إذا كنا الآن نفتخر بما عندنا من تراث فكري و حضاري و أنساني فلعل الفضل يرجع بعد الله لبعض الأشخاص الذين كانوا يحملون هذه الآمانة العظيمة على أعناقهم و هم مايسمون الآن بأمناء المكتبات ، فتاريخ المكتبات و تنوعها كان له عظيم الأثر في حفظ هذا التراث
آ- الوثائق والمكتبات في مصر القديمة:
مصر القديمة هي التي هدت الشعوب إلى التدوين والتوثيق، ففي مبادئ الفراعنة: "أن ما لم يقيد في وثيقة يعد غير موجود"، ومن البديهي- إزاء ذلك- أن امتلأت آثارهم بالكتابة والرسوم، واحتلت وظيفة الكاتب عندهم المحل الأول بين وظائف الدولة، وأصبحت صورته مألوفة في الآثار الفرعونية، وقد تربع على الأرض، وبسط أمامه ملفات الوثائق، والقرطاس منشور في حجره، يدون فيه بالقلم ما يسمع ويرى9 .
ولقد تم الكشف عن كثير من الكتابات المصرية القديمة على البردي، وكثير من الوصايا والتعاليم الدينية والأخلاقية، تدل على أن قدماء المصريين عرفوا التوثيق والكتابة منذ أكثر من خمسة آلاف عام 10.
وفي العصر البطليمي كانت الإسكندرية المركز الرئيسي للوثائق الرسمية، حيث كان أرشيف الدولة ودار وثائقها في القصر الملكي في منطقة لوخياس.
أما في العصر الروماني، فقد أسس الإمبراطور هادريان دار الوثائق العامة في السرابيوم، كما أنشئت دار للوثائق في عاصمة كل إقليم 11.
وهكذا، كانت الأوضاع مهيأة لنشوء المكتبات منذ آلاف السنين، فقد وجدت دار للكتب منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وفي الألف الثانية قبل الميلاد، كانت ثمة مكتبات تحوي برديات مطوية ومحفوظة في جرار مصفوفة ومرتبة على الرفوف.وكانت مكتبة الإسكندرية أشهر المكتبات في مصر قبل الفتح الإسلامي. وقد أدت دوراً خطيراً في تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ حفظت لنا تراث اليونان القدماء، وترجمات التراث الإنساني في مختلف اللغات، ويعود الفضل في ذلك إلى العلماء والباحثين الذين كانوا يعملون فيها، وإلى موقع المدينة في الخارطة الحضارية العالمية. ولكن هذه المكتبة العظيمة أحرقت زمن الرومان، عندما أضرم قيصر النار في المدينة، عام 47ق.م. وحين فتح العرب مصر حفظوا ما تبقى من محتوياتها، وأصبحت مادة غنية لحركة الترجمة في العصر العباسي، وما لبثت هذه الآثار اليونانية المنقولة إلى العربية أن صارت ميراثاً للإنسانية كلها، منذ أن بدأت أوربا تتصل بالحضارة العربية في القرن
الثاني عشر للميلاد12
المصدر
http://www.arabcin.net/arabic/nadweh/print_pages/print_first_pivot/documentsin_ingardens.htm
ب ـ الوثائق والمكتبات عند اليونان والرومان:
على مدى ما يقرب من عشرة قرون، قامت المكتبات اليونانية، وفي مقدمتها مكتبة الإسكندرية، بالحفاظ على تراث اليونان، حتى انتقل إلى القسطنطينية، حتى إن السريان فيما بين النهرين، كانت لهم حوالي خمسين مدرسة، تعلم فيها العلوم السريانية واليونانية، أشهرها مدرسة الرّها وقنسرين ونصيبين، وكان يتبعها مكتبات.
وخلال هذه الحقبة شارك الرومان بنصيب وافر في الحفاظ على التراث الإنساني، وكانت لهم مكتبات كثيرة، لكنها لم تبلغ مستوى المكتبات اليونانية في الأهمية، لأنها لم ترتبط بمؤسسات تعليمية أو بعلماء مبرزين، كما هو شأن المكتبات اليونانية، ولأنها لم تستطع أن تحدث في الأدب اللاتيني ما أحدثته مكتبة الإسكندرية في الأدب الإغريقي، لكنها على الأقل احتفظت بالتراث الإنساني القديم، بعد حريق الإسكندرية، إلى أن نقله العرب المسلمون إلى العربية، عن طريق المترجمين السريان، فكان العرب والرومان بذلك هم النقلة الحقيقيون للثقافة الإغريقية
المصدر
http://www.arabcin.net/arabic/nadweh/print_pages/print_first_pivot/documentsin_ingardens.htm
الوثائق والمكتبات في حضارات الشرق الأقصى:
وجدت المكتبات في الصين منذ أكثر من ألف عام قبل الميلاد، وقد شهدت الصين في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد نهضة فكرية، تجلت في الأدب والفلسفة، وانعكست بوضوح على عالم الكتب والمكتبات.
اتصل الفرس بالثقافة اليونانية في وقت مبكر، ونقلوا كتب المنطق اليونانية إلى لغتهم، وعنها نقل ابن المقفع إلى العربية.
وكان السريان قد نقلوا الثقافة اليونانية إلى لغتهم وإلى الفارسية، أيام الساسانيين، وعن السريانية تولى نقلها النصارى من النساطرة واليعاقبة إلى العربية.
وهكذا انتقلت الثقافة اليونانية عن طريق الفرس والعرب، وازدهرت زمن العباسيين.
ويذكر أن الفرس ـ حين عادوا من حملتهم على مصر واليونان ـ حملوا معهم بعض كتب اليونان، وأنهم نشطوا في إنشاء المدارس وخزائن الكتب، كمدرسة جنديسابور، التي أنشأها كسرى أنوشروان لتدريس الطب والفلسفة، وكخزانة الكتب الفارسية، التي أتى بها يزدجرد إلى مرو14
تاريخ الكتابة والكتاب
مع التطور التاريخي لحياة الإنسان وتداخل المجتمعات مع بعضها البعض وترابطها ، وجد نفسه غير قادر على التفاهم مع الغير من المجتمعات الأخرى ، ولذلك بذل قصارى جهده في ايجاد الوسيلة التي يستطيع عن طريقها التواصل و التفاهم مع تلك المجتمعات ، ولذلك هداه التفكير الى اختراع الكتابة التي من خلالها يستطيع أيضا حفظ بنتاجه الفكري و تراثه الثقافي والعلمي من الضياع و الاندثار .
وقد مرت الكتابة بعدة مراحل زمنية قبل ان تبلغ القبول و السهولة في الاستخدام ، فقد بدأت على شكل صور تدل على معاني ومدلولات ملموسة في الحياة اليومية ، وقد تم العثور على بعض النقوش والصور عمرها 35000 سنة في كهوف " لاسكو " في فرنسا و " التميرا " في إسبانيا ، ولان لغة هؤلاء القوم كانت بدائية ، فلم تكن هناك حاجة لتطوير كتابة خاصة بهم . كما تم العثور على الكثير من النقوش و الصور والرموز الدالة على معاني معينة في منطقة الهلال الخصيب وبالتحديد مع الحضارة السومرية وذلك قبل حوالي 5500 سنة . وقد دلت هذه النقوش والرموز على تطور الكتابة عندهم حيث عرفت كتابتهم بالمسمارية او الاسفينية . وقد كانت الكتابة في بداية عهدها عبارة عن صور توحي تماما بما رسم فيها . وفي مرحلة اكثر تقدما تطورت الى صور رمزية توحي بمعنى معين . وتم العثور على حوالي 2000 صورة رمزية ، ومما لاشك فيه ان هذه الرموز كانت صعبة الفهم لعامة الناس ، فسارعوا الى استعمال رموز توحي بأصوات معينة ، وهذه الرموز الصوتية كانت خطوة أساسية الى الأمام في تطوير الكتابة .
وفي مرحلة متقدمة من التاريخ البشري جاء الفينيقيين وهم سكان السواحل الشرقية لحوض البحر المتوسط وذلك حوالي 1100 ق.م وابتكروا الكتابة الفينيقية مستعينين بذلك بالكتابة السومرية و المصرية القديمة وطوروها ، وبذلك ابتكروا الأبجدية الفينيقية والتي هي عبارة عن حروف وكل حرف يمثل صوتا معينا ، وصارت حروفهم او رموزهم واضحة سهلة للكتابة .
وهذه الحروف كانت اساسا للكتابة في الشرق كما في الغرب .
وجاء بعد ذلك الإغريق وطوروا بجديتهم التي نقلوها عن الفينيقيين وذلك حوالي 403 ق.م حيث صار لديهم أبجدية خاصة بهم والتي أصبحت أساسا للأبجدية في الغرب . ثم جاء الرومان فاخذوا الأبجدية الإغريقية ، فابقوا على بعض الأحرف كما هي ( حوالي 12 حرفا ) وعدلوا سبعة أحرف ، أعادوا استعمال ثلاثة أحرف كان قد بطل استعمالها . وقد سادت الأبجدية الرومانية واللغة اللاتينية بلاد أوربا بعد سيطرة الإمبراطورية الرومانية على بلاد الغرب .وهذه الأبجدية مازالت تستعمل حتى يومنا هذا بعد إجراء بعض تعديلات عليها
اما الكتابة و الأبجدية العربية فقد جاءت متأخرة بعض الوقت عن باقي الأبجديات لعدم اهتمام العرب بالكتابة في عصر الجاهلية وذلك لان معظم القبائل العربية كانت من البدو ولم يكونوا في حاجة الى ثقة بالكتابة . لكن بعد نزول القران الكريم ودخول الإسلام الجزيرة العربية
أخذت الكتابة العربية مكانها بين القبائل وبالأخص عندما قرر الخلفاء الراشدون تدوين القران الكريم وكان ذلك في عهد الخليفة عثمان بن عفان . ومع انتشار القران الكريم والدعوة الإسلامية في عموم الأقطار ، انتشرت الكتابة العربية انتشارا واسعا ، كما استعملت الكتابة العربية في لغات عديدة غير العربية منها الفارسية و الأفغانية و التركية .
والأبجدية العربية في الأصل مشتقة عن الكتابة السامية التي اشتقت بدورها عن الأبجدية الفينيقية التي تألفت أصلا من 22 حرفا هجائيا ووصلت الى العرب عن طريق الأنباط الذين سكنوا شمال الجزيرة العربية ، وقد تأثر الأنباط بحضارة الآراميين وكتابتهم .
مجموعة من الصحائف المخطوطة أو المطبوعة يضم بعضها إلى بعض بالخياطة أو التغرية أو بواسطة أسلاك معدنية. يكون عادة ذا غلاف ورقي أو ذا غلاف كرتوني, وقد يجلد بالقماش ونحوه. وقديما كان الكتاب عبارة عن مجموعة ألواح فخارية, أو عبارة عن درج من ورق البردي. فأما ( الكتاب الفخاري ) فقد عرفه السومريون والبابليون قبل أكثر من أربعة آلاف سنة, وأما ( الكتاب الدرجي ) فقد عرفه المصريون في الفترة نفسها تقريبا. والواقع أن المصريين
صنعوا من سوق قصب البردي أدراجا طويلة جدا . ولما كان البردي أخف وزنا وأكثر ملاءمة
للكتابة من الفخار فقد أخذت مصر تصدره الى مختلف بلدان الشرق الأدنى. وعن المصريين اقتبس الإغريق ( الكتاب الدرجي ) وعن الإغريق اقتبسه الرومان بدورهم . و من لفظة Papyrus (البردي) اشتقت لفظة Paper (الورق), ومن اسم مدينة جبيل Byblos, وهي الميناء الفينيقي الذي أصبح فيما بعد مركزا لتصدير البردي, اشتق الإغريق لفظ Biblion وهو اسم الكتاب في لغتهم. ومن كلمة Biblion هذه نشأت كلمة Bible ومعناها الكتاب المقدس. وحوالي العام 400 للميلاد حل الرق Parchment وكان يعد من جلود الحيوانات محل البردي, واتخذ الكتاب شكله الحاضر ذا الصفحات المطوية المضموم بعضها إلى بعض. وفي القرن الثامن للميلاد شرع العرب يستخدمون الورق الذي ابتكره الصينيون عام 105 للميلاد بدلا من الرق ( الجلود ) بعد فتح مدينة سمرقند حيث أسسوا مصنعا لصناعة الورق عام 751 م . وعنهم أخذته البلدان الأوروبية في القرن الثاني عشر. وقد أنشئ أول مصنع للورق في إنكلترا في القرن الخامس عشر. وحوالي عام 1436 اخترع غوتنبرغ الطباعة بالحروف المعدنية المنفصلة أو المتحركة فكان ذلك الاختراع نقطة تحول في تاريخ الكتاب نقلته من طور المخطوطة إلى طور المطبوعة. وأول كتاب طبع في أوروبا هو الكتاب المقدس الذي طبعه غوتنبرغ في ما بين عام 1452 وعام 1455 م .