البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : من يقتل الغذامي تقربا لله?    قيّم
التقييم :
( من قبل 5 أعضاء )
 زهير 
29 - نوفمبر - 2006
بقلم: صالح إبراهيم الطريقي.
لا يمكن فهم ما حدث بالندوة الثقافية التي أقيمت بكلية اليمامة بالرياض ، حين شرع الدكتور عبدالله الغذامي يتحدث عن أزمة الثقافة العربية ، فراح أفراد التيار الإسلامي يقاطعونه ويشوشون عليه ، رغم أن الغذامي كان يتحدث عن واقع معاش في العراق ، فصرخ أحد من يسمون أنفسهم شباب الصحوة "إن هذا النوع من العلاقات الزوجية محرم وغير جائز شرعا" ، ورغم توضيح الغذامي بأنه يصف ما حدث في العراق وليس هو أمام تبيان ما حدث شرعيا ، لم يصمت شباب الصحوة وتابعوا ما جاؤوا من أجله ، وهو منع الغذامي من الحديث حتى لا يغوي البشر .
قلت :لا يمكن فهم ما حدث في الندوة ما لم يعد المرء إلى الثمانينات الميلادي ليسترجع تلك الفترة والتي سميت "حرب الكاسيت" .
في ذاك الوقت كان المجتمع الثقافي قد دخل في صراع بين القديم والجديد ، كان عبدالله الغذامي وبعض العائدين من الغرب بعد حصولهم على شهادات عليا يرون أن الصراع بين العرب والغرب هو صراع معرفي ، وأنه لا بد من إعادة صياغة العقل العربي ، هذا العقل الأسطوري الذي خلط الدين بالعادات والتقاليد فصنع عقيدة تدفع للخوف والتخلف ، وأنه على العالم العربي جلب الأدوات المعرفية والتي أهمها أدوات النقد التي خلصت الغرب من سلطة المؤسسة الدينية .
فانبرى لهم الأصوليون يحاربون ليس التوجه الجديد بل وعرافيه ، وخرجت أشرطة الكاسيت بأصوات "بعض المشايخ" ، تعلن عن كفر هؤلاء الحداثيين والذي كان أحد عرابيهم الغذامي ، والذي لقب في أشرطة الكاسيت بـ "الحاخام الأكبر للبنيوية" ، وكانت تلك الأشرطة التي توزع مجانا ، تحذر المجتمع من هؤلاء الكفرة الذين يريدون تغريب المجتمع ونزعه من عقيدته وثقافته وجذوره ، في أحد الكاسيتات ختم أحد المشايخ محاضرته قائلا : "لا تجعلوا أنفسكم جسورا تطؤها أقدام الحداثيين ، ولا تسكتوا عن الحق خشية الناس ، والله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين" .
منذ ذاك الوقت وهناك دائما شباب جاهزون للذهاب إلى محاضرات الغذامي لمنعه من الكلام ، من يصنع هؤلاء المتطرفين ?
أذكر في أوائل التسعينات كنت في مكتبة الملك فهد العامة بالرياض بعد العصر ، وكنت أبحث عن كتاب لأستعيره ، لكنه كان من الممنوعات التي لا يمكن إعطاؤه إلا بورقة من الجهات المسئولة ، بعد أن وضح لي الموظف هذا ، دخل شباب أعمارهم تترواح بين 13 و 14 عاما ، وكان معهم ما يمكن تسميته الموجه أو أميرهم ، أشفقت على هؤلاء الشباب وهم يجوبون المكتبة ، ثم يأتي كل شاب منهم إلى المسئول عنه وبيده كتاب ، ليستشيره "هذا الكتاب يصلح أقرأه" ، فيتأمل الأمير الكتاب ثم يسمح له بقراءته أو ينصحه بأن يتجنبه وأن يقرأ كتابا آخر يحدده له .
هؤلاء الشباب الذين تعلموا على يد أميرهم وعلى أشرطة الكاسيت ، بالتأكيد هم من كانوا جاهزين كل مرة لمواجهة الغذامي هذا الحداثي الذي يريد تغريب الأمة ، فيذهبون لكل محاضرة له يتصادمون معه ، حتى لا يغوي أحدا أو يسحرا أحد بكلامه .
الخطورة ليست في هذا التشويش ، بل في أن يتقرب أحد هؤلاء الشباب الذين غسلت عقولهم إلى الله فيقتل الغذامي ، هذا الحداثي الذي يؤمن بالله ويصلي ويصوم .
*نقلا عن جريدة "شمس" السعودية
 1  2  3  4  5 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مزيدا من التنوير يا يحي    كن أول من يقيّم
 
بحثت عن آخر مشاركة للأخ يحي فوجدته كعادته يأتي بكل قول رزين ...
وعدتَ يا أستاذ يحيى بالكتابة عن " أبو زيد "، صديق الأستاذ عبد الرؤوف ... و أنتظر كتاباتك النيرة  لأنني من الذين لا يفهمون لماذا يميل البعض في اتجاهات من الصعب فهم مقصودهم فيها و مبتغاهم منها ... و قد قدمت أمثلة من أصحاب اليمين و أصحاب الشمال ...  فهل من تنوير لدروب  بعض تلك المسالك الحالكة ...
*لحسن بنلفقيه
13 - ديسمبر - 2006
لماذا الوحي?...    كن أول من يقيّم
 
كل باطل هو في الأساس عبارة عن خلل في صورة الإنسان أمام نفسه , (سورة العلق آية 6و7) , ولم يكن ميثاق الفطرة إلا تذكيرا من الله للإنسان بحقيقة نفسه , (سورة الأعراف آية172 ) , الربوبية نفسها ليست شيئا متعينا في ذات الله , بل هي نسبة بين الله وبين الإنسان , مثل مفهوم الأبوة مثلا , ليست شيئا مستقلا عن البنوة إذ هي متعلقة بها , ومعنى أنني أعرف الله من خلال كونه "ربا" , هو أنني أعرف نفسي من خلال كوني "مربوبا" , ومعرفة الله ليست إلا وجها متعلقا بالمعرفة بالنفس , فلا يعرف الإنسان ربه إلا بمعرفته بفقره الذاتي وفنائه" , وتلك المعرفة , وبشكل تلقائي , تثمر في الوعي معرفة بالرب كإله "غني بذاته وباقي بعد فناء خلقه" , والربوبية هي الاعتراف بالله كإله له القدرة على سد احتياجاتي باعتبار أنه "غني بذاته باق بعد فناء خلقه".
وإذا كان الباطل بشكل عام هو خلل في صورة الإنسان أمام نفسه , وإذا كان الباطل متعدد الأشكال , فإن كل باطل "معين" هو خلل في بعد "معين" من أبعاد الذات ,بمعنى أن صورة الإنسان أمام نفسه قد يصيبها الخلل في بعد من أبعادها دون الآخر , والنتيجة هي وجود الباطل المناسب لهذا الخلل دون الباطل الآخر , فقاعدة الباطل كخلل في صورة الذات هي قاعدة مضطردة مع الباطل بشكل عام ومع كل باطل على حدة .
العبث في مسألة الوحي , وغالبا ما يبدأ العبث حين يطلق عليه "نص" أو "مقدس" , هي نوع من الباطل , وعلى ذلك فهو , أي العبث , مرتبط بنوع معين من "التشوه في صورة الذات" , وليس أدل على ذلك من التتبع التاريخي للعبث بالوحي , فقديما وقف الوحي عقبة أمام الفكر اليوناني , فما كان من المتأرسطين العرب (نسبة إلى أرسطو) إلا أن اتخذوا من الوحي موقفا يسمح لهم بممارسة سخافات اليونان على أرض الإسلام , فقالوا بأن الفلسفة هي حقائق , أما الوحي فهو لا يعبر عن الحقائق ولا يختلف عنها في الوقت ذاته , فهو رموز المقصود بها الجمهور ,والمقصود منها ليست المعرفة بل تهذيب الأخلاق , فيقول المأسوف على شبابه "الفارابي" في كتابه تحصيل السعادة :
"وتفهيم الشيء على ضربين: أحدهما : أن يُعقل ذاته , والثاني : بأن يُتخيل بمثاله الذي يحاكيه. وإيقاع التصديق يكون بأحد طريقين: إما بطريق البرهان اليقيني وإما بطريق الإقناع. ومتى حصل علم الموجودات أو تُعلِّمَت فإن عُقِلت معانيها أنفسها وأوقع التصديق بها عن البراهين اليقينية , كان العلم المشتمل على تلك المعلومات [فلسفة]. ومتى علمت بأن تخيلت بمثالاتها التي تحاكيها وحصل التصديق بما خيل منها عن الطرق الإقناعية كان المشتمل على تلك المعلومات تسمية القدماء [ملة]"
وقد قال برمزية حقائق الوحي كل الفلاسفة المشائين بلا استثناء .
المهم أننا كنا نريد الوقوف على طبيعة "التشوه" الحادث في صورة الذات عند المشائين , ذلك التشوه الذي أدى بهم إلى نوع من الباطل هو العبث في الوحي .
إنسان اليونان والمتأرسطين العرب بالتبعية , له ينظر إلى نفسه على أنه "شيء يعرف" , أي شيء عليه أن يتصور العالم ذهنيا , وما ظهور السفسطة إلا حوارا نفسيا داخليا عند الإنسان اليوناني , "أنا لا أستطيع أن أعرف _ لا .. بالعكس أنا أستطيع أن أعرف" , وأصل تلك النظرة تعود إلى نظرته على العالم على أنه شيء عليه أن يحاكي الإله , لا أن يخضع له , وهذه هي غاية "حركة العالم" عند أرسطو , أي محاكاة الإله , وأقرب الطرق التي يحاكي بها الإنسان الإله هو تمثل العالم ذهنيا , أي انعكاس صورة العالم على ذهن الإنسان , باعتبار أن المعرفة نوع من السيطرة , ومن هنا كان كمال النفس عند غالبية المخرفين اليونان هو مجرد المعرفة , ولما كان كمال النفس عند اليونان إنما هو بالتمثل الذهني للعالم , كنوع من محاكاة الإله , انتقلت تلك الفكرة إلى المتأرسطين العرب , فكانت المعرفة هي غاية الإنسان ومصدر سعادته , والمعرفة كمحاكاة للإله تصطدم بالضرورة مع الوحي , لأن المعرفة كمحاكاة للإله تتعارض مع المعرفة "من" الإله , أي أن الإنسان اليوناني يريد أن يعرف العالم "ليس من الله" بل "كما عرفه الله" , أي بالموازاة مع الإله والندِّيَّة به , ومن هنا ظهر الوحي ليس كمصدر للمعرفة بل كشكل من أشكالها , ومن هنا ظهرت الفلسفة كشكل موازي للوحي , ومن هنا كان عبث قدامى مخرفي العرب بالوحي, كحل أمثل لفصل المعرفة الإنسانية عنه وتأكيد طابع الندية لها أمامه .
الشكل المعاصر للعبث بالوحي لا يخرج عن مقولة "تشوه صورة الذات" , لكن الأمر حديثا يختلف في طبيعة "التشوه" , التمثل الذهني للعالم لم يعد هو غاية الإنسان , الإنسان الآن ليس فكرا بل إرادة , تحولت صورة الإنسان من شيء "يعرف" إلى "شيء يريد" , والانتفاع هو موضوع الإرادة , وليس التمثل الذهني للعالم , وإذا كان الوحي قد ظهر قديما بوصفه "شكل للمعرفة" , فهو قد ظهر الآن بوصفه "شيء نافع" , وعاد العبث بالوحي مرة أخرى , إذا كان الوحي هو "شيء نافع" , وإذا كانت المنفعة نسبية , ففهم الوحي نسبي تابع للمنفعة , لاحظ أن منطلقات العبث بالوحي حديثا هي منطلقات نفعية وليست معرفية كما كانت قديما , لاحظ أن القضايا التي تثار هي دائما قضايا التشريع لأن التشريع هو الجانب [النفعي] المباشر للوحي: عبارات مثل: "التشريع لا يناسب هذا العصر" , "المواريث" , "الذكر والأنثى" , قضايا التشريع حلت محل قضايا العرض والجوهر الجسم والهيولى , [على الوحي أن يكون مرنا حتى يكون أكثر نفعية] , حلت هذه العبارة محل عبارة : [على الوحي أن يكون مرنا حتى يكون قابلا للمعرفة] . لأن التشوه تغير من الإنسان "كشيء يعرف" إلى الإنسان "كشيء ينتفع" .
مقولة : "الوحي وسيلة انتفاع" تأسست عند "أبو زيد" أمات الله ذكره (ولتذهب الإوزة إلى الجحيم) , تأسست على مقولة أخرى هي : "التشريع وسيلة تكيف للمجتمع" والتكيف هو انتفاع , والمترتب على المقولة الأخير هو أن المجتمع من حقه أن يتناول الوحي بالطريقة التي تحلو له طالما أنه هو "صاحب المصلحة" , أو "المنتفع" , وعبارة "التشريع وسيلة تكيف للمجتمع" هي محور كتاب روح القوانين "لمونتسكيو" , لكننا نعجب كل العجب , إذا كان التشريع وسيلة تكيف أو , وسيلة انتفاع طبيعية , أو أنه موجود في المجتمع بالقوة , أي كامن في تركيب المجتمع نفسه , فلم لم يفرز المجتمع المكي القرآن وسائر التشريعات قبل البعثة المحمدية , لماذا لم تقم الحضارة الإسلامية قبل "محمد" , الأستاذ النويهي سأل المدعو "أبو زيد" فقال له :" هل تعتقد أن القرآن نص إلهي ?" , فأجاب المذكور (بسرعة) :"طبعا" , وعلى الفور تذكرت الآية 61و63 من سورة العنكبوت.   
 لكن إذا كان الإنسان "كشيء يعرف" , والإنسان "كشيء ينتفع" شكلان من أشكال تشوه صورة الذات وبالتالي منبعان من منابع الفكر الجاهلي , فما هي الصورة المثالية للذات أمام نفسها وما هي العلاقة بالوحي المترتبة على تلك الصورة ?
...ضاعت الإوزة يا أستاذ حسن....
*يحيي رفاعي سرور
14 - ديسمبر - 2006
فى انتظار التشريف    كن أول من يقيّم
 
والله العظيم 0000الوز والبط والرومى والفراخ  _ ياأستاذ / يحيى _ فى انتظارك طوال أيام الأسبوع ليلا ونهار ا 0
 
لكن من منا يمتلك الحقيقة ???
 
أتمنى من فيلسوفنا_ أقولها بحب وتقدير_ أن يحدثنا عن مفهوم الوحى
معلوماتى المتواضعة تقول :
(أن جبريل صلى الله عليه وسلم إنما ألقى عليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، وأن أهل السماء يقرأونه بالعربية ، ثم أنزل بعد ذلك ) الزركشى : البرهان فى علوم القرآن ، الجزء الأول ص330
 
المدعو (أبوزيد ) أ000   صديقى وأنت أيضا   صديقى 0
 
شكرا لأستاذنا شيخ شيوخ الوراق / الحسن 0
وشكرا لأستاذتنا أم الرضا 00نريده شروقا يدوم 0
*عبدالرؤوف النويهى
15 - ديسمبر - 2006
لماذا الوحي? توضيح لما سبق    كن أول من يقيّم
 
ملخص ما سبق , هو أن قضية تحريف القرآن والمسماة "تلطفا" : تجديد الخطاب الديني , قضية لا تمت إلى العقل ولا إلى حرية التعبير بصلة , لأن العقل لا يمانع , عملا بمبدئه : "لكل غاية وسيلة" , لا يمانع أن يكون الوحي وسيلة للمعرفة , كما أن العقل نفسه يتوقع , نظرا للطبيعة المفارِقة للقرآن من حيث مصدره , يتوقع أن يكون في القرآن أمورا تشريعية ومعرفية لا نعلم الحكمة منها , بل إن العقل لم يعلم أن القرآن وحيا إلا بعد أن تيقن من طبيعته المفارقة , وأن العقل يتقبل هذا الأمر بسهولة , بل إن العقل كان سيتعجب لو علم الحكمة من كل ظواهر القرآن وأحكامه , إذ أن هذا دليلا على طابعه الإنساني وليس الإلهي .
قضية تجديد الخطاب الديني أيضا كما أنها لا تمت إلى العقل بصلة , فهي لا تمت إلى الحرية بصلة , إذ أن الحرية هي التلقائية في الفعل مع غياب المعوق الخارجي , ولما كانت حركة العقل نحو الوحي هي حركة تلقائية نابعة من الطبيعة البشرية باعتبار عقلانيتها , كانت تعبيرا عن الحرية , وكانت الحيلولة بين العقل والوحي هي ضد حرية العقل في الالتحام بالوحي , وكما أن الحرية هي التلقائية في الفعل , فهي الاتساع النسبي لمجال الحركة , ولما كان التحام العقل بالوحي يتضمن اتساعا لمجاله هو , كان هذا الالتحام مطلب للحرية نفسها , تصر عليه في كل مناسبة , وفي كل عيد ميلاد.
ولكن إذا كانت قضية تجديد الخطاب الديني لا تمت إلى العقل ولا إلى الحرية بِصِلة , فإلى أي الظواهر النفسية تنتمي تلك القضية ? ذكرنا أنها , شأنها شأن الباطل بشكل عام , ليست إلاَّ تشوها في الذات أدَّى إلى النزوع والميل إلى تشويه الواقع , والواقع هنا هو الوحي , وعقدنا مقارنة بين التشوه قديما وبين التشوه حديثا لنتيقَّن من أن الموضوع موضوع تَشَوُّه ليس أكثر , فإذا كان التشوه حديثا يتضمن مثول صورة الإنسان أمام نفسه "كشيء منتفع" , رأينا الطبيعة "البراجماتية" لنزعة تحريف الوحي , ورأينا كيف أن محور هذا التحريف هو : أن التشريع (وهو أداة تنظيم المنفعة في المجتمع) غير مناسب للعصر , وعليه أن يكون أكثر مرونة ليكون أكثر "نفعا" , وإذا كان التشوه قديما يتضمن مثول صورة الإنسان أمام نفسه "كشيء يتمثل العالم ذهنيا" , رأينا النزعة إلى التحريف وقد أخذت شكل "معرفي" يتعلق بصورة العالم وقدمه وحدوثه وعلة الحركة فيه , كما كان الأمر عند المتأرسطين العرب واليونان .
لكننا لم نقف عند هذا الحد فيما يخص اليونان , فتأكيدا لفكرة أن الموضوع ليس موضوع العقل , أشرنا إلى الأساس النفسي للإنسان اليوناني وعلاقة هذا الأساس بإصراره على تمثل العالم ذهنيا دون معونة من الإله , فمحتوى البنية النفسية التحتية للإنسان اليوناني يتضمن أن العلاقة بين العالم وبين الله هي علاقة محاكاة وليست علاقة خضوع , كما يقول العقلاء وكما أخبر ربنا (آل عمران 83 , التوبة53 , فصلت11) , وأنسب محاكاة للإنسان بالإله هو التمثل الذهني للعالم , أي معرفة العالم كما عرفه الله , أي بشكل مستقل عن الإله , ومقولة "كما عرفه الله" تتضمن نوع من النية تعارض معها المعرفة عن طريق الله نفسه , إذ أن المقصود هو الاستقلال ذاته وليس الحقيقة المتضمنة في المعرفة.
من اللافت للنظر في الفكر اليوناني , أن الاعتقاد بقدم العالم حقيقة لا تجوز مناقشتها , وإن نوقشت فبشكل روتيني وللبرهنة عليها وليس لاختبارها , أخذ المتأرسطين العرب عنهم هذه الفكرة وكانت نقطة من نقاط صراعهم مع الإسلاميين أهل السنة , لكن دعنا من هؤلاء ولتأمل الحالة اليونانية في أرضها , لقد تكشف لنا الأمر عن ظاهرتان في الفكر اليوناني , هما موضع شبه إجماع رغم اختلافهم في كل شيء , الظاهرة الأولى : أن أسلوب تحقيق الإنسان لذاته إنما هو بتمثل العالم ذهنيا دون معونة من الإله , الظاهرة الثانية : أن العالم قديم لم يخلقه الإله , لاحظ أن حالة السفسطة عند اليونان , أي القول بعدم إمكانية المعرفة , إنما هي تؤكد القاعدة ولا تنفيها , فالإنسان اليوناني يلزمه , لكي يؤكد لنفسه أنه يستطيع المعرفة , يلزمه إنسان يوناني آخر ينفي هذه الاستطاعة , فينفي الإنسان اليوناني هذا النفي الأخير , فيتأكد المعنى , وإلا فهل كان من المصادفة البحتة أن يظهر القول بعدم إمكانية المعرفة عند أكثر الناس شغفا بالمعرفة !!! . وبتحليل هاتين الظاهرتين , نجد أنهما يتضمنان تأليه العالم والإنسان , فالعالم قديم مثل الآلهة , لم تخلقه الآلهة , يستطيع تمثل نفسه عن طريق الإنسان دون معونة من الآلهة . وإذا كنا قد بدأنا المقالة السابقة بتحليل معنى الباطل على أنه تشوه في صورة الذات , فيجب أن نضيف هنا إلى أن هذا التشوه له وجهة , ووجهته هي أن يكون الإنسان نفسه إله , وهذا معنى الاستغناء الوارد في سورة العلق آية (6)و (7) , يمكن الرجوع لفكرة الدين كمحاكاة للإله والعالم كإله متحول , يمكن الرجوع لكتاب "الله والإنسان" , لكارين آرمسترونج , رغم أنها تتخذ هذه الظاهرة أساسا للطعن في الدين نفسه وليس الطعن في الباطل فقط , فيجب الانتباه لهذا , وهي تدلل على فكرتها , وهي صائبة لحد بعيد , تدلل عليها باستراحة اليهود يوم السبت (كما استراح الله بزعمهم في هذا اليوم , لعنهم الله) , وبالأساطير البابلية التي تدور حول أن العالم هو نفسه إله متحول . وأن المتدين القديم ! كان يحاول في كل ما يفعل أن يحاكي الإله (يحيى:ليس هناك متدين قديم ومتدين حديث , هناك أهل الحق وأهل الباطل) , ولكن ما أثر فكرة محاكاة العالم للإله عند اليونان على الفلسفة وعلى نظرية المعرفة تحديدا ? نموذج تسرب فكرة المحاكاة إلى الفلسفة اليونانية فقد ظهرت في قول أرسطو بأن غاية الحركة هي محاكاة علتها , وفي قول ابن سينا أن العلاقة بين العالم والله هي علاقة العاشق بالمعشوق .
وإذا ... فنظرية المعرفة التي تستبعد الوحي إنما هي نظرية ترتد إلى أساس سيكولوجي وليس إلى أساس منطقي.
*يحيي رفاعي سرور
15 - ديسمبر - 2006
لماذا الوحي.?    كن أول من يقيّم
 
 
إذا فالخلل في العلاقة بالوحي هي أصلا خللا في صورة الذات , ولإصلاح هذا الخلل , ولصياغة علاقة مناسبة لائقة بالوحي لابد من إعادة تقييم صورة الذات بشكل سليم .
النقطة الأكثر عمقا في الوجود الإنساني , أي النقطة الكامنة في قاع هذا الوجود , ليست هي أن الإنسان "كائن يعرف" أو "كائن ينتفع" أو "كائن حر" , إنما أن الإنسان هو "إرادة مطلقة للبقاء , وعجز مطلق عن إدراكه" , أي هو "التناهي وقد اتخذ من اللامتناهي غاية له" , أو هو "الفقر الذاتي إلى الأبدية" , والأسلوب الوحيد لمعرفة الله هو معرفة النفس على هذا النحو , وعندما نتحدث عن النفس كموضوع لمعرفة نفسها فإننا نتحدث عن الوجدان لا عن الاستنتاج العقلي , أي أننا نقترب من الله كلما شعرنا بافتقارنا إلى الله , وليس كلما استنتجنا بعقلنا هذا الافتقار , لأن العقل موضوعه الأشياء , والذات بالنسبة إلى نفسها ليست شيئا من الأشياء , بل هي محور الأشياء .
معنى ذلك أن المعرفة بالله هي معرفة : تلقائية , حدسية , فطرية , مباشرة , تنبثق في الوعي بالضرورة من معرفة الذات أو الشعور بالافتقار , ومعنى ذلك أن المعرفة بالله لا يبرهن عليها بالعقل , ولا يسع إنكارها في الوقت ذاته , وإن كانت هناك أدلة عقلية على وجود الله إلا أن تلك المعرفة ليست هي الإيمان , بل هي صياغة ذهنية له , يستوي فيها المؤمن والكافر , ولن يسأل عنها الإنسان أمام الله , أما الإيمان فهو فطري مباشر , ثم إن الأدلة العقلية على وجود الله والتي تبدأ من العالم وليس من الافتقار الذاتي إنما ترتد في حقيقة أمرها إلى معرفة الله عن طريق الذات , وكل ما في الأمر أن الإنسان يسقط ذاته على العالم , ثم يتحدث عن ضرورة وجود الله من وجود العالم , وهو في الحقيقة يتحدث عن نفسه دون أن يدري أنه حين يتحدث عن العالم فإنما يتحدث عن نفسه ,  لا يعرف الله عن طريق مفهوم الحركة كما عند أرسطو , ولا عن طريق مفهوم الوجود الممكن والوجود الواجب كما عند ابن سينا , ولا عن طريق نفي الجسمية كما عند المتكلمين (مما أوقعهم في نفي الصفات وتعطيلها وتأويلها بعد ذلك) , ولا بتوسط من فعل التفكير كما عند ديكارت (لأن الفكر موضوعه الأشياء , والذات تعرف نفسها قبل مباشرتها للأشياء) , ولا يراهن على وجود الله كما عند باسكال , ولا يستنتج من الشعور بالخطيئة (تمهيدا للزَجّ بموضوع الفداء والصلب في الفكر) كما عند كيركجور وهيدجر وياسبرز , حيث الإنسان هو حرية والخطيئة ملازمة وجودا للحرية والله مستنبط من الخطيئة !! .
وإن كان "كانط " أقربهم إلى أهل السنة بتقريره أن المعرفة بالله هي معرفة قبلية , إلا أن العلاقة بينه وبين أهل السنة ليست تشابه بالمصادفة , بل هو اقتباس , وسنبرهن في ملف "لماذا لا يوجد لدينا فلاسفة" أن علاقة عصر النهضة بالحضارة الإسلامية , خاصة "كانط" , إنما هي علاقة الابن الضال بأبيه , أما "كانط" فسنبرهن على أنه عبارة عن أهل السنة لكن بدون وحي , وأن أهل السنة هم "كانط" مع الوحي
علاقة هذا بموضوع تجديد الخطاب الديني
إلى هنا , أي إلى اللحظة التي عرفت فيها الذات ربها من معرفتها بنفسها , لا داعي للوحي , فالمطلوب هو معرفة الله وقد كانت , فما هي الحكمة من وجود الوحي ? الحقيقة أن عنصرا آخر سيظهر في الصورة يجعلنا نغير وجهة نظرنا في الاستغناء المؤقت عن الوحي , ذلك العنصر هو العالم , فالإنسان لا يباشر الله بل يباشر العالم , لكن علاقته الأصلية التي لا ينفك عنها هي العلاقة بالله , فكيف يدخل العالم في سياق تلك العلاقة دون أن يشوش عليها ? الكيفية التي يُدْخِل بها الإنسانُ العالم في سياق تلك العلاقة , هي أنه يبحث عن الله في العالم نفسه , فيرى في العالم أفعال الله , والأمر لا يقتصر على المعرفة فقط بل يمتد إلى الفعل أيضا , أي سائر أنواع العبادة الحركية , التي هي في جوهرها مشاركة الوجود في علاقته بالله , لقد ذكرنا أن علاقة العالم بالله هي علاقة الذات بالله على مستوى التخيل وعلى مستوى الحقيقة أيضا , وما الإيمان إلا الانسجام مع العالم من حيث كله في حالة خضوع لله وسجود له .
دخول العالم كعنصر من عناصر الإيمان بين العنصرين : الله والإنسان , هو الذي يحتم ضرورة الوحي , فإذا كان على الإنسان ألا يتجه نحو الله مباشرة , وإذا كانت علاقته بالله تحتم عليه أن ينسجم مع العالم في علاقته بالله , فكيف ينسجم مع العالم (والانسجام بالشيء يتطلب معرفة كلية به )في الوقت الذي يضيق فيه إدراكه عن معرفة العالم ككل ? من أجل ذلك كان الوحي , حلقة وصل ضرورية بين الإنسان والعالم تعوض الإنسان عن المعرفة الكاملة بالعالم , تلك المعرفة التي تحتمها العلاقة الأصلية بين الإنسان وبين الله , كيف نكون في حالة تناغم مع العالم دون أن نعرفه , الحل الوحيد هو الرحمة الإلهية التي توفر لنا تلك الفرصة عن طريق الوحي والهداية .
هيدجر شخصية بائسة , أدرك بحسه أن علاقة الإنسان بالعالم ينبغي أن تكون هي علاقة اتساق وليس محاولة سيطرة , ونادى الإنسان بأن يلبي نداء الطبيعة , لكن أي بؤس أكبر من أن يقترب أحدهم من الحقيقة ثم يحال بينه وبينها لأنه يدين بغير دين الله .
لكن ما علاقة ذلك بموضوع تجديد الخطاب الديني ?
فكرة تجديد الخطاب الديني , أي فكرة تحريف الوحي , أساسها قديما وحديثا : إنكار الهوة الطبيعية بين الإنسان والوحي , من الناحية المعرفية أو من الناحية النفعية , ورفض كل ما يخرج عن دائرة الإدراك الإنساني معرفيا أو نفعيا , وذلك بدعوى أن الوحي إنما نزل على الإنسان فليس من المستساغ أن يخرج عن محيط الإدراك الإنساني , لكن هذه مغالطة , فرغم أن الوحي قد نزل على الإنسان إلا أنه نزل أساسا سدا للفجوة بين الإنسان وبين العالم , والنتيجة هي أنه رفض الطبيعة المفارقة للوحي هي رفض للوحي نفسه ,لأن الوحي إنما نزل من أجل إدخال تلك المفارقة في العالم الإنساني .
ومعنى ذلك ....
معنى ذلك أن الاصطدام في الوحي بمعرفة غير معلومة للعقل الإنساني من حيث علتها , أو تشريع غير معلوم للعقل الإنساني من حيث جدواه أو نفعيته , إنما يتطلب منها التسليم الكامل وليس محاولة تفسير القرآن بحيث ندخله قسرا داخل الحدود الإنسانية ,لأن الوحي بمجرد دخوله قسرا إلى نطاق الإدراك لإنساني , إنما يفقد بذلك كونه وحيا , وهو إنما نزل لضيق حدود الإدراك الإنساني , فلا يسوغ لنا تحجيمه بتلك الحدود التي نزل لأجل رأب قصورها.
أستاذنا الكبير النويهي , تحية وإجلال مني لرحابة صدركم التي عهدناها فيكم , وما عدنا إلا تلبية لأوامركم التي لا ترد , أرجو بأن أكون قد وفقت في شرح مسألة الوحي كحلقة وصل بين الإنسان والعالم , كيف أنه بلسان عربي مبين ليناسب الإنسان , وكيف أنه مفارق في محتواه للإنسان ليناسب العالم , رجائي ألا تصادق هؤلاء حتى لا يطلع الله على قلبك فيجد فيه شخصا لا يعظم حرماته.  
*يحيي رفاعي سرور
15 - ديسمبر - 2006
الفهم البشرى للوحى الإلهى    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
               الفهم البشرى للوحى الإلهى
 
هناك حقيقة لا مراء فيها ،  أن القرآن الكريم عند الله سبحانه وتعالى فى ملكوته ،ثم تنزل وصيغ فى قوالب اللغة العربية لكى يفهمه البشر (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )الزخرف 3، ويصبح الفهم البشرى المذكور فى عشرات الآيات ،هو الغاية العظمى والحكمة الكبرى للإرسال والتنزيل حتى ينتفع به البشر  فى حياتهم ودنياهم ومعاشهم 0
 
ومن الثابت بصريح النص القرآنى أن إدراك الشريعة لا يمكن أن يتم إلا فى إطار الفهم البشرى للوحى الإلهى، مقاصده وغاياته0  من ثم تنهار الحجج التى تفرق بين التشريع الإلهى والقانون الوضعى  فى الإطار الإسلامى  لأن الوحى لا يمكن أن يصبح تشريعا تطبيقيا وعمليا يؤخذ به إلا عن طريق الفهم البشرى 0
 
وإذا كان الفهم البشرى لمقاصد وغايات الوحى الإلهى لا يتم إلا فى إطاره التاريخى والمنظور المعرفى والتجربة العملية للبشر الذي يتصدون  للفهم وتطبيق الوحى الإلهى  ،فعندما يقرأ المسلم حكما من أحكام القرآن أو السنة ،فإنه لا يعى المعنى من التشريع الإلهى إلا انه كان نتيجة تفاعل بين الوحى الإلهى المطلق والفهم البشرى المحدود فى إطاره التاريخى المعين، وهناك الكثير من الشواهد التى تؤكد ذلك  ، التدرج فى المواريث ، وشرب الخمر ، والزنا 0و 000و000
 
 وأسباب النزول من شرائط الفهم البشرى للوحى الإلهى  وهوعلم شريف لا ينفك مرتبط بالوحى الإلهى ومقاصده وغاياته0
وإذا كان الثابت بداهة  أن فهم المسلمين للمصادر الإلهية للتشريع الإسلامى لابد وأن يختلف باختلاف الزمان والمكان 0 
 
إذن لا يمكن إلا الرضوخ للفهم البشرى لمقاصد وغايات الوحى الإلهى فى التطبيق العملى فى إطاره التاريخى ( المكان والزمان )وحتى ينتفع به البشر فى أمور دنياهم 0
 
 إذا كان الأمر كما سلف تبيانه  ، فمن أين يأتى القول بتقييد الشريعة الإسلامية بفهم المسلمين الأوائل لها الذين عاشوا فى إطار تاريخى يختلف جذريا عن الإطار التاريخى الذى نعيشه اليوم ?????
 
************************************
أخى يحيى  000أنا أحبك 0نعم ، لكننى حر فى إختيار أصدقائى 0 0000 مش كده ولا إيه0000
وفى انتظار تشريفكم مهما طال الوقت00
 
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
16 - ديسمبر - 2006
لماذا الوحي ? مرة أخرى    كن أول من يقيّم
 
هل يمكن أن تضر المنفعة ? وهل ممكن أن ينفع الضرر ? أعتقد أن هذين السؤالين ليس لهما إجابة , إذ أنهما يتضمنان خطأ في الصياغة , فإذا أضرت المنفعة فهي ليست منفعة , وإذا نفع الضرر فهو ليس ضررا , أليس كذلك ? بلى , لكن عندي قول آخر , أننا لو تريثنا قليلا وفحصنا الأمر فقد يتبين لنا أن إعدام هذين السؤالين ظلم  واضح , فالمنفعة الشخصية قد تضر الجماعة , كما أن المنفعة المؤقتة للشخص , قد يكون فيها ضررا مؤبدا , والعكس صحيح في كلتا القضيتين .
في مصر قانون يحرم البناء فوق أرض زراعية , حتى لو كان من يريد البناء هو صاحب الأرض , سنتخيل أن الضابط المكلف بهدم أحد الأبنية قد أوتي قدرا من الصبر ليناقش الفلاح حول فكرة القانون هل هو نافع أم ضار , وإذا كان نافعا فلماذا باسمه تهدم الدار , لعلنا من تلك المناقشة نظفر بمفهوم عن النفعية .
سيسأل الفلاح : أليس القانون إنما هو لأجل صالح الشعب ?
الضابط : بلى أيها الفلاح .
الفلاح : ألست أنا من الشعب ?
الضابط : بلى أيها الفلاح .
الفلاح : وأنت تهدم الدار باسم القانون ?
الضابط : نعم أنا كذلك .
الفلاح : فكيف بربك وأنت الأفندي المتعلم تضرني باسم القانون , وأنت تعلم أنه لو لم أكن أنا ومنافعي لما كان القانون , ولما كانت الدولة ?
بالتأكيد ستنقلب دفة الحوار بالشكل الآتي :
الضابط : هل يعرفك واضع القانون شخصيا ?
الفلاح : لا يعرفني وأنا لا أريد معرفته .
الضابط : هل كان طيف خيالك لا يفارق رأسه , وهل كانت بسمتك لا تفارق ذكراه وهو يفكر في المنفعة العامة ?
الفلاح : لا طبعا , خيالي معي دائما , ثم إنني لم أبتسم منذ مدة طويلة .
الضابط : هل عندك إحصائيات عن مدى إقبال الجمهور على الشقق السكنية , وعلاقة ذلك بسعر الأرض وتوفر القوى الشرائية , ومدى اعتماد مصر على الثروة الزراعية في دخلها القومي من الناحية الاستراتيجية , وعن مجهود الدولة في توزيع السكان على المناطق الجديدة المزودة بالمرافق العامة في غياب الوعي الشعبي بتشجيع الدولة على إعمار تلك المناطق , خاصة وقد تزايدت خطورة تجريف الأرض الزراعية بعد سياسة الخصخصة التي كان الهدف منها تخفيف العبء الإداري على الدولة , بالإضافة إلى أن الاستغراق في الاستهلاك على حساب الإنتاج سيؤدي على المدى البعيد والمتوسط إلى الادخار كبديل للاستثمار , مما ينعكس بالضرورة على التورط في مزيد من التضخم الاقتصادي ?
الفلاح : والله كلامك حلو يا أستاذ , عامل زي البطيخ , بس أنا مش فاهم منه حاجة .
الضابط : هل ينتظرك صاحب القرار حتى تفهم , قبل أن يصدر قراره , وذلك لأنك صاحب المنفعة ?
الفلاح : يعني أفهم من كلامك أن السادات مات مسموما ?
الضابط : ياعم هو أنا جبت سيرة المرحوم?
الفلاح : ماهو أنا مش فاهم كلامك يا سيدنا الأفندي .
الضابط : معنى كلامي إن القرار الذي يؤدي إلى ضبط حركة الفرد بحيث تناسب المجتمع لا بد أن يكون بيد من يرى المجتمع ككل .
الفلاح : أرى أن هدم الدار أخف عليَّ من كلامك هذا . اهدم ولا تذر حجرا على حجر.
* * * 
المقصود من الكلام هو أننا لم نخرج عن دائرة النفعية , وما أكدنا على مفهوم الربوبية كأساس للعلاقة بين الله والإنسان إلا تأكيدا لهذا المفهوم , إذ أن مفهوم الربوبية هو مفهوم نفعي أساسا (راجع ما قلناه), لكن بالنظر إلى أن للانتفاع منظورا أزليا كونيا يختلف عن المفهوم المؤقت والمحدود له , كان هذا الانتفاع لا يتطلب فقط أن يتناغم الفرد مع المجتمع , بل يتطلب أيضا أن ينسجم المجتمع ككل والدولة معه مع الوجود , وهذا ما لا قبل للنظرة النفعية التقليدية أن تستوعبه .
قد يقال أن الإنسان يرى المجتمع ككل , ولم تكن هناك حاجة لمثال الضابط والفلاح , ليس هناك حاجة للوحي ليرى الإنسان المجتمع ككل , لكن في الحقيقة أنا لم أذكر هذا المثال لأعني به المجتمع , بل هو تشبيه , فإذا كان المثال يتحدث عن علاقة الفرد بالمجتمع , فإنما كان مقصودي هو علاقة الدولة بالعالم من المنظور الأزلي القدري الكوني.
فإن قيل : وما الضرر الذي سيقع على هذا العالم حتى لو انقلب المجتمع والدولة رأسا على عقب , أتشبه علاقة الفرد بالمجتمع بعلاقة الدولة بالعالم ?
قلت : يجب أن نتجاوز حروف المثال لنصل إلى المقصد منه , فإذا كان التناسق بين الفرد والمجتمع إنما يتمثل في تنظيم المنفعة , فهناك تناسق بين الإنسان والعالم , لكننا لا نعلم طبيعة هذا التناسق , لأننا لم نحيط علما بالعالم ككل , أليست معظم التكليفات الشرعية هي على أساس ظواهر فلكية ?
فإن قيل : إذا فهناك حيدة عن فكرة المنفعة وتمسكا بفكرة التناسق . وهذا ما لا نقبله , لأن الربوبية منفعة كما قلت .
قلت : ليس هناك حيدة عن مبدأ المنفعة , بل هناك التماسا لها من طريق الحق , ومن حق الله أن يكون العالم كما أراده الله , ونحن جزء من العالم , فنعطي لله حقة , فلا يكون منه لنا إلا كل جميل .
فإن قيل : فما أراد الله لنا إلا ما أردناه وما ينفعنا منفعة مباشرة .
قلت : وما أردنا نحن إِلَّا أَلا نريد شيئا في حضرة الإله , المنفعة المباشرة نوع من الاختيار , ولا اختيار للإنسان عند ظهور القضاء (الأحزاب 36) , وإن كانت دعوى تجديد الخطاب الديني أساسها أن المجتمع الآن يختلف عن مجتمع النبوة , وأن مجتمع النبوة متكيف نفعيا , حسب تكوينه , مع التشريع , فمن المفترض حسب دعوى التجديد أن يكون القضاء الإلهي متفق بالضرورة مع الاختيار الإنساني في مجتمع النبوة , فكيف ينفي الله حق الاختيار الإنساني في زمن النبوة نفسه مع أن التضارب بين الاختيار الإنساني والقضاء الإلهي مستحيل (حسب دعوى التجديد في تناسب المجتمع القديم مع الشريعة) ?
*يحيي رفاعي سرور
16 - ديسمبر - 2006
الفهم البشرى للوحى الإلهى0000مرة ثانية وأخيرة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
حق الفهم للوحى الإلهى أصبح حكرا على طبقة الصفوة ومرتعا خصبا لتأويلاتهم وتفاسيرهم  0
صاروا كهنوت العصر الحديث والقربان منهم هو الجنة الموعودة 0
 
حق الفهم للوحى الإلهى قاصر على طبقة الصفوة المتطهرين ،وما عداهم أنجاس مناكيد 0
 
لست أدرى سبب هذا التمايز لهؤلاء الأدعياء باحتكار المعرفة ودلالات الوحى الإلهى000لابد أننا _فى مخيلتهم _نتمتع بطفولة فكرية ومراهقة عقلية والوصاية علينا واجبة 000
 
إن إهدار الواقع والإطاحة به والثبات والجمودالفكرى عند لحظة تاريخية معينة والإنسحاب بها لتشمل زمنا مغايرا وأمورا مستجدة ،هو مخالفة صريحة لطبائع الأحداث، فسنة الحياة التغيير 0
 
*عبدالرؤوف النويهى
17 - ديسمبر - 2006
الضابط والفلَّاح    كن أول من يقيّم
 
مر الضابط بعد يومين من هدمه لدار الفلاح , وكان يتوقع أن يكون الفلاح في حالة يرثى أمام الراديو يسمع "الأطلال" للسيدة أم كلثوم , أو "ظلموه" للعندليب , لكنه فوجئ بالفلاح جالسا تحت شجرة وقد بدا عليه علامات التفكير العميق , وما أن رأى الضابط حتى هب واقفا وقال له :
الفلَّاح : أخيرا رأيتك أيها الضابط .
الضابط : وماذا تريد مني ?
الفلَّاح : لقد هدمت داري وشردت أطفالي , لكني مُتفَهِّم لموقفك بسبب موضوع اتساق الفرد بالمجتمع , وتسامي فكرة القانون فوق المنفعة الشخصية , وأن ذلك لا يتعارض مع أصله النفعي .
الضابط : عظيم أيها الفلاح .
الفلَّاح : وعلمت أيضا أن دائرة الحق تقع داخل دائرة المنفعة , وأن دائرة المنفعة دائرة كبيرة تتسع للإنسان وللحيوان , إذ أنه ليس هناك كائن حي إلا ويريد الانتفاع , لكن ما يميز الإنسان هو أنه واقع في دائرة الحق التي تحتم عليه أن يلتمس المنفعة من منظورها الأزلي الأبدي , وأن هذا المنظور يحتم عليه أن يكون على توافق مع حركة الوجود , وأن هذا التوافق يحتم عليه التسليم بمصدر خارجي لمعرفة الوجود , وهذا المصدر هو الوحي .
الضابط : جميل أيها الفلاح .
الفلَّاح : لكن الأستاذ النويهي , يقول أن ذلك جمودا فكريا زمنيا لا يراعى فيه الواقع , معنى ذلك إنك لازِم تُقِيم لي داري أحسن مما كان , وإلا قسما بالله العظيم أكون خارب بيتك أنت وزهير وإلِّلي يتعصَّبلُكم من سراة الوراق .
الضابط : بس ده مش جمود فكري أيها الفلاح , لأننا توصلنا للكلام ده بتحليل مفهوم الإنسان والعالم والحق والمنفعة وعلاقة الله بالإنسان والعالم , وده تفكير .
الفلَّاح : خلاص لمَّا هو مش جمود فكري , يبقى حتما ولا بد جمود زمني , الراجل لو غلط في واحدة مش هايغلط في التانية يعني. يبقى لازم تبني لي داري وترجع لي زوجتي اللي طَفَشِت من عمايلك السودة .
الضابط : كلامي أيضا ليس جمودا زمنيا لأن هناك فرق بين اللامبالاة بالواقع نتيجة الارتباط الأبدية واللامبالاة بالواقع نتيجة الارتباط بالماضي ,
الفلَّاح : وإنت مين فيهم
الضابط : أنا تبع الأبدية والمنظور الأزلي
الفلَّاح : أمَّال يعني الأستاذ النويهي بجلالة قدره والعلم اللي عنده هايقول كده ليه يعني , إنت حتما ولا بد نصاب . وبتستغل الفكر والمعرفة لهدم البيوت .
الضابط : الأستاذ النويهي دارس قانون وعارف إن لا بد من المرور على مبدأ الحق للوصول لمبدأ النفعية .
الفلَّاح :  سيبنا من النويهي خلينا في المكاديمي , المكاديمي يقول بِيِحْلِف بأيمانات المسلمين إن الموضوع موضوع صراعات داخلية من أيام الدولة العباسية , ده كمان غلطان , وانت بس إللِّي أبو العُرِّيف ?
الضابط : مين المكاديمي ده ?
الفلَّاح :  المكاديمي بتاع "يوم المصير"
الضابط : آه قصدك الأكاديمي ?
الفلَّاح :  أيوة
الضابط : الأكاديمي نام بعد مقتل عبد الله بن الزبير واستقرار الأمر في يد عبد الملك بن مروان , وهو لتَوِّه استيقظ ليكتب هذه المقالة بتاعة يوم المصير , ويبدو أنه نام مرة أخرى ولن يستيقظ إلى عند يوم المصير , وسيترك أهوال يوم المصير كلها ويشهد أمام الله أنه لم يكن هناك شيء اسمه الغرب , وإن الموضوع داخلي من أوله لآخره . وكل أللي كان في نشرة الأخبار كان جزء من برنامج الكاميرا الخفية , وكل الأحداث الدولية كانت لزوم التصوير
الفلَّاح :  طيب وأبو الأحرار الرايق المبسوط إللي مابيسمعش لا للإسلاميين ولا للبربريين , هاتقوللِّي ده كمان غلطان ? ده حتى بقه بينقَّط سكر?
الضابط :  تقصد الليبراليين , لا , أبو الأحرار كان واقع على أذنه , ودلوقتي بيسمع كويس , أكيد اتعرَض على طبيب أنف وأذن وحنجرة , وبكرة يسمع لليهود وللملل كلها .
*يحيي رفاعي سرور
18 - ديسمبر - 2006
على رسلك يا يحي.    كن أول من يقيّم
 
على رسلك يا يحي
قرأت شيئا ما في  الفقرة الأخيرة ... ولكن لعل المقص فعل فعله .
*سعيد
19 - ديسمبر - 2006
 1  2  3  4  5