سوف أعيد في آخر هذه الصفحة تعليقا لي منشورا بعنوان (المتنبي والخصيبي) في موضوع سبق أن نشرته في مجلس عالم الكتب بعنوان كتاب الأسوس (كتاب النصيرية المقدس) ؟ ولم أكن على علم بأن ديوان الخصيبي منشور عندنا في الموسوعة، وهو ديوان غريب قضيت في قراءته أسبوعين وبحثت في كل كتب الأدب فلم أر أثرا له، وكلما بحثت عن بيت قدرت أن يكون مشهورا وجدته منسوبا إلى من لا يعرف اسمه، ومثال ذلك البيت:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل
وسوف أنشر في هذا الملف ما اخترته من هذا الديوان خشية أن تحول مشاغلي دون تحقيق ما لا فائدة في نشره بلا تحقيق، وقد استوقفني فيه مكانة أبي بكر الصديق في شعر الخصيبي، فهو يجله إجلال أهل السنة ولكنه يحمل في كثير من قصائده على رجلين مدفونين في المدينة المنورة هما عتيق وحبتر، ويفهم من هذه القصائد أن المهدي المنتظر سنبش قبريهما ويخرجهما كأنهما دفنا يوم أخرجا ويصلبهما. كما يحمل في قصائده على من يسميهم أتباع شنبويه وأتباع أبي العذاقر، واتباع حمين الكافر الغادر، وأهل التقصير، وربما يريد الحنابلة، وأتباع إسحق الأحمر ؟ وقزمان وآخرين سيرد ذكرهم في هذه المختارات، كما أنه يعتمد مصطلحات يبدو أنه كانت معترفا بها في أوساط النصيريه، مثل (ميم وعين وسين) ويريد محمدا (ص) وعليا وسلمان، و(سلسل) ويريد سلمان أيضا، وبقي أن أشير إلى أن ديوانه المنشور في الموسوعة، في نشرتها التي لم تصدر بعد يضم (91) قصيدة في (2207) أبيات، وفيما يلي نص تعليقي المشار إليه في فاتحة هذا الموضوع:
يعتبر الحسين بن حمدان الخصيبي أكبر شيوخ النصيرية في التاريخ، وأقدم من ينتسبون إليه من رجالهم، ترجم له الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) فقال: (كان يؤم سيف الدولة وله أشعار في مدح أهل البيت وذكرالنجاشي أنه خلط وصنف في مذهب النصيرية واحتج لهم. قال وكان يقول بالتناسخ والحلول)
وذهب الأستاذ ديب علي حسين في كتابه (أعلام من المذهب العلوي) (18) أن الخصيبي هذا هو ممدوح المتنبي في اثنتين من قصائده، الأولى قصيدته التي مطلعها
أَفاضِلُ الناسِ أَغراضٌ لِذا الزَمَنِ |
|
يَخلو مِنَ الهَمِّ أَخلاهُم مِنَ الفِطَنِ | وفيها قوله:
أَفـعـالُـهُ نَـسَـبٌ لَو لَم يَقُل iiمَعَها |
|
جَدّي الخَصيبُ عَرَفنا العِرقَ بِالغُصُنِ |
العارِضُ الهَتِنُ اِبنُ العارِضِ الهَتِنِ اِب |
|
نِ العارِضِ الهَتِنِ اِبنِ العارِضِ iiالهَتِنِ |
قَـد صَـيَّـرَت أَوَّلَ الـدُنيا iiوَآخِرَها |
|
آبـاؤُهُ مِـن مُـغـارِ العِلمِ في iiقَرَنِ |
كَـأَنَّـهُـم وُلِـدوا مِن قَبلِ أَن iiوُلِدوا |
|
أَو كـانَ فَـهـمُـهُـمُ أَيّـامَ لَم iiيَكُنِ |
الـخـاطِـريـنَ عَـلى أَعدائِهِم iiأَبَداً |
|
مِـنَ الـمَـحامِدِ في أَوقى مِنَ الجُنَنِ |
لِـلـنـاظِـريـنَ إِلـى إِقبالِهِ iiفَرَحٌ |
|
يُـزيـلُ مـا بِجِباهِ القَومِ مِن iiغَضَنِ |
كَـأَنَّ مـالَ اِبـنِ عَـبدِ اللَهِ iiمُغتَرَفٌ |
|
مِـن راحَـتَـيهِ بِأَرضِ الرومِ وَاليَمَنِ |
لَـم نَـفـتَقِد بِكَ مِن مُزنٍ سِوى iiلَثَقٍ |
|
وَلا مِـنَ الـبَحرِ غَيرَ الريحِ iiوَالسُفُنِ |
وَلا مِـنَ الـلَـيـثِ إِلّا قُـبحَ مَنظَرِهِ |
|
وَمِـن سِـواهُ سِوى ما لَيسَ iiبِالحَسَنِ |
مُـنـذُ اِحـتَـبَيتَ بِأَنطاكِيَّةَ iiاِعتَدَلَت |
|
حَـتّـى كَـأَنَّ ذَوي الأَوتارِ في iiهُدَنِ |
وَمُـذ مَـرَرتَ عَلى أَطوادِها iiقَرِعَت |
|
مِـنَ الـسُـجودِ فَلا نَبتٌ عَلى iiالقُنَنِ |
فَـمُـر وَأَومٍ تُـطَع قُدِّستَ مِن iiجَبَلٍ |
|
تَـبارَكَ اللَهُ مُجري الروحِ في iiحَضَنِ | ولكن الشراح سموا ممدوح المتنبي في هذه القصيدة وانه قاضي أنطاكية أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن محمد بن الخصيب الخصيبي
والثانية قصيدته التي اتهمه بعض الشراح لأجلها بالكفر لقوله فيها:
يـا أَيُّـهـا المَلَكُ المُصَفّى iiجَوهَراً |
|
مِن ذاتِ ذي المَلَكوتِ أَسمى مَن سَما |
نـورٌ تَـظـاهَـرَ فـيكَ iiلاهوتِيَّةً |
|
فَـتَـكـادُ تَـعـلَمُ عِلمَ ما لَن iiيُعلَما |
وَيُـهِـمُّ فـيـكَ إِذا نَطَقتَ iiفَصاحَةً |
|
مِـن كُـلِّ عُـضوٍ مِنكَ أَن iiيَتَكَلَّما |
أَنـا مُـبـصِـرٌ وَأَظُـنُّ أَنِّيَ نائِمٌ |
|
مَـن كـانَ يَـحـلُـمُ بِالإِلَهِ iiفَأَحلُما |
كَـبُـرَ الـعِـيـانُ عَلَيَّ حَتّى iiإِنَّهُ |
|
صـارَ الـيَـقينُ مِنَ العِيانِ iiتَوَهُّما |
يـا مَـن لِـجـودِ يَدَيهِ في iiأَموالِهِ |
|
نِـقَـمٌ تَـعـودُ عَلى اليَتامى iiأَنعُما |
حَـتّـى يَـقـولَ الناسَ ماذا iiعاقِلاً |
|
وَيَـقـولَ بَـيتُ المالِ ماذا iiمُسلِما |
إِذكـارُ مِـثـلِـكَ تَركُ إِذكاري لَهُ |
|
إِذ لا تُـريـدُ لِـمـا أُريدُ iiمُتَرجِما |
و هذه القصيدة لا يعرف ممدوح المتنبي بها، قال أبو العلاء في "معجز أحمد" (ويقال: إن هذا الممدوح كان نصرانياً فأظهر الإسلام وهو متهم بالتنصر، فأراد أن يستكشفه عن مذهبه فأورد عبارات النصارى على وجه الانتحال، وغرضه استكشاف حاله ووصف منهجه، فعلى هذا لا يلزم الكفر ... وروى عنه أنه قال: نعوذ بالله تعالى من الكفر، إنما قلت جوهراً وبينهما تضمين يزيل الظن.)
وقال عز الدين المهلبي (644هـ) في كتابه (المآخذ على شراح المتنبي):
معلقا على البيت:
يا أَيُّها المَلَكُ المُصَفّى جَوهَراً مِن ذاتِ ذي المَلَكوتِ أَسمى مَن سَما
(هذا البيت وثانيه ورابعه وخامسه من أقبح الشعر وأرذل الألفاظ وأخس المعاني، ولا يصدر مثل هذا إلا عن متهافت في الرأي والعقل، غير متماسك في التقى والدين، وكأنه ينبه على قائله بذلك بل ينادي) |