبل. فبدلا من أن يكون الماضي موجها للمستقبل، يغدو المستقبل ذاته منيرا للماضي على حد تعبير نيتشه.
و لا بأس أن نسوق هنا ما قالته حنة آرندت عن هايدغر من أنه لم يتمكن من أن يكتشف الماضي من جديد إلا لكونه قد تمكن من قطع الحبل الذي يشده إلى التقليد. قطع الحبل كما نعلم، مثل قطع حبل ا لسرة لا يعني انفصالا مطلقا و إنما العملية التي يتم عن طريقها ربط الوليد بأمه من جديد، انه العملية التي يرتبط بها الوليد بأمه عن طريق الانفصال، انه العملية التي بها يصبح الفكر فكرا حيا و يتمكن من استنطاق الكنوز الثقافية للماضي. هنا يغدو التحديث شرطا لكل تأصيل حقيقي. فما كل تعلق بالماضي حوار مع التراث. و ما كل ماض تراث. ذلك أن الماضي لا يغدو تراثا إلا عندما يورث، و هو لا يورث إلا عندما يُتملك، و لا يُتملك إلا عندما يغدو ذاتا، و لا يغدو ذاتا إلا عندما يصبح آخر.
نحن اذاً أمام ماض لا يمكن إلا أن يصبح حاضرا. و لكنه لن يكون كذلك إذا غدا حضوره ثقيلا جاثما مكبّلا لكل حركة، قاضيا على الزمان. إن الحضور لا يكون كذلك إلا إذا تخلله الزّمان، و لن يتخلله الزمان إلا إذا غدا حركة، و لن يكون حركة إلا إذا كان انفصالا و فراغات و قطيعة.
هذا هو الشكل الممكن للتملك الفعلي للتراث، و هو لا يعني إطلاقا إهمالا أو عدم اكتراث، لكنه لا يعني كذلك ذوبانا في الماضي و إنما زرعا لروح الانفصال و روح التحديث.
ذلك أن الحداثة ليست مجرد وقوف عند، مجرد إثبات للتحولات الكبرى في مختلف المجالات بهدف نقلها و استنساخها، و هي ليست بالأولى حقبة زمنية، إنها ليست فترة تمتد بين تاريخين، وإنما هي عصر. أي علاقة متفجرة للماضي بالمستقبل. فعند كل عصر ينكشف عالم من العوالم، أي تنكشف بالنسبة لإنسان ذلك العالم علاقة جديدة للماضي بالمستقبل.الحداثة اذاً شكل من العلاقة المتوترة مع الراهن، و اختيار واع، و نمط من التفكير و الإحساس، و طريقة في السلوك و الاستجابة تظهر كمهمة ينبغي الاضطلاع بها. إنها وعي بأن الكائن تحول. إنها إثبات للانفصال، ووعي بالحركة المتقطعة للزمن، إنها اللحظة التي يصبح فيها الانفصال من صميم الوجود و يغدو نسيج الكائن و لحمته.
إن الحداثة لا تقابل ما قبلها و لا ما بعدها، وإنما تقابل ما ليس إياها، أي تقابل التقليد. و ليس التقليد هنا منظومة بعينها من القيم، ليس التقليد أفكارا بعينها، وإنما هو موقف، و هوا لموقف المضاد للتحديث، أي الموقف الذي يغدو فيه الاتصال لحمة الكائن، و يرتبط فيه طرح القضايا الكبرى بتقصي الاستمرار و الدوام، دوام الخصائص التي تميّز، و السمات التي تطبع، و الحقائق التي تعتنق، دوام اللغة التي نتكلمها، و العادات التي نألفها، و العبارات التي نلوكها، و الآراء التي نتداو لها، و العمارة التي نقطنها. معنى ذلك أن التحديث لا يمكن أن يكون إلا حركة دءوبة تطرح منطق الاتصال هذا موضع تساؤل، و تفسح للتفردات فرصة الظهور، و تجعل من الخصوصية حركة لامتناهية للضم و التباعد، و من الآخر مجالا مفتوحا للانفصال و الالتقاء.
إن التحديث، شأنه شأن التأصيل، لا يتمثل في مفاهيم و مضامين بقدر ما يتمثل في عمليات الانفصال ذاتها. لا يتمثل في الأهداف المرسومة، و إنما في المسالك المقطوعة. ليس التحديث خصائص مستنسخة، و إنما دروبا مقطوعة. و ربما كانت عمليات الانفصال التي تحدثنا عنها تتمثل أساسا في قطع تلك الدروب. و على ذكر الدروب، لنتذكر قولة صاحب الدروب التي لا تؤدي إلى مكان :" عندما يستحث شيء ما الفكر، فان هذا يتوجه نحوه و يلاحقه، لكن قد يتأتى له أن يتحول و هو في طريقه اليه."
و بعد...
ها نحن نرى أن الضدية ضد الراهن لا تغدو، إن تجاوزنا المفهوم الميتافيزيقي عن الزمان، ضدية موجهة ضد الحاضر ( إذ أن الراهن ليس هو الحاضر)، وإنما هي ضدية موجهة نحو الماضي، أو على الأصح نحو الأشكال التي يستعاد بها الماضي قصد فتحها على آفاق جديدة، و عدم سجنها ضمن صورة متجمدة منغلقة، تجعل منها تقليدا جامدا ميتا. و هي ضدية موجهة نحو المستقبل لفتح آفاقه المتعددة و عدم سجنه ضمن مخططات و تصاميم رياضية، لكنها أساسا ضدية موجهة نحو الحاضر، نحو الحضور، ليس كنمط للزمان، و إنما كميتافيزيقا و تقنية.



* أكاديمي من المغرب
* المقال مدرج بموقع مجلة ثقافات:
http://www.thaqafat.uob.bh
*abdelhafid
31 - يناير - 2007
سراجي لايزهر بين الشموس    كن أول من يقيّم
 
الأستاذ يحيى رفاعي :
لله أبوك ,فقد نديت أكبادا وأقررت عيونا
ولله درك على هذا النفث الغزير ,وعلى هذا  الغور البعيد ,والأفق الواسع.
 
ولنا عودة إن يسر الله
خالد العطاف
2 - فبراير - 2007
الأخ خالد..    كن أول من يقيّم
 
شكرا جزيلا لك أخي الكريم خالد, وعفوا لتأخري في التعليق, في الواقع, وبمنتهى الصدق, ودون ادعاء أجوف بالتواضع, أنا على يقين من أنني لا أستحق أن ينسب إلى شيئا مما ذكرت.
*يحيي رفاعي سرور
16 - مارس - 2007
السراج لايزهر وإنما يزدهر    كن أول من يقيّم
 
هذا خطأ إملائي وقعنا فيه .
 
 
وبالنسبة لأخي الكريم يحيى فله مايريد ,ومن يعرفني يعلم أني  أبعد الناس عن التملق والمجاملة ولكني رأيت شخصا أفادني ,ولاطريق لشكره إلا هكذا ,وهذه المرة قلنا شموس بالجمع تقديرا لكل الآراء النيرة هنا كالتي ذكرها الأستاذ سعيد وغيره ,على الرغم من أن طبيعة الحوار في هذه المجالس غريبة حيث أن الموضوع يخرج عن مساره دائما لكن لابأس ,إذا كان مؤداه إستخراج الآراء المستكنة  في العقول .
وفي الحقيقة أن لدي ماأقوله حول هذا الموضوع ولكني على عداء مع الشبكة الدولية ,ودائما ما أسلقها بألسنة حداد في المجالس ,لأسباب كثيرة ثقافية واجتماعية ,لكن لعلي أتمكن من تسطير بعض مايستحق أن يكتب هنا خصوصا وأن الأمر متعلق بنا أشد التعلق في المجتمع العربي السعودي ,واحتدام السجال الثقافي إلى غاية الإحتقان ,والله ولي التوفيق .
خالد العطاف
19 - مارس - 2007
أكبر عملية تزوير وتلفيق تاريخية    كن أول من يقيّم
 
النص الديني والواقع
GMT 13:00:00 2007 الثلائاء 3 أبريل
باسم النبريص

مشكلة النص الديني، أي نص ديني، أنه متعالٍ على الواقع. أي يقع بالضرورة خارج الشرط البشري. فإذا جاء بشرٌ وجعلوه مرجعاً أوحدَ لهم، في كل شؤون الحياة، الصغيرة منها والكبيرة، السياسي منها والاجتماعي وحتى الاقتصادي، تكون حينها الطامةُ، والطامةُ الكبرى لا غير.
فبما أنّ هذا النص، بطبيعته، غير مُحايثٍ لنا، فإنه سيبقى طوبى ومِثالاً. ومن يؤمن بهما : الطوبى والمثال، ويحاول فرضهما قسراً على الواقع، سيتعذّب طويلاً، وسيُعذّبُ من حوله طويلاً، قبل أن يفهم استحالة تحويل الواقع إلى مثالٍ، والطوبى إلى واقع تاريخي.
إنّ مشكلة النص الديني أنه لا زمني، فيما نحن زمنيون. لذلك، أفضل لنا أن نغترب عن هذا النص، ولا نغترب عن واقعنا وتاريخنا _ إن كان لا بد من الخيار والاختيار، وإن كان لا بد من حتمية " إمّا.. أو ". بيد أنّ الأمر ليس كذلك، ولم يكن كذلك دائماً. فثمة خيار ثالث هو الأسلم والأحكم : أن نتعامل مع النص الديني، كحاجة إيمانية لا سياسية. حاجة تلبي النزوع الإنساني، منذ استوطن الإنسان هذا الكوكب الجميل، وشعر بخوفه من المخفي والمجهول. حينها يكون النص الديني، الأرضي منه والسماوي، مجلبة لبعض العزاء أو كله، في رحلة البشر التاريخيين نحو موتهم [ موتهم الذي يعونه، هم وحدهم دوناً عن كل الكائنات الأخرى، والذي يبدأ ما إن تخرج من أفواههم صرخةُ الميلاد الأولى ]
ومع أنّ الكلام أعلاه صار في عداد البديهيات عند معظم شعوب الكوكب، إلا أنه ما يزال غريباً على أسماعنا وأفهامنا، نحن العرب والمسلمين المعاصرين، في العموم.
هم هناك فهموا وظيفة النص الديني، كحاجة وجودية لهم. وتعاملوا معه من هذا المنطلق. تاركين شؤون الحياة للعقل وللاجتهاد العقلي. طبعاً لم يصلوا إلى هذا النوع من الفهم ببساطة ويسر، بل حدث العكس تماماً : احتاجت أوروبا، على سبيل المثال، إلى قرون من الأهوال، لتعرف أنه أكرم لبشرها، وأكرم لدينها المسيحي، أن يُفصل الدين عن السياسة. احترماً للدين وإنجاحاً للسياسة معاً. أما نحن هنا فلم نفهم تجربة أوربا، ورفضناها، مصرين على تدخّل الدين في كل تفصيل من تفاصيل الحياة، وعلى عدم الفصل بينهما. فالإسلام لدينا، وحسب تأويلنا، هو دين ودولة، لا دين فقط. يقول بذلك الإخوان المسلمون، كأعرض تيار سياسي عربي، ويقول به سواهم أيضاً. فما الذي سيحدث ? ماذا سيحدث لو وصل هؤلاء إلى سدة الحكم ? سيكررون على الأرجح، تجارب غيرهم من الشعوب. وسنقع في أهوال ربما لا يتصور مقدار رعبها أحد.
وهذا الكلام ليس نظرياً فحسب، بل هو مجرّب عندنا، في غير بلد عربي وإسلامي. وأخيراً نحن جرّبناه ها هنا في فلسطين. فحين فازت حركة الإخوان المسلمون في بلادنا، حاول بعض رموزها أسلمة السياسة والاجتماع والفكر والاقتصاد [ بل وصل بهم الشطط أخيراً إلى الفلكلور ! ] لكنهم فشلوا وخاب مسعاهم، لألف سبب وسبب. بيد أنهم لم يسكتوا، وحاولوا أسلمة الوزارات التي أخذوها، بتحبيذ أن تلبس الموظفات غير المتحجبات الحجاب، توطئة للبس النقاب في المستقبل، حين يُمكّن لهم. ولم يحرزوا ههنا أيضاً كبير نجاح، ذلك أنّ المجتمع الفلسطيني برمته، كان قد سبقهم إلى لبس الحجاب والنقاب.
الأهم من كل هذا، هو أنّ حماس، بتسييسها للدين، جلبت لنا حصاراً سياسياً واقتصادياً فادحاً، كان يمكن لها ألا تجلبه، لو تعاملت بحنكة السياسي الدنيوي لا الديني المسيّس. لكن أنى لحماس ألا تفعل ما فعلته، وهي المؤمنة بعدم جواز فصل الدين عن السياسة ?
إنّ مشكلة المتأسلمين الحاليين، أنهم جعلوا من النص الديني أيديولوجيا.
وراحوا، في أكبر عملية تزوير وتلفيق تاريخية، يفتشون عن الماضي، لإعادة إحيائه وتلبيسه على جسد الحاضر.
 لقد أدلجوا المقدس، وأنزلوه لكي يحاكم كل تصرف وسلوك ورأي على الأرض. بينما الحياة على الأرض، وفي عالمنا الثالث بالذات، لا تحتمل هذا النوع من التحويل الكارثي.
 فما بالك ببلادٍ تعيش ما زالت تحت احتلال ?
 
إنّ لدينا ألف مشكلة ومشكلة. وآخر شيء نحتاجه هو تحويل الدين إلى أيدولوجيا. فالدين حين يؤدلَج، يثقل حامله بالاغتراب والاستلاب، فلا يعود هذا الحامل البشري سوياً، ولا يعود قادراً ولا مهيئاً لقراءة وفهم مجريات وتعقيدات الحياة والدنيا من حوله.
إنه فقط يدخل زمن العماء. يضيع في صغائر الأمور، ولا يهتم بكبائرها.
فعقله دخلَ القالب الإسمنتي، وهيهات له من خروج !
أي حدث معه ما يحدث غالباً مع كل من يعتنق أيدولوجيا، سيان كانت دينية أو دنيوية، فلا يعود يرى إلا من خلال عينها العوراء، وفي أحايين كثيرة : العمياء.
النص الديني مغترب بطبيعته عن الواقع. وحامل النص الديني مغترب عن الواقع بالنتيجة والضرورة. فهل هذا هو حقاً ما تحتاجه شعوبنا الرازحة في التخلف والعطالة منذ دهور?
هل هذا هو حقاً ما نحتاج، نحن الجوعى والغرقى والعائشين حياتنا عالّة على غيرنا من الشعوب ?
إننا مرضى هذا العالم. وبدل البحث عن علاج، يذهب بعضنا إلى مزيد من المرض، فيُسيّس الدين، ويجعله أدلوجة له ولغيره من الناس. وكأنّ في ذلك، يكمن الحلّ. مع أننا نعرف، ومن خلال التجربة والبرهان، أنّ في ذلك تكمن فقط المشكلة.
لذا لن نمل ولن نتراجع، ولو قلناها وقالها غيرنا للمرة المليون لا الألف، بأنه يجب فصل الدين عن الدولة : فصل المقدس عن الدنيوي. وعدم الخلط والتخليط بينهما. ففي ذلك مصيبتنا وبلوانا. ويكفينا ما فينا من المصائب والبلايا.
ولكي نبدأ في هذه المهمة التاريخية، الأصعب والأوعر، لا بد من إشاعة ثقافة التنوير، وتعزيز تيارات العقلانية في المجتمع المدني. بحضّ الناس على التفتيش في حاضرهم ومستقبلهم لا العكس. فالماضي مضى وانقضى، ولا جدوى من إعادة إحيائه وتلبيسه على جسد الحاضر. فليست هذه العملية سوى ضرب من التزوير والتلفيق.
 
من هنا نبدأ : فصل المقدس عن الأرضي. ومحاولة إفهام الناس أنّ عملية الفصل هذه، بالتوازي مع عمليات أخرى، هي لتحقيق مصالحهم الحيوية، أولاً وأخيراً.
أجل : إنّ مطلب الفصل هذا ضروري ضرورة الأكسجين للحياة.
ضروري لعرب اليوم، أكثر من أي وقت مضى.
وإلا فالمزيد من المرض : المزيد من السواد : المزيد من الموات، وصولاً ربما إلى الموت الجماعي عينه وذاته 0
 
                                     موقع إيلاف
*عبدالرؤوف النويهى
5 - أبريل - 2007
الأفغان العرب..وهلم شرا .    كن أول من يقيّم
 
ترتبط الجماعة الإسلامية بتيار ?الأفغان العرب?، وقد كان من وراء تأسيسها مجموعة من ?الأفغان المصريين? إضافة إلى إسلاميين قدامى كانوا أعضاء في تنظيم الجهاد? وقد تشبع هؤلاء بقراءة محددة لأفكار سيد قطب.. أنجزها عبد السلام فرج في كتابه.. ?الفريضة الغائبة? .. إضافة إلى كتابات أيمن الظواهري الرافضة لتيار الإسلام المعتدل في صيغته ?الإخوانية?، والتي عبرت عن نفسها بشكل جلي في كتابه ?الحصار المر?. لقد وضعت ?الجماعة الإسلامية? من بين أهدافها إسقاط النظام الطاغوتي? من خلال مواجهته اعتمادا على استراتيجية حدد معالمها أيمن الظواهري والمتمثلة في إلحاق شلل بالنظام من داخله اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وفي هذا الإطار كان استهداف السياح الأجانب جزءا من هذه الاستراتيجية، نحن إذن أمام ?جماعة? آمنت بالعنف ومارسته في الواقع، ومن اللافت للنظر أن أعضاء الجماعة الإسلامية المصرية دافعوا عن تصوراتهم الداعية إلى العنف أمام القضاء خلال محاكمتهم، وظل شيوخهم من داخل السجون يصدرون الفتوى تلو الأخرى لإضفاء طابع ?شرعي? على العنف الممارس في مواجهة الدولة المصرية ومؤسساتها. إن ?المراجعات الفكرية? التي مارسها أعضاء الجماعة الإسلامية? كانت نتاج مخاض طويل أفضى إلى ممارسة ?نقذ ذاتي? كان يروم القطع مع أسلوب معين في تكييف الواقع استنادا إلى قراءة ?حرفية? للنصوص الدينية، هذا التحول في مواقف ?الــجماعة الإسلامية? المصرية أرادت السلطات المصرية أن تقطف ثماره بدعوى أنه نتاج مبادرة ?رسمية? تـــــعتمد مقاربة جـــديدة مرتكزة على الحوار عوض المقاربة ?الأمنية? التي كانت عرضة للانتقاد من قبل الجميع. هناك إذن مشروعية للحديث عن ?مراجعات فكرية? في الحالة المصرية، مادامت أن ?الجماعة الإسلامية? قد مارست العنف وبررته دينيا ثم عادت لتدينه وبمبررات دينية. ينطبق هذا الوضع على ما تعيشه المملكة العربية السعودية، فشيوخ السلفية الجهادية هناك أصلوا مشروعية اللجوء إلى العنف في مواجهة النظام الكافر والمجتمع المرتد، ودافعوا عن ?معتقداتهم? أمام القضاء وداخل السجون، والتي كانوا يصدرون منها ?فتاوى لمباركة أعمال العنف التي كان يمارسها أتباعهم، وقد تبرأ بعضهم من أفكاره وراجع نفسه وأعلن خطأ اجتهاداته. في الحالتين المصرية والسعودية، مارست جماعات الغلو الديني مراجعات فكرية طالت ثلاث قضايا أساسية. تتعلق القضية الأولى بالموقف من العنف وجماعات الغلو الديني وإن تباينت ارتباطاتها التنظيمية واختلفت إنتماءاتها الإيديولوجية، فهي تشترك في الإيمان بالعنف وضرورة ممارسته تحت مختلف المسميات: جهاد، قتال.. إلخ. وكل ?المراجعات الفكرية? انطلقت من هذه النقطة : رفض العنف وإدانة ممارسته. ترتبط القضية الثانية بمسألة الولاء والبراء، فجماعات الغلو الديني تشترك في تقليص دائرة الولاء وتوسيع دائرة البراء، وهنا يكمن سبب اتهام هذه الجماعات بكونها تكفيرية. وقد انصبت المراجعات الفكرية، أيضا على إعادة النظر في حدود دائرتي الولاء والبراء. تعود القضية الثالثة إلى تحديد وظيفة الفاعل الديني فجماعات الغلو الديني تقدم نفسها كهيئات وصية على مجتمع تعتبره ?قاصرا? من الناحية الدينية وينبغي الحجر عليه إلى أن يصل مرحلة الرشد، ومرحلة رشد المجتمع بالنسبة لهذه الجماعات تتحقق عندما يتبنى هذا المجتمع أفكارها ويتماهى مع أطروحاتها ولو قسرا. إن هذا ?الوضع? واجهه المرشد الثاني بجماعة الإخوان المسلمين من داخل السجن عندما اصطدم بمجموعة من المغالين في الدين والمتشبعين بأفكار ?سيد قطب?، حيث اضطر ردا عليهم إلى إصدار كتابه ?دعاة لا قضاة? وفي هذا الإطار فإن المراجعات الفكرية انصبت كذلك على إعادة النظر في وظيفة الفاعل الديني، بحيث أصبح ينظر إلى نفسه كداعية يدعو إلى الدين في إطار القانون وليس قاضيا يصدر الأحكام في حق المخالفين لآرائه وتوجهاته. تأسيسا على ما سبق نتساءل : هل هناك مشروعية للحديث عن ?مراجعات فكرية? تقوم بها المجموعات المعتقلة في إطار ?السلفية الجهادية? داخل السجون المغربية?? فكما سبق الإشارة ، فإن أغلب المعتقلين قد تبرؤوا من العنف وأدانوا من يمارسه سواء أمام القضاء أثناء محاكماتهم أو عبر ما كتبوه من داخل السجون، فكيف إذن يطلب من هؤلاء المعتقلين القيام بمراجعات فكرية في اللحظة التي يطالبون هم من يطالبهم بالمراجعة بمراجعة مواقفهم منهم? د. محمد ظريف أستاذ باحث في الحركات الإسلامية
*abdelhafid
5 - أبريل - 2007
اغتيال مثقف عربى 000 (خطاب المرأةالنهضوى فى مواجهة التحديات)    كن أول من يقيّم
 
خطاب المرأة النهضوي في مواجهة التحديات
 
 
د/ نصر حامد أبوزيد
مشكلة خطاب النهضة للمرأة أنه خطاب سجالي ينتج مفاهيمه وعينه على مفاهيم نقيضه السلفي، وخاصة حين يكون الخطاب السلفي هو الخطاب السائد والمهيمن. هذا بالإضافة إلى أن خطاب النهضة بشكل عام خطاب غلب عليه طابع الانتقاء والتلفيق بصفة عامة. وهو طابع يوقعه في حبائل أطروحات الخطاب النقيض. وفيما يتصل بقضية المرأة لا نجد خلافاً جذرياً في التسليم بالفروق النوعية بين الرجل والمرأة، وبالتسليم بما يترتب على تلك الفروق من نتائج بين الخطابين. يقول العقاد مثلاً ـ وهو هنا يتحول إلى شاهد في نسق الخطاب الديني: "إن المراة لها تكوين عاطفي خاص، لا يشبه تكوين الرجل لأن ملازمة الطفل الوليد تستدعي شيئاً كثيراً من التناسب بين مزاجها ومزاجه، وبين فهمها وفهمه، وبين مدارج جسمها وعطفها ومدارج جسمه وعطفه. وذلك أصول اللب الأنثوي الذي يجعل المرأة سريعة الانقياد للحس والاستجابة للعاطفة. فيصعب عليها ما يسهل على الرجل من تحكم العقل، وتغلب الرأي وصلابة العزيمة. وهذا التكوين يساعد المرأة على أداء وظيفتها".
مشكلة مثل هذا الخطاب أنه ينطلق من خصائص مكتسبة سببها الانحباس داخل جدران البيت وملازمة الطفل. لكنه يحول تلك الخصائص المكتسبة إلى جبلّة ثابتة راسخة هي "لب" التكوين الأنثوي. والأخطر من ذلك أن تتحول هذه الخصائص للنفسية المكتسبة إلى صفات عقلية راسخة غير قابلة للتعديل. فتنحبس المرأة في سجن "العاطفية" وينطلق الرجل في آفاق العقل والرأي. لكن علينا على كل حال أن نضع خطاب العقاد في سياق "ارتداد" خطاب النهضة ذاته، وانتقاله من مرحلة الفتوة والنضارة إلى مرحلة الخفوت والاحتضار. هذا بالإضافة إلى ظاهرة ازدواج المثقف العربي بشكل عام فيما يتعلق بفهمه لقضية المرأة، إذ ارتهنت الدعوة إلى تحريرها لطابع نفعي مرتبط بحاجة المثقف إلى امرأة متعلمة تشاركه الحياة.
وقد كان متوقعاً من زكي نجيب محمد بعقلانيته الوضعية ـ خاصة وهو يعي الردة في عالم المرأة ـ أن يكون أكثر راديكالية في فهمه للفروق النوعية بين الرجل والمرأة. لكن خطاب زكي نجيب محمود قدّم في الحقيقة لنقيضه السلفي فرصة للنيل منه، بل ولاغتياله من جانبين: الجانب الأول، جانب النصوص الدينية، وهو الجانب الذي تجنب زكي نجيب محمود الخوض فيه دون أن يحرص على استبعاده من مجال النقاش.
وإذا كان زكي نجيب محمود بذلك الإقرار والإعلان قد كرّس مرجعية النصوص الدينية، فإنه قد منح بذلك خصمه سلاحاً فتاكاً للنيل منه. هذا هو الجانب الأول. والجانب الثاني الذي مكّن للخصم من اغتيال خطاب زكي نجيب محمود إقراره لا بالفروق النوعية بين الرجل والمرأة فقط، بل وتسليمه بالنتائج المترتبة على هذه الفروق اجتماعياً وثقافياً ونفسياً. يقول زكي نجيب محمود: "الفروق الظاهرة بين الجنسين ثلاثة: أولها: فروق في شخصيات الأفراد، من حيث هم أفراد، ثانيها: فروق في أساليب التعامل مع المجتمع، ثالثها: فروق في موقف كل من الجنسين في العمل على استمرارية الحياة". ثم يقول ـ ويوافقه الخطاب السلفي على ذلك تماماً ـ "وإذا نحن بدأنا المقارنة بين الجنسين من النقطة الثالثة الخاصة باستمرارية الحياة الإنسانية، وقعنا على اختلاف بينهما. وقد يكون هو المصدر الرئيسي، أو أحد المصادر الرئيسية التي منها يترع سائر ما قد نراه بين الرجل والمرأة من أوجه التباين. وذلك أن للمرأة دوراً في جانب تلك الاستمرارية، لا يقاس إليه دور الرجل.
فمن هذه النقطة الأولية تنبثق أهم خصائص المرأة: فرداً وعضواً في المجتمع، لأنها نقطة تحتم عليها أن تميل إلى الحياة الآمنة لتوفر للأبناء مناخاً صالحاً يتربون في أمنه، حتى يبلغوا النضج. ولا كذلك الرجل، لأنه بحكم ضرورة أن يهيئ مقومات الحياة لهؤلاء الأبناء، قد يضطر إلى المغامرة، بل إلى القتال، مما ينتهي بالرجل والمرأة إلى مزاجين مختلفين في الأساس. المرأة تبسط جناحها في هدوء على ما هو موجود ليظل موجوداً، والرجل يصفق بجناحه ليطير. إن استقرار الحياة هو أساساً من صنع المرأة، والثورة على الحياة لتغييرها هي أساساً من صنع الرجل، ومن هنا تولدت فروق نوعية كثيرة في حياة كل منهما، ومن حيث هما فردان في حياة اجتماعية. والمرأة في الحب أصدق وأعقل وأذكى، والرجل في الكفاح أقوى وأشجع".
وما أسهل على الخطاب السلفي، وقد تحولت الفروق البيولوجية النوعية إلى فروق نفسية وعقلية وفكرية، أن يضغط على تناقضات خطاب زكي نجيب محمود. "كيف لا يتفوق أحدهما على الآخر، وقد قدرت ذلك بنفسك، وأيضاً: أليس العمل أحد توابع هذه الفروق، ... ألست تؤسس العمل على الحياة العقلية المشتركة بينهما لا على الحياة البدنية، وفي نفس الوقت تلومها على بعدها عن العمل المهني بصفة خاصة. أليس في ذلك التناقض والمغالطات خاصة إذا كتبها قلم فيلسوف وأستاذ، لا قلم تلميذ في السنوات الأولى بالجامعة?!". ثم يرد الخطاب السلفي تلك الفروق كلها إلى أصل الفطرة والخلق الإلهي، نافياً عنها أي احتمال لكونها صفات مكتسبة: "أليست هذه الفروق بينهما هي من صنع خالقها?!".
وإذ تقررت النتائج المنطقية الصورية لتأكيد الفروق النوعية البيولوجية بين الرجل والمرأة، وإذ تم توصيف هذه الفروق بوصفها فروقاً جوهرية راسخة غير مكتسبة، وإذ صارت فروقاً في أصل الخلقة، يصبح الاعتراض على عودة المرأة للبيت، والاعتراض على ارتدادها عن المشاركة في الحياة بالعمل على الأقل من قبيل "اعتراض الصنعة على صانعها، واعتراض المخلوق على خالقه، هذا فوق كونه مؤدياً إلى عرقلة استمرارية الحياة وفساد الكون، وظلم أحد الفرعين ـ المرء والمرأة ـ وظلم أحدهما ظلم لهما، فإنه اعتراض على الله سبحانه وتعالى مؤد إلى الكفر به، والعياذ بالله تعالى، فهل نقبل توزيعه للمسؤوليات بينهما. أو نعترض، ونوزع فنكفر، أو نطلب والعياذ بالله تعالى".
وإذا كانت حرية التعليم لا يمكن إنكارها، ولا يمكن إدخالها ـ مثل العلم ـ في دائرة "الضرورات" وذلك لتوافر النصوص الدينية التي تحض على التعليم وتجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، فإن الضوابط الحاكمة لتلك الحرية تدور كلها في إطار الاحتجاب عن الرجل وعدم الاختلاط معه: "أول هذه الضوابط (منع الاختلاط) بأي صورة وفي أي مرحلة، وتحت أي ظرف، فمضار الاختلاط لا يماري فيها إلا مكابر ذو غرض غير شريف وقصد سيئ، وثاني هذه الشروط (زي المرأة) الذي يحفظ كرامتها ويصون عفتها، بحيث يستر البدن كله ما عدا الوجه والكفين، على ألاّ يصف مفاتن الجسد ولا يشف عنها تحقيقاً لأمر الله تعالى ... وما ورد في القرآن الكريم بما لا يدع مجالاً لاجتهاد أحد".
ولا شك أن الاعتراف بحق المرأة في التعليم، هو الحق الذي توافرت فيه النصوص الدينية المقِرَّة، لا يريح الخطاب الديني تماماً وذلك لارتباط التعليم بالعمل. وما دام حق العمل يدخل في إطار "الضرورات" ـ من منظور الخطاب الديني ـ فقد كان من الضروري وضع الضوابط الكابحة لعملية التعلم ذاتها حتى تدخل في إطار تعلم الضروريات اللازمة للقيام بالدور، دور المرأة كما حدده الخطاب الديني في الأمومة والتربية والحفاظ على الأسرة ورعاية الزوج. من هنا يقول حسن البنا: إنه من الضروري "تعديل مناهج التعليم نفسها بما يتلاءم مع طبيعة المرأة، وخاصة في المراحل الأولى، على أنه يجب أن نفرق بين ثقافة المرأة وثقافة الرجل تفرقة غير متهمة، ولو عند التبحر والتخصص في بعض العلوم، فذلك أجدى وأنفع".
ويواصل أتباعه الحديث عن ضوابط التعليم بالنسبة للمرأة فيفرقون بين ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية في تعليم المرأة. والمقصود بمصطلح "فرض عين" في الفقه الفرض الذي يتوجب القيام به على كل الأفراد دون إعفاء أحد منهم، إذاً المسؤولية في فروض العين مسؤولية فردية بحتة، أما "فرض الكفاية" فهو الواجب الذي يلزم أن يقوم به بعض أفراد المجتمع، أي أنه ليس فرضاَ عينياً على كل الأفراد، بل هو أقرب للواجب الاجتماعي. لكن هذا الفرض إذا لم يقم به بعض الناس تصبح المسؤولية الأخروية فيه مسؤولية جميع الأفراد. ومعنى تلك التفرقة في الحديث عن تعليم المرأة أن هناك نوعين من التعليم: تعليماً يجب أن تتلقاه كل امرأة، وهو التعليم الخاص بكيفية ممارستها للعبادات والواجبات الدينية الشرعية الشخصية، وهذا هو فرض العين، وسنلاحظ على الفور أن هذا النوع الثاني من التعليم ـ فرض الكفاية ـ يتعلق بواجبات الزوجة والأم، أي أنه تعليم يرتبط بالدور المحدد لها داخل البيت، أو يتعلق بالحرص على منع الاختلاط بين الرجال والنساء، كأن تتعلم المرأة الطب، وخاصة طب الطفولة وطب أمراض النساء. "وقد قال الفقهاء إن ما تتعلمه المرأة نوعان:
1 ـ فرض عين: وهو الذي تصح به عبادتها وعقيدتها وسلوكها وتحسن به تدبير منزلها وتربية أولادها.
2 ـ فرض كفاية: وهو ما تحتاج إليه الأمة، ونحن الآن في حاجة إلى طبيبات للأمراض النسائية والطفولة يكفين حاجة المجتمع، وهكذا تدعو الحاجة إلى مدرسات للبنات في مدارسهن وممرضات للنساء. أما إذا لم تكن ضرورات تفرض على الأمة إعداد النساء لثقافة معينة، فإن المسلمة تعرف أن ثقافتها يجب أن تتجه إلى ما يخدم وظيفتها الطبيعية، وهي رعاية البيت من طهور وحياكة وحضانة وعلم التغذية، ومبادئ الصحة العامة والوقائية، ودراسة علم نفس الطفل".
 
 
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
28 - أبريل - 2007
الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (1)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قضية التجديد فى الإسلام ...قضية وجود . هكذا أطلقها صريحة مدوية المفكر العربى الكبيرالدكتور / محمد جابر الأنصارى .
وقضية التجديد هى مسألة حياة أو موت ،بها نكون أو لانكون .
وسبق لى  أن أثرت موضوع التجديد ،ولإيمانى المطلق بقدرة هذه الأمة  على تجاوز الأزمات وعبور الهزائم وتحدى المستحيل ،فإن السبيل الوحيد هو التجديد .
وفى دراسة الدكتور/ نصر حامد أبو زيد ،ولا أخفى  تقديرى الجم له ولكتاباته سواء اتفقت معه أو اختلفت ،يظل تقديرى له كصاحب فكر وباحث مستنير ،موصولاً ومتزايداً.
وفى هذه الدراسة (الإستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد) ،يصبح فكر (أبو زيد) مشغولاً بالنقد القاسى لتجار الدين وكهانه الأفاضل ،ولايكتفى أبو زيد بالنقد بل يدعو إلى التجديد والحاجة الماسة إليه ،متفقاً مع الدكتور/ الأنصارى ،على أن قضية التجديد هى قضية وجود،وأزعم أننى قرأتُ هذه الدراسة القيمة ،وكأننى كاتبها وليس فقط مجرد قارىء لها.
                  ************
 
          الاستخدام النفعى للدين
             والحاجة للتجديد
 
      الدكتور/نصر حامد أبو زيد
 
ينطلق كاتب هذا المقال من موقف واضح وصريح فحواه أن ما يطلق عليه اسم?'? الصحوة الإسلامية?'? في العالم الإسلامي عموما?,? وفي العالم العربي علي وجه الخصوص?,? ليس إلا تعبيرا عن أزمة تاريخية اجتماعية سياسية ثقافية بدأت ملامحها في التبلور في الربع الأول من القرن العشرين?,? وتحديدا مع أزمة?'? الخلافة?'? بعد قرار الكماليين بإلغائها?.? قبل ذلك بوقت قليل كانت الثورة المصرية ضد الاحتلال ثورة  ?1919 -? تتوج انتصارها بتدشين دستور?1923? بعد نقاش حول مإذا كان من المفيد النص علي?'? أن دين الدولة الإسلام?'.? انتهي النقاش إلي أنه?'? لا ضرر?'? من هذه المادة?.? لكن أزمة الخلافة وما تبعها من جدل بين المؤيدين لإلغائها علي أساس أنها كانت مجرد نظام تاريخي اختاره العرب?,? ومن حقهم الآن أن يختاورا مايشاءون من أنظمة?(? علي عبد الرازق?)? وبين هؤلاء الذين رأوا في إلغائها جريمة دينية تعود بالمسلمين إلي?'? الجاهلية?'? إذا لم يسارعوا بإعادة إقامتها?(? رشيد رضا?.)?
ومع فشل كل محاولات إقامتها نتيجة تنافس الحكام والملوك العرب وغير العرب علي تبوؤ سدتها تحولت دعوة?'? الخلافة?'? إلي دعوة إقامة?'? حكم الله?'(? الإخوان المسلمون?)? بتطبيق أحكام الشريعة?.? تلك هي البدايات الحديثة لتبلور مفهوم الدولة التي يجب أن يسود فيها شرع الله بدلا من القوانين الغربية?.? وهي بدايات تأزم كما نري?,? إذ لم يكن في الإمبراطوريات الإسلامية الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو دول الأندلس نظام تشريعي موحد يشبه من قريب أو من بعيد النظام القانوني في الدولة الحديثة?.? ومن اللافت للنظر أن دعاة دولة?'? الشريعة?'? وقفوا بحزم ضد محاولات?'? تقنين الشريعة?',? بمعني صياغتها في قوانين يستطيع القاضي مسلما كان أو غير مسلم أن يطبقها في القضاء?.? كان المبرر أن?'? تقنين?'? الشريعة سيحولها إلي قوانين?'? وضعية?'? فتفقد بذلك قداستها?(? رشيد رضا?).? ومعني عدم التقنين أن تظل مرجعية القاضي القانونية غير واضحة?,? فكتب الشريعة الفقه مليئة بمناقشات وتفاصيل وافتراضات واشتقاقات يعجز معها أي قاض عن اتخاذ قرار إزاء موضوع بعينه?,? ما لم يكن هو نفسه فقيها بالمعني الكلاسيكي?.?
تفاقمت الأزمات بسبب طبيعة الدولة الوطنية القمعية غير الديمقراطية إذ هي إما وراثية أو عسكرية انقلابية?,? تحاول جاهدة استيراد إيديولوجيات ترسخ بها مشروعيتها السياسية?.? تعددت هذه الإيديولوجيات من أقصي اليمين?(? الوهابية?)? إلي أقصي اليسار?(? القومية الاشتراكية?),? لكنها اشتركت في ملمح واحد?,? هو طبيعتها القمعية اللاديمقراطية?,? وبنيتها المهترئة في علاقتها بالخارج?.? كان إقامة الكيان الصهيوني لدولته بمثابة مبرر لانتصار مفهوم الدولة الدينية?,? وكان انتصار هذا الكيان علي الجيوش العربية سببا كافيا ومقنعا للاقتناع بأن?'? الدين?'? عنصر للقوة?,? وأن البعد عنه قرين الضعف والهزيمة?.? قامت في شبه الجزيرة الهندية في نفس الوقت دولة للمسلمين الهنود أطلق عليها اسم باكستان?,? ثم تحللت إلي دولتين بعد ذلك?.? كانت أوروبا العلمانية?-? وهذا من المفارقات التاريخية الملتبسة?-? وراء إنشاء الدولتين لأسباب مختلفة بطبيعة الحال?.?
كانت هزيمة?1967? الشاملة قد كشفت بالفعل عن وجود أزمة في الواقع?,? وكشفت أيضا عن وجود أزمة في الفكر وفي النظام السياسي بصفة خاصة?.? ورغم أن الهزيمة لم تكن مفاجئة تامة إذ ورد توقعها في النبوءات الشعرية والأدبية وبعض الكتابات السياسية?,? فإن حجم الهزيمة وشمولها كان هو المفاجأة الفعلية للجميع?,? المتفائلين والمتشائمين علي السواء?.? تجلي رد الفعل إزاء ما كشفته واقعة الهزيمة مما كان مستورا من أوضاع في فيض من الكتابات عن التراث بحثا عن جذور الأزمة?.? في هذا السياق يمكن التذكير بعشرات العناوين?,? نذكر مثلا كتابات?'? زكي نجيب محمود?'? التي تحولت من الكتابة عن?'? الوضعية المنطقية?'? للبحث في التراث?.? يمكن أيضا الإشارة إلي كتابات?'? طيب تيزيني?'? و?'?حسين مروة?'? و?'?مهدي عامل?'? و?'?محمد عابد الجابري?'? و?'?أدونيس?',? بالإضافة إلي بيان جماعة?'? الشعر?'.?
كانت?'? إيران?'? نموذجا للدولة العلمانية القمعية بامتياز?,? بينما كانت?'? تركيا?'? قد أقامت علمانيتها علي أساس الحماية العسكرية?.? قدر للنموذج الإيراني أن يخلق نقيضه لأسباب لا تتسع لها هذه الورقة?,? بينما استطاعت تركيا أن تجذب العواطف والمشاعر الإسلامية إلي أرض?'? العلمانية?'.? قامت الثورة الإسلامية في إيران علي أنقاض عرش الطاووس?,? وحين نجحت أقامت?'? جمهورية?',? وتلك مفارقة أخري حيث كان من المتوقع أن تؤسس?'? خلافة?'? أو?'? إمامة?'.? أعطي هذا النجاح زخما هائلا لدعاة الدولة الدينية في كل مكان?.? فهل كان ذلك نجاحا بالمعني الإيجابي?,? أم كان قمة التعبير عن?'? الأزمة?'? السؤال يستمد مشروعيته من النقاش اللاهوتي والاجتماعي السياسي الحاد الآن في إيران?,? وهو نقاش يتحدي الأساس المعرفي لمقولة الدولة الدينية?.?


*عبدالرؤوف النويهى
8 - أكتوبر - 2007
 2  3  4  5