البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : نصارى الجزيرة العربية    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 زهير 
21 - يناير - 2011
تحية طيبة أصدقائي الكرام:
قضيت اليوم في قراءة فصول من كتاب لويس شيخو (النصرانية وآدابها) فاخترت منه هذه الفقرات وتتعلق بتاريخ النصرانية في جزيرة العرب
قال:
ورد في أعمال طيموتاوس الكبير بطريرك النساطرة أنه سام أسقفاً على نجران وصنعاء اسمه بطرس في أواخر القرن الثامن وجاء في كتاب الفهرست لأبي الفرج بن النديم (ص349) أن المؤلف اجتمع براهب من نجران في اليمن يدعى حسان كان أنفذه جاثليق النساطرة إلى الصين فعاد منها سنة 377 (988م) وأخبره بعجائبها.
 
قال: وجاء في تقويم الكنائس النسطورية الذي طبعه الخوري بطرس عزيز الكلداني (واليوم مطران سلست في العجم) عن بعض مخطوطات مكتبتنا الشرقية (ص7) في الحاشية أن البطريرك يوحنا الخامس أرسل كتاباً إلى حسن قسيس اليمن سنة 901م يجاوب فيه على 27 سؤالاً ألقاها عليه. وقال في الجدول أن في سنة 1210 للمسيح كان في صنعاء اليمن خمسة أساقفة للنساطرة. الأول مطرابوليط على صنعاء اسمه اسطيفانوس وتحت يده ثلاثة اساقفة إيليا وياولاها وشمعون لهم ثلاث كنائس وعدد المؤمنين عندهم 5.700. ثم كان أسقف لمدينة زبيد اسمه عبد يشوع وعدد المؤمنين فيها 2100 بيت. ثم ذكر نجران وقال أن في سنة 1260 كان لها أسقف يدعى يعقوب وأن في أنحائها كان 1400 بيت من النساطرة.
وقال عن عدن أنها كان يوجد فيها سنة 1250م أسقف اسمه ميلو وأن جماعة النساطرة كانت 1300 بيت إلا أن أكثرهم قتلوا بالسيف أو عدلوا إلى الإسلام. هذا ما نقلناه عن هذا الأثر الذي يمكنا أن نقابله على غيره لنتأكد صحته.
 
قال: (وفي القرن السادس عشر ذكر الكاتب الأسباني أوردينو دي سينالتوس أنه في رحلته إلى الغرب لقي بعض قبائل عربية اختفت به وأكدت له أن أصلها من قبائل نصارى العرب في اليمن. وقد أخبرنا المرسلون الكبشيون في عدن سنة 1895 انهم وجدوا في بعض أهل اليمن آثاراً مسيحية ظاهرة ورثوها من أجدادهم النصارى).
 
وقال عن نصارى عُمان:  (عمان) شمالي حضرموت واقعة على شواطئ بحري الهند والعجم وحاضرتها صحار وكانت النصرانية دخلت إليها بواسطة دعاة أتوها من العراق. وفي التواريخ الكلدانية أسماء أساقفة كانوا في عمان منذ القرن الخامس وهم يدعونها مزون كما دعاها أيضاً العرب ونبه إليه ياقوت في معجم البلدان (4: 521) فممن ذكروه يوحنان سنة 424 وداود (544) وشمويل (576) واسطفان (676).
وفي جملة الرسائل التي بعث بها رسول الإسلام إلى الملوك رسالة وجهها إلى ملك عمان المسمى جيفر بن الجلندي من أزد عمان كان نصرانياً هو وأخوه عباد ويقال عبد وعبيد.
فنصرانية الملك تشير إلى نصرانية البلاد الخاضعة له.
وكان في عمان أديرة للنصارى يشير إليها صاحب الأغاني. وجاء في تاريخ ابن الأثير (1: 234) أن قيس بن زهير (لما تنصر ساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها).
وقال عن نصارى البحرين وقطر وهجر:
(البحرين) هي البلاد الساحلية الواقعة في شرقي جزيرة العرب على سواحل خليج العجم حيث مغاص اللؤلؤ الشهير كان أهلها في الجاهلية من بني عبد القيس وهي إحدى القبائل المعروفة بنصرانيتها قال الشاعر ذو الرمة في بعض أحيائها (اطلب نسخة مكتبتنا الخطية ص 57):
ولكنَّ أصلَ امرئ القيس معشرٌ= يحلُّ لهم أكلُ الخنازير والخمرُ
 
قال:
وكان للنساطرة في بلاد البحرين اساقفة وخصوصاً في قطر وهم يسمونها بيت قطرايا وقد ذكروا في مجمعهم الذي عقده سنة 585 الجاثليق يشو عياب أهل البحرين المنتصرين ويأمرونهم بالكف عن الشغل يوم الأحد إن أمكنهم الأمر وإلا اعفوهم من ذلك لأجل
الضرورة. وقد ثبت هؤلاء النصارى على دينهم بعد الإسلام كما يظهر من مجمع آخر نسطوري عقد سنة 57 ه (676م) دبر فيه الآباء عدة أمور دينية. ومنه يظهر أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودعاة الدين
وكان إذ ذاك على قطر اسقف اسمه توما.
وكان لقصبة بلاد البحرين وهي هجر اسقف يدعى اسحاق ذكر في مجمع النساطرة سنة 576 ثم ذكر اسقف آخر يدعى فوسي سنة 676.
ومن جزائر البحرين دارين ويقال ديرين ذكرها في تواريخ النساطرة ثلاثة اساقفة وهم بولس سنة 410 ويعقوب سنة 585 ويشوعياب سنة 676.
ومنها أيضاً جزيرة سماهيج (وفي السريانية مشمهيج) في وسط البحر بين عمان والبحرين (ياقوت 3: 131) كانت فيها كنيسة مسيحية وفي المجامع النسطورية  273 275  أسماء ثلثة اساقفة تولوا تدبيرها وهم باطلي والياس (410) وسركيس (576).
ومن مدن الاحساء الخط وهي بلدة تنسب إليها الخطيَّة وكان الفرس يدعونها بيت اردشير وكان للنساطرة فيها كنائس ذُكر من اساقفتها اسحاق سنة 576 وشاهين سنة 676.
(اليمامة) وربما سميت بالعروض والجو وتلحق بإقليم الأحقاف وهي مفاوز متسعة في الجنوب الغربي من عمان بين الاحساء شرقاً والحجاز غرباً كانت قصبتها.
حُجْر بفتح فسكون كبيرة، والعرب يجعلون فيها قوماً من الجبابرة من طسم وجديس. وما لا ينكر النصرانية انتشرت في تلك الأنحاء بعد قسطنطين الكبير فان عمرو بن متى في كتاب فطاركة الشرق ذكر أن عبد يشوع السائح بشَّر بالنصرانية في جهات اليمامة في آواخر القرن الرابع للمسيح.
وكان معظم سكان اليمامة قبل الإسلام بني حنيفة ممن يشهد الكتبة المسلمون على نصرانيتهم وكان يملك عليهم قبل ظهور الإسلام بقليل هوذة بن علي الذي كان أسر قوماً من بني تميم ثم اطلقهم يوم عيد الفصح كما ذكر ابن الأثير في تاريخه (ج1 ص260 من طبعة مصر) فقال الأعشى يمدحه لفعله:
بهم  يقربُ يومَ الفصح iiضاحيةً يرجو الالهَ بما أسدى وما صنعا
على أن بعض الكتبة زعموا أن بني حنيفة كانوا يعبدون صنماً من عجين ثم آتت عليهم سنة فآكلوه فهجاهم البعض بقوله:
أكـلـت حنيفة iiربها زمن التقحُّم والمجاعهْ
لـم يحذروا من ربهم سوء العقوبة iiوالتباعهْ
وعندنا أن هذه الشكوى باطلة وأن الذين نسبوا إلى بني حنيفة أكل صنم من عجين إنما خدعوا بما رأوه من تقربهم من القربان الأقدس فان الأصنام لا تتخذ من العجين ولا تسد جوع كثيرين في أيام القحط فضلاً عن كون الأقط اليابس العتيق لا يصلح لأكل.
ومما يدل على نصرانية اليمامة مقاومة أهلها للمسلمين تحت قيادة مسيلمة الذي عرف بالكذاب وكان نصرانياً هو وسجاح التغلبية امرأته. وقبل أن أمر مسيلمة المذكور قد تفاقم حتى خاف المسلمون فتنته وكان يتلو قرآناً كرسول المسلمين ذكره عبد المسيح الكندي في رده على الهامشي (ص87 من طبعة اكسفرد) فدخل عليه قوم ليلاً واغتالوه وكفروا شره.
قال: (وأخبر المؤرخ ابن ماري (ص29) أنه تلمذ العرب في متوث وميشان واليمامة ورد بني ثعلبة إلى الإيمان فجعله تومرصا اسقفاً مقامه في دير محراق. ومنهم تلميذه يبالاها الذي رد أقواماً من العرب في أرياف الفرات وابتنى ديراً في دسكرة السواد وديراً آخر على ضفة النهر قيل أن عدد رهبان ديره قد كثر حتى ضاق بهم الدير مع سعته فبلغوا الأربعمائة بنيف ...
وقد ذكر سليمان بن ماري في تاريخ فطاركة كرسي المشرق (ص21) وعمرو بن متى في المجدل (ص28) كثيراً من هذه الأديرة واختصروا تواريخها عن كتبة معاصرين أخصهم
أّحي تلميذ مار عبداً الذي وضع ترجمة حياة معلمه ثم صار بعد ذلك بطريركاً على الكلدان). 
قال: (وقد ذكر كنائس اليمن قزما الرحالة الكاتب اليوناني نحو السنة 535 م فقال: ( حيثما سرت كنائس للنصارى وأساقفة وشهداء وسياحاً حتى بين أهل عربية السعيدة الذين يدعون بالحميريين كما في كل العرب أيضاً) (راجع الصفحة 65).
وقد خص كتبة العرب فصولاً من تواريخهم في وصف كنيسة صنعاء اليمن التي شيدها أبرهة بعد فتح الحبش لليمن وهم يدعونها بالقليس اشتقوها من لفظة  اليونانية وتعريبها الكنيسة. وقد روينا في مجاني الأدب (3: 302) بعض أوصافهم. راجع معجم البلدان لياقوت (في مادة قليس 4: 170) وتاريخ الطبري (ا: 934 - 935) وتاريخ الشيخ صالح الأرمني (طبعة اوكسفرد ص 139). وأقدم من كل هؤلاء صاحب (أخبار مكة) أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي من كتبه القرن الثالث للهجرة والعاشر للمسيح (طبعة ليبسيك 88 - 90) وذا بعض ما رواه قال:
(كان القليس مربعاً مستوي التربيع جعل (برهة) طوله في السماء 60 ذراعاً وكبسه من داخله 10 أذرع في السماء وكان يصعد إليه بدرج الرخام وحوله سور بينه وبين القليس مائتا ذراع يطيف به من كل جانب وجعل بين ذلك كله حجارة يسميها أهل اليمن الجروب منقوشة مطابقة لا يدخل بين أطباقها الإبرة مطبقة به. وجعل طول ما بنى به من الجروب 20 ذراعاً في السماء ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض حجراً أخضر وحجراً أحمر وحجراً أبيض وحجراً أصفر وحجراً أسود وفيما بين كل سافين خشب ساسم مدور الرأس غلظ الخشبة حضن الرجل نائته على البناء... ثم فصل بإفريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان وكان الرخام ناتئاً على البناء ذراعاً. ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نقم جبل صنعاء المشرف عليها ثم وضع فوقها حجارة صفر ثم حجارة بيض لهما بريق. فكان هذا ظاهر حائط القليس وكان عرض حائط القليس ستة أذرع... وكان له باب من نحاس 10 أذرع طولاً في 4 عرضاً وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله 80 ذراعاً في 40 ذراعاً معلق (؟) العمل بالساج المنقوش ومسامير الذهب والفضة. ثم يدخل من البيت إلى إيوان طوله 40 ذراعاً عن يمينه وعن يساره وعقوده مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة. ثم يدخل من الإيوان إلى قبة 30 ذراعاً في 30 ذراعاً جدرها بالفسيفساء وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة 10 أذرع في 10 تغشى عين من نظر إليها من بطن القبة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة. وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ وهو عندهم الأبنوس مفصل بالعاج الأبيض ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة وكان في القبة سلاسل فضة...).
ثم ذكر ما حل بهذه الكنيسة بعد الهجرة وكيف هدمها أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني عباس بإغراء أحد أبناء الوهب بن المنبه وبعض يهود صنعاء.
وقد ذكر أبو صالح الأرمني في تاريخه (ص 140 من طبعة اوكسفرد) كنيسة أخرى في بلاد اليمن دعاها (مرور الدير) قال أنه كان عليها حصن منيع وتسمى في زمانه بمقبرة الحكماء.
 قال: (ومما رواه السياح المحدثون أن جامع صنعاء الباقي إلى اليوم كان في سابق الزمان كنيسة حولها المسلمون إلى جامع.
وكذلك روى الرحالة الألماني الشهير غلازر    15 37) أنه
دخل سنة 1886 مسجداً يدعى مسجد نجيم يريم قريباً من ظفار حاضرة اليمن سابقاً فوجد في أبنيته وعمده وجدرانه آثاراً نصرانية ونقوشاً تدل على أنه كان سابقاً كنيسة مسيحية.
وقد اشترهت في تاريخ النصرانية مدينة نجران التي استشهد أهلها في عهد ذي نواس (راجع ص 59 - 61) فلما عاد إليها السلام ورجعت النصرانية إلى رونقها بني فيها كنيسة كبيرة عرفها العرب بكعبة نجران فورد ذكرتها في شعر الأعشى حيث أنشد يخاطب ناقته:
فكعبةُ نجرانَ حتمٌ iiعليكِ حـتَّـى تناخي iiبأبوابها
نزور يزيد وعبد المسيح وقيساً  همو خيرُ iiأربابها
فمدح الأعشى هنا بني عبد المدان الحارثين سادة نجران النصارى. قال أبو الفرج الأصفهاني (الأغاني 10: 142): (والكعبة التي عناها الأعشى هاهنا يقال أنها بيعة بناها بنو عبد المدان على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان إذا نزل بها مستجير أجير أو خائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أعطي ما يريده).
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
معلومات مفيدة    كن أول من يقيّم
 
شكرا لكم أستاذنا الغالي زهير على هذه المعلومات المفيدة حول النصرانية في جزيرة العرب. ولقد ذكرتني هذه المعلومات بأن كثيرا من المسيحيين اليوم لا تعجبهم تسميتهم بالنصارى على اعتبار أن النصارى العرب القدماء عندهم مسيحيون مهرطقونَ!
وكان النصارى الشرقيون النساطرة كما هو معلوم قد اتبعوا إمامهم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية ما بين سنتي428-431 ، والذي قال بأن مريم(ع) هي أم يسوع الإنسان وليست والدة الإله. فالمسيح(ع) ذو طبيعة بشرية محضة منفصلة عن طبيعته الإلهية عنده، يعني أن المسيح مكوّن من شخصين، شخص إلهيّ هو الكلمة، وشخص بشريّ هو يسوع. فالمسيح بطبيعته الإلهية هو الله عند النساطرة. وقد ورد ذكرهم في القرءان الكريم في قوله تعالى: " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم" بينما الأرثوذكس والكاثوليك الذين يقولون بعقيدة التثليث يمزجون بين الطبيعتين في شخصية واحدة للمسيح ويعدونه ابنا للإله ، ويكون الإله الواحد عندهم كما هو معلوم مكونا من ثلاثة أقانيم(أشخاص) أحدها المسيح بصفته ابن الإله، وقبله الآب وبعده الروح القدس. وقد قال الله تعالى فيهم: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة..".
ويبدو أن عقيدة التثليث نتجت عن الخلط بين الله تعالى وبين الروح القدس جبريل(ع) وبين السيد المسيح(ع)، وربما كان سبب الخلط ما كان للسيد المسيح من قدرات خارقة مثل إحياء الموتى بإذن الله، وأن الله تعالى أيده بروح القدس، وغير ذلك من الخوارق مما جعل من بعده يقدسونه تقديسا إلهيا لدرجة أن يوحنا صاحب الإنجيل المعروف باسمة ما ألف إنجيله بعد مائة عام من وفاة المسيح إلا نعيا على أتباع يوحنا المعمدان وغيرهم من المؤمنين إيمانهم بإنسانية المسيح ورسالته، وأنهم بنظره ليسوا مؤمنين.( ينظر الشرح والتعليق على إنجيل يوحنا في آخر صفحات الكتاب المقدس).
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
1 - فبراير - 2011
حياك الله    كن أول من يقيّم
 
حياك الله وبياك أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان وشكرا لكم على هذه الإيضاحات التي يجدر بها أن تنال قسطا أكبر من اهتمامكم، وأنا حتى اليوم لم ألتق برجل يهتم بكل هذا، وكلما قرأت بحثا يتناول تاريخ المسيحية في صدر الإسلام رأيت كاتبه لم يتحرر من أغلال الطائفية، والمشكلة الكبرى هنا يا أستاذ هي مسألة الزواج من المرأة المسيحية التي تعتقد إحدى العقيدتين المشار إليهما في مشاركتكم، وأنقل هنا ما حكاه ابن قيم الجوزية في كتابه (أحكام أهل الذمة) تحت عنوان (حكم نكاح الكتابية) قال: (ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن. قال تعالى:  (وَالمُحصنَاتُ منَ المُؤْمنات وَالمُحْصنَات منَ الذينَ أوتوا الكتابَ منْ قَبْلكمْ ) والمحصنات هنا هُن العَفائف، وأماَ المحصنات المحرمَات في سورة "النسَاء" فهن المزوجات. وقيل: المحصنات اللاتي أُبحن هنّ الحرائر، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب. والصحيح الأول بوجوه:
أحدها أن الحريِة ليست شرطاً في نكاح المسلمة.
الثاني: أنه ذكر الإحصان في جانب الرجل كما ذكره في جانب المرأة فقال: (إذَا آتيَتمُوهُن أجوُرَهُن مُحْصنين ) وهذا إحصان عفة بلا شك، فكذلك الإحصان المذكور في جانب المرأة.
الثالث: أنه سبحانه ذكر الطيبات من المطاعم، والطيبات من المناكح فقال تعالى: (الْيومَ أحِل لَكُمْ الطيبَاتُ، وَطَعامُ الذينَ أوتوُا الكتابَ حل لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حل لَهُمْ، وَالمُحْصناتُ منَ المُؤْمِناتِ وَالمُحْصَناتُ مِنَ الذيِنَ أوتوا الكِتَابَ مِنْ قبلِكُمْ ".
والزانية خبيثة بنص القرآن، والله سبحانه وتعالى حرم على عباده الخبائثَ من المطاعم والمشارب والمناكح، ولم يبحْ لهم إلا الطيبات. وبهذا يتبين بطلان قول من أباح تَزوج الزواني. وقد بينا بطلان هذا القول من أكثر من عشرين وجهاً في غير هذا الكتاب.
والمقصود أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب، وفعله أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم فتزوج عثمان نصرانية، وتزوج طلحة بن عبيد اللّه نصرانية، وتزوج حذيفة يهودية.
قال عبد اللّه بن أحمد: سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية أو اليهودية؟. فقال:
ما أحب أن يفعل ذلك، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال صالح بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة أن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد اللَه، والجارود بن المعلى،- وذكر آخرَ- تزوجوا نساء من أهل الكتاب، فقال لهم عمر: طلقوهن، فطلقوا إلا حذيفة.
فقال عمر: طلقها.
فقال: تشهد أنها حرام ؟.
قال: هي جمرة، طلقها.
فقال: تشهد أنها حرام؟
فقال: هي جمرة!
قال حذيفة: قد علمت أنها جمرة، ولكنها لي حلال. فأبى أن يطلقها، فلما كان بعدُ طلقها، فقيل له: ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ فقال: كرهت أن يظن الناس أني رَكبت أمراً لا ينبغي).
وقد تأولت الشيعة الآية على تأويلها فقالوا: المحصناتُ من المؤمنات من كانت مسلمة في الأصل. والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من كانت كتابية ثم أسلمت. قالوا: وحملنا على هذا التأويل قولُهُ تعالى: (وَلا تَنكحوا المُشْرِكات حتى يُؤْمِنَّ) وأيِ شرك أعظم
من قولها كما حكى القرآن الكريِم: (الله ثالث ثلاثة)؟! وقوله تعالى (ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ)... إلخ.
*زهير
1 - فبراير - 2011
أهل الكتاب ليسوا مشركين    كن أول من يقيّم
 
أسعد الله أوقاتكم أستاذنا العزيز، وجزيتم خيرا على مشاركتكم القيمة، والتي نبهتني إلى مطالعة كتاب ابن القيم.
لم اقتنع بتأويل الشيعة في قولهم: " من كانت كتابية وأسلمت" ، وقولهم : " وأي شرك أعظم من قولها كما حكى القرءان الكريم: " الله ثالث ثلاثة"...الخ وذلك لما يلي:
المشركون في القرءان الكريم هم العرب ممن كانوا يشركون الأوثان مع الله جل وعلا، وهم الذين قال الله فيهم: " إنما المشركون نجس..."، وهم مشركون وكفار في آن معا؛ بينما أهل الكتاب لم يعدهم القرءان مشركين؛ وإنما عد الذين قالوا منهم بأن المسيح هو الله، أو بأن المسيح وأمه إلهين، أو الذين آمنوا بعقيدة التثليث ، عدهم كفارا، أي جاحدين للحق بعد ما تبين لهم في القرءان وهو إن الله تعالى ليس له ولد كما يزعمون، وليس المسيح إلها . والواضح من عقيدة المسيحيين المثلثين أنهم يقولون بالإله الواحد ويجدون معرة من اتهامهم بالشرك ؛ إلا إنهم يضلون في فهم طبيعته سبحانه*. سألت مرة راهبا روميا كاثوليكيا بعد أن أجاب طلبي منه لنسخة من الكتاب المقدس فأعطانيها مشكورا: كيف يكون الله واحدا وهو يتألف من ثلاثة أقانيم عندكم؟ قال: طبيعة الله هكذا، ونحن لا نعبد ثلاثة آلهة. وقبل هذا الراهب سألت مرة راهبة مالطية محترمة كانت في دير بنابلس قلت: يا أستاذتي ( كانت تعلمني شيئا من اللغة الإنجليزية، وشيئا من العزف على آلة البيان، وذلك في أول شبابي)، كيف يصح عقلا أن يتألف الله الواحد من ثلاثة؟! قالت: لكل دين سر لا يعرف كنهه، وسر التثليث في المسيحية لا يعرفه أحد.
فالمسيحيون بحثوا من قديم في طبيعة الإله الذي ليس كمثله شيء فاختلفوا؛ فمنهم(الأكثرية) من اخطأ ( في نظر الإسلام)ومنهم من أصاب؛ ولكنهم لم يتخذوا الأصنام آلهة كما كان المشركون العرب  يفعلون. وعليه، فإن من ظن من الشيعة بأن أهل الكتاب مشركون ، فظنه في غير محله، ويجوز للمسلمين مصاهرة أهل الكتاب كما ذكر الله تعالى في القرءان، بل ربما تكون المصاهرة أحيانا ذات فائدة في التقريب بين العقائد وبين الأسر والمجتمعات، وفي نبذ التعصب ومضار الطائفية، وربما تكون في زمن ما ، وفي وضع ما، شرا مستطيرا.**
إن معنى ما ذكرتـُه ورد في كتاب ابن القيم،" أحكام أهل الذمة" : " قالوا: وأهل الكتاب لا يدخلون في لفظ المشركين في كتاب الله تعالى "، ثم ذكر آيات كريمة تبين ذلك فقال: " قال تعالى: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين... ، وقال تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا...". وهناك آيات عديدة تبين أن أهل الكتاب هم غير المشركين.
أما " ولا تمسكوا بعصم الكوافر"، فقد جاء في " أحكام أهل الذمة" ما معناه إن الكوافر هن المشركات ولسن الكتابيات. فالآية نزلت في قصة الحديبية، ولم يكن للمسلمين حينها زوجات من أهل الكتاب.
على أن الأهم من ذلك كله عندي يا أستاذنا المبارك، هو الخلاف في حال التي تعلن إسلامها وزوجها لم يعلن إسلامه ، وهل تبقى على ذمة زوجها وإلى متى، أو يفرق بينهما؟
أترك ذلك لمدارسة قادمة إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من المسلمين فرق بحثوا في صفات الله تعالى واختلفوا؛ فمنهم من غالى في التشبيه حتى جعل الله جل وعلا جسما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ومنهم من غالى في تعطيل الصفات أيما مغالاة! وما كان لهم أن يفعلوا ما فعلوا لو خلوا من التعصب الذميم، وتدارسوا كتاب ربهم وسنة نبيهم بحسن نية. فالله تعالى يهدي إلى الخير، ولا يهدي إلى الاختلاف المذموم.
** في الأغلب الأعم  اعتاد المسلمون والمسيحيون في بلادنا العربية ، وليس المغتربون في الدول الغربية، أن ينظر الواحد منهم إلى الآخر نظرة توحي بأنه ليس أخا له في الإنسانية ، وكأنه من كوكب آخر. وعلى هذا لا يمكن للمصاهرة بين المسلم والمسيحي أن تتم على خير. بل إن من إخواننا المسيحيين من إذا رغبت ابنته او أخته بالزواج من مسلم حسن الخلق يعد ذلك منها شرا كبيرا. فالعادات والتقاليد المتوارثة لدى الطرفين تقف حائلا دون هذا الزواج خاصة إذا كانت الفتاة المسيحية قروية. قلت مرة لفتاة مسيحية كنت زميلا لها في عمل: بما انك بلغت من العمر ما بلغت، وتتمنين الزواج من رجل محترم ولم بتيسر لك ذلك من مسيحي، فما قولك برجل مسلم؟ قالت: أعوذ بالله! لََـهْ لَـهْ لََـهْ لَـهْ يا أبو احمد! أتريد أن توطي راس أهلي في البلد؟ قلت: ألأنه مسلم؟ قالت: لا والله، ولكنني إن أرتبط بمسلم فسوف يقولون عني أنني خطفت، وأنت بتعرف شو معنى الخطيفة.. قلت: ربما تقتلين؟ قالت: في أحسن الأحوال أصير منبوذة من الجميع.قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قلت لنفسي: أرجو الله أن يلهم هذه الفتاة بأن لا تسألني : ولماذا انتم المسلمون لا تقبلون مصاهرتنا بان تزوجوا فتياتكم من مسيحيين! وبالفعل لم تسألني. ولو سألتني لوقعت في إشكال. ذلك أن زواج المسلمة من كتابي لم يقل به على حد علمي إلا قلة قليلة من أهل هذا العصر، وقد هوجموا بشدة شديدة، مع أن قلة من المسلمين في أوربة وأمريكا، ونتيجة لنشأة ذراريهم هناك صار بعضهم لا يرى في زواج المسلمة من كتابي بأسا. فهم يرون الكثير من الزيجات المتبادلة هناك تتم بين المسيحيين وغيرهم من مختلف الأعراق والعقائد والأجناس. ترى هل هم على حق في ذلك؟ وهل الفقه الإسلامي يساير اختلاف الأزمنة والوقائع في بعض الحالات، أم أن حرمة زواج المسلمة من غير المسلم عليها دليل قاطع من الكتاب والسنة ولا يجوز خلاف ذلك مهما كانت الأسباب.
وعرفت شابا مسلما حسن الخلق تعرف على شابة مسيحية محترمة خلال دراستهما معا في جامعة، ثم اتفق الاثنان على الزواج. رفض أهل الشابة هذا الزواج بإصرار؛ ولكن الشابة أصرت على الزواج وهكذا كان. قاطعت الأسرة ابنتها سنين طوالا، ثم علمت أنهم زاروها مرة أو مرتين. فأهلها ليسوا قرويين. وربما كان لأمها دور في العطف عليها ولو بعد سنين، كما أن عم أمها كان أديبا ومربيا فلسطينيا كبيرا، وربما اكتسبت هذه الأم من عمها شيئا من التعقل والسماحة والجرأة على مخالفة التقاليد.
وكان صديق لي مسلم ( رحمه الله) قد تعلق بمسيحية ونوى الزواج منها إلا أن اهلها لم يعترضوا على زواجه من ابنتهم بمقدار ما اعترضت اسرته وأخوه الأكبر خاصة. وكانت النتيجة ان أضرب صديقي عن الزواج، واضربت الفتاة عن الزواج كذلك، ثم توفي صديقي شابا، وورثه اخوته ، وما زالت الفتاة التي احبها عزباء حتى الآن، وقد بلغت من العمر مبلغا زادت فيه على الستين.
 
*ياسين الشيخ سليمان
2 - فبراير - 2011