تحية طيبة أصدقائي الكرام: قضيت اليوم في قراءة فصول من كتاب لويس شيخو (النصرانية وآدابها) فاخترت منه هذه الفقرات وتتعلق بتاريخ النصرانية في جزيرة العرب قال: ورد في أعمال طيموتاوس الكبير بطريرك النساطرة أنه سام أسقفاً على نجران وصنعاء اسمه بطرس في أواخر القرن الثامن وجاء في كتاب الفهرست لأبي الفرج بن النديم (ص349) أن المؤلف اجتمع براهب من نجران في اليمن يدعى حسان كان أنفذه جاثليق النساطرة إلى الصين فعاد منها سنة 377 (988م) وأخبره بعجائبها. قال: وجاء في تقويم الكنائس النسطورية الذي طبعه الخوري بطرس عزيز الكلداني (واليوم مطران سلست في العجم) عن بعض مخطوطات مكتبتنا الشرقية (ص7) في الحاشية أن البطريرك يوحنا الخامس أرسل كتاباً إلى حسن قسيس اليمن سنة 901م يجاوب فيه على 27 سؤالاً ألقاها عليه. وقال في الجدول أن في سنة 1210 للمسيح كان في صنعاء اليمن خمسة أساقفة للنساطرة. الأول مطرابوليط على صنعاء اسمه اسطيفانوس وتحت يده ثلاثة اساقفة إيليا وياولاها وشمعون لهم ثلاث كنائس وعدد المؤمنين عندهم 5.700. ثم كان أسقف لمدينة زبيد اسمه عبد يشوع وعدد المؤمنين فيها 2100 بيت. ثم ذكر نجران وقال أن في سنة 1260 كان لها أسقف يدعى يعقوب وأن في أنحائها كان 1400 بيت من النساطرة. وقال عن عدن أنها كان يوجد فيها سنة 1250م أسقف اسمه ميلو وأن جماعة النساطرة كانت 1300 بيت إلا أن أكثرهم قتلوا بالسيف أو عدلوا إلى الإسلام. هذا ما نقلناه عن هذا الأثر الذي يمكنا أن نقابله على غيره لنتأكد صحته. قال: (وفي القرن السادس عشر ذكر الكاتب الأسباني أوردينو دي سينالتوس أنه في رحلته إلى الغرب لقي بعض قبائل عربية اختفت به وأكدت له أن أصلها من قبائل نصارى العرب في اليمن. وقد أخبرنا المرسلون الكبشيون في عدن سنة 1895 انهم وجدوا في بعض أهل اليمن آثاراً مسيحية ظاهرة ورثوها من أجدادهم النصارى). وقال عن نصارى عُمان: (عمان) شمالي حضرموت واقعة على شواطئ بحري الهند والعجم وحاضرتها صحار وكانت النصرانية دخلت إليها بواسطة دعاة أتوها من العراق. وفي التواريخ الكلدانية أسماء أساقفة كانوا في عمان منذ القرن الخامس وهم يدعونها مزون كما دعاها أيضاً العرب ونبه إليه ياقوت في معجم البلدان (4: 521) فممن ذكروه يوحنان سنة 424 وداود (544) وشمويل (576) واسطفان (676). وفي جملة الرسائل التي بعث بها رسول الإسلام إلى الملوك رسالة وجهها إلى ملك عمان المسمى جيفر بن الجلندي من أزد عمان كان نصرانياً هو وأخوه عباد ويقال عبد وعبيد. فنصرانية الملك تشير إلى نصرانية البلاد الخاضعة له. وكان في عمان أديرة للنصارى يشير إليها صاحب الأغاني. وجاء في تاريخ ابن الأثير (1: 234) أن قيس بن زهير (لما تنصر ساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها). وقال عن نصارى البحرين وقطر وهجر: (البحرين) هي البلاد الساحلية الواقعة في شرقي جزيرة العرب على سواحل خليج العجم حيث مغاص اللؤلؤ الشهير كان أهلها في الجاهلية من بني عبد القيس وهي إحدى القبائل المعروفة بنصرانيتها قال الشاعر ذو الرمة في بعض أحيائها (اطلب نسخة مكتبتنا الخطية ص 57): ولكنَّ أصلَ امرئ القيس معشرٌ= يحلُّ لهم أكلُ الخنازير والخمرُ قال: وكان للنساطرة في بلاد البحرين اساقفة وخصوصاً في قطر وهم يسمونها بيت قطرايا وقد ذكروا في مجمعهم الذي عقده سنة 585 الجاثليق يشو عياب أهل البحرين المنتصرين ويأمرونهم بالكف عن الشغل يوم الأحد إن أمكنهم الأمر وإلا اعفوهم من ذلك لأجل الضرورة. وقد ثبت هؤلاء النصارى على دينهم بعد الإسلام كما يظهر من مجمع آخر نسطوري عقد سنة 57 ه (676م) دبر فيه الآباء عدة أمور دينية. ومنه يظهر أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودعاة الدين وكان إذ ذاك على قطر اسقف اسمه توما. وكان لقصبة بلاد البحرين وهي هجر اسقف يدعى اسحاق ذكر في مجمع النساطرة سنة 576 ثم ذكر اسقف آخر يدعى فوسي سنة 676. ومن جزائر البحرين دارين ويقال ديرين ذكرها في تواريخ النساطرة ثلاثة اساقفة وهم بولس سنة 410 ويعقوب سنة 585 ويشوعياب سنة 676. ومنها أيضاً جزيرة سماهيج (وفي السريانية مشمهيج) في وسط البحر بين عمان والبحرين (ياقوت 3: 131) كانت فيها كنيسة مسيحية وفي المجامع النسطورية 273 275 أسماء ثلثة اساقفة تولوا تدبيرها وهم باطلي والياس (410) وسركيس (576). ومن مدن الاحساء الخط وهي بلدة تنسب إليها الخطيَّة وكان الفرس يدعونها بيت اردشير وكان للنساطرة فيها كنائس ذُكر من اساقفتها اسحاق سنة 576 وشاهين سنة 676. (اليمامة) وربما سميت بالعروض والجو وتلحق بإقليم الأحقاف وهي مفاوز متسعة في الجنوب الغربي من عمان بين الاحساء شرقاً والحجاز غرباً كانت قصبتها. حُجْر بفتح فسكون كبيرة، والعرب يجعلون فيها قوماً من الجبابرة من طسم وجديس. وما لا ينكر النصرانية انتشرت في تلك الأنحاء بعد قسطنطين الكبير فان عمرو بن متى في كتاب فطاركة الشرق ذكر أن عبد يشوع السائح بشَّر بالنصرانية في جهات اليمامة في آواخر القرن الرابع للمسيح. وكان معظم سكان اليمامة قبل الإسلام بني حنيفة ممن يشهد الكتبة المسلمون على نصرانيتهم وكان يملك عليهم قبل ظهور الإسلام بقليل هوذة بن علي الذي كان أسر قوماً من بني تميم ثم اطلقهم يوم عيد الفصح كما ذكر ابن الأثير في تاريخه (ج1 ص260 من طبعة مصر) فقال الأعشى يمدحه لفعله: بهم يقربُ يومَ الفصح iiضاحيةً | | يرجو الالهَ بما أسدى وما صنعا | على أن بعض الكتبة زعموا أن بني حنيفة كانوا يعبدون صنماً من عجين ثم آتت عليهم سنة فآكلوه فهجاهم البعض بقوله: أكـلـت حنيفة iiربها | | زمن التقحُّم والمجاعهْ | لـم يحذروا من ربهم | | سوء العقوبة iiوالتباعهْ | وعندنا أن هذه الشكوى باطلة وأن الذين نسبوا إلى بني حنيفة أكل صنم من عجين إنما خدعوا بما رأوه من تقربهم من القربان الأقدس فان الأصنام لا تتخذ من العجين ولا تسد جوع كثيرين في أيام القحط فضلاً عن كون الأقط اليابس العتيق لا يصلح لأكل. ومما يدل على نصرانية اليمامة مقاومة أهلها للمسلمين تحت قيادة مسيلمة الذي عرف بالكذاب وكان نصرانياً هو وسجاح التغلبية امرأته. وقبل أن أمر مسيلمة المذكور قد تفاقم حتى خاف المسلمون فتنته وكان يتلو قرآناً كرسول المسلمين ذكره عبد المسيح الكندي في رده على الهامشي (ص87 من طبعة اكسفرد) فدخل عليه قوم ليلاً واغتالوه وكفروا شره. قال: (وأخبر المؤرخ ابن ماري (ص29) أنه تلمذ العرب في متوث وميشان واليمامة ورد بني ثعلبة إلى الإيمان فجعله تومرصا اسقفاً مقامه في دير محراق. ومنهم تلميذه يبالاها الذي رد أقواماً من العرب في أرياف الفرات وابتنى ديراً في دسكرة السواد وديراً آخر على ضفة النهر قيل أن عدد رهبان ديره قد كثر حتى ضاق بهم الدير مع سعته فبلغوا الأربعمائة بنيف ... وقد ذكر سليمان بن ماري في تاريخ فطاركة كرسي المشرق (ص21) وعمرو بن متى في المجدل (ص28) كثيراً من هذه الأديرة واختصروا تواريخها عن كتبة معاصرين أخصهم أّحي تلميذ مار عبداً الذي وضع ترجمة حياة معلمه ثم صار بعد ذلك بطريركاً على الكلدان). قال: (وقد ذكر كنائس اليمن قزما الرحالة الكاتب اليوناني نحو السنة 535 م فقال: ( حيثما سرت كنائس للنصارى وأساقفة وشهداء وسياحاً حتى بين أهل عربية السعيدة الذين يدعون بالحميريين كما في كل العرب أيضاً) (راجع الصفحة 65). وقد خص كتبة العرب فصولاً من تواريخهم في وصف كنيسة صنعاء اليمن التي شيدها أبرهة بعد فتح الحبش لليمن وهم يدعونها بالقليس اشتقوها من لفظة اليونانية وتعريبها الكنيسة. وقد روينا في مجاني الأدب (3: 302) بعض أوصافهم. راجع معجم البلدان لياقوت (في مادة قليس 4: 170) وتاريخ الطبري (ا: 934 - 935) وتاريخ الشيخ صالح الأرمني (طبعة اوكسفرد ص 139). وأقدم من كل هؤلاء صاحب (أخبار مكة) أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي من كتبه القرن الثالث للهجرة والعاشر للمسيح (طبعة ليبسيك 88 - 90) وذا بعض ما رواه قال: (كان القليس مربعاً مستوي التربيع جعل (برهة) طوله في السماء 60 ذراعاً وكبسه من داخله 10 أذرع في السماء وكان يصعد إليه بدرج الرخام وحوله سور بينه وبين القليس مائتا ذراع يطيف به من كل جانب وجعل بين ذلك كله حجارة يسميها أهل اليمن الجروب منقوشة مطابقة لا يدخل بين أطباقها الإبرة مطبقة به. وجعل طول ما بنى به من الجروب 20 ذراعاً في السماء ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض حجراً أخضر وحجراً أحمر وحجراً أبيض وحجراً أصفر وحجراً أسود وفيما بين كل سافين خشب ساسم مدور الرأس غلظ الخشبة حضن الرجل نائته على البناء... ثم فصل بإفريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان وكان الرخام ناتئاً على البناء ذراعاً. ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نقم جبل صنعاء المشرف عليها ثم وضع فوقها حجارة صفر ثم حجارة بيض لهما بريق. فكان هذا ظاهر حائط القليس وكان عرض حائط القليس ستة أذرع... وكان له باب من نحاس 10 أذرع طولاً في 4 عرضاً وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله 80 ذراعاً في 40 ذراعاً معلق (؟) العمل بالساج المنقوش ومسامير الذهب والفضة. ثم يدخل من البيت إلى إيوان طوله 40 ذراعاً عن يمينه وعن يساره وعقوده مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة. ثم يدخل من الإيوان إلى قبة 30 ذراعاً في 30 ذراعاً جدرها بالفسيفساء وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة 10 أذرع في 10 تغشى عين من نظر إليها من بطن القبة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة. وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ وهو عندهم الأبنوس مفصل بالعاج الأبيض ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة وكان في القبة سلاسل فضة...). ثم ذكر ما حل بهذه الكنيسة بعد الهجرة وكيف هدمها أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني عباس بإغراء أحد أبناء الوهب بن المنبه وبعض يهود صنعاء. وقد ذكر أبو صالح الأرمني في تاريخه (ص 140 من طبعة اوكسفرد) كنيسة أخرى في بلاد اليمن دعاها (مرور الدير) قال أنه كان عليها حصن منيع وتسمى في زمانه بمقبرة الحكماء. قال: (ومما رواه السياح المحدثون أن جامع صنعاء الباقي إلى اليوم كان في سابق الزمان كنيسة حولها المسلمون إلى جامع. وكذلك روى الرحالة الألماني الشهير غلازر 15 37) أنه دخل سنة 1886 مسجداً يدعى مسجد نجيم يريم قريباً من ظفار حاضرة اليمن سابقاً فوجد في أبنيته وعمده وجدرانه آثاراً نصرانية ونقوشاً تدل على أنه كان سابقاً كنيسة مسيحية. وقد اشترهت في تاريخ النصرانية مدينة نجران التي استشهد أهلها في عهد ذي نواس (راجع ص 59 - 61) فلما عاد إليها السلام ورجعت النصرانية إلى رونقها بني فيها كنيسة كبيرة عرفها العرب بكعبة نجران فورد ذكرتها في شعر الأعشى حيث أنشد يخاطب ناقته: فكعبةُ نجرانَ حتمٌ iiعليكِ | | حـتَّـى تناخي iiبأبوابها | نزور يزيد وعبد المسيح | | وقيساً همو خيرُ iiأربابها | فمدح الأعشى هنا بني عبد المدان الحارثين سادة نجران النصارى. قال أبو الفرج الأصفهاني (الأغاني 10: 142): (والكعبة التي عناها الأعشى هاهنا يقال أنها بيعة بناها بنو عبد المدان على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان إذا نزل بها مستجير أجير أو خائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أعطي ما يريده). |