التعايش الداخلي والتدخل الخارجي 2 كن أول من يقيّم
رأي الوراق :     
لم يشهد العراق استقرارا سياسيا أو اقتصاديا أو جتماعيا إلا في فترات محدودة متقطعة من تاريخه، منذ الفتح الإسلامي وحتى سقوط الدولة العثمانية واحتلال بريطانيا للعراق وقيام الملكية بمباركة دولة أجنبية غربية هذه المرة! حروب وثورات وانتفاضات، وسقوط دولة وظهور دولة جديدة، أوبئة ومجاعات وفيضانات لا تنقطع لنهر دجلة والفرات.
إن التداخل والتعايش السني الشيعي في بغداد خصوصا وفي بعض المناطق المختلطة دينيا ومذهبيا وعرقيا، كان في ظلّ بناء بعض المدن واتساع ما كان موجودا منها. ومع البناء والتوسعة العمرانية، تتداخل الأعراق والمذاهب، وتتبدل طبيعة التركيبة السكانية للمكان، وتظهر مفاهيم جديدة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وتخف شيئا فشيئا النزعات العنصرية والمذهبية وكثير من التقاليد والأعراف الاجتماعية.
وفي ظل استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي وبناء المدارس والجامعات، وانتشار التعليم بين الناس الذي أخذ يظهر تدريجيا منذ تأسيس الدولة العراقية، أثر أيجابا على طبيعة العلاقة بين مكونات الشعب العراقي. ومع المجاورة واللقاء والتحاور والعمل والمصلحة المشتركة، يحصل التفاهم والانسجام وكذلك المحبة والزواج بين المختلفين مذهبيا وعرقيا..
في هذا الجو من الانسجام والترابط الأسري، كانت تتوارى تماما الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة. لم يكن اسم أبي بكر أوعمر يثير حساسية الشيعي وهو في حضن زوجته وحبيبته السنية، ولا زوجة الرجل السني وهي تجلس الى جواره يداعبها ويهمس في أذنها بكلمات الغزل وهي تدفعه بتصنّع، تتوارى الصورة الموروثة في طيّات ذاكرة مهملة. قد يثيرها نزاع اجتماعى أو اقتصادي أو أسري وهو أمر نادر الوقوع. ولكنّ البلاء في الخلاف السياسي!
لماذا لم يكن الخلاف له طابع شعبي يتمثل في صراع المدن والجماعات، أي أنّ الطائفية العراقية هي ليست طائفية شارع، وإنّما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة التي اتخذت لنفسها مذهبا حاكما مارست من ورائه التمييز الطائفي ضد المذهب المحكوم كما يقول حسن علوي في كتابه الشيعة والدولة القومية. كتاب أصدره المؤلف وهو خارج العراق سنة 1989. والرجل كان قريبا من الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومطلعا على الكثير من الأسرار والحقائق المتصلة بموضوعنا هذا، وقد هرب من العراق بعد وصول صدام الى السلطة بأعوام قليلة. لعلّ ممارسات القمع الممنهج والطائفية السياسية التي مارسها النظام ضد أكثرية الشعب العراقي كانت واحدة من أهم أسباب ذلك القرار.
ويضيف الكاتب نفسه:إنّ التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة يجعل الانسان طائفيا.. وبديهي أن من يمارس التمييز الطائفي ينبغي أن يكون في مركز القوة كأن يمتلك امتيازات عامة قابلة للتوزيع فيسعى الى توزيعها بطريقة منحازة...)
|